أيام العرب

أيام العرب وقعات وغارات ومعارك دارت بين العرب في العصر الجاهلي تناقل الرواة قصصها مع ما صحبها من أشعار. دارت معارك هذه الأيام بين قبائل العرب فيما بينها، وقليل منها دار بين الفرس والعرب. أكثر هذه الأيام وقع بين العدنانيين (عرب الشمال) بسبب شح موارد الصحراء. غير أنهم في بعض الأحيان أحسوا وطأة القحطانيين (عرب الجنوب) عليهم فناهضوهم في معارك سجلتها أيام العرب.
ليست أيام العرب محض وثائق عسكرية تتحدث عن وقعات حربية، وتصور روحًا قتالية مستمرة، ولكنها ذات محتوى درامي ورسالة أدبية ووظيفة ملحمية تكتسبها من الصوت الإبداعي المنبثق من وجدان الأمة العربية.
تورد بعض المصادر المعارك التي خاضها الرسول ³ضمن أيام العرب. ويقسِّم بعضها أيام العرب إلى أيام قبل الإسلام وأيام بعد الإسلام. غير أن المعارك الإسلامية غلب عليها وصف المغازي. وتناقش هذه المقالة أيام العرب في الجاهلية من حيث احتواؤها على تفاصيل المعارك والأحداث التاريخية ومن حيث قيمتها الأدبية بما اشتملت عليه من الروايات المتناقلة نثرًا، وسير أبطالها الملحمية التي تمثل جانبًا مهمًا في بنية الشخصية العربية الجاهلية.
يرى بعض الباحثين أنه لا يصح للمؤرخ المحقق الاعتماد على أيام العرب مصدرًا من مصادر التاريخ الجاهلي، ذلك أن أحداثها مظنة للشك بسبب رواياتها المتناقلة شفاهة. ثم إن للرواة من الغرض والهوى ما يدفعهم لتفضيل بعض القبائل المتنازعة على بعض بحكم انتمائهم العصبي. ولكن هؤلاء الباحثين لا ينكرون أن لها من الفائدة التاريخية نصيبًا يتمثل في إشاراتها إلى طبيعة العلاقات التي كانت قائمة بين العرب وغيرهم من الأمم كالفرس والروم والعرب فيما بينهم.
معنى اليوم. أكثر أيام العرب غارات تقع في يوم واحد وقليلاً ما استمرت المعارك أكثر من يوم واحد، ولكن بعض الأيام استمرت معاركها إلى عشرات الأعوام مثل أيام داحس والغبراء وأيام البسوس. واشتملت هذه المعارك على عدة أيام مشهورة بين أيام القتال فيها، وكانت تتخللها فترات من الترقب ـ قد تطول ـ بين معركة وأخرى.
ويعني اليوم النهار دون الليل إذ كانوا يتوقفون عن القتال في الليل ليعاودوا الاقتتال غداة اليوم التالي. وكان من عادة الجاهليين الإغارة صباحًا وقليلاً ما دارت المعارك ليلاً. ومن أشهر صرخاتهم " يا سوء صباحاه" يصيح بها الصريخ في قومه إعلامًا بزحف الأعداء نحوهم.
الشعر في أيام العرب. كانت أحداث أيام العرب عاملاً مهمًا في شحذ القرائح وتهييج العواطف وتحريك الدوافع في نفوس الشعراء لقول الشعر. فهم يقولونه قبل المعركة لإثارة الموتورين وتأليب الرجال ودعوة الحلفاء. ويقولونه في أثناء المعارك لتشجيع المنخذلين والخائرين. ويقولونه بعد المعركة ازدهاء بالنصر أو تسويفًا للهزيمة أو رثاءً للرجال الذين فجعت بهم القبائل. ولذا فإننا نطالع هذا الفيض الغامر من التراث الشعري المرتبط بأحداث الأيام. والشعر عند الجاهليين ينمو ويزدهر في أيام الحرب ويذوي ويضمر عند خمودها.
كان أكثر شعر الأيام الذي يقال في أثناء المعركة رجزًا، لما له من خفة تناسب جو المعارك، ولسهولة نظمه قياسًا إلى بحور الشعر الأخرى. وغلب على أراجيز المعارك القِصَر، إذ لا تعدو مهمتها أن تكون بث الحماسة في نفوس الرجال. ثم إن جو المعركة لا يسمح بالإطالة التي تشغل الرجال عن القتال. ومن أمثلة ما ارتجز به الشاعر الجاهلي أثناء المعركة قول امرأة من عجل في يوم ذي قار تحض آل بكر على قتال الفرس:

