القراءة


هي عملية استخراج المعنى من الكلمات المطبوعة أو المكتوبة. وهي أساسية في التعلم، وإحدى المهارات المهمة في الحياة اليومية. والقراءة مفتاح لكل أنواع المعلومات، حيث تمكننا من معرفة كيف نبني الأشياء أو نصلحها، ونستمتع بالقصص، ونكتشف ما يؤمن به الآخرون، ونُعمل خيالنا، ونوسع دائرة اهتماماتنا، ونطور أفكارنا ومعتقداتنا الخاصة.
وقد يقرأ الناس مئات الكلمات بل آلافها في كل يوم، دون أن ينظروا في كتاب أو صحيفة أو مجلة. فهم على سبيل المثال، يقرؤون رسائلهم البريدية ولوحات الشارع وتوجيهات المرور ولوحات الإعلانات التجارية والكلمات المكتوبة في الإعلانات التجارية التلفازية، والعبارات الملصقة على الطرود، وكثيرًا من الأشياء الأخرى التي تحتوي على كلمات.
وتعني القراءة في أبسط معانيها التعرف على الحروف ومجموعاتها بوصفها رموزًا تمثل أصواتًا مخصوصة. وهذه الأصوات تؤلف، بدورها، كلمات تعبر عن أفكار تعبيرًا مطبوعًا أو مكتوبًا. والتعريف الأوسع للقراءة يجعلها أكثر ارتباطًا بالاستخدامات الأخرى للغة والتفكير. ووفقًا لهذا التعريف، تعتمد القراءة في المقام الأول على ذاكرة القارئ وخبرته في فهم ما يقرأ. وتنطوي بعد ذلك على مدى جودة تذكر القارئ للمواد واستخدامه لها وتفاعله معها.
وفي أغلب الأحيان يركز تعليم القراءة على مهارات معينة، مثل التعرف على الكلمة وتنمية حصيلة المفردات والاستيعاب (فهم المقروء). ومع ذلك، فربما تكون أفضل طريقة لتعلم القراءة هي ببساطة مجرد القراءة. فالكبار ـ وخصوصًا الآباء ـ والمعلمون وأمناء المكتبات يستطيعون مساعدة الأطفال ليصبحوا قراء جيدين عن طريق القراءة لهم وتشجيعهم على الإكثار من قراءة أنواع متعددة من المواد.
وتسمى القدرة على القراءة والكتابة التعلم، ويسمى الشخص الذي يستطيع القراءة متعلمًا، أما الشخص الذي لا يستطيع القراءة فيسمى أميًا.

أهمية القراءة

تؤدي القراءة دورًا رئيسيًا في الحياة اليومية لكثير من الناس. فالناس يقرؤون لوحات الطريق والخرائط ووصفات صنع الأطعمة والبطاقات الملصقة على زجاجات الدواء والإرشادات المرفقة بالأدوات المنزلية الجديدة، كما يقرؤون استمارات ضرائب الدخل وطلب الوظائف والاقتراض ويقومون بملئها. وتسمى القدرة على القيام بمثل هذه الأنشطة المفيدة القراءة الوظيفية أو التعلم الوظيفي.
وقراءة الطالب نوع خاص من القراءة الوظيفة التي كانت دائمًا مهمة بالنسبة للطلاب. فكل المواد الدراسية الأولية مثل الرياضيات والعلوم والدراسات الاجتماعية والتهجي تحتم على الطلاب قراءتها. وفي المرحلة الثانوية والجامعية تصبح معرفة المتعلم للقراءة والكتابة أمرًا أكثر أهمية. فالطلاب الكبار يجب عليهم أن يقرؤوا لكي يفهموا مجموعة من الموضوعات شديدة التنوع. وتتطلب قراءة الطالب أيضًا القدرة على قراءة أنواع خاصة من المواد المشتملة على الرسوم التوضيحية والرسوم البيانية والخرائط والجداول. ونظرًا لأن الناس يتعلمون طوال حياتهم، فإن هذه المهارات القرائية تظل مفيدة بعد أن يُنهي الشخص تعليمه النظامي.
وهناك نوع آخر من القراءة الوظيفية، وهو القراءة في محل العمل. وهذه القراءة معنية بالقدرة على قراءة المواد الضرورية للقيام بعمل معين. وتشمل هذه المواد كتبًا إرشادية لتشغيل الحاسوب والإنسان الآلي وغيرهما من الآلات التقنية. وإضافة إلى ذلك، تستلزم الترقية الوظيفية غالبًا الانخراط في صفوف أو ورش تدريبية تتطلب مهارات قرائية خاصة. وهذا هو أحد الجوانب التي تؤثر فيها قدرة الإنسان على القراءة، في نجاحه العلمي تأثيرًا مباشرًا.
وإضافة إلى القراءة التي يقوم بها الناس في الصفوف الدراسية وفي العمل، فإنهم يقرؤون الكتب والمجلات وغيرها من المواد طلبًا للمعلومات الشخصية والترويح عن النفس. فكثير منهم يقرؤون ليزدادوا معرفة باهتماماتهم الشخصية مثل الرياضة أو العلوم أو الأحداث الجارية أو التاريخ أو الصحة أو الزهور أو الرسم. ويقرأ ملايين الناس الروايات وقصص المغامرات والسير الذاتية وغيرها من الكتب طلبًا للتسلية. فالقراءة الترويحية تساعد الناس على فهم الآخرين وتأخذهم في رحلة إلى أجزاء مجهولة من العالم وتمكِّنهم من مشاركة الناس تجاربهم على امتداد التاريخ.
ونظرًا لأن التلفاز أصبح يشكل جزءًا رئيسيًا من الحياة المعاصرة، توقع بعض الخبراء أن يصبح الناس غير محتاجين أو راغبين كثيرًا في القراءة كما فعلوا من ذي قبل. ومع ذلك، فإن الكتب والمجلات والصحف مازالت تملأ الرفوف في محلات بيع الكتب وفي أكشاك بيع الصحف وفي الأسواق المركزية وفي المكتبات العامة. ويعتقد بعض الخبراء أن المعلومات والتسلية التي يقدمها التلفاز والأجهزة التكنولوجية الأخرى قد كشفت للناس أفكارًا واهتمامات جديدة أوجدت لديهم أسبابًا ودوافع إضافية تدعوهم للقراءة.

