الفَلَك

 علم الفلك يعنى بدراسة النجوم والكواكب والأجسام الأخرى التي يتكون منها الكون. ويرصد الفلكيون مواقع وحركات الأجرام السماوية. ولا ينحصر اهتمام الفلكيين في رصد هذه الأجسام فحسب، بل يتلمس أغلبهم الإجابة عن أسئلة مثل: مم تتكون النجوم؟ وكيف تنتج ضوءها؟. ولهذا السبب عدّ معظمهم فيزيائيين فلكيين؛ أي يدرسون العمليات الفيزيائية والكيميائية التي تحدث في الكون.
ويتخصص بعض الفلكيين، الذين يسمون الراصدين الفلكيين، في مراقبة الأجرام السماوية بوساطة التلسكوبات. والبعض الآخر فلكيون نظريون، يستخدمون مبادئ الفيزياء والرياضيات لاستنباط طبيعة الكون. ففلكيو النجوم مثلاً يدرسون النجوم، وفلكيو الشمس يدرسون الشمس ـ أقرب نجم إلى الأرض ـ وفلكيو الكواكب يدرسون الظروف السائدة على الكواكب، وعلماء الكون يدرسون تركيب الكون وتاريخه إجمالاً.
وعلم الفلك ـ خلاف معظم العلوم الأخرى ـ مجال يستطيع فيه الهواة أن يضيفوا إضافات مهمة. فهواة الفلك يؤدون دورًا مهمًا في دراسة النجوم المتغيرة؛ أي النجوم التي يتغير لمعانها مع الزمن. وتمدنا دراسة هذه النجوم بمعلومات عن المسافات في الكون. ولكن أعداد النجوم المتغيرة تفوق ما يستطيع الفلكيون مراقبته باستمرار. ويقوم أعضاء جماعات الهواة برصد هذه النجوم، بينما يقوم أعضاء جماعات أخرى بالعمل معًا لاكتشاف نجوم تلمع فجأة. ويدعى مثل هذا النجم المستعر أو المستعر فائق التوهج. كما يقوم الفلكيون الهواة برصد القمر والكواكب والمجرات وتصويرها، وكذلك الكسوف والخسوف وظواهر فلكية أخرى.
وعلم الفلك أحد أقدم العلوم. فقد بدأ في الأزمنة القديمة بملاحظات حول حركة الأجرام السماوية في دورات منتظمة. وخلال التاريخ أفادت دراسة هذه الدورات في أغراض تطبيقية مثل ضبط الزمن، وتحديد بدايات الفصول، ودقة الملاحة في البحار .
وفي حوالي عام 200ق.م رسم البابليون خرائط لمواقع الأجرام السماوية وذلك بغرض التنبؤ بالأحداث على الأرض. ويسمى استنباط مثل هذه التنبوءات بالتنجيم، ويرتكز على الاعتقاد بأن مواقع النجوم والكواكب تؤثر في مجريات الأحداث على الأرض. وقد مارس قدماء المصريين والإغريق والرومان والعرب التنجيم واعتقد فيه أيضًا بعض الفلكيين، ورفضه الفلكيون المسلمون منذ القرن الثامن الميلادي. وفي القرن الثامن عشر الميلادي أصبح معظم العلماء الآخرين على قناعة برفض التنجيم. ويعتبره العلماء حاليًا علمًا زائفًا. فهم يفسرون الأحداث على الأرض أو في الفضاء بقوانين الفيزياء والكيمياء التي لا تسمح بأي اعتقادات في التنجيم. وأكثر من ذلك لا يكتفي الكثير من العلماء برفض التنجيم فقط، بل يقاومونه باعتباره خرافة تعمل على إبطاء تقدم العلم.
تصف هذه المقالة ما يمكن رؤيته في السماء وتناقش أنواع الأجسام التي يشتمل عليها الكون، كما تعطي معلومات عن الوسائل والتقنيات التي يستخدمها الفلكيون، وعن تاريخ علم الفلك ومجالات عمل الفلكيين.

مصطلحات فلكية

الإزاحة الحمراء : تدل على تغيير إلى الموجات الأطول في طيف الأجسام السماوية. والموجات الأطول في النطاق الطيفي المرئي حمراء. ويدل وجود الإزاحة الحمراء على حركة ابتعاد للجسم عن الأرض.
الانفجار العظيم : الانفجار الذي يعتقد بعض الفلكيين بأنه كان بداية للكون.
البلسار : نجم نيوتروني تصدر عنه زخات منتظمة من الموجات الراديوية.
الثقب الأسود : جسم غير مرئي لأن له قوة جذب كبيرة بدرجة لا تسمح حتى للضوء بالنفاذ منه.
خط الاستواء السماوي : خط وهمي في السماء، في مستوى خط الاستواء الأرضي.
دائرة البروج : تشير إلى المسار السنوي الظاهري للشمس عبر السماء بالنسبة للنجوم.
السديم : سحابة من الغاز والغبار فيما بين النجوم.
السنة الضوئية : المسافة التي يقطعها الضوء في مدة عام، وهي حوالي 9,46 تريليون كم. ويستخدم الفلكيون هذه الوحدة لقياس المسافات خارج المجموعة الشمسية.
الفيزياء الفلكية : دراسة التركيب الكيميائي للأجرام السماوية ، والعمليات الفيزيائية التي تحدث في الفضاء.
القدر : مقياس لمعان جسم سماوي، والقدر الظاهري يعبر عن لمعان الجسم كما يظهر من على الأرض. أما القدر الحقيقي فهو تعبير عن لمعان النجم إذا وضع على مسافة 32,6 سنة ضوئية من الأرض.
قطبا السماء : نقطتان في السماء في اتجاه قطبي الأرض الشمالي والجنوبي.
الكوازار (شبه النجم) : جسم سماوي يشبه النجم لكن له إزاحة حمراء كبيرة جدًا. والكوازارات أبعد الأجسام التي اكتشفت حتى الآن في الكون. وتطلق الكوازارات كميات هائلة من الطاقة.
الكونيات : دراسة تركيب الكون وتاريخه.
المطلع المستقيم : يعبر عن مدى بعد موقع في السماء شرق النقطة التي تعبر فيها الشمس خط الاستواء السماوي حوالي 21 مارس. ويقاس المطلع المستقيم بالساعات، وكل ساعة تقابل 15 درجة.
الميل : يعبر عن مدى بُعد موقع في السماء عن خط الاستواء شمالاً أو جنوبًا، ويقاس بالدرجات.
النجم النيوتروني : نجم صغيركثيف جدًّا ومكون من نيوترونات منضغطة جدًّا.
الوحدة الفلكية (و.ف) : المسافة المتوسطة بين الأرض والشمس ـ حوالي 150 مليون كم وتستعمل هذه الوحدة لقياس المسافات في المجموعة الشمسية.

