الهندسة

 فرع من الرياضيات ُيعنى بدراسة هيئات وأحجام ومواضع الأشكال الهندسية. وهذه الأشكال تشمل الأشكال المستوية كالمثلثات والمستطيلات والأشكال المجسَّمة (ثلاثية البعد مثل المكعبات والكرات). وقد تضمَنت الاستخدامات الأولى للهندسة قياس أطوال ومساحات الأراضي. ويعتقد معظم الدارسين أن قدماء المصريين هم أول من استخدم أسس الهندسة بشكل واسع وعميق.
تبرز أهمية الهندسة لأسباب عديدة. فالعالم يفيض بالأشكال الهندسية. فندفات الجليد مثلاً، تتخذ أشكالاً سداسيَّة (سداسية الوجوه) ودودة الأرض تَتَّخذ شكلاً أسطوانيًا، وجدران البيوت والمباني مستطيلة الشكل، وكثير من الجسور دعائمها مثلثة الشكل. وبما أن الأشكال الهندسية تحيط بنا من كل جانب لذلك سيكون فهمنا وتقديرنا لعالمنا أفضل لو تعلمنا شيئاً عن الهندسة.
للهندسة أيضًا تطبيقات عملية في مجالات عدة. فالمعماريون والنجَّارون يحتاجون لفهم خواص الأشكال الهندسية لتشييد مبانٍ آمنة وجذابة. وملاحو السُفن والطائرات وسفن الفضاء يعتمدون على الأفكار الهندسية لتحديد ومتابعة خط السير الصحيح. كما يستخدم المصمِّمون والمهندسون والمشتغلون بالمعادن والمصوِّرون مبادئ الهندسة في أداء أعمالهم.

الهندسة نظام منطقي

الاستدلال الاستنتاجي. يعتبر ذا أهمية بالغة في دراسة الهندسة. وهو ينطلق من تقارير مسلَّم بصحتها سلفًا. وهذه التقارير الصحيحة تُرتَّب بصورة منطقية لتؤدي إلى نتائج. وعندما تكون التقارير الابتدائية صائبة فإن الاستدلال الاستنتاجي الصحيح يؤدي دائمًا إلى نتائج صحيحة.
ومثال للاستدلال الاستنتاجي؛ نفترض أننا بصدد إثبات أن مجموع زوايا شكل رباعي هو 360°. يمكننا البدء بمعلومتين نعلم صحتهما سلفًا: 1- أي شكل رباعي يمكن تجزئته إلى مثلثين. 2- مجموع زوايا المثلث 180°.
وبالاستدلال الاستنتاجي يمكننا التوصل إلى أن مجموع زوايا الشكل الرباعي يساوي 2 × 180° أي ضعف زوايا المثلث أي 360°. في الشكل الرباعي أ ب جـ د أدناه مقياس الزاوية 1 (نرمز له بالرمز م <1) + م<2 + م <3 = 180° وكذلك م <4 + م < 5 + م < 6 = 180°. إذن م <1 + م <2 + م < 3 + م <4 + م 5 + م < 6 = 360°.
 

وبما أننا استدللنا منطقيًا من معلومات صحيحة؛ فيمكننا التيقن من أن نتيجتنا صحيحة.
والاستدلال الاستنتاجي هو أحد نوعين من الاستدلال ويسمَّى الثاني الاستدلال الاستقرائي، ولإيضاح الاستدلال الاستقرائي. انظر: الاستقراء.
التنظيم المسلمي. الهندسة مرتبة باعتبارها نظامًا بدهيًا. وهو نظام مؤَسَّس على تقارير مسلّم بصحتها. ومن هذه التقارير الصحيحة يمكن بالاستدلال الاستنتاجي أن نبرهن على صحَّة تقارير تتعلق بطوائف من الأشياء. وهذه الأشياء بالنسبة للهندسة، أشكال هندسية.
ويتكون أي نظام بدهي من ثلاثة مكونات: 1- الحدود 2- المسلَّمات 3- النظريات.
الحدود. تقع حدود الهندسة في إحدى طائفتين: الحدود غير المعرَّفة والحدود المعرَّفة. والحدود غير المعرَّفة مثل النقطة والمستقيم والمستوي، وهي اللبنات الأساسية في النظام المسلمي للهندسة. وننظر إلى النقطة والمستقيم والمستوي على أنها مضبوطة تمامًا، ولكن الصُّور التي نرسمها لها ولأشكال أخرى ما هي إلا للتقريب. فالنقطة في الهندسة مثلاً، تحتل موقعًا في الفضاء ولكن لا أبعاد لها البتة، والمستقيم له طول وليس له عرض. ولكن المنقوطة التي تمثِّل النقطة على الورقة لا بد أن تتخذ أبعادًا، وكذلك مهما يكن المستقيم رفيعًا فإن له عرضًا.
ويجوز استخدام الحدود غير المعرَّفة لتعريف حدود أخرى. فمثلاً، القطعة المستقيمة أب ورمزها أ ب المبينة أدناه يمكن تعريفها على أنها مجموعة النقاط التي تتكون من أ و ب وجميع النقاط الواقعة بين أ و ب على المستقيم أ ب (أ ب). وكذلك الشعاع أ ب ورمزه أ ب يمكن تعريفه على أنه الجزء من المستقيم أ ب الذي يحتوي النقطة أ وكل النقاط التي تقع في جانب الخط نفسه الذي تقع عليه ب.