أنواع القراءة

يختلف الناس في قدرتهم على القراءة. فعلى سبيل المثال، يميل الذين يمارسون القراءة منذ مدة طويلة إلى فهم ما يقرؤونه فهمًا أسرع وأيسر من الفهم الذي يحققه القراء المبتدئون. وإضافة إلى ذلك، يثري القراء القدامى قراءاتهم بخبرات تأسيسية أكثر من القراء الجدد. فهم يستطيعون استخدام خبراتهم لإضافة معلومات مهمة، ربما لم يفصح عنها النص الذي يقرؤونه إفصاحًا تامًا.
وبغض النظر عن العمر والتدريب والخبرات الأخرى، فإن قدرات الناس على القراءة، وعاداتهم فيها، تختلف من شخص إلى آخر. فبعض الناس يقرؤون قراءة سريعة بشكل بارع، ويفهمون ـ في الوقت ذاته ـ النقاط الأساسية، ويتذكرون الأمثلة الرئيسية. وبعض الناس يقرؤون قراءة بطيئة جدًا محاولين استيعاب كل كلمة، دون تقييم لأهمية المعلومات في بعض الأحيان.
ويستعمل القارئ أساليب قرائية متنوعة اعتمادًا على طبيعة المادة المقروءة وصعوبتها والغرض من قراءتها وتطور لغة القارئ وألفته بالموضوع.
يمكن تصنيف القراءة في ثلاثـة أنواع رئيسية: 1- القراءة الترويحية 2- القراءة الدراسية 3- القراءة الاستطلاعية. ويستطيع القراء المهرة أن ينتقلوا بيسر وسهولة من نوع إلى آخر اعتمادًا على غرضهم من القراءة وعلى طبيعة المادة المقروءة نفسها.

القراءة الترويحية. يمدنا هذا النوع من القراءة بساعات عديدة من المتعة. وعندما يقرأ الناس لمجرد المتعة فإن أغلبهم يقرأ بسرعة متراخية غير منتظمة. فقد يمرون على حكاية ما مرورًا سريعًا إلى أن يصلوا إلى مشهد أو وصف أو حتى جملة تسرهم أو ترضيهم على نحو خاص، فيقرؤون هذا الجزء قراءة متأنية، وربما أعادوا قراءته للاستمتاع به أو تذوقه أو تأمله.
القراءة الدراسية. تتطلب هذه القراءة من القارئ عادة اهتمامًا دقيقًا بالنص المقروء. فالقارئ الجيد يبحث عن الأفكار والتفاصيل المهمة، ثم يحاول معرفة كيف ترتبط هذه الأفكار والتفاصيل بعضها ببعض، وكيف تنسجم مع الموضوع العام. وتميل سرعة القراءة إلى أن تكون أبطأ في الوهلة الأولى التي نقرأ فيها المادة الدراسية، وربما احتاج القارئ إلى إعادة قراءة مقاطع من النص لكي يفهمه فهمًا تامًا. وربما تكون سرعة القراءة أكبر بكثير عندما نقرأ المادة للمراجعة.

القراءة الاستطلاعية. ينطوي هذا النوع على تغطية قدر كبير من النص المقروء للحصول على فكرة عامة حول محتواه. وفي مثل هذه الأحوال يمكن للقارئ أن يمر مرورًا سريعًا على المادة لكي يفهم الفكرة الرئيسية. ثم يبحث القارئ بعد ذلك عن التفاصيل التي تعزز أو توضح تلك الفكرة. أما إذا كان غرض القارئ هو العثور على حقيقة معينة، أو مثال معين، فإنه يبدأ بالمرور السريع على النص، ثم يقرأ بعض المقاطع قراءة متأنية ليتأكد من أنه قد وجد المعلومات التي يرغب في العثور عليها.
التنقل بين أنواع القراءة. يستخدم أغلب الناس أساليب قرائية مختلفة. فعلى سبيل المثال، تُقرأ القصة البوليسية التي تطلب للتسلية فقط قراءة سريعة، بيد أن قراءة رواية روسية فذة تتطلب منا قراءة متأنية دقيقة. أما النصوص التقنية التي تؤدي إلى ترقيتنا في العمل، أو التي تخبرنا كيف نقوم بإصلاح شيء ما، فتتطلب عادة قراءة ثاقبة.
ويستطيع القراء الجيدون أن ينتقلوا بيسر وسهولة من نوع قرائي إلى آخر. فعلى سبيل المثال، قد يبدأ الطالب الذي يقوم بجمع معلومات لكتابة ورقة بحثية بمسح شامل للمقالات، ليحدد مدى مناسبتها لموضوعه. وقد تقود مقالة واحدة الطالب إلى تغيير موضوعه، ولذلك يقرأ هذه المقالة قراءة ثاقبة ويختار موضوعًا آخر. وفي أثناء بحث القارئ عن موضوع جديد، يقوم بالبحث عن معلومات لوضع مخطط أولي لبحثه. وقد يرى القارئ أثناء قراءته الاستطلاعية مقالة مسلية فيقرؤها للمتعة.
وتتحسن المرونة القرائية مع الخبرة. فالقراء المبتدئون يميلون إلى قراءة كل شيء على نحو مرتبك إلى حد ما، متقدمين بصورة بطيئة، كلمة فكلمة، لأنهم يشككون في مقدرتهم على التعرف على الكلمات. وعندما يقرأ القراء المواد التي تتبع أساليبهم اللغوية ـ أي الكلمات والجمل المألوفة التي يستعملونها ـ فإن هؤلاء القراء ـ وحتى المبتدئين منهم ـ يستطيعون القراءة بسرعة وفهم في آن واحد. ومع مرور الوقت يدركون أن المواد القرائية المختلفة تتطلب منهم قدرات قرائية مختلفة.