مراقبة السماء

سماء النهار. الشمس جرم مثير للاهتمام أثناء النهار، وهناك عواصف متنوعة ونشاطات متعددة يمكن رؤيتها على سطح الشمس من يوم لآخر. لكن الشمس ساطعة جدًا بدرجة لا تسمح بمشاهدتها بأمان بدون أجهزة خاصة. ويجعل ضوء الشمس السماء لامعة بدرجة لا تسمح بمشاهدة النجوم والكواكب الأخرى أثناء النهار. وبالرغم من ذلك فإن القمر يشاهد أحيانًا نهارًا. وعند مرور ضوء الشمس خلال الغلاف الجوي الأرضي يصطدم بجزيئات الغاز التي يتكون منها هذا الغلاف، ويتشتت في كل اتجاه. وإذا كانت السماء تبدو لنا زرقاء فذلك لأن الضوء الأزرق يتشتت بدرجة أقوى من أي لون آخر.
سماء الليل. يعد القمر ألمع الأجرام السماوية وأسهلها رؤية في سماء الليل. ونتيجة لذلك فإن الملاحظات الفلكية المألوفة تبين أوجه القمر مثل الهلال، ونصف البدر، والبدر. وتحدث أوجه القمر بتغير مساحة الجزء الذي يشاهد من على سطح الأرض مضاءً بأشعة الشمس. ويمر القمر بدورة كاملة من الأطوار كل شهر . وفي بعض الليالي يسطع ضوء القمر بدرجة لا ترى معها إلا قليلاً من النجوم والكواكب، لكن في الليالي المظلمة الخالية من ضوء القمر يمكن رؤية كثير من النجوم والكواكب. وتشاهد الكواكب أولاً، بينما لا تظهر النجوم إلا بعد أن تظلم السماء تمامًا. وتبدو الكواكب والنجوم متشابهة إلى حد كبير في سماء الليل، إلا أن الكواكب تغير من أماكنها بالنسبة للنجوم. كما أن الكواكب تضيء بثبات بينما تتلألأ النجوم. ويحدث هذا التلألؤ لأن الطبقات المتحركة من الغلاف الجوي الأرضي تعمل على انكسار ضوء النجم. وبذلك تبدو صور النجوم متغيرة اللمعان ومتلألئة بعض الشيء.
ويمكن رؤية خمسة كواكب فقط بدون تلسكوب هي الزهرة والمريخ والمشتري وزحل وعطارد. والزهرة عادة هي ألمع الكواكب يليها المشتري. ويتميز المريخ بلونه المحمر. وبالرغم من إمكان رؤية زحل بالعين المجردة، إلا أن رؤية حلقاته الجميلة تحتاج إلى تلسكوب عادي. وغالبًا مايكون عطارد قريبًا من الشمس بدرجة لا تسمح برؤيته. ولكنه يشاهد أحيانًا منخفضًا ناحية الغرب بعد غروب الشمس بفترة وجيزة أو منخفضًا ناحية الشرق قبل شروقها بفترة وجيزة.
وهناك حوالي 6,000 نجم تشع بلمعان يكفي لرؤيتها دون تلسكوب. والشعرى اليمانية هي ألمع النجوم. ومن النجوم اللامعة الأخرى الشعرى الشامية، والسماك الرامح، والنسر الواقع. وقد قسم الفلكيون النجوم في الماضي من حيث اللمعان إلى أقسام تسمى أقدارًا، فأعطوا لألمع نجم القدر الأول والأقل منه لمعانًا القدر الثاني، وهكذا. أما أخفت النجوم التي تمكن رؤيتها بصعوبة بالعين المجردة فصنفت من القدر السادس. ويستعمل الفلكيون في الوقت الحالي هذا النظام بعد تطويره. وكل بضع سنين يظهر مذنب لامع يمكن رؤيته بالعين المجردة. والمذنب كرة من الثلج والغبار تتبع مسارًا منتظمًا حول الشمس. وقد يلمع المذنب، أثناء اقترابه من الشمس، بدرجة كافية لرؤيته من على سطح الأرض. وقليل من المذنبات يتطور لها ذيل طويل قد يمتد ليغطي سدس السماء أو يزيد. وبالرغم من ذلك لا ترى معظم المذنبات إلا بالمنظار، وحتى المذنبات اللامعة لا ترى بالعين المجردة إلا لعدة أيام أو أسابيع.
والشهب المتوهجة أكثر شيوعًا في سماء الليل من المذنبات. والشهاب كتلة من الصخر أو المعدن يحترق أثناء اختراقه للغلاف الجوي الأرضي، فيبدو شريطًا من الضوء. وتعرف الشهب أيضًا بالنجوم الساقطة أو الشهب الثاقبة المنطلقة. وبإمكان شخص يراقب السماء في ليلة صافية أن يرى عدة شهب خلال ساعة واحدة. وتشاهد زخات من الشهب بانتظام في أوقات محددة من العام. ويحتمل أن تكون تلك الزخات ناتجة عن مرور الأرض في مسار حطام مذنب.
منظر السماء في خطوط عرض مختلفة. إن الذين ينظرون إلى السماء من عند خطوط عرض مختلفة يرونها أيضًا مختلفة. فشخص عند القطب الشمالي لن يرى أبدًا نجوم سماء نصف الكرة الجنوبي. وبالمثل فإن شخصًا عند القطب الجنوبي لن يرى أبدًا نجوم سماء نصف الكرة الشمالي. وعند خط الاستواء يمكن أن يرى المشاهد كل نجوم السماء خلال العام.
ويمكن للناس في أي مكان على سطح الأرض رؤية شريط من الضوء عبر سماء الليل يسمى درب اللبانة. وهو تجمع النجوم والغازات والأتربة التي تكوِّن المجرة التي تكون فيها شمسنا. وهناك مجرة قريبة في كوكبة المرأة المسلسلة ترى خافتة في سماء نصف الكرة الشمالي. ويمكن للمشاهدين في سماء نصف الكرة الجنوبي رؤية مجرتين أخريين تعرفان بسحابتي ماجلان.
لماذا تبدو النجوم متحركة. يتغير موضع النجوم في السماء قليلاً عبر عدة أعوام. وعلى الرغم من ذلك فإن النجوم تبدو متحركة على صفحة السماء كل ليلة. وهذه الحركة الظاهرية راجعة لدوران الأرض حول محورها. فنحن على الأرض دائمو الحركة من الغرب نحو الشرق. لكن لأننا لا نحس بتلك الحركة فإن النجوم تظهر لنا دائرة فوق رؤوسنا من الشرق إلى الغرب. ونجم الشمال فقط هو الذي لا يظهر دورانه نظرًا لوجوده دائمًا تقريبًا فوق القطب الشمالي. وقد استعين بنجم الشمال مرشدًا للبحارة منذ العصور القديمة.
ويتغير منظر السماء أيضًا من ليلة إلى أخرى بسبب الدوران السنوي للأرض حول الشمس. فالشمس تحجب دائمًا جزءًا من السماء؛ أي أن بعض النجوم لا يمكن رؤيته لوجوده في السماء أثناء النهار. لكن بدوران الأرض حول الشمس يتغير الجزء المشاهد من السماء بالتدريج أثناء الليل. وتكمل الأرض دورتها حول الشمس كل 365 يومًا ولذلك فإن النجوم تشرق وتغرب كل 1/365 جزءًا من كل 24 ساعة، أي حوالي 4 دقائق مبكرًا كل ليلة. ويستمر تبكير النجوم في غروبها خلال العام حتى تختفي في ضوء الشفق. وفي الوقت نفسه يستمر تبكير نجوم أخرى في الشروق وتصبح بذلك جزءًا من سماء الليل.
الكوكبات. مجموعات من النجوم في حيز معين من السماء. فعندما بدأ الفلكيون في مصر القديمة، وكذلك في بلاد الإغريق، وبلاد العرب وبلاد أخرى في دراسة السماء أخذوا في تقسيمها إلى مناطق تحتوي على مجموعات نجوم مميزة. وأطلقوا على تلك الكوكبات أسماء الأشكال التي تشابهها من قصص أبطالهم وبطلاتهم وآلهتهم. ومعظم الكوكبات التي نعرفها حاليًا هي مجموعات سماها العرب وقدماء الإغريق . وبعض مجموعات النجوم مثل الدب الأكبر والدب الأصغر ليست كوكبات كاملة. وتسمى مثل هذه المجموعات صورًا نجومية. والدب الأكبر جزء من كوكبة الدب الأكبر. كما أن الدب الأصغر جزء من كوكبة الدب الأصغر.
وليس من الضروري أن تكون لنجوم كوكبة ما علاقةٌ وطيدة ببعضها. فقد تكون بعض نجوم الكوكبة قريبة من الأرض بينما تكون أخرى بعيدة نسبيًّا عنها. وعلى الرغم من ذلك، ولأغراض عمل الخرائط يقسم الفلكيون السماء إلى 88 كوكبة بحيث ينتمي كل نجم إلى كوكبة واحدة فقط.