 

المسلَّمات تسمى أيضًا الفرضيات وهي تقارير نسلِّم بصحتها ولذا نقبلها دون برهان. وكمثال لإحدى المسلَّمات لدينا التقرير: لكل نقطتين منفصلتين يوجد مستقيم واحد فقط يحويهما.
ولقد استَحدث عالم الرياضيات الإغريقي إقليدس وطوّر أول مجموعة من المسلمات الهندسية في كتابه العناصر في القرن الرابع ق.م. وأصبح هذا الكتاب يُشكل القاعدة الأساسية للكتب الهندسية حتى الثلاثينيات من القرن العشرين. وفي عام 1932م، قدم الرياضي الأمريكي ج.د. بيركوف مجموعة منقَّحة من المسلمات.
النظريات تقارير يمكن إثبات صحتها بالاستدلال الاستنتاجي. والنهج المتبع لإثبات صحة النظرية يتم على خطوات؛ تشتمل كل خطوة على إحالة إلى تعريف أو مسلمة أو نظرية سبق برهانها، أو معلومات أخرى معطاة مسبقًا.
ومن الأمثلة على النظرية، التقرير الذي ناقشناه من قبل الذي ينص على أن مجموع زوايا الشكل الرباعي 360°. ولبرهان هذه النظرية نشير إلى المسلمة: أي شكل رباعي يمكن تجزئته إلى مثلثين، وكذلك إلى النظرية التي سبق برهانها مجموع زوايا المثلث 180°.

خواص الأشكال الهندسية

التطابق. تتناول العديد من المسلمات المهمَّة والنظريات الهندسيَّة العديد من الحقائق المتعلِّقة بالأشكال المتطابقة. والأشكال المتطابقة هي الأشكال التي لها نفس الشكل والحجم. ولمفهوم التطابق أهميته في عدة مجالات في الحياة. فعلى سبيل المثال، عند تصنيع السيارات على نطاق واسع فإن المصدات الواقية للسيارات من الطراز ذاته متطابقة، إذ لو لم تكن متطابقة فلن يستطيع العمال تجميع مقدمة ذلك الطراز من السيارات بكفاءة.
وأبسط أنواع الأشكال المتطابقة هي القطع المستقيمة والزوايا المتساوية. وبما أن كل المستقيمات لها نفس الشكل فإن القطع المستقيمة المتطابقة تُعرَّف على أنها القطع المستقيمة المتساوية الطول. ونقول عن زاويتين أنهما متطابقتان إذا كان قياسهما واحدًا. وكما يبيِّن الرسم أدناه، على سبيل المثال، فالزاوية ج د هـ تطابق الزاوية س ص ع إذ إن قياس كلٍّ منهما 45°. وللتعبير عن علاقة التطابق هذه نرمز لها بـ< ج د هـ =< س ص ع.