كيف نقرأ

تعتمد القراءة أولاً على إدراكنا (رؤيتنا وتعرفنا) للحروف والكلمات المكتوبة أو المطبوعة. ويجب علينا بعد ذلك أن نستوعب ما ندرك.
إدراك المادة المقروءة. تبدأ عملية القراءة عندما ترى عيوننا المثيرات البصرية ـ أي الرموز المطبوعة أو المكتوبة التي تشكل ما نقرأ. وتلتقط تحركات العين فوق الرموز المثيرات. وتحدث تحركات العين، التي تسمى الحركات اللاقطة، عندما تتحرك عيوننا خلال الصفحة متوقفة لمدة وجيزة لكي تلتقط مجموعات من الكلمات. وأثناء تحرك عيوننا خلال السطر تتوقف ثم تتحرك بصورة متكررة. وهذه الوقفات تسمى التركيزات. وتحدث حركة أخرى من حركات العين، تسمى النكوص، عندما ترتد عيوننا إلى الوراء لتعيد قراءة كلمة أو مجموعة من الكلمات. وعندما تتحرك عيوننا من سطر مطبوع إلى آخر تستعمل حركة تسمى سحبة العودة. ومع ذلك، فإن القراء الجيدين لايدركون حركات عيونهم أثناء القراءة.
وتحول الخلايا العصبية الموجودة في عيوننا المثيرات البصرية إلى نبضات إلكترونية تنتقل إلى المركز البصري في الدماغ، وعندئذ يرسل المركز البصري النبضات إلى المناطق المحددة في الدماغ، المسؤولة عن تنظيم التفكير وتخزين الذاكرة والاستدلال. وتتعرف هذه المناطق على الرموز المطبوعة أو المكتوبة وتحولها إلى معنى. وتتضمن العملية الجسدية للقراءة أيضًا تخزين الأصوات والمعاني والتمثيلات التصويرية لما نقرأ.
استيعاب ما يُدرك. تنطوي القراءة على أكثر من مجرد رؤية المثيرات البصرية. فلابد أولاً أن تختار نصًا معينًا يرضي أغراضًا معينة. وهذه الأغراض لا تحدد اختيار النص فحسب، بل تساعدك أيضًا على تحديد الخبرات والمهارات القرائية التي تستعملها لكي تستوعب المادة المقروءة. وقد يوحي لك غرضك بالطريقة التي يمكنك من خلالها استعمال المعرفة الجديدة أو الفهم الجديد الذي تحصلت عليه من المادة المقروءة.
وعندما تقرأ تعتمد على أفكار ومشاعر جمة مخزونة في ذاكرتك. وهذه الأفكار والمشاعر هي التي تشكل خلفيتك. وتعتمد في قراءتك أيضًا على الذاكرة الكلامية ـ أي على فهم الكيفية التي تجتمع بها الكلمات وتكوِّن أفكارًا أكثر تعقيدًا.
وتتغير خلفيتك وذاكرتك الكلامية مع كل تجربة قرائية. فالمعلومات التي تجدها في المادة المقروءة الجديدة تمتزج مع تجاربك السابقة فتصحح سوء فهم لديك أو تزودك بمعلومات جديدة أو توسع نطاق اهتمامك أو تساعدك على حل المشكلات.
ويفتقد القراء في حالات كثيرة الخلفية والذاكرة الكلامية التي يحتاجونهما لاستيعاب النص استيعابًا سريعًا وسهلاً. ويستطيع مثل هؤلاء القراء استعمال أساليب تدعى أساليب التعرف على الكلمة. وكلما زادت تجربة القارئ القرائية زادت قدرته على تطبيق هذه الأساليب لاستيعاب الكلمات غير المألوفة.
ويستطيع القراء استعمال أنواع عامة عديدة من أساليب التعرف على الكلمات. فعلى سبيل المثال، يستطيع القارئ الذي لا يعرف معنى كلمة معينة أن يبحث عن مفاتيح سياقية في النص المحيط بالكلمة. وقد تكون هذه المفاتيح دلالية أو نظمية. فعندما يستعمل القارئ المفاتيح الدلالية فإنه يحاول ربط الكلمة بالمعلومات والتوضيحات الأخرى التي تتضمنها المادة المقروءة. وتشمل المفاتيح الدلالية المقارنات والمقابلات والتعريفات والأوصاف ووضع الكلمات الجديدة بجانب كلمات مألوفة تساعد على شرح معناها. ويستطيع القارئ أيضًا أن يعتمد على المفاتيح النظمية ـ أي موقع الكلمة في النص واستخدامها النحوي. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يساعد تحديد وظيفة الكلمة (اسم، فعل، صفة، ظرف) القارئ على اكتشاف معناها.
وفي أسلوب للتعرف على الكلمات يدعى التحليل البنيوي، يستعمل القارئ مفاتيح داخل الكلمة نفسها ليخمن ما تعنيه الكلمة. ويعول القارئ على معرفته بمعاني السوابق واللواحق والجذور (أصول الكلمات) والكلمات متعددة المقاطع والنهايات الإعرابية، مثل الواو والنون (ون) والياء والنون (ين)، وكيفية ارتباطها، بعضها ببعض. فكلمة سيكتبون مثلاً، تتكون من السابقتين السين والياء والجذر كتب واللاحقة ون. وتمرن بعض الطرق التعليمية الطلاب على السوابق واللواحق والجذور، بيد أن أفضل طريقة يضيف من خلالها الطلاب مثل هذه المعرفة إلى ذاكرتهم الكلامية هي تعرفهم على الكلمات المكونة من هذه الأجزاء في نص يفهمونه واستعمالها في محادثاتهم وكتاباتهم.
ويستعمل أسلوبٌ آخر من أساليب التعرف على الكلمات يسمى الطريقة الصوتية العلاقات التي توجد بين الأصوات المنطوقة والحروف. فكثير من القراء المبتدئين يدرَّبون على نطق كلمة يكون بمقدروهم التعرف عليها بعد ذلك إذا كانوا قد سمعوها من قبل. وبهذه الطريقة يتعلم القارئ الربط بين الرموز المطبوعة والأصوات المنطوقة. ولتقف على مزيد من المعلومات حول علم الصوتيات، انظر الجزء الخاص بتعليم القراءة في هذه المقالة. انظر أيضًا: الطريقة الصوتية.
المقروئية. لا يتحدد نجاح عملية القراءة بمقدرة الشخص على القراءة الجيدة فحسب، بل أيضًا بمدى سهولة المادة المقروءة.وتشمل العوامل المهمة التي تؤثر في مقروئية أي مادة مطبوعة ما يلي : 1- متوسط عدد الكلمات في الجمل، 2- عدد الكلمات المفهومة عادة، 3- متوسط عدد المقاطع في الكلمات، 4- عدد الجمل المعقدة الطويلة، 5- عدد الأفكار المجردة، 6- استعمال شبه الجمل.
ويمكن كتابة الكتب الدراسية والمراجع والصحف والمطبوعات الحكومية ومطويات المستهلكين الإعلامية، بعد تحديد مستوى المخاطبين بمراعاة هذه العوامل. وقد وُضع عدد من الصيغ لتحديد مقروئية النصوص. ويجب أن يكون مستوى القراءة التقريبي معروفًا لمن سيقرؤون المادة. ومع ذلك، فليس ثمة صيغة أو طريقة محددة يمكنها التنبؤ بمواقف القراء واهتماماتهم أو معرفتهم السابقة حول الموضوع. فهذه العوامل الثلاثة قد تقود الناس إلى القراءة بمستويات أدنى أو أعلى من المستويات التي قد تتنبأ بها صيغة معينة. ويرفض كثير من الناشرين هذه الأيام الصيغ الجامدة لتحديد مقروئية النص، ولكنهم مستمرون في تصميم المواد المقروءة وفقًا لمستويات قراءة الجمهور المستهدف.