نظرة فلكية إلى الكون

ظن الفلكيون القدماء أن الأرض هي مركز الكون وأن كل شيء يدور حولها. لكن الأرض واحدة من تسعة كواكب تدور حول الشمس. والشمس نفسها نجم متوسط الحجم من بين بلايين النجوم في المجرة المسماة درب اللبانة. كما أن درب اللبانة بدوره واحد من عدد لا يحصى من المجرات في الكون.
المجموعة الشمسية. تتكون من نجم واحد هو شمسنا، وكل الأجسام التي تدور حوله. وتشمل هذه الأجسام 1ـ الكواكب التسعة وأقمارها، 2ـ آلافًا من الأجسام الصغيرة تسمى الكويكبات، 3ـ النيازك، 4ـ آلاف المذنبات وقطعًا من الصخور والثلج يمكن أن تصبح مذنبات، 5ـ جسيمات من الغبار والغاز. ويعتقد الفلكيون أن كثيرًا من النجوم الأخرى ربما كانت لها أجسام مشابهة تدور حولها. والكواكب الأربعة القريبة إلى الشمس ـ عطارد والزهرة والأرض والمريخ ـ صخرية وصغيرة نسبيًّا.
والكواكب الأربعة التالية من حيث البعد عن الشمس ـ المشتري وزحل وأورانوس ونبتون ـ غازية وكبيرة نسبيًا. وكل من المشتري وزحل وأورانوس ونبتون محاط بحلقات. لكن حلقات زحل فقط هي التي يمكن رؤيتها من الأرض بتلسكوب صغير. وأبعد الكواكب ـ بلوتو ـ صغير نسبيًا وربما كان في الماضي أحد أقمار نبتون. ولكل الكواكب باستثناء عطارد والزهرة، تابع أو توابع. وبعض توابع المشتري وزحل وأورانوس ونبتون تضارع كوكب عطارد في الكبر. ولهذه التوابع جبال وحفر وبراكين وأخاديد وتضاريس أخرى مثيرة.
يقيس الفلكيون المسافات داخل المجموعة الشمسية بالوحدة الفلكية (و. ف). والوحدة الفلكية هي المسافة بين الشمس والأرض، وتبلغ حوالي 150 مليون كم. والمسافة بين المشتري والشمس 5 و.ف، أما المسافة المتوسطة لبلوتو عن الشمس فتبلغ 39 و.ف.
النجوم. كرات متوهجة من الغاز في الفضاء. وباستثناء الشمس فإن النجوم بعيدة جدًّا عن الأرض بدرجة لا تسمح بقياس مسافاتها بالأميال أو الكيلومترات. ولهذا السبب يقيس الفلكيون المسافات بين النجوم بالسنة الضوئية. والسنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء في مدة عام، أي حوالي 9,46 تريليون كم. وأقرب نجم إلى الشمس هو قنطورس القريب على مسافة 4,3 سنة ضوئية من الشمس.
وتتباين النجوم في درجات حرارتها، وألوانها، وأحجامها، وكتلها. والكتلة هي كمية المادة في النجم. وتعتمد درجة حرارة نجم متوسط ولونه على كتلته. وأكثر النجوم سخونة لها أكبر كتلة ويبدو أكثرها زرقة. أما أقل النجوم كتلة فهو أحمر وأقل حرارة من النجوم الأخرى. وفي معظم الأحيان يزداد توهج النجم بزيادة كتلته.
ويطلق على شمسنا والنجوم المتوسطة الأخرى نجوم التتابع الأساسي أو النجوم الأقزام. وبعض النجوم أكثر توهجًا من نجوم التتابع الرئيسي ذات الكتلة نفسها. وهذه النجوم أكبر بكثير، ولذلك يطلق عليها اسم العملاقة أو فوق العملاقة. أما النجوم الأصغر والأخفت عن نجوم التتابع الرئيسي ذوات الكتلة نفسها فتسمى الأقزام البيضاء. وتمثل نجوم التتابع الرئيسي والعملاقة وفوق العملاقة والأقزام البيضاء مراحل مختلفة في حياة النجوم.
وتنشأ نجوم جديدة في الفضاء باستمرار. ويبدأ نجم جديد في التكون عندما تنكمش سحابة من الغبار والغاز فتصبح على شكل كرة. ومعظم الغاز هيدروجين. ويأخذ غاز لب النجم في السخونة، وأخيرًا وعند درجة حرارة كافية ترتطم ذرات الهيدروجين بقوة تكفي لاندماجها مكونة الهيليوم. وتنتج عن تلك العملية التي تسمى الاندماج النووي طاقة هائلة، ويولد بذلك نجم تتابع رئيسي. ويبقى النجم بعد ذلك مستقرًّا وتستمر الاندماجـات النـووية بعد ذلك في قلبه إلى ملايـين أو بلايين السنين.
وبعد أن يستهلك النجم الهيدروجين الموجود في قلبه تنتفخ طبقاته الخارجية، ويلمع النجم حينئذ ويصبح عملاقًا. وتحدد كتلة العملاق الكيفية التي يحتمل أن يموت عليها النجم. فعملاق في كتلة الشمس يتخلص من طبقاته الخارجية بينما يبرد القلب ويصير النجم قزمًا أبيض. وبعض الأقزام البيضاء تدور حول نجوم أكبر. وبسقوط كمية كبيرة من مادة النجم الأكبر على القزم الأبيض يمكن أن تحدث اندماجات نووية، وحينئذ يلمع القزم الأبيض بصورة مؤقتة ويصبح نجمًا مستعرًا. وبتراكم مادة كثيرة على القزم الأبيض ينهار النجم ويحترق وينتج عنه مستعر فائق التوهج.
وينتفخ النجم العملاق الذي تساوي كتلته ثلاثة أضعاف كتلة الشمس أكثر من ذلك ويصبح فوق عملاق. وينتهي فوق العملاق كنجم منفجر يمثل نوعًا آخر من المستعرات فائقة التوهج. فإذا تبقت بعد الانفجار كتلة تقل عن ثلاثة أمثال كتلة الشمس يصبح الباقي نجمًا نيوترونيًّا. والنجم النيوتروني نجم صغير وكثيف مكون من نيوترونات متجاورة. وبعض النجوم النيوترونية المسماة المنبضات تنطلق منها إشعاعات في الفضاء. ويكتشف الفلكيون هذه الومضات المنتظمة من الموجات الراديوية عندما تمر بالأرض. أما إذا كانت الكتلة الباقية بعد انفجار المستعر فائق التوهج، أكبر من ثلاثة أمثال كتلة الشمس فإن الباقي ينهار على نفسه ويكون جسمًا غير مرئي يسمى ثقبًا أسود. وللثقب الأسود قوة جذب هائلة بدرجة لا تسمح حتى بهروب الضوء منه.
المجرات وأشباه النجوم (الكوازارات). المجموعة الشمسية ليست إلا عضوًا صغيرًا فقط من التجمع الكبير من النجوم والغبار والغاز الذي يكون مجرتنا، مجرة درب اللبانة. ودرب اللبانة مجرة مسطحة مثل أسطوانة الفونوغراف لكنها منتفخة عند المركز. وتلتف من عند المركز أذرع في شكل حلزوني. والشمس واقعة في إحدى هذه الأذرع، على بعد 25,000 سنة ضوئية من مركز المجرة.
ويوجد عدد لا يحصى من المجرات الأخرى في الكون. وكثير منها حلزوني مثل درب اللبانة. وأكثر من هذا عددًا مجرات ذات شكل إهليلجي ليست لها أذرع. وباقي المجرات ذات شكل غير منتظم. ودرب اللبانة جزء من مجموعة مجرات تعرف باسم المجموعة المحلية. وتشمل المجموعة المحلية حوالي 25 مجرة إهليلجية وثلاث حلزونية وأربع غير منتظمة الشكل. والمجموعة المحلية بدورها جزء من تجمع أكبر يسمى عنقود العذراء ومعظم المجرات ـ إن لم تكن كلها ـ توجد في مثل هذه العناقيد.
وأبعد ما يمكن رصده من أجسام عن الأرض هي أشباه النجوم (الكوازارات). وتنطلق من الكوازارات كميات هائلة من الإشعاع. وقد يصل بُعد بعض الكوازارات عنا إلى عشرة بلايين سنة ضوئية. والفلكيون غير واثقين من كيفية إنتاج الكوازارات لتلك الكميات الهائلة من الإشعاع، بدرجة تسمح باكتشافها على تلك المسافات الهائلة. وتدل الأبحاث مع ذلك على احتمال وجود ثقب أسود تبلغ ضخامة كتلته آلاف المرات مثل كتلة الشمس في كل كوازار. وتبعًا لتلك النظرية، فإن الإشعاع الذي يكتشفه الفلكيون من الكوازار هو الطاقة المتحررة عند سقوط المادة على الثقب الأسود.
الكون. يشمل كل الفضاء وكل المادة والطاقة التي يحتويها. ولا يعرف الفلكيون مدى اتساع الكون. فربما يمتد إلى مالا نهاية؛ أي يمتد في كل اتجاه بدون نهاية. ويعتقد بعض الفلكيين بأن الكون قد بدأ منذ ما بين عشرة أو عشرين بليونًا من السنين بانفجار يعرف بالانفجار العظيم. وحسبما تقتضيه نظرية الانفجار العظيم يستمر الكون في التمدد منذ بدايته. وفي البداية كان الكون أساسًا إشعاعًا. ومع استمرار الاتساع تحول معظم الإشعاع إلى مادة. وباقي الإشعاع يمكن اكتشافه حاليًا على شكل موجات راديوية خافتة آتية من جميع أنحاء الكون. ويطلق الفلكيون على هذا الإشعاع اسم إشعاع الخلفية الأولى.
وتواصل كل عناقيد المجرات في الكون حاليًا ابتعادها سريعًا بعضها عن بعض. أما إن كان الكون سيظل يتمدد إلى الأبد أو يعود إلى الانكماش فذلك موضوع بحث كثير من الفلكيين.