 

لإثبات تطابق مثلثين علينا أن ننشئ تناظرًا بين رؤوس المثلثين ـ أي نقاط التقاء الأضلاع ـ وكذلك بين أضلاع المثلثين. بعبارة أخرى علينا أن نجد تقابلاً بين رؤوس وأضلاع المثلثين بحيث تتطابق الزوايا المتناظرة والأضلاع المتناظرة. افترض أنه في المثلثين أ ب جـ، هـ د و أدناه لدينا < ب =< د، جـ =< و، أ =< هـ ، ب جـ =دو، أ ب = هـ د ، أ جـ = هـ و حيث الرمز أ ب يعني طول قطعة المستقيم [أب]. ومن ثم يمكن أن نخلص إلى أن المثلثين أ ب جـ ، هـ د و متطابقان D أ ب جـ = Dهـ دو.
وهنالك مسلمات ونظريات بعينها تُحدِّد الشروط الضرورية والكافية لتطابق المثلثات. لذا فليس من الضروري دائمًا بيان تطابق كل الزوايا والأضلاع المتناطرة في مثلثين لإثبات أن المثلثين متطابقان. فعلى سبيل المثال، تنص مسلمة الضلعين والزاوية المحصورة بينهما على أنه إذا كان ضلعان والزاوية المحصورة بينهما في مثلث مطابقين لضلعين والزاوية المحصورة بينهما في مثلث آخر، كان هذان المثلثان متطابقين. وعلى الرغم من أنه من الممكن تعريف التطابق لأشكال عدا المثلثات فإن معظم دراسة التطابق في الهندسة مكرَّسٌ لتطابق المثلثات.

 

التماثل. يعطي المثلثان أ ب جـ، هـ ز ك أدناه مثالاً لتماثل الأشكال. لاحظ أن هـ ز يساوي وحدتين وطوله ضعف طول أ ب الذي يساوي وحدة واحدة. ونرمز لذلك بـ هـ ز = 2 أ ب وبالإضافة إلى ذلك فإن هـ ك = 2 أ جـ، ز ك = 2ب جـ . وأخيرًا وكما نرى من الرسم فإن أ = < هـ ، < ب =< ز ، ج = < ك، أي بعبارة أخرى تكون الزاويا المتناظرة متطابقة والأضلاع المتناظرة متناسبة. نقول عن أضلاع شكل ما إنها متناسبة عندما تتساوى النسب بين الأضلاع المتناظرة. وقيمة هذه النسبة تسمَّى ثابت التناسب. وللمثلثين أ ب ج ، هـ ز ك فإن ثابت التناسب يساوي 2. ونكتب D أ ب ج ~ D هـ ز ك للتعبير عن التماثل بين المثلثين Dأ ب ج، وَ Dهـ ز ك. ونقول عن أي شكلين هندسيين أنهما متماثلان إذا كانت الأضلاع المتناظرة لهما متطابقة والزوايا المتناظرة لهما متناسبة.

 

ولمفهوم التماثل عدة تطبيقات عملية. فالخرائط المرسومة بمقياس رسم على سبيل المثال، تعتمد على مفهوم التماثل ؛كما هو الحال في تصغير وتكبير الرسوم والصور الفوتوغرافية.

بعض الإنشاءات الهندسية الأساسية

ظل الناس منذ عهد قدماء الإغريق على اهتمام كبير بوسائل إنشاء الأشكال الهندسية. وقد أرسى الإغريق تقليد استخدام الفرجار والمسطرة فقط لرسم الأشكال الهندسية. ويمكن تنفيذ الإنشاءات التالية باستخدام هاتين الأداتين فقط.
تنصيف الزاوية. لنفرض أننا نريد تنصيف الزاوية أ م جـ أدناه (أي تقسيمها إلى قسمين متساويين). ضع سن الفرجار على النقطة م ثم ارسم قوسًا يقطع ضلعي الزاوية عند س ، ص. افتح الفرجار فتحة أكبر من نصف المسافة بين س ، ص. ضع سن الفرجار عند النقطة س وارسم قوسًا داخل الزاوية أ م جـ. ثم ضع سن الفرجار عند النقطة ص وارسم قوسًا داخل الزاوية أ م جـ ليقطع القوس الأول عند ن. ارسم الشعاع م ن. هذا الشعاع ينصف الزاوية أ م جـ مُنشِئًا زاويتين متطابقتين <ن م أ و<ن م جـ.

 

تنصيف قطعة مستقيمة. لتنصيف القطعة المستقيمة أ ب أدناه، افتح الفرجار فتحة أكبر من نصف طول القطعة أ ب. ضع سن الفرجار عند أ وارسم قوسًا فوق القطعة أ ب وآخر أسفل منها، ثم كرر العملية نفسها مع وضع سن الفرجار عند ب. ارسم الخط س ص. النقطةع تنصف أ ب وفوق ذلك فإن المستقيم س ص يعامد أ ب.