إن تَهْزِموا نعانق   ونفرش النمارق
أو تُهْزَموا نفارق   فراق غير وامق
أما الشعر الذي كان يقال عقب المعارك فقصائد مطولة متنوعة في بحورها وأغراضها. تستمد هذه القصائد صورها من مشاهد المدن والحرب والضرب، والكر والفر، والرماح المشرعة، والسيوف المسلولة. وقيل هذا الشعر في الحماسة والفخر والرثاء والمدح والهجاء والوعيد والتحذير والعتاب والاعتذار عن الهزيمة والحكمة. اتسمت معاني هذا الشعر بما اتسمت به معاني الشعر الجاهلي من حيث إنها مستمدة من بيئة العربي الجاهلي محدودة العناصر. فهي تمثل مظاهر الطبيعة حوله من نهار وليل وجبل وسهل وحر وقر، وما حوله من حيوانات وطيور وأدوات يستخدمها في حياته البسيطة. وهذا الشعر بطبيعة الحال بعيد عن الخيال الخصب الذي يعكس الإحساس بصور متخيلة غير مرئية.
يقع أكثر الشعر العربي المنحول في الشعر الذي قيل في أيام العرب؛ فقد اجتمع لها من الأسباب ما يسَّر انتحال شعرها. ومن هذه الأسباب: 1- لم يكن شعر الأيام مدوَّنًا شأنه في ذلك شأن الشعر الجاهلي عامة، وإنما اعتمد على الرواة الحافظين. وفي ذلك ما فيه من ضعف يعتري الحافظة البشرية. 2- ثم إن التعصب القبلي للرواة أسهم بباع طويل في هذا النحل بما يبعثه من دوافع إلى تحريف الأحداث واختلاقها وما يصاحبها من شعر. 3- أصبحت الأيام بفعل توالي العصور مادة قصصية يأنس الناس إليها، مما حدا بالرواة إلى تنسيق حوادثها لتغنى بجانب تشويقي يشبع لهفة السامع والقارئ، وانعكس ذلك على أشعارها.
حفلت المعلقات بذكر أيام العرب، إذ إن شعراءها ينتمون إلى هذه القبائل المتنازعة، ومنهم من كان فارسًا شارك في معاركها. ومن أشهر ما ورد في المعلقات من شعر يتصل بأيام العرب ماجاء في معلقة زهير من ذكر لحرب داحس والغبراء ومدح للسيدين هرم بن سنان والحارث بن عوف اللذين أصلحا بين قبيلتي عبس وذبيان، يقول زهير:

يمينًا لنعم السيدان وجدتما   على كل حال من سحيل ومبرم
تداركتما عبسًا وذبيان بعدما   تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم
وقد قلتما إن ندرك السلم واسعًا   بمال ومعروف من القول نسلم
فأصبحتما منها على خير موطن   بعيدين فيها عن عقوق ومأثم
عظيمين في عليا معد هديتما   ومن يستبح كنزًا من المجد يعظم
كما حفلت نقائض جرير والفرزدق بذكر هذه الأيام، إذ أن أثرها على العرب ظل ممتدًا إلى عصرهما.