تعليم القراءة

إن تعقيد عملية القراءة يجعل من تدريسها بطريقة واحدة فقط أمرًا بالغ الصعوبة. وعوضًا عن ذلك، يستعمل أغلب معلمي القراءة مزيجًا من الأساليب يحدده أداؤهم الخاص وحاجات الطلاب والمواد التدريسية المتاحة. وتشتمل البرامج التعليمية المألوفة الاستعمال ما يلي : 1- المنهج الإنمائي، 2- المنهج التكاملي، 3- منهج التعليم بالممارسة، 4- المنهج الصوتي، 5- المنهج البصري الكلمي، 6- برامج القراءة الفردية.
المنهج الإنمائي. تستعمل هذه الطريقة مجموعة من الكتب الدراسية التي تسمى كتب القراءة الأساسية. وتشكل هذه الكتب المواد الأساسية في كثير من المدارس. وتتدرج كتب القراءة الأساسية في تقديم المهارات التي تعد مهمة للقراء المبتدئين، وخاصة أساليب التعرف على الكلمات. وتتيح الكتب الدراسية للطلاب الفرص لكي يوظفوا المهارات السابقة ويتدربوا عليها.
وتتكون الكتب الأساسية المعتادة لتعليم القراءة من كتب دراسية معدة لكل مستوى من مستويات تعليم القراءة. ويحاول ناشرو هذه الكتب الدراسية تقديم قصص ومقالات وكتابات أخرى ذات صلة بالأطفال. ويمكن أن يتضمن الكتاب مختارات من النصوص الأدبية التي حصلت على جوائز أو النصوص الأدبية الفذة القديمة. وبالإضافة إلى كتب تعليم القراءة، تقدم البرامج الأساسية كتب المعلمين، وكتب تمارين الطلاب والاختبارات، ومواد إضافية لكل مستوى من مستويات القدرة القرائية. وعادة ما يقسم المعلمون الذين يستعملون الكتب الأساسية لتعليم القراءة الأطفال إلى مجموعات وفقًا لقدراتهم القرائية واحتياجاتهم التعليمية. ويستطيعون بعد ذلك اختيار المواد التعليمية التي تلائم أهدافهم التعليمية واحتياجات الطلاب.
وفي البرامج الإنمائية تنطوي معظم دروس القراءة على إجابات مكتوبة يقدمها الطلاب عن أسئلة حول الواجب وعلى إكمال صفحات كتب التمارين التي تمُكِّن الطلاب من التمرن على المفاهيم المقدمة في دروس القراءة. ويركز عدد كبير من الدروس والنشاطات أيضًا على تنمية الاستيعاب والتفكير التحليلي. وبالإضافة إلى ذلك، هناك برامج كثيرة تساعد الطلاب على تحديد غايتهم من القراءة وتشجعهم على اختيار مواد قرائية إضافية.
وترسم خطط البرامج الإنمائية رسمًا مفصلاً، وتُمكِّن هذه البرامج المدارس من تعديل دروس القراءة لتناسب كل المستويات. ومع ذلك، يعتقد بعض الخبراء أن هذه البرامج تركز على أساليب التعرف على الكلمات على حساب الاستيعاب، خاصة فيما يتعلق بالقراء المبتدئين.
المنهج التكاملي. يحاول هذا المنهج تعليم الطلاب أن اللغة وسيلة فعّالة وممتعة للاتصال. وفيها يتعلم الأطفال الكلمات الجديدة من خلال المواد المقروءة ذاتها، حيث يمكن فهم معاني الكلمات واستخداماتها أفضل فهم.
والعلاقات التي تربط بين القراءة والكتابة والاستماع والتحدث علاقات جوهرية بالنسبة للمنهج التكاملي. فهذه الطريقة تعرف الكتابة على أنها أحاديث مطبوعة، والقراءة والاستماع على أنهما وسليتا تعلم، والكتابة والقراءة على أنهما طريقتان للتفكير باستعمال اللغة. ويبدأ المعلمون ـ الذين يأخذون بالمنهج التكاملي ـ تعليم الأطفال اللغة الشفوية واللغة المكتوبة كلتيهما وهم في أصغر سن ممكنة، وفي بعض الأحيان وهم في المرحلة التمهيدية.
وينص المنهج التكاملي على أن أفضل طريقة لتعلم القراءة هي قراءة المواد ذات المعاني. ويؤكد معلمو المنهج التكاملي على هدف القراءة وعلى اختيار الطالب للمادة المقروءة. فعوضًا عن أن يقرأ الطلاب نسخًا من كتاب مدرسي بعينه، يقرؤون مواد تعكس اهتماماتهم الشخصية. وغالبًا ما يستطيعون اختيار موادهم القرائية الخاصة من الصف الدراسي أو المدرسة أو المكتبة أو الكتب الخاصة.
ولا يتبع الصف الدراسي الذي يطبق المنهج التكاملي الدروس التي تتنبأ بالاحتياجات التي تتطلبها طريقة ما لقراءة نص معين. ولا يدرب المعلمون طلابهم بعد الانتهاء من قراءة نص معين على المهارات القرائية المستعملة لذلك النص. وعوضًا عن هذا كله، يأتي التدريب ببساطة من خلال مزيد من القراءة.
منهج التعليم بالممارسة. يسعى هذا المنهج إلى تنمية المهارات القرائية عن طريق جعل الطلاب يستعملون تجاربهم الخاصة وقدراتهم اللغوية. ويرتكز هذا المنهج على الاعتقاد القائل بأن ¸ما يمكنني قوله يمكنني كتابته، وما يمكنني كتابته يمكنني قراءته·. ويساعد هذا المنهج الطلاب على إدراك أن اللغة المكتوبة هي ببساطة لغة شفوية في شكل مطبوع. ويستعمل المعلم أساليب الأطفال اللغوية وأفكارهم لكي يساعدهم على تحسين مهاراتهم في القراءة والكتابة والاستماع والتحدث. ويُستعمل هذا المنهج عادة في الصفوف التي تطبق المنهج التكاملي وفي بعض البرامج الإنمائية.
وفي منهج التعليم بالممارسة، يصنع القراء المبتدئون نصوصهم الخاصة، وذلك بأن يملوا على معلمهم أفكارًا لقصة معينة. ويعتمد الطلاب في تكوين هذه الأفكار على تجاربهم الخاصة في المنزل والمدرسة. ويكتب المعلم أفكار القصة على السبورة أو على صحائف ورقية كبيرة، صانعًا ما يسمى في بعض الأحيان صحائف الخبرة. ثم يراجع المعلم صحيفة الخبرة مع الطلاب، ويطلب منهم قراءة جمل متنوعة، أو يراجع معهم المادة التي تعلموها، أو يعلمهم أي كلمات جديدة تتضمنها الصحيفة. وقد يقوم الطلاب الأكثر خبرة أيضًا بكتابة ورسم القصص ذاتها ليصنعوا كتبًا يقرأها الطلاب الآخرون.
ويعتقد بعض المربين أن منهج التعليم بالممارسة قد يحد من تعلم الطلاب أفكارًا وثقافات مختلفة. بيد أن المعلمين سرعان ما يقومون، في أغلب الحالات، بالجمع بين منهج التعليم بالممارسة والمناهج الأخرى. أما الخبراء الذين يفضلون منهج التعليم بالممارسة فيعتقدون أنه أسلوب فعّال، وخاصة فيما يتعلق بإعطاء الأطفال فهمًا راسخًا لماهية القراءة ـ وهي عملية الحصول على المعنى من الكلمات المكتوبة.
المنهج الصوتي. يعلم هذا المنهج الأطفال ربط الحروف بالأصوات. والمنهج الصوتي في الواقع أسلوب من أساليب التعرف على الكلمات لا يصبح منهجًا تعليميًا إلا من خلال التأكيد الشديد على نطق الحروف. ومن خلال استعمال القواعد الصوتية يتعلم التلاميذ ربط الصوت الصحيح للحروف بكل جزء من أجزاء الكلمة والتعرف على الكلمات ونطقها.
ويفترض معلمو المنهج الصوتي أن الأطفال يعرفون كلمات معينة من خلال سماعها. ويفترضون أيضًا أن الأطفال يستطيعون تعلم أن الأصوات المتنوعة للغة المتحدث بها تمثل حروفًا معينة أو خليطًا من حروف.
وبازدياد المفردات المرئية عند الأطفال يدركون أن بعض الكلمات تبدأ بالطريقة نفسها، كما تنتهي كلمات أخرى بالطريقة نفسها، وتحتوي مجموعة ثالثة على حروف متشابهة مثل (طحن، صحن)، (زرع، قرع) (زاد، زار). ويبدأ تعليم الأصوات في هذه المرحلة لمساعدة الأطفال على تمييز الكلمات الجديدة.
وبدراسة الأصوات وأشكالها الكتابية يتعلم الطفل ربط الصوت الصحيح بكل جزء من الكلمة ويميز نطق الكلمات.
ويبدأ المعلمون عادة بتعليم الطلاب الكلمات التي تتكون من حروف منفصلة مثل زرع، وكذلك الكلمات التي تخلو من الصعوبات الإملائية، ويتدرجون منها إلى الكلمات التي تحتوي على عناصر ذات طبيعة خاصة مثل اللام الشمسية أو الكلمات التي تخالف القواعد الإملائية مثل هذا، وذلك والرحمن والسموات.
وتمكن معرفة مبادئ الطريقة الصوتية الشخص من تحديد أصوات كثير من الكلمات غير المألوفة، كما تستطيع أيضًا مساعدة أطفال المرحلة الابتدائية على تعلم القراءة. لكن أغلب الخبراء يعتقدون أن هذا المنهج يصبح أكثر جدوى عندما يُجمع بينه وبين المناهج الأخرى التي تشدد على المعنى والاستيعاب.
المنهج البصري الكلمي. هو إدراك القارئ مجموعة حروف يراها أول وهلة بوصفها كلمة. وتوصل هذه الكلمة معناها إلى القارئ بصورة سريعة جدًا إلى درجة أن هذه العملية تبدو وكأنها عملية عفوية. وقد نشأ المنهج البصري الكلمي نتيجة افتراض مؤداه أن أول ما يتعلمه الأطفال ربما كان التعرف على الكلمات من خلال أشكالها أو من خلال السياق الذي تظهر فيه. فهم يتعلمون التعرف على أشكال كثير من الكلمات من خلال الكتب السهلة وعناوين البرامج والإعلانات التلفازية وبطاقات التعريف بالعديد من المنتجات. ويجب على القارئ المبتدئ أن يتحصل على ثروة لغوية بصرية أساسية تتضمن الكلمات التي يكثر استعمالها باستمرار في اللغة المحكية. وغالبًا ما نجد هذه الكلمات نفسها في اللغة المكتوبة. ويمكن مساعدة الأطفال في التعرف على الكلمات البصرية الأساسية من خلال تدريبهم عليها.
ويعتقد بعض المختصين في تعليم القراءة أنه يمكن تعليم الكلمات الجديدة بوصفها كلمات بصرية دون أي تحليل للأصوات التي تستلزمها. فالأطفال يتعلمون كلمات مألوفة كثيرة بهذه الطريقة. وفي ثلاثينيات القرن العشرين، قاد التوسع في تطبيق هذا المنهج إلى طريقة تدعى منهج انظر وقل أو منهج التعرف على الكلمة بوصفها كلا. ويركز هذا الأسلوب على التعرف على الكلمة. ويمكن للمبادئ الصوتية أن تساند دون قصد التعرف على الكلمات في هذه الطريقة. ولم يعد معلمو القراءة يركزون على التعليم بطريقة انظر وقل، بيد أن تنمية المفردات البصرية لايزال يشكل جزءًا من تعليم القراءة في كثير من الصفوف الدراسية.