 

رسم عمود على مستقيم. لنفترض أننا نريد إنشاء عمود على المستقيم أ ب عند النقطة ج التي تقع عليه. (انظر الرسم أدناه). ضع سن الفرجار عند ج وارسم قوسين ليقطعا أ ب عند س ، ص. وباستخدام س ، ص كنقطتي طرف، نصِّف القطعة المستقيمة س ص مثلما في التوجيهات المقدَّمة أعلاه. المستقيم المنصِّف م ن هو العمود على أ ب عند ج.

 

ولإنشاء عمود على الخط أ ب من نقطة د خارج أ ب، ضع سن الفرجار عند د وارسم قوسًا يقطع أ ب (كما في الرسم أدناه) عند النقطتين س ، ص. ثم بعد ذلك نصِّف س ص لتحصل على منتصفها م. المستقيم د م يعامد أ ب.

 


أنواع الهندسة

يشتمل مجال دراسة الهندسة على عدة طرق. فقد تكون الهندسة إقليدية أو لا إقليدية انطلاقًا من المسلمات المستخدمة. والهندسة التحليلية تستخدم المسلمات نفسها التي تستخدمها الهندسة الإقليدية ولكنها توظف طرائق جبرية لدراسة الأشكال الهندسية. أما فروع الهندسة التي لا تستخدم أساليب الجبر فتسمى هندسات تركيبية.
الهندسة الإقليدية. تقوم على المسلمات التي قدَّمها إقليدس في كتابه العناصر وعلى مسلمات اشتُقّت لاحقًا من مسلمات إقليدس. ويمكن تقسيم الهندسة الإقليدية إلى هندسة مستوية وهندسة مجسمة. وتختص الهندسة المستوية (الهندسة المسطحة) بدراسة الأشكال ذات البعدين مثل المستقيمات والزوايا والمثلثات والأشكال الرباعية والدوائر. أما الهندسة المجسَّمة أو الفراغية فتتعلق بدراسة الأشكال ذات البُعْد الثلاثي كتلك المبينة أعلاه. تشمل المواضيع المدروسة في الهندسة الإقليدية تطابق وتماثل المُثلثات والأشكال الهندسية الأخرى، وخواص المستقيمات المتوازية والمتعامدة. ومن المواضيع الأخرى، خواص الدوائر والكرات وقياس مساحات وحجوم الأشكال.
 

وإحدى أهم مسلمات الهندسة الإقليدية هي مسلمة التوازي لإقليدس وتُعْرف أيضًا بمسلمة إقليدس الخامسة أو بديهية التوازي، وإحدى صياغاتها هي: من نقطة لا تقع على مستقيم معلوم يمكن رسم مستقيم واحد يمر بتلك النقطة ويوازي المستقيم المعلوم. فالمستقيم ل في الرسم أدناه على سبيل المثال، هو المستقيم الوحيد الذي يوازي المستقيم أ ب ويمر بالنقطة ن.

 

حاول الرياضيون منذ عهد إقليدس ولقرون تلت أن يبرهنوا على أن مسلمة التوازي يمكن إثباتها من بقية مسلمات إقليدس. ولكن بعد القرن التاسع عشر الميلادي، اكتشف الرياضيون أن ذلك غير ممكن. وأدى هذا الاكتشاف إلى إيجاد نظم هندسية استُبدلت فيها مسلمة التوازي بمسلمَات أخرى. وتدعى هذه النظم الهندسية بالنظم اللاإقليدية.
الهندسة اللاإقليدية. هنالك نوع أساسي من الهندسة اللاإقليدية يدعى الهندسة الزائدية، وفيها تستبدل بمسلمة التوازي المسلمة التالية: من نقطة لا تقع على مستقيم معلوم يمكن رسم أكثر من مستقيم يمر بتلك النقطة ويوازي المستقيم المعلوم.