عمل الفلكيين

تحديد مكان جرم سماوي في السماء يتطلب نظامًا مثل الذي يستخدمه الجغرافيون لتحديد أمكنة على سطح الأرض. وفي نظام الجغرافيين تقاس دوائر خط العرض موازية لخط الاستواء، كما تمر خطوط الطول من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي. والنظام الفلكي يقابل النظام الجغرافي. لكن الفلكيين يستعملون مصطلح الميل للتعبير عن درجة العرض والمطلع المستقيم للتعبير عن درجة خط الطول. ويقاس الميل بالدرجات شمال أو جنوب خط الاستواء السماوي الذي يمثل امتداد خط الاستواء الأرضي في الفضاء. وتقطع دوائر المطلع المستقيم خط الاستواء السماوي مارة خلال قطبي السماء الكائنين فوق قطبي الأرض. ويقاس المطلع المستقيم بالساعات ناحية الشرق، من نقطة عبور الشمس لخط الاستواء السماوي حوالي 21 مارس. ويقابل مقدار ساعة واحدة من المطلع المستقيم 15 درجة من خطوط الطول. والنجوم أساسًا ثابتة في أماكنها في السماء. لكن الشمس تجوب كل ساعات المطلع المستقيم كل عام. ويطلق على مسار الشمس على صفحة السماء بالنسبة للنجوم الأخرى اسم دائرة البروج.
الرصد بالتلسكوب. يستخدم الفلكيون تلسكوبات لرصد الإشعاع الذي يصل إلى الأرض من الأجرام الموجودة في الفضاء. ويتكون هذا الإشعاع من حزم مترابطة لقوى كهربائية ومغنطيسية متحركة بسرعة في الفضاء. وتسمى تلك الحزم الموجات الكهرومغنطيسية وتختلف كثيرًا في طول الموجة. وطول الموجة هو المسافة بين قمة موجة وقمة الموجة التي تليها. وأهم أنواع الإشعاع تصاعديًّا مع طول الموجة هو أشعة جاما ثم الأشعة السينية فالضوء فوق البنفسجي، ثم الضوء المرئي، والأشعة تحت الحمراء، وتليها موجات الراديو. ويستخدم الفلكيون العديد من التلسكوبات لرصد الموجات المختلفة. التلسكوبات البصرية تستخدم لرصد الضوء المرئي. وتشمل التلسكوبات البصرية أساسًا نوعين، العاكس والكاسر. فالتلسكوب العاكس يستعين بمرآة لتكوين الصورة، بينما يستعين التلسكوب الكاسر بعدسة لتكوين الصورة. ويمكن تصنيع تلسكوبات عاكسة أكبر بكثير من التلسكوبات الكاسرة، وبالتالي تستطيع اكتشاف أجسام أكثر خفوتًا، ومعظم التلسكوبات الأساسية التي تُصنع حاليًا من النوع العاكس.
ويستخدم الفلكيون التلسكوبات البصرية لتكوين صور مكبرة للشمس والكواكب والأجسام الأخرى القريبة. أما النجوم فهي بعيدة جدًّا لدرجة أنها تظل نقطًا ضوئية بصرف النظر عن درجة تكبيرها. ولرصد النجوم والأجسام البعيدة الأخرى تستخدم التلسكوبات البصرية لتجمع ضوءًا كافيًا لاكتشاف هذه الأجسام. وكلما خفت الجسم اقتضى رصده تلسكوبًا تلسكوب أقوى.
وغالبًا ما يستخدم الفلكيون ألواحًا فوتوغرافية وأجهزة أخرى لتسجيل الصورة التي تكونت بالتلسكوب البصري. والصورة المتكونة بهذه الطريقة تمدنا بسجل دائم عن مظهر منطقة معينة في السماء عند لحظة ما. ويضاف إلى ذلك أن صور السماء تظهر تفاصيل أكثر عما يمكن رؤيته بالعين المجردة، حتى مع استعانتها بالتلسكوب. فالصورة التي تظهر خافتة بالنسبة للعين، تبقى خافتة مهما استدام النظر إليها. لكن بتعريض فيلم فوتوغرافي فترة طويلة إلى صورة خافتة تنتج صورة لامعة. ولقياس شدة ضوء النجم يستخدم الفلكيون تلسكوبًا مزودًا بنبيطة تسمى المضاعف الضوئي. وتوجد نبائط إلكترونية أخرى تحل محل الفيلم في تكوين الصورة. وتسمى إحدى هذه النبائط أداة القرن الشحني، وتستخدم إشارات إلكترونية لتكوين الصور، وتفوق الفيلم كثيرًا في حساسيتها للضوء.
التلسكوبات الراديوية تعمل على تجميع الموجات الراديوية في بؤرة. ومعظم التلسكوبات الراديوية ذات سطح فلزي يسمى الطبق. ويركز الطبق الإشارات الراديوية الضعيفة على هوائي. ويحول الهوائي الإشارات الراديوية إلى إشارات كهربائية. ويقوي مستقبل راديوي تلك الإشارات التي يتم تسجيلها بعد ذلك على الورق أو بوساطة حاسوب. تلسكوبات أخرى. يستخدم الفلكيون أجهزة أخرى شبيهة بالتلسكوبات الراديوية في دراسة الضوء فوق البنفسجي وبعض موجات الضوء تحت الأحمر. ويتداخل بخار الماء الموجود في الغلاف الجوي الأرضي مع رصد الضوء تحت الأحمر عند مستوى الأرض. ولهذا السبب يرسل الفلكيون أحيانًا بالونات وطائرات تحمل تلسكوبات تحت حمراء إلى أعلى الغلاف الجوي الأرضي. ويستطيع الفلكيون بوساطة الأرصاد في النطاق تحت الأحمر رصد ميلاد النجوم ودراسة الغبار بين النجوم.
وبتطوير الأقمار الصناعية تمكن الفلكيون من الحصول على معلومات عن طريق التلسكوبات الموجودة في الفضاء. فقد استعملت التلسكوبات الفضائية في دراسة عدة أنواع من الإشعاع. وهي في غاية الأهمية لدراسة أشعة جاما والأشعة السينية والأشعة فوق البنفسجية التي يمنع الغلاف الجوي وصولها إلى الأرض.
ولدراسة أشعة جاما والأشعة السينية يستخدم الفلكيون غالبًا أجهزة تُحْصِي عدد فوتونات (جسيمات) الإشعاع دون تكوين صورة. كما يكوِّن الفلكيون خيالات بوساطة الأشعة السينية باستعمال تقنية شبيهة برمي حجر على سطح بحيرة ساكنة. فهم يصوبون الأشعة السينية خارج التلسكوب بزاوية ضيقة جدًا تسمى زاوية السقوط السافة. يستخدم الفلكيون تلسكوبات السقوط السافة في دراسة الأشعة السينية الآتية من الشمس والأجسام السماوية الأخرى.
وقد طور الفلكيون أيضًا تقنيات لاكتشاف الجسيمات القادمة من الفضاء. فهم يستخدمون مثلاً خزانًا سعته 400,000 لتر من سائل التنظيف لاقتناص جسيمات تحت ذرية تدعى النيوترينوات تنشأ في أعماق الشمس. ويعد تلسكوب النيوترينو من بين الأجهزة الفلكية غير العادية.