برامج القراءة الفردية. تأخذ هذه البرامج في حسبانها القدرات والاحتياجات الشاملة للطلاب. وتكيف هذه البرامج التعليم والمواد القرائية لتتلاءم مع الحصيلة القرائية لكل طالب واهتماماته وقدراته. وتحتوي الصفوف الدراسية والمكتبات المدرسية على كتب ومواد قرائية أخرى تفي بحاجة العديد من مستويات قدرات الطلاب ومجالات اهتماماتهم. ويتطلب البرنامج القرائي الفردي إشرافًا دقيقًا من المعلم، الذي يجب عليه أن يتحقق من التقدم الذي يحرزه كل طالب في المهارات والمواقف والاهتمامات. ويتقدم كل طالب بأقصى سرعة ممكنة. ويمكن لهذه البرامج أن تتضمن بعض عناصر المناهج التعليمية الأخرى مثل المنهج التكاملي ومنهج التعليم بالممارسة.
ويمكن للتعليم الذي يستعين بالحاسوب أن يؤدي دورًا مهمًا في برامج القراءة الفردية، على الرغم من أنه قد يكون أيضًا مكملاً للمناهج التعليمية الأخرى. ويتضمن التعليم الحاسوبي نصوصًا متبوعة بأسئلة تقيس استيعاب الطالب. وإضافة إلى ذلك، تمكن برامج الطباعة على الحاسوب الطلاب من صنع قصصهم الخاصة. ومثل هذه البرامج شائعة أيضًا في الصفوف الدراسية التي تطبق منهج التعليم بالممارسة والمنهج التكاملي.