 
وفي أحد نماذج الهندسة الزائدية يعرَّف المستوى على أنه مجموعة النقاط الواقعة داخل دائرة، ويعرف المستقيم على أنه وتر من الدائرة، وتعرف المستقيمات المتوازية على أنها المستقيمات التي لا تتقاطع. وفي الشكل الذي على اليسار فإن المستقيمات ل ، م ، ك كلها تعد موازية للمستقيم أ ب بالرغم من أنها كلها تتقاطع في نقطة واحدة س. وتسمى الهندسة الزائدية أحيانًا هندسة لوباتشيفسكي إذ إنها اكتشفت في بداية القرن التاسع عشر الميلادي بوساطة عالم الرياضيات الروسي نيكولاي لوباتشيفسكي.
وهناك نوع أساسي آخر من الهندسة اللا إقليدية يدعى الهندسة الناقصية تستبدل فيها بمسلمة التوازي المسلمة التالية: من نقطة لا تقع على مستقيم معلوم لا يمكن رسم مستقيم لا يقاطع المستقيم المعلوم. بعبارة أخرى المستقيمات المتوازية لا وجود لها في الهندسة الناقصية.
وفي أحد نماذج الهندسة الناقصية نعرِّف المستقيم على أنه دائرة عظمى على الكرة، حيث الدائرة العظمى هي أي دائرة تنصف الكرة إلى جزأين متساويين. وكل الدوائر العظمى على الكرة تتقاطع. في الكرة التي على اليسار الدائرة العظمى أ ب جـ د تتقاطع مع الدائرة العظمى س جـ ص أ. وتسمى الهندسة الناقصية، أيضًا، هندسة ريمان إذ إنها تطوَّرت في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي على يد عالم الرياضيات الألماني جورج فريدريك برنارد ريمان.

 
وبما أن أحد أهم استخدامات الأشكال والمبادئ الهندسية هو وصف العالم الطبيعي، فلنا أن نتساءل أي نوع من الهندسة ـ الإقليدية أم اللاإقليدية ـ يُقدِّم النموذج الأفضل لذلك. فهنالك حالات يكون التناول اللاإقليدي أكثر ملاءمة لها، مثل نظرية النسبية لأينشتاين. انظر: النسبية. وهنالك حالات أخرى مثل البناء والهندسة والمساحة يكون من الأفضل تناولها بطريقة إقليدية.

الهندسة التحليلية. طريقة لدراسة الخواص الهندسية للأشكال باستخدام الوسائل الجبرية. وتهتم الهندسة التحليلية بالمواضيع ذاتها التي تهتم بها الهندسة الإقليدية؛ غير أنها تتيح طرقًا أيسر لبرهان العديد من النظريات. وتلعب دورًا مهمًا في حساب المثلثات وحساب التفاضل والتكامل.
تستخدم الهندسة التحليلة نظامًا إحداثيا كالذي يظهر في الشكل أدناه. وهذا النظام الذي يسمى النظام الديكارتي يتكون من خطي أعداد متعامدين في المستوى. ويُحدَّد موقع النقاط في الأشكال الهندسية في المستوى بإعطائها إحداثيين (عددين) على خطي الأعداد س ، ص. ويسمى س الإحداثي السيني وهو يحدد موقع النقطة بالنسبة لمحور س (خط الأعداد الأفقي) بينما يحدِّد ص ويسمى الإحداثي الصادي موقع النقطة بالنسبة لمحور ص (خط الأعداد الرأسي).
وعلى سبيل المثال، فإن الزوج الإحداثي للنقطة أ في الشكل أدناه هو (2، 1). وهذا يعني أن النقطة أ تقع على بعد وحدتين على يمين محور ص وعلى بعد وحدة واحدة فوق محور س مباشرة. وبالإضافة إلى هذا؛ فإن الشكل يظهر نقاطًا أخرى: ب ، جـ ، د، وإحداثياتها. هنالك تقابل أحادي بين نقاط المستوى والأزواج المرتبة (س ، ص) على المحورين الإحداثيين.

 

ويمكننا وصف الأشكال الهندسية بوساطة الإحداثيات بتكوين معادلات جبرية تمثل النقاط التي تكون تلك الأشكال. فمثلاً المعادلة 2س + ص = 2 لها العديد من الحلول على الصيغة (س ، ص) مثل (-2 ، 6)، (-1،4) ، (0 ، 2) ، (1 ، 0) ، (2 ، -2). وإذا رسمنا هذه النقاط على بيان إحداثي ثم وصَّلنا بينها فسنجدها تقع على خط مستقيم.