أشهر أيام العرب

تشير المصادر إلى استحالة حصر أيام العرب في عدد معلوم لكثرتها، وقد أشار بعضها إلى 1,700 يوم، وبعضها إلى 1,200 ، وبعضها إلى 75 يومًا. من أشهر هذه الأيام ما وقع بين العرب والفرس، وما وقع بين القحطانيين والعدنانيين، وما وقع من أيام داخلية بين القحطانيين أنفسهم أو العدنانيين أنفسهم.
أيام بين العرب والفرس. وقع بين العرب والفرس يومان هما: يوم الصفقة ويوم ذي قار، وأشهرهما يوم ذي قار.
يوم ذي قار حرب جرت بين العرب والفرس بعد ظهور الإسلام ولكن مصنفات الأيام تدخله ضمن أيام العرب مع بعض ما وقع منها بعد البعثة كيومي الشيطين وسحبل لكونها محض حروب جاهلية في بواعثها. وتتلخص قصة هذا اليوم في أن كسرى سمع وشاية عن النعمان بن المنذر وأرسل إليه كتابًا يطلب فيه أن يُرسل إليه بعضًا من حرائر فتياتهم، فأبى النعمان ذلك. وطلب كسرى النعمان في المدائن فأيقن بالهلاك وسار حتى استودع أهله وأمواله هانئ بن مسعود من بني بكر بن وائل. قتل كسرى النعمان وبعث يطلب من هانئ بن مسعود ما خلَّفه النعمان عنده، فأبى هانئ ذلك. عزم كسرى على الإغارة على بني بكر ابن وائل فنصحه بعض مستشاريه من العرب أن ينتظر حتى الصيف حيث ترد بكر ماءً يقال له ذو قار ففعل كسرى. ولما حان الصيف ونزلت بكر بذي قار أتاهم جند كسرى مع حلفائهم من العرب، وخيَّرهم قائد الجند بين أن يعطوا ما بأيديهم أو يأذنوا بحرب. فاختاروا الحرب بعد ما جرى بينهم من مشورة. تقابل الجيشان، فخرج قائد من قواد كسرى يطلب المبارزة فبرز له يزيد بن حارثة من بني يشكر وشد عليه بالرمح فقتله. ثم تحرك رجال من بني بكر وكمنوا لجيش الفرس كمينًا في مكان يقال له الجبئ، ثم خرجوا عليهم وشدوا على قلب الجيش وولت بعض أحلافهم هاربة، وانهزم الفرس وتبعتهم بكر تقتلهم بقية يومهم.
تأثر العرب كثيرًا بهذا اليوم إذ إنه أول يوم تهزم فيه العرب الفرس، فقالوا فيه شعرًا كثيرًا، من أشهره قول الأعشى:

لما رأونا كشفنا عن جماجمنا   ليعلموا أننا بكر فينصرفوا
قالوا البقية ! والهندي يحصدهم   ولا بقية إلا السيف فانكشفوا
لو أن كل معدّْ كان شاركنا   في يوم ذي قار ما أخطاهم الشرف
أيام بين القحطانيين والعدنانيين. دار بين القحطانيين والعدنانيين أيام كثيرة، منها يوم طخفة والسلان وخزاز وحجر وخيف الريح والكلاب الثاني.
يوم طخفة. كانت الردافة بمنزلة الوزارة، وكان الرديف يجلس على يمين الملك إذا جلس، ويردفه وراءه إذا ركب، وله ربع غنيمة الملك. وكانت ردافة ملوك الحيرة في بني يربوع. وأراد الملك المنذر بن ماء السماء أن يجعلها في بني مجاشع، وحدَّث بني يربوع في ذلك فأبوا عليه وقالوا " لن ندعها" فقال: "فإن لم تدعوها فأذنوا بحرب" فقالوا "دعنا نسر عنك ثلاثًا ثم آذنّا بحرب". وسارت يربوع ذاهبة عن الملك ونزلت شعبًا بطخفة. ولما مضت ثلاث ليال أرسل الملك قابوس ابنه وحسان أخاه في جيش كبير. وانطلق الجيش حتى أتى الشعب فحملت عليهم بنو يربوع وردوهم على أعقابهم واتبعتهم الخيل تقتل وتطعن حتى انهزم الجيش وأخذت الأسلاب، وأسر قابوس وحسان. وفدى المنذر ابنه وأخاه ورضي حكم بني يربوع ورد عليهم الردافة، وأهدر عنهم ما قتلوا، وترك لهم ما غنموا ودفع لهم ديات من قتل منهم.
وفي ذلك يقول شاعر بني يربوع عمرو بن حوط بن هرمي بن رباح:

قسطنا يوم طخفة غير شك   على قابوس إذ كره الصباح
لعمر أبيك والأنباء تنمي   لنعم الحي في الجلَّى رباح
أبوا دين الملوك فهم لقاح   إذا هيجوا إلى الحرب أشاحوا
فما قوم كقومي حين يعلو   شهاب الحرب تسعره الرماح
أيام القحطانيين فيما بينهم. وقعت بين القحطانيين فيما بينهم أيام شهيرة من أيام العرب، ولاسيما ما وقع منها بين الأوس والخزرج، ومن ذلك بعاث والسرارة وفارع والبقيع.
يوم بعاث. استعانت الأوس على الخزرج في بعض حروبها ببني قريظةوالنضير. وبلغ ذلك الخزرج فحذروهم وأخذوا منهم 40 رهينة. ورغب الخزرج في أن يسكنوا ديار بني قريظة والنضير لما فيهما من الخصب، فبعثوا إليهم "أن خلوا بيننا وبين دياركم وإلا نقتل ما بأيدينا من رهائن" ولم تتخلَّ بنو قريظة والنضير عن ديارهم، فقتل الخزرج الرهائن. غضب بنو قريظة والنضير وراحوا إلى الأوس يشجعونهم على قتال الخزرج ويعدونهم بالإعانة على ذلك. وذكر الأوس ما أوقع بهم الخزرج في سالف حروبهم فنهضوا للحرب. وحشدت الأوس رجالها وحشدت الخزرج. وكان اللقاء ببعاث. وكان حشدًا لم يسبق له مثيل في سالف حروبهم. واقتتل الحيان قتالاً شديدًا وانهزمت الأوس في أوله فولوا مصعدين. ثم جمَّعهم قادتهم وحملوا بهم على الخزرج فانهزمت وكان الظفر حليف الأوس.
أيام العدنايين فيما بينهم. دارت وقعات بين العدنانيين فيما بينهم أشهرها أيام البسوس بين أحياء ربيعة وأيام داحس والغبراء بين أحياء قيس. اشتلمت حرب البسوس على أيام عدة منها يوم النهي والذنائب وعنيزة وتحلاق اللمم. واشتملت حرب داحس والغبراء على أيام الرقم وحوزة الأول والثاني واللوى.
حرب البسوس وقعت بين بكر وتغلب ابني وائل، وقد دامت 40سنة، واشتملت على أيام أولها النهي. وتتلخص قصة هذه الحرب في أن كليب بن وائل لما اجتمعت له معد كلها في ملكه طغى وتجبَّر واستشعر عزة ما بعدها عزة، حتى ضرب به المثل فقيل " أعز من كليب". تزوج كليب جليلة بنت مرة بن ذهل بن شيبان، وكان لمرة عشرة بنين أصغرهم سنًا جساس، ولكنه أكبرهم همة. نزلت البسوس بنت منقذ ـ خالة جساس ـ عليه وصارت جارة لبني مرة. وكانت للبسوس ناقة وفصيل لها بين إبل جساس ، فقتل كليب الفصيل ورمى الناقة في ضرعها لأن جساسًا لم يستأذنه في إقامة خالته بينهم. واحتمل جساس الضيم حفاظًا على وحدة الحي ورعاية للمصاهرة. شرعت البسوس تعيرِّ جساسًا بأنه لم يحم ذمارها ولم يرع جيرتها، فأوغرت صدره على كليب. ظفر جساس بكليب عند غدير يقال له الذنائب فقتله. وكان لكليب أخ اسمه مهلهل حرضه قومه على طلب ثأر أخيه. تباطأ مهلهل فشرع قومه يعيِّرونه بأنه معاقر خمر وزير نساء وحليف طيب ودهان، فترك كل ذلك ونهض للحرب. وكان مرة بن ذهل بن شيبان قد رحل بأهله عقب مقتل كليب إلى ماء يقال له النهي. ووقعت الحرب بين الحيين عندما سار مهلهل إلى بني شيبان في النهي، ثم توالت الغارات واستمرت المعارك وبنو تغلب تطلب جساسًا ولا تناله. ونصح مرة ابنه جساسًا بأن يلحق بأخواله في الشام، وتعقَّبه بنو تغلب لما علموا برحيله وظفروا به فجرحوه جرحًا بليغًا بعد أن قتل منهم خمسة عشر رجلاً. ثم مات جساس من جرحه. وتلت ذلك وقعات قليلة سئم بعدها الحيان الحرب فتداعوا للصلح فاصطلحوا.
حرب داحس والغبراء. وقعت بين عبس وذبيان واستمرت 40 سنة واشتملت على أيام مشهورة من بين أيام القتال فيها المريقيب وهو أولها، وحوزة الأول والثاني والرقم واللِّوى. أثار هذه الحرب رهان على سباق بالأفراس بين قيس بن زهير من بني عبس وحذيفة بن بدر من ذبيان. وادَّعى حذيفة السبق وأبى قيس ذلك لأن حذيفة أكمن في طريق الخيل بعض فتيان ذبيان ليردُّوا فرس قيس. وطلب حذيفة حقه في الرهان وأرسل ابنه إلى قيس بذلك فقتله قيس. نشبت إثر ذلك الحرب بين عبس وذبيان، وظلوا يتراوحون القتال 40 سنة. ولما كثرت الوقعات وكادت القبيلتان تفنيان تداعى هرم بن سنان والحارث بن عوف لعقد الصلح بين القبيلتين. وتحمَّل الرجلان ديَّات القتلى ووضعت الحرب أوزارها.