تنشئة قراء جيدين


حاول المربون طوال سنوات عديدة تحديد الجاهزية القرائية، أي العمر الذي يصبح فيه الأطفال جاهزين لتعلم القراءة. واعتقدوا أن الخصائص التي تشير إلى استعداد الأطفال للقراءة تتضمن القدرات البصرية والخبرات والاستقرار العاطفي والتقدم اللغوي وغيرها من الخصائص الأخرى. واتفق الخبراء عمومًا على أنه عندما يصل الأبناء والبنات سن السادسة والنصف تكون هذه الخصائص المتنوعة قد نمت نموًا كافيًا يمكِّنهم من تعلم القراءة. ونتيجة لذلك، تقدم معظم المدارس تعليم القراءة الرسمي للصغار ابتداء من هذه السن.
أما اليوم فإن معظم المربين يشككون في فكرة أن الأطفال يصبحون جاهزين لتعلم القراءة في سن السادسة والنصف. ويشيرون إلى أن بلوغ الطفل سن السادسة والنصف لا يضمن لنا تلقائيًا أنه سيستفيد من تعليم القراءة. فبعض الأطفال لا يكتمل عندهم ظهور المهارات المرتبطة عادة بالمقدرة على القراءة إلا في السنة الثامنة من أعمارهم، وبعضهم يمتلك هذه المهارات في سن الرابعة. وإضافة إلى ذلك، يعتقد بعض الخبراء اليوم أن المقدرة على القراءة تعتمد أساسًا على ما إذا كان في مقدور الطفل أن يركز ذهنه على الحروف والكلمات بوصفها رموزًا للمعنى أم لا. وقد أصبح ظهور تلك المقدرة يسمى التعلم الناشئ ـ أي بداية القدرة على القراءة. ويبدو أن مدى خبرة الطفل باللغة المحكية والمكتوبة هو المفتاح إلى التعلم الناشئ وليس عمره.
وتظهر الأبحاث أن الأطفال يبدؤون في الربط بين الأصوات والرموز التي تمثلها في سن مبكرة. فربما أدهش صغار السن من الأطفال آباءهم بالكلمات الأولى التي يقرؤونها مثل كلمتي ¸تخفيضات كبيرة· اللتين تضعهما المتاجر في لوحاتها الإعلانية. وإذا ما طُلب من الأطفال الذين لا يستطيعون الكتابة أن يكتبوا القصة التي ما انفكوا يحكونها شفويًا فإنهم يخربشون في الغالب الورقة خربشة منتظمة. ومثل هؤلاء الأطفال يبدون فهمًا لماهية الكتابة وللطريقة التي توضع من خلالها على الورقة.
ولذلك، تثبت الأبحاث أن الأطفال يبدؤون فهم اللغة منذ الوهلة الأولى التي يستمعون فيها إلى البالغين وهم يتحدثون معهم. ويبكي الأطفال، بدورهم، ليعربوا للبالغين عن احتياجاتهم من خلال إصدار أصوات متنوعة. ويوحي التعليم الناشئ بأن الأطفال من كل الأعمار يستطيعون التعلم من تجاربهم المرتبطة باللغة. فتجارب الأطفال المنزلية والمدرسية تؤثر على جودة تعلمهم القراءة تأثيرًا بالغًا.

التعلم في المنزل. يستطيع الآباء وغيرهم من البالغين في المنزل تعزيز نمو قدرات الطفل المرتبطة باللغة بطرق عديدة. ففي البداية، ينبغي عليهم التأكد من أن الطفل قادر جسديًا على القراءة من خلال مراقبة مشاكله البصرية والسمعية التي يمكن معالجتها أو تصحيحها. وينبغي على البالغين أيضًا قضاء وقت طويل في التحدث مع الطفل بصوت جذاب وواضح. فمن المحتمل أن يثير مثل هذا الاهتمام في نفس الطفل الرغبة في اللغة ويعطيه الفرصة لتمييز أصوات عديدة وبناء ثروة لفظية. ويقوم بعض البالغين بتحريك أشياء جذابة أمام عيني الطفل لتنشيط يقظته وتدريبه على تنمية المهارات الحركية، أي مهارات التحكم في حركات العينين والرأس.
وعندما يبدأ الأطفال في استعمال اللغة، ينبغي على الآباء وغيرهم من البالغين أن يحاولوا التخاطب معهم. وعندما يقومون بذلك، فإن عليهم احترام اهتمامات الطفل وأفكاره والصبر على محاولاته للتعبير عنها. وبهذه الطريقة يعلم البالغون الأطفال قيمة اللغة بوصفها وسيلة للتواصل، ويصبحون أيضًا مصدر معلومات رئيسيًا للطفل المحب للاطلاع.
ويستطيع الكبار مساعدة الطفل على التقاط الأفكار الأساسية وكيفية ارتباطها، بعضها ببعض، مثل الفرق بين فوق وأسفل، وبين تحت وعلى.
وترك الطفل يشارك في أعمال المطبخ أو في بناء شيء ما طريقة ممتازة لتعريفه بالمقاييس وإعطائه فكرة عن الأحجام والنِّسَبْ. ويستطيع الطفل من خلال مشاركته في فرز الغسيل تعلم تصنيف الأشياء. وتساعد مثل هذه النشاطات على تنمية مهارات التفكير المنطقي وتعلم الطفل أو الطفلة كيفية اتباع اطراد الاتجاهات.
وعندما يقرأ البالغ للطفل قراءة جهرية فإنه يستطيع مساعدته في تعلُّم حب الكتب والقراءة. فالأطفال ـ بمن فيهم الذين لم يبلغو السن التي تسمح لهم بفهم الكلمات ـ يستمتعون عادة بحميمية هذا النشاط. وينبغي على البالغين عندما يقومون باختيار مواد قرائية للأطفال الكبار أن يراعوا نضج الطفل واهتماماته. فالطفل يستطيع المشاركة في قصة ما من خلال طرح أسئلة حول أحداث القصة أو محاولة تخمين ما سيحدث لاحقًا. وفوق هذا كله، تمكِّن القراءة الجهرية المستمرة للطفل البالغ من تبيين المتعة التي تقدمها اللغة والقراءة. ويستطيع البالغون أيضًا أن يبينوا للأطفال محبتهم الشديدة للقراءة وذلك بتخصيص وقت للقراءة بهدف إمتاع أنفسهم.
العمل مع المدرسة. تعول المدرسة على التعليم اللغوي الذي بيدأ في المنزل. ويقوم المعلمون بتشجيع النمو القرائي من خلال القراءة للأطفال وحكاية القصص لهم ومناقشة التجارب الطفولية وتزويدهم بخبرات جديدة. ويستطيع المعلمون أيضًا إعطاء الأطفال الفرص العديدة ليعبروا عن أنفسهم تعبيرًا شفويًا، كما يستطيعون كتابة أو طباعة القصص البسيطة التي يمليها عليهم الأطفال. وتركز برامج القراءة في المراحل المبكرة على المهارات الأساسية الضرورية لإحراز الاستقلال في التعرف على الكلمات الجديدة وفهمها. ومثل هذه البرامج تساعد الأطفال أيضًا على استعمال الكلمات في جمل مفيدة وتنمي اهتمامات الأطفال ومواقفهم تجاه القراءة بوصفها خبرة مقنعة.
ويعتمد نجاح الطالب في أن يصبح قارئًا مستقلاً اعتمادًا كبيرًا على التعاون بين الآباء والمعلمين، إذ يمكن للآباء أن يعززوا تعليم المدرسة للقراءة من خلال التعرف على تجارب أبنائهم في المدرسة. وأثناء تعلم الطفل القراءة، ينبغي على البالغين أن يستمروا في تبيان أنهم يعدون القراءة نشاطًا مهمًا وممتعًا ونافعًا. فيمكنهم على سبيل المثال، أن يكثروا من القراءة بانتظام، كما يمكنهم أيضًا وضع مواد قرائية جذابة في المنزل.
وينبغي على الآباء وغيرهم من الكبار التعرف على القضايا والموضوعات المدرسية التي تشوق الطفل على نحو خاص. فهذه المعلومات سوف تساعدهم على تحديد مدى الجودة التي تخدم ـ أو يمكن أن تخدم ـ بها المواد القرائية اهتمامات الطفل الخاصة. وربما قاد هذا ـ بعد ذلك ـ البالغين أنفسهم إلى تقديم مادة قرائية يقبل عليها الطفل عن طيب خاطر. فعلى سبيل المثال، يمكن لأحد الأبوين أن يذكر لطفله المراهق ما كتبه أحد النقاد حول لاعب كرة قدم جديد في مجلة معينة، ثم يضع تلك المجلة على طاولة الطعام بحيث يمكن للمراهق أن يجدها فيما بعد ليتثبت من صحة ملاحظات الناقد أو يرفضها.
إن الأطفال الذين لا يولون المدرسة اهتمامًا كبيرًا، ويكون أداؤهم فيها ضعيفًا، ربما لم يكونوا قد تحصلوا على القدرات القرائية الضرورية للنجاح، أو ربما افتقدوا ببساطة الرغبة في موضوع القراءة. ونادرًا ما يؤدي إجبار الحدث على القراءة إلى حل دائم، ومن المؤكد تقريبًا أنه لن يسهم في تنشئة قارئ جيد. لذلك، فإن مناشدة اهتمامات صغار السن وتبيان أهمية القراءة وخدمتها لهم من الأساليب المهمة التي ثبت نجاحها.