استخدام المطيافية. غالبًا ما يقوم الفلكيون بتحليل الضوء الذي تم تجميعه بالتلسكوب، وذلك لتعيين التركيب الكيميائي للنجوم والأجسام الأخرى. وأكثر التقنيات استخدامًا في تحليل الضوء المرئي هو المطيافية (التنظير الطيفي) الذي يشمل تحليل الضوء إلى ألوانه المختلفة. ويبدأ هذا الحيز من الألوان المسماة الطيف المرئي من الفوق البنفسجي والأزرق، ويستمر خلال الأخضر والأصفر والبرتقالي والأحمر حتى نهايته. وتستخدم التقنية المطيافية أيضًا لتحليل أنواع أخرى من الأشعة إلى موجاتها المنفردة. وتعطي كل الذرات ضوءًا عندما تسخن إلى درجة حرارة عالية. وتعطي ذرة عنصر ما كميات أكبر من الإشعاع بدرجة خاصة عند أطوال موجية معينة. ونتيجة لذلك فإن طيف هذا العنصر يشتمل على خطوط لامعة، تسمى خطوطًا طيفية، عند تلك الأطوال الموجية. ولكل عنصر مجموعة من الخطوط الطيفية تختلف عن خطوط أي عنصر آخر. كما تنشأ خطوط طيفية من نوع آخر عندما يمر الضوء خلال عنصر في حالة غازية. وتحت هذه الظروف تمتص الذرات الأطوال الموجية نفسها من الإشعاع الذي تطلقه بالتسخين. ولذلك تظهر مكان الخطوط اللامعة فراغات تبدو خطوطًا سوداء عند الأماكن نفسها من الطيف.
ومن تحليل طيف نجم يتمكن الفلكيون من تمييز نوعية الذرات المكونة لغازات الطبقات الخارجية من النجم. كما تتيح التحليلات الطيفية أيضًا للفلكيين التعرف على الجزيئات في غلاف كوكب ما. وبالإضافة إلى ذلك فإن طيف نجم أو كوكب يعكس ما فيه من شيوع نسبي من ذرات وجزيئات مختلفة. فإذا زاد شيوع عنصر أو مركب ما عن عناصر أو مركبات أخرى فإن خطوطه المميزة تظهر قوية بصورة خاصة.
ويستخدم الفلكيون أجهزة تسمى مقاييس الطيف لدراسة الطيف. ويقيس أحد أنواع تلك المقاييس طول الموجة في الطيف. وينتج نوع آخر يسمى المقياس الطيفي طيفًا يمكن رؤيته بالعين المجردة. وبوساطة مرسمة الطيف يتم تسجيل الطيف على لوح فوتوغرافي أو أي نبيطة أخرى.
قياس المسافات في الفضاء. استنبط الفلكيون ثلاث طرق رئيسية لقياس المسافات في الفضاء هي: 1- قياس اختلاف المنظور 2- قياس التوهج، 3- قياس الإزاحة الحمراء. قياس اختلاف المنظور. يستعان به في تعيين المسافات إلى نحو 10,000 من النجوم القريبة. فبرؤية نجم قريب من عند نقطتين بعيدتين بعضهما عن بعض يظهر النجم مزاحًا عن موضعه قليلاً بالنسبة للخلفية المكونة من النجوم الأبعد. اختلاف منظور النجم هو الزاوية التي يظهر عليها النجم مزاحًا على صفحة السماء إذا ما شاهدناه من عند نقطتين تفصل بينهما مسافة وحدة فلكية. ويعين الفلكيون اختلاف منظور النجم برصده لفترات من عدة شهور تكون الأرض قد تحركت فيها بين نقطتين بعيدتين في مسارها حول الشمس. ومن هذه الأرصاد يتمكن الفلكيون من حساب اختلاف المنظور، وبالتالي استخدام حساب المثلثات لتقدير مسافة النجم.
ويستخدم الفلكيون في قياس أبعاد النجوم وحدة لها علاقة مباشرة باختلاف المنظور، تعرف بالبارسك (الفرسخ النجمي). والبارسك الواحد هو المسافة إلى نجم اختلاف منظوره ثانية قوسية ( 1/3,600 من الدرجة). وعلى ذلك فإن البارسك الواحد يساوي 3,26 سنة ضوئية أو 30,9 تريليون كيلومتر. ويمكن استخدام اختلاف المنظور لقياس المسافات حتى حوالي 300 بارسك؛ أي أقل من 5 % من المسافة إلى مركز درب اللبانة.
قياس التوهج. يستطيع الفلكيون تقدير المسافة إلى نجوم معينة بمقارنة سطوعها (توهجها الحقيقي) مع توهجها الظاهري، كما يبدو خلال التلسكوب. ويرتكز هذا النوع من القياسات على حقيقة أنه بزيادة المسافة إلى نجم ذي توهج معروف، يزداد خفوت النجم كما يرى من على سطح الأرض.
وعادة ما يستخدم الفلكيون قياس التوهج لحساب المسافات إلى بعض أنواع النجوم المتغيرة. ويمر كل من هذه النجوم بدورة من التغيير في التوهج خلال فترة محدودة من الزمن. وقد اكتشف الفلكيون أن طول هذه الفترة يدل على توهج النجم. مثال ذلك ما أوضحته الدراسات على نوع من النجوم المتغيرة، معروف باسم المتغيرات القيفاوية. فقد ثبت أن القيفاويات ذوات الدورات الطويلة أكثر توهجًا مِن القيفاويات ذوات الدورات القصيرة. لذلك فإن تقديرًا واحدًا لطول الدورة يعطي التوهج الذي يمكن استخدامه بالتالي لحساب المسافة إلى النجم. وقد اتضح من أرصاد القيفاويات في سحابتي ماجلان أن هذا الحيز المتوهج لا يدخل ضمن درب اللبانة، بل إنه بعيد لدرجة أنهما مجرتان منفصلتان. والمتغيرات القيفاوية الوسيلة الأساسية لتعيين المسافات إلى المجرات القريبة.
وينظر الفلكيون إلى أجسام معروفة التوهج حتى في المناطق التي لا يمكن فيها اكتشاف نجوم منفردة. فألمع مجرة في عنقود من المجرات مثلاً، لها التوهج نفسه تقريبًا مثل ألمع مجرة في عنقود آخر. ومقارنة هذا التوهج بالتوهج الظاهري يعتبر أفضل طريقة لقياس المسافة إلى عنقود المجرات.
قياس الإزاحة الحمراء يشمل دراسة الخطوط الطيفية في الضوء الذي نستقبله من جسم ما في الفضاء. ففي طيف جسم متحرك تنزاح الخطوط من مكانها الذي يجب أن تظهر فيه في حالة جسم غير متحرك. فإن كانت الإزاحة إلى الناحية الحمراء فإن الجسم يكون متحركًا بعيدًا عن الأرض، وإن كانت إلى الناحية الزرقاء فإن الجسم يكون مقتربًا من الأرض. وكلما زادت الإزاحة كانت الحركة أكثر سرعة. وكل المجرات باستثناء القريبة من الأرض لها إزاحات حمراء كبيرة. وفي عام 1929م اكتشف فلكي أمريكي يدعى إدوين هبل أنه كلما زادت المسافة إلى المجرات زادت أيضًا سرعات ابتعادها، وبالتالي أصبحت إزاحتها الحمراء أكبر. ويعني قانون هبل أن سرعة ابتعاد المجرات تتناسب مع مسافاتها من الأرض. من هنا يستطيع الفلكيون تقدير المسافات إلى مجرات بعيدة بقياس إزاحتها الحمراء. وقانون هبل الطريقة الوحيدة التي يستطيع بها الفلكيون قياس المسافات إلى أبعد الأجسام في الكون. ويعتقد الفلكيون أن الكوازارات (أشباه النجوم) هي أبعد الأجسام لأن لها أكبر إزاحة حمراء.
استخدام الحاسوب. يعد استخدام الحاسوب جزءًا مهمًا في علم الفلك الحديث. فأجهزة الحاسوب تساعد الفلكيين الراصدين بطرق عدة. فهي مثلاً توجه التلسكوبات وتتحكم في عمليات قياس الإشعاع الذي تجمعه بالتلسكوبات. كما يستخدم الفلكيون الحاسوب أيضًا لإنجاز تصميمات تلسكوبات جديدة وتحليل الأرصاد التي تجمعها التلسكوبات. كما للحاسوب، دور كبير في الدراسات النظرية، فالفلكي النظري يمكنه استخدام الحاسوب لعمل أنموذج رياضي لتاريخ نجم ما منذ نشأته وحتى فنائه.