 

ويوضح الشكل السابق رسمًا بيانيًا لحلول المعادلة. أي نقطة (س ، ص) تقع على المستقيم لها إحداثيات تحقق المعادلة 2س + ص = 2، وكذلك أي زوج من الأعداد (س ، ص) يحقق المعادلة يقع على المستقيم. وللأشكال المستوية الأخرى أيضًا معادلاتها الخاصة بها ويمكن رسمها بيانيًا على نظام إحداثي. ومن هذه الأشكال نذكر القطوع المخروطية، وهي أنواع من المنحنيات تنتج عن تقاطع الأشكال المخروطية مع المستويات ومنها الدوائر والقطوع الناقصة والقطوع المكافئة.

نبذة تاريخية

الأشكال الهندسية الأولى. لا تُعرف بالتحديد البدايات الأولى للهندسة. ولكن تُبيِّن سجلات قدماء المصريين والبابليين أنهم كانوا على دراية ببعض مبادئ الهندسة قبل 5000 عام. ولقد طوَّر المصريون أفكارًا هندسية يمكن استخدامها لإعادة تخطيط حدود الأراضي بعد فيضان النيل السنوي، كما استخدم المصريون أيضًا الهندسة في بناء الأهرام.
انصبَّ اهتمام البابليين ـ مثلهم في ذلك مثل المصريين ـ على التطبيقات العملية للهندسة؛ كطرق القياسات اللازمة في البناء ومسح الأراضي. كان البابليون أيضًا على دراية بالأفكار التي أبانتها لاحقًا نظريات هندسية محدَّدة بما في ذلك نظرية فيثاغورث. انظر: فيثاغورث، نظرية.
هندسة الإغريق. كان للفيلسوفَيْن الإغريقيَيْن طاليس وفيثاغورث اللذين عاشا خلال القرن السادس قبل الميلاد تأثير كبير في التطور اللاحق في الهندسة. ويرجع الفضل إلى طاليس في تقديم أول برهان استنتاجي لنظرية هندسية. أما فيثاغورث الذي لقب بأبي الرياضيات، فقد أنشأ مدرسة دُرست فيها الرياضيات بتوسع كبير، كما قام بصياغة النظرية التي تحمل اسمه.
وفي القرن الرابع قبل الميلاد أصبح الإغريق أول من درس الرياضيات من منطلق نظري، وليس لمجرد تطبيقاتها العملية. ويرجع هذا التغيير، في التركيز إلى حد كبير، إلى تأثير الفيلسوف الإغريقي أفلاطون وتلاميذه في الأكاديمية. أما إسهام أفلاطون الأكثر ديمومة في الرياضيات فهو إصراره على استخدام الاستدلال الاستنتاجي في إثبات النظريات الهندسية. وقد كان يجادل بضرورة استخدام المنطق بدلاً من الرسومات المحسوسة لإثبات النظريات الهندسية؛ إذ إن الحواس يمكن خداعها. وخلال القرن الرابع قبل الميلاد، وضع الفيلسوف الإغريقي أرسطو، بصورة جلية، الأسس لنظام بدهي للاستدلال الاستنتاجي.
أما عالم الرياضيات الإغريقي القديم الذي يرتبط اسمه أكثر من غيره بالهندسة فهو إقليدس. ففي القرن الرابع قبل الميلاد. قدَّم إقليدس في كتابه العناصر النموذج الكلاسيكي لنظام مسلَّميّ بتعريفه الحدود، وإيراده المسلمات، ثم استخدامه المسلمات لإثبات المئات من النظريات. وخلال القرن الثالث قبل الميلاد؛ اكتشف عالم الرياضيات أرخميدس طرقًا لإيجاد مساحات وحجوم الأشكال المخروطية.
العرب والهندسة. لم يستطع أحد بعد إقليدس الذي دوّن علم الهندسة أن يزيد على هذا العلم شيئًا أساسيًا. غير أن العرب لهم أفضال على الهندسة؛ إذ إنهم اهتموا بها حينما أهملتها الشعوب الأخرى ثم حفظوها من الضياع وناولوها الأوروبيين في زمن باكر.