مشاكل القراءة

حاول الباحثون منذ مدة طويلة تحديد الأسباب الدقيقة التي تفسر كيف أن بعض الناس لا يتعلمون القراءة مثلما يتعلمها الآخرون. ولكن كلما أمعن الباحثون في إدراك تعقيد عملية القراءة تأكد لهم أن معالجة مشاكل القراءة التي تنشأ عند طفل معين أهم بكثير من الوقوف على السبب الدقيق للمشاكل. ويستعمل بعض المختصين مصطلح عسر القراءة ليشمل أغلب مشاكل القراءة. ويشير مصطلح عسر القراءة إلى مشكلة يرى فيها القارئ الحروف والكلمات معكوسة أو مقلوبة. ومع ذلك، فإن مثل هذا العكس غالبًا ما يحدث عند القراء قليلي التجربة. وعمومًا فإن هذا المصطلح قد فقد أهميته لأنه أصبح يستعمل لوصف سلسلة طويلة من مشاكل القراءة، الأمر الذي أدى إلى حدوث ارتباك حول معناه. انظر: عسر القراءة.
ويفضل معظم المختصين مصطلح قصور القراءة لوصف قصور نمو القراءة الذي يمكن توقعه عند شخص ذي بصر وسمع عاديين وذكاء عادي أو فوق عادي. ويعتقد كثير من الخبراء الآن أن لمشاكل القراءة أسبابًا عديدة مختلطة جدًا إلى درجة يصعب فيها الفصل بينها. وإضافة إلى ذلك، لا يوجد قارئان يعانيان بالضبط من مشاكل بعينها. ولذلك، ينبغي أن يتولى المختص في هذا المجال تشخيص مشاكل القراءة كلها وعلاجها. وللمزيد من المعلومات حول مشاكل القراءة، انظر: القصور التعليمي.
علامات مشاكل القراءة. على الآباء والمعلمين وغيرهم من البالغين مراقبة علامات صعوبة القراءة عند الأطفال. وينبغي عليهم الشك في وجود صعوبة محتملة إذا أبدى الطفل كراهية للقراءة والمدرسة والواجب. وربما يفضل الطفل ـ عوضًا عن ذلك ـ النشاطات التي تتطلب قليلاً من القراءة أو لا تتطلب شيئًا منها. وقد ينتج عن ذلك حصول الطفل على درجات ضعيفة في المدرسة، وأصابة المعلم بالقلق. وقد يبحث الطفل عن أصدقاء غير مهتمين على وجه الخصوص بالمدرسة وغير ناجحين فيها.
وينبغي على الكبار أن يأخذوا في حسبانهم احتمال وجود مشكلة قرائية عند الطفل إذا كانت حصيلته من المفردات ضعيفة بشكل غير عادي. فربما كان الطفل الذي لا يجيد التحدث، أو الذي يقاوم التخاطب مع الكبار، أو يتفادى المواقف التي قد تتطلب الكتابة، يعاني من صعوبة فهم اللغة المحكية واللغة المكتوبة على حد سواء.
أسباب صعوبات القراءة. يمكن تصنيف صعوبات القراءة في أربعة أنواع عامة، هي : العزوف (عن القراءة) 2- ضعف التركيز 3- قلة الخبرة، 4- الإعاقات الجسدية.
العزوف. يعني العزوف انعدام الرغبة في القراءة. والعازفون عن القراءة يستطيعون القراءة، ولكنهم يميلون إلى تجنبها. والعزوف عن القراءة يكرس نفسه ـ أي لا يستطيع قليلو القراءة تنمية مهاراتهم القرائية. فالناس عادة لا يحبون القيام بعمل لا يجيدون أداءه، ولذلك فإن العازفين عن القراءة يميلون إلى التقليل المستمر من القراءة. ومثل هذا التكريس للعزوف عن القراءة يصبح حقيقيًا على وجه الخصوص في الصف الدراسي الذي يجلس فيه الطالب العازف عن القراءة وسط قراء مهرة.
ضعف التركيز. إذا أراد الإنسان استخراج المعنى من المادة المقروءة يجب عليه أن يركز ذهنه على النص. وفي بعض الأحيان يخفق كل القراء تقريبًا في فهم النص الذي تراه أعينهم. وغالبًا ما يحاول بعض القراء ـ وبخاصة الصغار الذين يكلفون بواجب قرائي منزلي ـ القراءة بهذه الطريقة، كما لو كانت عملية القراءة عملية آلية لاتحتاج إلى تفكير. ولكن استيعاب المادة المقروءة يتطلب استحضار معرفة القارئ وخبرته في عملية الحصول على معنى من الكلمات. فمن الواضح أن الاستيعاب يتطلب اهتمامًا بالموضوع وكيفية تناول النص له.
ويستطيع القراء العمل على تحسين استيعابهم بعدة طرق. فينبغي عليهم، أولاً، أن يدركوا السبب الذي دفعهم إلى قراءة نص مخصوص. وينبغي عليهم بعد ذلك إيجاد توقعات وتنبؤات حول النص الذي سيقرؤونه اعتمادًا على أمور مثل عنوان النص ومؤلفه وبنيته. وينبغي عليهم أثناء القراءة أن يلخصوا المادة ويقيموها. ومن شأن الرجوع إلى مصادر أخرى ـ مثل معجم أو نص آخر أو معلم أو شخص آخر ـ أن يساعدهم على توضيح المادة القرائية الصعبة.
قلة الخبرة. يستحضر كل القراء خبراتهم في عملية الاستيعاب. فالأطفال الذين يأتون من بيوت تُقدّر فيها الأحاديث والأفكار والمواد المطبوعة حق قدرها تكون لديهم خبرة واسعة تمنحهم تفوقًا في نموهم بوصفهم قراء. أما الأطفال الذين تكون خبراتهم محدودة فقد يواجهون مشقة أكبر في القراءة. وإضافة إلى ذلك، قد يستحضر القراء خلفية واسعة عند قراءتهم بعض الموضوعات، ولكنهم لا يستحضرون إلا خبرة قليلة عند قراءة بعض النصوص الأخرى.
ويستطيع الكبار مساعدة الأطفال لكي يصبحوا قراء ناجحين عن طريق تزويدهم بخبرات كثيرة متنوعة، وبخاصة الخبرات المرتبطة باللغة. فعملية القراءة نفسها تثري خلفية الطفل، ولذلك فإن الخبرة والقراءة تقوي إحداهما الأخرى.
وربما احتاج الأطفال الذين يتحدثون لغة أو لهجة مختلفة عن تلك التي تستخدم في مدرستهم برامج لتطوير لغتهم. وهذه البرامج تعلم الأطفال بأنهم يستطيعون تعلم أكثر من لغة أو لهجة واحدة لكي يشاركوا في أمور مجتمعهم العادي ـ ويظلون مع ذلك فخورين بثقافتهم الخاصة. فكثير من المدارس في المملكة المتحدة وأستراليا وأمريكا الشمالية تدرس الإنجليزية بوصفها لغة ثانية، وتقدم تعليمًا خاصًا للأطفال الذين يتحدثون بلغتين.
الإعاقات الجسدية. يمكن أن يسبب قصور النمو العقلي وعيوب البصر والسمع صعوبات في القراءة، ولكنها مع ذلك، ليست مسؤولة إلا عن نسبة قليلة من مشاكل القراءة. وقد يلاحظ الكبار جوانب شاذة رئيسية في النمو العقلي للطفل قبل وقت طويل من ظهور المخاوف حول قدرات الطفل القرائية. وقد يكون الأبوان يتلقيان مساعدة لطفلهما. على أن جوانب الشذوذ البسيطة قد لا تظهر إلا عندما يبدأ الطفل في القراءة. وعندما يلاحظ المعلمون فرقًا كبيرًا بين الأداء القرائي المتوقع من الطفل وإنجازه الفعلي، فإنهم قد يوصون بعرضه على طبيب أطفال ليتولى تقييمه.
ولا تنتج المشكلة البصرية أو السمعية في حد ذاتها قراءة ردئية. ومع ذلك، فإن حل مثل هذه المشكلة يساعد على نمو القراءة. وقد لا تظهر العيوب السمعية والبصرية إلا بعد أن يُجرى للطفل فحص تصويري في المدرسة، بيد أن الآباء والمعلمين قد يلاحظونها قبل ذلك. وتتضمن علامات وجود مشاكل بصرية محتملة عند الطفل فرك العينين وتخزيرهما، وتقريب الصورة أو المادة المطبوعة من الوجه أو إبعادها عنه، والشكوى من الصداع. وربما كان الأطفال الذين لا ينتبهون، أو الذين يخطئون في فهم التوجيهات أو يطلبون إعادتها، أو الذين لديهم عادات غير طبيعية في التحدث، يمرون بصعوبات سمعية. وفي أغلب الأحيان، يمكن حل مشاكل البصر والسمع عن طريق النظارة أو السماعة المكبرة للصوت التي توضع في الأذن.