نبذة تاريخية

تعلّق الناس دومًا بالسماء. ففي أوائل القرن الرابع عشر ق.م رسم الصينيون القدماء خرائط للنجوم وسجلوا كسوف الشمس وخسوف القمر. وتمكن البابليون في عام 700ق.م تقريبًا من استنباط أوقات تكون فيها الكواكب أقل اقترابًا، وأقصى ابتعادًا عن الشمس. كما استنبطوا أيضًا متى يمكن رؤية الأجرام السماوية المختلفة لأول مرة أو آخر مرة في العام. وحدد قدماء المصريين بداية الربيع بملاحظة موقع الشِّعْرَى اليمانية، ألمع نجوم السماء. كما استخدموا معلوماتهم الفلكية في بناء معابد ذات حوائط متجهة إلى أجرام سماوية بعينها. وقد ترك الصينيون والبابليون والمصريون سجلات مكتوبة عن أرصادهم الفلكية ذات الأهمية الكبيرة لباحثي العصر الحديث. كما يدرس الباحثون حديثًا نوع العمارة السائد في العصور القديمة لاستنباط عمق ثقافتهم الفلكية. وتربط هذه الدراسات علم الآثار بعلم الفلك فيما يعرف بعلم الآثار الفلكي أو علم الفلك الأثري. مثال ذلك بحث يقترح أن أحجار ستونهينج، أقدم الأحجار الأثرية في جنوب إنجلترا، قد استخدمت لتعيين مواقع الشمس والقمر. وتشير دراسات أخرى إلى أن هنود أمريكا قد تتبعوا الشمس والنجوم قبل وصول الأوربيين بوقت طويل. فقد اكتشف الدارسون أن حلقات الحجارة التي أقامتها القبائل الهندية الأولى، لها أعمدة من الحجارة تشير إلى مكان شروق الشمس وغروبها في أطول نهار من العام. وتعرف إحدى تلك الحلقات في ويومينج باسم حلقة بيج هورن مديسين التي يرجع تاريخها إلى حوالي عام 1400م.
فلك الإغريق. بدءًا من عام 600ق.م تقريبًا طور علماء الإغريق وفلاسفتهم عددًا من الأفكار الفلكية. فاعتقد فيثاغورث ـ الذي عاش في القرن السادس ق.م ـ أن الأرض كروية الشكل، وحاول أيضًا شرح طبيعة الكون وتركيبه ككل، وبذلك طور نظامًا كونياً في وقت مبكر. وفي نحو عام 370ق.م صمم يودوكسوس أوف كنيدوس نظامًا ميكانيكيًّا لشرح حركات الكواكب. ونادى يودوكسوس بأن الكواكب والشمس والقمر والنجوم تدور حول الأرض. وفي القرن الرابع قبل الميلاد أدخل أرسطو هذه النظرية الهندسية، نظرية مركزية الأرض، في نظامه الفلسفي.
كذلك اقترح هيراقليدس أوف بونتس، خلال القرن الرابع ق.م الميلاد، أن الحركة الظاهرية للأجرام السماوية ناحية الغرب راجعة في الحقيقة إلى دوران الأرض حول محورها في اتجاه الشرق. كما اعتقد أن عطارد والزهرة يدوران حول الشمس وليس حول الأرض. وخلال القرن الثالث قبل الميلاد ذهب أريستاركوس أوف ساموس لأبعد من ذلك فاقترح دوران الكواكب بما فيها الأرض حول الشمس ودوران الأرض حول محورها. وكان كل من هيراقليدس وأريستاركوس سابقين زمانهما ومع ذلك لم تستطع أفكارهما أن تحل محل نظرية مركزية الأرض.
وفي حوالي عام 125ق.م قسم فلكي إغريقي يدعى هيبارخوس النجوم التي أمكنه رؤيتها إلى أنواع من التوهج. ونظام الأقدار الذي يستخدمه الفلكيون حاليًا صورة مطورة من هذا المقياس القديم. ويعرف هيبارخوس في التراث العربي والإسلامي باسم أبو خس.
نظام بطليموس. خلال القرن الثاني الميلادي، طور الفلكي الإغريقي كلاوديوس بطليموس الذي عاش في الإسكندرية بمصر نظريات أرسطو وهيبارخوس. وضمَّن بطليموس كتابه المجسطي أفكاره وملخص أفكار الفلكيين الإغريقيين وخصوصًا هيبارخوس. ويعد المجسطي المصدر الرئيسي لمعارفنا عن الفلك الإغريقي. وقد انتقد أبو محمد جابر بن الأفلح هذا الكتاب في كتابه المعروف بكتاب إصلاح المجسطي، ودعم انتقاده هذا عالم آخر أندلسي هو نور الدين أبو إسحق الأشبيلي في كتابه الهيئة. ظلت نظرية بطليموس عن مركزية الأرض سائدة لنحو 1500 عام. وتقبل الفلكيون جزءًا من أفكاره وجداوله التي وضعها للكواكب مسبقًا. وخلال معظم هذه الفترة أولى الأوربيون قليلاً من الاهتمام بعلم الفلك. هذا في الوقت الذي واصل فيه الفلكيون العرب رصد السماء وتنقيح ما جاء في كتابات بطليموس والمحافظة عليها. وأخيرًا ظهرت ترجمة المجسطي باللاتينية في القرن الثاني عشر فقدمت أفكار بطليموس إلى أوروبا.

العرب وعلم الفلك. لم يعرف العرب قبل العصر العباسي الكثير عن الفلك (علم الهيئة). وأول من عني بالفلك هو أبو جعفر المنصور الذي أمر بترجمة كتاب السند هند الكبير الذي اختصره الخوارزمي. وبعد أن نقل العرب المؤلفات الفلكية للأمم التي سبقتهم صححوا أخطاءها وزادوا عليها، ولم يقفوا عند حد النظريات، بل خرجوا إلى العمليات والرصد؛ ومن أبرز مآثرهم 1- قياس زاوية الكسوف والخسوف 2- تقدير حجم الأرض 3- دراسة ظاهرة الانقلابين والاعتدالين 4- تطوير أدوات الرصد 5- تصحيح طول السنة الشمسية الذي حدده البتاني بـ 365 يومًا و5 ساعات و46 دقيقة و32 ثانية 6- اختراع البندول الخطّار على يد كمال الدين بن يونس المصري 7- إثبات كروية الأرض ودورانها حول محورها، وقام بذلك أبو الريحان البيروني 8- عمل الأزياج (الجداول الفلكية) والأسطرلاب 9- ضبط حركة أوج الشمس وتداخل فلكها في أفلاك أخرى 10- اكتشاف بعض أنواع الخلل في حركة القمر؛ ويرجع ذلك إلى أبي الوفاء البوزجاني 11- وضع جداول دقيقة لبعض النجوم الثوابت. فقد وضع الصوفي كتابًا فيها وعمل لها الخرائط التي رسم عليها أكثر من 1,000 نجم ورسمها كوكبات في شكل أشخاص أو حيوانات 12- جعل علم الفلك استقرائيًا. ومعظم أسماء النجوم المعروفة حاليًا هي من وضع العرب، ولازالت تستعمل بلفظها العربي في اللغات الأخرى. وأنشأ المسلمون مراصد لتساعدهم على تقصي مواقع النجوم ودراستها. وكان المأمون أول من أشار إلى استخدام الآلات في الرصد. وأشهر المراصد التي بنيت قديمًا وأكبرها مرصد مراغة الذي عرفت أرصاده بالدقة مما جعل علماء أوروبا في عصر النهضة ومابعده يعتمدون عليها في بحوثهم الفلكية. ومن الآلات التي اخترعها العرب واستخدموها في الرصد: اللبنة، والحلقة الاعتدالية، وذات السمت والارتفاع، وذات الأوتار، والآلة الشاملة، والرقاص والأسطرلاب والمشتبهة بالناطق. انظر: العلوم عند العرب والمسلمين (الفلك).
بداية علم الفلك الحديث. جاءت الطفرة في فهم الكون عام 1543م مع نشر كتاب حول دوران الكرة السماوية للفلكي البولندي نيكولاس كوبرنيكوس. اختلفت الأفكار التي قدمها كوبرنيكوس في كتابه كثيرًا عن النظرية التقليدية لبطليموس لدرجة جعلت المؤرخين العلميين يتحدثون عما أسموه ثورة كوبرنيكوس. اقترح كوبرنيكوس أن تكون الشمس في وسط الكون، والأرض وبقية الكواكب تدور حولها. وقد استطاعت نظرية مركزية الشمس تفسير الحركات المرصودة للكواكب، في الوقت الذي تتطلب فيه نظرية بطليموس لمركزية الأرض نظامًا معقدًا لتفسير وجود إزاحة تقهقرية للكواكب أحيانًا بالنسبة للنجوم. وقد علل كوبرنيكوس هذه الحركة بأنها ليست راجعة إلى حركة حقيقية للكواكب، وأن الكواكب تظهر متحركة على هذا النحو بسبب حركة الأرض ذاتها حول الشمس. وبالرغم من ذلك لم يستطع نظام كوبرنيكوس إعطاء تحديد مسبق دقيق لمواقع الكواكب.