برع العرب في قضايا الهندسة وشرحوها، فقد عرفوا تسطيح الكرة وألّفوا فيه ومارسوه فنقلوا الخرائط من سطح الكرة إلى السطح المستوي، ومن المسطح المستوي إلى السطح الكرويّ. ولقد كان اهتمام العرب بالناحية العملية من الهندسة أكثر من اهتمامهم بالناحية النظرية. ومن العلماء العرب الذين احتلوا منزلة كبيرة في الهندسة العالم العربي المسلم البيروني (ت440هـ، 1048م) ومن أشهر كتبه، كتاب استخراج الأوتار في الدائرة بخواص الخط المنحني فيها. كما استطاع غياث الدين الكاشي في القرن الخامس عشر الميلادي أن يستخرج نسبة محيط الدائرة إلى قطرها ويحسبها حسابًا دقيقًا.
وفي حساب المثلثات قام العالم العربي المسلم نصير الدين الطوسي (ت 672هـ ، 1272م) بتنظيم المعارف المتعلقة بعلم المثلثات، ثم جعله مستقلاً عن علم الفلك. ولولا العرب لما كان علم المثلثات على ما هو عليه الآن، فإليهم يرجع الفضل في وضعه بشكل علميّ منظم. وممن اشتهر في علم المثلثات أيضًا العالم العربي المسلم أبو عبدالله محمد بن جابر البتاني (ت 317هـ، 929م). وهو أول من وضع جداول للظل التمام. وتبدو مكانة أبي الوفاء البوزجاني (ت 388هـ ، 998م) في المثلثات واضحة، فقد أوجد طريقة لحساب جداول الجيب، وكذلك عرف الصلات في المثلثات.
بدايات الهندسة الحديثة. يمكن إرجاع بدايات الهندسة الحديثة إلى القرن السابع عشر الميلادي، ففي ذلك الوقت ازداد الاتصال بين علماء الرياضيات عما كان عليه في أي وقت منذ أفلاطون، وشرع الفرنسيان رينيه ديكارت وبيير دوفيرما في العمل فيما صار يعرف لاحقًا بالهندسة التحليلية.
ولقد أوضح ديكارت مبادئ الهندسة التحليلية في كتابه الهندسة عام 1637م، بينما كان مدخل فيرما للهندسة أقرب للهندسة التحليلية الحديثة. وبما أن فيرما لم يقم بنشر أعماله فإن معظم الناس يُرجِعون الفضل إلى ديكارت في اكتشاف الهندسة التحليلية.
نهوض الهندسة اللاإقليدية. في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي، اكتشف كل من الألماني كارل فريدرك جاوس والمجري يانوس بولياي والروسي نيكولاي لوباتشيفسكي الهندسة اللاإقليدية كلُّ بصورة مستقلة عن الآخر. ففي محاولاتهم لإثبات مسلمة التوازي لإقليدس؛ توصَّل كل منهم لعدم إمكانية تقديم برهان لها. وقدَّم كل واحد منهم الهندسة الزائدية كأول نموذج لهندسة لاإقليدية. وكثيرًا مايُنسب فضل اكتشاف الهندسة الزائدية إلى لوباتشيفسكي نسبة لأبحاثه المنشورة وبخاصة مقالته حول أسس الهندسة (1829م).
ولقد ظلت الهندسة اللاإقليدية خارج إطار الهندسة التقليدية حتى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي. ففي ذلك الحين بدأ جورج فريدريك برنارد ريمان معالجة الهندسة اللاإقليدية. وفي محاضرة له عام 1854م، ناقش ريمان فكرة النظر إلى الهندسة على أنها دراسة أشياء غير معينة لأي عدد من الأبعاد في أي عدد من الفضاءات. وقد جعلت نظرته للهندسة دراسة عامة للفضاءات المنحنية نظرية النسبية لأينشتاين أمرًا ممكنًا.
قادت الاكتشافات الرياضية في القرن التاسع عشر الميلادي إلى تطوير مداخل أخرى إلى الهندسة، منها هندسة التحويلات التي تبحث في خصائص الأشكال الهندسية التي تظل ثابتة عندما تتعرض الأشكال إلى تحويلات معيَّنة (تغيير في الموضع). ويُعنى أحد ضروب هندسة التحويلات ويسمى الطوبولوجيا، بدراسة الخصائص الهندسية التي لا تتغير عند تشويه الأشكال أثناء تعرُّضها إلى عمليات الثنْي أو المطِّ أو القولبة. وتستأثر هندسات التحويلات بحيز كبير من النشاط البحثي في الرياضيات. انظر:الطوبولوجيا.