القراءة والمجتمع


تعكس طريقة الحياة في أي بلد إلى حد كبير نسبة الذين يستطيعون القراءة والكتابة. فكلما زادت نسبة المتعلمين زاد تطور طريقة الحياة تقنيًا وعلميًا واقتصاديًا.
ولذلك، تقدر معظم المجتمعات القدرة على القراءة والكتابة حق قدرها. فالقراء المهرة يشاركون في خلق مجتمع مزدهر منتج، ويتمتعون هم أنفسهم في الوقت ذاته بحياة حافلة ومُرضية.
وفي كل المجتمعات، لا يملك بعض الناس إلا المهارات الأساسية للقراءة والكتابة. فهم يستطيعون قراءة اللوحات الإرشادية البسيطة وبطاقات الطرود البريدية وأشباهها. ويستطيع هؤلاء المتعلمون تعلمًا وظيفيًا أن يقرؤوا ويكتبوا بالقدر الذي يمكنهم من تسيير أمورهم. وهذه القدرة المحدودة ربما تكون كافية لأناس يعيشون في قرية نائية من قرى بلد نام، ولكنها ليست كافية لمن يعيش في مدينة كبيرة في بلد صناعي. ومن جهة أخرى، نجد ـ حتى في البلدان الشديدة التطور ـ أناسًا غير متعلمين وظيفيًا، إذ لا يستطيعون مزاولة القراءة والكتابة اللتين قد يتطلبهما العمل. وقد لا يكونون قادرين أيضًا على استعمال اللغة استعمالاً جيدًا للوفاء بمطالب مجتمعهم.
ويجري تحديد نسبة التعلُّم (القدرة على القراءة والكتابة) حول العالم اعتمادًا على الإحصائيات التي تقوم بها كل دولة. ولا تُعَّرف الدول كلها التعلُّم بنفس الطريقة، ولكن أغلبها يحاول وصف مستوى أساسي من القدرة على القراءة والكتابة. وفي عام 1990م كان حوالي 73% من سكان العالم الذين بلغت أعمارهم 15 عامًا فما فوق قادرين على القراءة والكتابة. وهذا يعني أن حوالي بليون شخص ـ أو 27% ممن هم في تلك السن في العالم ـ كانوا أميين. وفي بعض البلدان مثل كندا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، يستطيع 99% ممن هم في سن الخامسة عشرة أو ما فوقها القراءة والكتابة. ومع ذلك، تظل الأمية الوظيفية مشكلة في الدول المتقدمة.
وتشتمل إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية على أعلى نسبة مئوية من الأميين. وفي أمريكا اللاتينية، على سبيل المثال، انخفض معدل الأمية من حوالي 32% عام 1960م إلى حوالي 20% عام 1980م. انظر: الأمية (جدول معدلات الأمية في بعض البلدان المختارة).

أسئلة

  1. كيف يمكن للمعلمين تشجيع نمو القراءة؟
  2. لماذا يستعمل الناس أساليب قرائية مختلفة لأحوال قرائية مختلفة؟
  3. ما التعليم الناشئ؟
  4. لماذا كانت جودة القدرة على القراءة دائمًا مهمة للطلاب؟
  5. كيف يمكن للمفاتيح السياقية أن تساعد القارئ على معرفة معنى الكلمة؟
  6. لماذا تقدر أغلب المجتمعات القدرة على القراءة؟
  7. ما العزوف؟ وكيف يمكن معالجته؟
  8. كيف يصنع القراء المبتدئون نصوصهم الخاصة في منهج التعليم بالممارسة؟
  9. كيف يستطيع الآباء وغيرهم من الكبار الرقي بالنمو اللغوي عند الأطفال في المنزل؟