وفي أواخر القرن السادس عشر الميلادي قام فلكي دنماركي يدعى تيخو براهي برصد حركات الكواكب بدقة أكثر مما تم من قبل. وأظهرت أرصاده، وخصوصًا لكوكب المريخ، عدم دقة جداول مواقع الكواكب المستخدمة في ذلك الوقت. وبوفاة تيخو براهي عام 1601م عكف مساعده يوهانز كيبلر على تحليل أرصاده. ومن أرصاد براهي اكتشف كبلر أن الكواكب تدور حول الشمس في قطاعات ناقصة (إهليلجية). وحتى هذا الوقت كان الجميع حتى مؤيدي نظرية مركزية الشمس يفترضون وجود مسارات دائرية. وبالإضافة إلى ذلك اكتشف كبلر مبدأين آخرين يتحكمان في سرعة الكوكب في مداره. وقد حسنت اكتشافات كبلر دقة حسابات مواقع الكواكب، وبالتالي أتاحت التأييد لنظرية كوبرنيكوس. ويؤكد الدكتور سارطون أن بحوث المسلمين في الفلك هي التي أوحت لكبلر أن يكتشف الحكم الأول من أحكامه الثلاثة الشهيرة وهي إهليلجية فلك السيارات.
جاليليو ونيوتن. كان الإيطالي جاليليو، في أوائل القرن السابع عشر الميلادي، أول من استخدم تلسكوبًا لرصد السماء. وقد ساعدت أرصاد جاليليو في تأكيد نظرية كوبرنيكوس. فقد اكتشف أربعة أقمار تدور حول المشتري وهي معروفة بالأقمار الجاليلية. واتضح من ذلك، على عكس نظريات أرسطو وبطليموس، أن الأجسام لا تدور كلها حول الأرض.
وفي عام 1642م، أي بعد وفاة جاليليو بعام تقريبًا، ولد إسحاق نيوتن في إنجلترا. وصار نيوتن أشهر علماء عصره. فقد اكتشف قانون الجاذبية وأوضح تفسيرها لحركات الكواكب والمذنبات والأجسام الثقيلة على الأرض. وطبقًا لهذا القانون، يجذب كل جسم في الكون أي جسم آخر. وتعتمد قوة الجذب بين أي جسمين على كتلتيهما والمسافة بينهما. كما اكتشف نيوتن أيضًا أن الضوء المرئي يمكن تحليله إلى طيف، فكان ذلك أساسًا للتحليل الطيفي.
تفسير نشأة المجموعة الشمسية. بوفاة نيوتن عام 1727م، كان معظم العلماء والفلاسفة قد اتفقوا على أن الشمس مركز الكون. وبدأوا بعد ذلك في تطوير نظريات لشرح أصل المجموعة الشمسية. ففي عام 1755م اقترح إيمانويل كانط، أحد الفلاسفة الألمان أن الكواكب والشمس تكونتا بالطريقة نفسها. وفي عام 1796م افترض الرياضي الفرنسي بيير سيمون دي لابلاس أن تكون الشمس والكواكب قد تكونتا من سحابة غازية دوارة سماها سديما. ولكن فرضية السديم هذه لم تنل الاهتمام إلا فيما بعد، إذ أخذ الفلكيون حديثًا يتقبلون نظريات ترجع إلى أفكار كانط ولابلاس. فمن المعتقد أن الشمس والكواكب قد تكثفتا ممايطلق عليه السديم الشمسي الأوَّلي. وحسب هذه النظرية انكمش السديم وكوَّن الشمس وكثيرًا من الأجسام الصغيرة التي تسمى مواد كوكبية، ثم اتحدت تلك المواد في تسعة كواكب.
اكتشاف كواكب جديدة. حتى القرن الثامن عشر الميلادي كان الفلكيون على علم بوجود ستة كواكب هي عطارد والزهرة والأرض والمريخ والمشتري وزحل. وفي عام 1781م اكتشف الفلكي البريطاني وليم هيرشيل الكوكب أورانوس. وخلال الـ 172 عامًا السابقة كان الفلكيون يرون أورانوس أحيانًا إلا أنهم لم يلاحظوا حركته، وبالتالي اعتبروه نجمًا.
وبعد اكتشاف أورانوس وجد الفلكيون أن مسار الكوكب في الفضاء قد اختلف عما تم استنباطه من قبل؛ فظهر بذلك أن جاذبية كوكب غير معروف تؤثر في مسار أورانوس. وقد تنبأ كل من الفلكي البريطاني جون آدمز والفلكي الفرنسي أربان ليفرير بموقع الكوكب. وعلى أساس تلك التوقعات اكتشف الفلكي الألماني يوهان غاله ومساعده هينريتش دارست كوكب نِبْتُون عام 1846م.
وكان اكتشاف بلوتو تتويجًا لبحث طويل عن كوكب غير معروف يعمل على تغيير مساري نبتون وأورانوس. وأخيرًا في عام 1930م تعرف فلكي أمريكي هو كلايد تومباف على الكوكب بلوتو الذي ظهر على هيئة صورة خافتة على ألواحه الفوتوغرافية. وكانت حركته البطيئة بالنسبة لخلفية النجوم خير عون على هذا الاكتشاف.
تطوير التحاليل الطيفية. خلال القرن الثامن عشر الميلادي بدأ العلماء في دراسة أهمية الطيف الذي اكتشفه نيوتن في القرن السابع عشر الميلادي. وخلال الأعوام الأولى من القرن التاسع عشر الميلادي درس فيزيائيان هما البريطاني وليم وولاستون، والألماني جوزيف فون فراونهوفر ضوء الشمس الموزع على شكل قوس قزح. وبعدما لاحظ وولاستون وجود قليل من الفراغات في بعض الألوان، اكتشف فراونهوفر عدة فراغات تبدو كخطوط داكنة خلال الطيف. وقد سميت هذه الفراغات الخطوط الطيفية.
وخلال خمسينيات القرن التاسع عشر الميلادي صمم ألمانيان هما الكيميائي روبرت بنْسن، والفيزيائي جوستاف كيرتشوف معًا أول مطياف لدراسة تفاصيل الطيف. واكتشفا أن ذرات كل عنصر كيميائي ينتج عنها مجموعة محددة من الخطوط الطيفية. وقد مكنت هذه المعلومات من تمييز العناصر التي يتكون منها النجم بدراسة الخطوط الطيفية في ضوئه.
نظرية جديدة للكون. تبلورت هذه النظرية أساسًا في بداية القرن العشرين الميلادي، من خلال أعمال الفيزيائي الألماني المولد ألبرت أينشتاين. ففي عام 1905م قدم أينشتاين نظريته المسماة نظرية النسبية الخاصة، وتبعاً لهذه النظرية لا يستطيع أي شيء أن يسير بسرعة تتجاوز سرعة الضوء. ومن تلك النظرية جاءت فكرة تكافؤ الكتلة والطاقة، مع إمكان تحول إحداهما إلى الأخرى. وخلال الثلاثينيات من القرن العشرين اكتشف الفلكيون أن النجوم تحصل على طاقاتها من تحويل المادة إلى طاقة كما تصف معادلة أينشتاين. ط = ك ث² حيث ط تعني طاقة وك الكتلة، وث² مربع سرعة الضوء. في عام 1916م قدم أينشتاين نظرية الجاذبية المسماة نظرية النسبية العامة. وتربط هذه النظرية الأبعاد الثلاثة في الفضاء بالزمن باعتباره بعدًا رابعًا. وفي معظم الحالات لا تختلف نتائج تطبيق نظرية أينشتاين كثيرًا عما تؤدي إليه نظرية نيوتن. ولكن لابد من استخدام نظرية النسبية في دراسة الكون، أو دراسة الأحداث التي تتم في وجود مجالات جذب قوية جدًّا. مثال ذلك ما توقعته نظرية النسبية العامة من وجود الثقوب السوداء. فقد فسرت النظرية كيف تؤثر كتلة الثقب الأسود في الفضاء المحيط بحيث لا يستطيع حتى الضوء الهروب منها.
وتتضمن نظرية النسبية العامة أن الكون يتمدد، إلا أن أينشتاين لم يكن لديه في عام 1916م دليل من الأرصاد لتأكيد تلك الفكرة، لذلك قام بتعديل معادلاته كي تصف كونًا ثابت الحجم. وفي عام 1929م أوضح الفلكي الأمريكي إدوين باول هبل أن الكون متمدد. وبناءً على ذلك قام أينشتاين بتعديل معادلاته. وترتكز كل النظريات الحديثة في علم الكون على حلول تلك المعادلات.
تطور الفلك الراديوي. في عام 1931م قام كارل جوث جانسكي، المهندس الأمريكي في معامل بلْ، بدراسة تشويش يتداخل مع نظم الاتصالات في الموجات القصيرة. ولاحظ أن ذلك التشويش يظهر مبكرًا بمدة أربع دقائق كل يوم. كان جانسكي يعرف أن النجوم تُبَكِّر في شروقها كل يوم بمقدار أربع دقائق، وبذلك استنتج أنها لابد أن تكون قادمة من خارج المجموعة الشمسية. وقد كان جانسكي في الحقيقة يتلقى موجات راديوية من مركز مجرتنا. لم يتابع الفلكيون المحترفون اكتشاف جانسكي، إلا أن جروتي ريبر، أحد هواة الفلك الأمريكيين، صمم تلسكوبًا راديويًا وقام بتشغيله في فناء منزله في نهاية الثلاثينيات من القرن العشرين الميلادي. وقد بدأ علم الفلك الراديوي في الانتعاش بعد الحرب العالمية الثانية (1939م - 1945م).
وأدت دراسة الموجات الراديوية القادمة من الفضاء، إلى زيادة معلومات الفلكيين عن تركيب الكون وحجمه وتاريخه. فقد جلبت قدرًا كبيرًا من المعلومات عن سحب الغاز والغبار الموجود بين نجوم مجرتنا. وخلال الستينيات من القرن العشرين الميلادي أدى الفلكيون الراديويون دورًا مهمًا في اكتشاف الكوازارات (أشباه النجوم) والبلسارات (المنبضات الخفية). وفي عام 1965م ـ أثناء اختبار تلسكوب راديوي وجهاز استقبال ـ اكتشف الفلكيون إشعاع الخلفية الأولى الذي يعتقدون بنشأته عند بداية الكون فيما يعرف بالانفجار العظيم.
استكشاف الفضاء. بدأ في الرابع من أكتوبر من عام 1957م حيث أطلق السوفييت أول قمر صناعي. وقد أفاد تطور رحلات الفضاء علم الفلك بطرق كثيرة. فقد قام رواد الفضاء الأمريكيون بتجارب على سطح القمر، وجلبوا معهم عينات من الصخور لدراستها. واستكشفت رحلات الفضاء غير المأهولة الكواكب وبثت كمًا هائلاً من المعلومات سوف يساعد الفلكيين في الإجابة عن كثير من الاستفسارات حول كيفية نشأة المجموعة الشمسية.
ومكنت رحلات الفضاء أيضًا من رصد أجسام سماوية من خارج الغلاف الجوي الأرضي؛ وهذا الغلاف يحجز بعض الأطوال الموجية للإشعاع وقد يعوق كشف الأطوال الموجية الأخرى. وللتغلب على هذا الحجز بدأت الولايات المتحدة الأمريكية خلال الستينيات من القرن العشرين الميلادي في إطلاق مراصد مدارية غير مأهولة وكذلك مراصد شمسية مدارية. وفي عامي 1973م و1974م قام رواد الفضاء الأمريكيون بإجراء أرصاد قيمة باستخدام تلسكوب على متن محطة الفضاء سكايلاب.
وقد اعتبرت الإدارة الوطنية للطيران والفضاء (ناسا) الأشعة السينية وأشعة جاما أهم اهتماماتها في السبعينيات من القرن العشرين الميلادي. وكل فوتون في الأشعة السينية أو أشعة جاما له طاقة عالية المستوى. وتسمى دراسة العمليات التي تنتج عنها فوتونات عالية الطاقة وأشعة كونية باسم الفيزياء الفلكية للطاقة العالية. وفي نهاية السبعينيات من القرن العشرين الميلادي أطلقت ناسا ثلاثة مراصد للطاقة العالية بغرض دراسة أشعة جاما والأشعة السينية والأشعة الكونية القادمة من النجوم النيوترونية والكوازارات والمستعرات الفائقة التوهج. ومن عام 1983م حتى عام 1986م قامت وكالة الفضاء الأوروبية (إيسا) بأرصاد في نطاق الأشعة السينية بوساطة قمرها الصناعي إكسوسات.
وتساعد الأقمار الصناعية أيضًا في دراسة الأشعة فوق البنفسجية وتحت الحمراء. ومن عام 1972م حتى عام 1982م قام المرصد الفلكي الدوار الثالث المسمى كوبرنيكوس بدراسة ضوء النجوم والضوء القادم من فضاء ما بين النجوم. ودرست مجموعة أخرى من الأقمار الإشعاع فوق البنفسجي القادم من الشمس.
وجاء القمر الصناعي مستكشف الأشعة فوق البنفسجية الدولي، الذي أطلق عام 1978م بمعلومات عن النجوم والكواكب والكوازارات والأجسام الفلكية الأخرى. وفي عام 1983م بث القمر الصناعي الفلكي الذي يعمل بالأشعة تحت الحمراء إلى الأرض أرصاد مئات الآلاف من المصادر تحت الحمراء. وسوف تستخدم أرصاد القمر الصناعي روسات الذي أطلق عام 1990م في عمل خرائط لمصادر الأشعة السينية في الفضاء. وفي عام 1990م أطلقت ناسا تلسكوب هبل الفضائي، لدراسة الضوء المرئي وفوق البنفسجي، وهو تلسكوب عاكس قطر مرآته 240سم. ويتوقع أن يقوم تلسكوب هبل الفضائي برصد أجسام ذات خفوت أقل بـ 50 مرة عما تستطيعه التلسكوبات الأرضية، وأن يمدنا بتفاصيل أصغر 10 مرات عما نحصل عليه من على سطح الأرض. وبالرغم مما ظهر من عيب في المرآة يجعل الصورة غير كاملة الوضوح، فإن العلماء قد تمكنوا من إصلاح العيب في عام 1993م.
علم الفلك اليوم. يعد علم الفلك الحديث من أكثر العلوم ازدهارًا وإثارة. فالتلسكوبات الجديدة على الأرض والدوارة في الفضاء تتيح للفلكيين دراسة مناطق متزايدة في بعدها، وبدقة متزايدة. وتضم التلسكوبات الجديدة العديد من التلسكوبات البصرية العملاقة المقامة على ارتفاعات كبيرة في كل من أستراليا، وتشيلي، وهاواي خلال السبعينيات من القرن العشرين الميلادي. وقد افتتح عام 1978م التلسكوب متعدد المرايا المقام بالقرب من توسون في ولاية أريزونا الأمريكية؛ وهو مزود بست مرايا كل منها بقطر 1,8 م. ويقوم نظام تحكم مزود بالحاسوب بضبط المرايا لتركيز كل الضوء في نقطة واحدة. ويلزم لتلسكوب عادي يجمع كمية أكبر من الضوء مرآة قطرها 4,5م. وانتهى العمل من تلسكوب كك 1 وكك 2 في عامي 1992 و1996م على التوالي، ويبلغ طول قطر مراياهما المزدوجة 10م، وهذه المرايا تتألف من 36 مرآة صغيرة قابلة للضبط، وقد ركبا في قمة جبل ماوناكاي في هاواي، ويمكن أن يكتشفا ضوءًا يشابه في خفوته لهب شمعة تبعد عنهما بمقدار بعد القمر عن الأرض. تم الانتهاء من إنشاء أكبر مشروع تلسكوب أمريكي عام 1980م بالقرب من سوكورو في نيومكسيكو بالولايات المتحدة الأمريكية. وهذا الجهاز الذي يدعى المنظومة الفلكية الضخمة، مكون من 27 تلسكوبًا راديويًّا كل منها بقطر 25م. وتمكن هذه المنظومة الفلكيين من عمل خرائط راديوية للسماء. وتتكون منظومة خط الأساس الطويل جدًّا من عشرة تلسكوبات راديوية منتشرة في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد انتهى العمل من هذه المنظومة في بداية التسعينيات من القرن العشرين. وبها يتمكن الفلكيون من الحصول على تفاصيل أدق عن المجرات البعيدة.
وعلم الفلك واحد من العلوم القليلة التي يمكن للهواة أن يسهموا فيها. وتوجد جمعيات فلكية في العديد من الدول. وتزود هذه الجمعيات أعضاءها بمعلومات عن علم الفلك بالنشرات وعقد الاجتماعات. وبعض الجمعيات تشجع أعضاءها على إجراء الأرصاد الفلكية. ولدى جمعيات أخرى أجهزة قابلة للإعارة أو تمتلك مرصدًا يمكن للهواة فيه استخدام التلسكوبات الكبيرة.
ويستمر التقدم في الأرصاد الفلكية في مواجهة الفلكيين النظريين بأسئلة جديدة. مثال ذلك ما يحاوله الفلكيون من الوصول إلى فهم أفضل عن العمليات التي تنتج منها الأشعة السينية وأشعة جاما التي اكتشفتها مراصد الطاقة العالية. وما زالت الخصائص الفيزيائية للثقوب السوداء والكوازارات مثار جدال. وعلماء الكونيات عاكفون على دراسة فكرة الكون المتضخم؛ أي فكرة أن الكون قد تمدد بسرعة فائقة خلال الجزء الأول من الثانية الأولى بعد الانفجار العظيم.
ويبحث الفلكيون أيضًا عن الحياة فوق كواكب أخرى. ويستخدم بعضهم تلسكوبات راديوية للتنصت على إشارات من أحياء ذكية في حضارات بعيدة.

أسئلة

  1. بأي الطرق أفادت رحلات الفضاء علم الفلك؟
  2. لماذا تبدو النجوم متحركة أثناء الليل؟
  3. ماذا أضاف يوهانس كبلر لتطوير الفلك الحديث؟
  4. كيف يعين الفلكيون اختلاف منظور النجوم؟
  5. لماذا لا ترى الكواكب والنجوم أثناء النهار؟
  6. اذكر بعض الإضافات التي يقدمها الهواة لعلم الفلك.
  7. من الذي صمم أول مطياف؟
  8. لماذا يعتقد الفلكيون بأن الكوازارات أبعد الأجسام في الكون؟
  9. كم يبلغ عدد النجوم التي ترى بدون تلسكوب؟
  10. ما أبرز مآثر العرب والمسلمين في علم الفلك؟