ويعمل جهاز كلِّ رادار تقريبًا بوساطة إرسال موجات راديوية باتجاه الهدف، واستقبال الموجات التي تنعكس منه. ويَدُلُّ الزمن الذي تستغرقه الموجات المنعكسة لتعود على مَدَى الهدف وكم يبعد؟، هذا بالإضافة إلى الاتجاه الذي تعود منه الموجات المنعكسة على موضع الهدف.
وتختلف أجهزة الرَّادار في الحجم والشَّكْل، إلاَّ أنها جميعًا ذات أجزاء أساسية واحدة؛ ولكُل جهاز مُرْسل لإنتاج الإشارات الرادارية، وهوائي لبثِّها إلى الخارج، ويَجْمَع الهوائيُّ نفسه في معظم أنواع الرَّادار، الموجات المرتدة من الهدف. ويُقوِّي المُسْتَقبِل الموجات المنعكسة التي تُدْعى الأصداء بحيث يمكن رؤيتها على شاشة. وتُماثل شاشة الرادار أنبوب الصورة في جهاز التّلفاز، إلا أنها غالبًا ما تكون دائرية بدلاً من أن تكون مستطيلة. وتَظْهَر الأصداء نقاطًا من الضوء، أو خيالاً للهدف المُشاهَد.
استخدامات الرَّادار
في الملاحة الجوية. الرَّادار أداة مهمة في الملاحة. وقد أسهم استخدامه في كلًّ المطارات والطائرات إلى حدٍّ كبير في سلامة الملاحة. والمعلوم أنَّ الحركة الجوية قرب المطارات الكبيرة تكون كثيفة للغاية، لذلك يستخدم مراقبو المرور المدرَّبون الرَّادار في جميع مطارات العالم الرئيسيَّة لتوجيه التدفُّق المُستمر للطائرات القادمة والمغادرة؛ إذ يبيّن الرَّادار للمراقبين مَوْضِع كلِّ طائرة في الجو في حد أدنى قدره 80 كم من المطار. وتمكِّنهم هذه المعلومات من مَنْع الاصطدامات باختيار أنسب المَسَارات ليتَّبعها الطيَّارون. ويعتمد المراقبون أيضًا على الرَّادار ليُمَكِّنهم من تَوجيه الهبوط الأرضي عند رداءة الطقس، وذلك حين تصبح رؤية الطيَّارين للأنوار والمدرَّجات صعبة أثناء اقترابهم.ويحدِّد نظام يُدْعى الرادار الثَّانويّ، الطائرة على شاشات المراقبين في الحركة الجوية. فتبعث الإشارة اللاسلكية مُرْسِلاً على الطائرة، فيرسل إشارة شفرية راجعة، تحوي إشارة نداء الطائرة. وهذه الإشارة تُرْسم على الشاشة بجانب النقطة التي تمثِّل الطائرة.
وبمعظم الطائرات الحديثة أنواع مختلفة من الرادارات لتساعد الطيَّار. فعلى سبيل المثال يُبيِّن رادار مقياس الارتفاع مقدار علُو الطائرة في أثناء طيرانها، وهكذا يساعد الطيارين للحِفاظ على ارتفاع مناسب. وهناك وسيلة أخرى، هي رادار الطقس الذي يكشف العواصف القريبة، وبذلك يستطيع الطيَّارون تغيير المسارات لتجنب الطقس الرَّديء قَدر استطاعتهم.
في الملاحة البحرية. يُستخدم الرَّادار على نطاق واسع بوصفه مساعِدًا للملاحة في أنواع عديدة من القوارب والسُّفن، من مركبة النُّزهة الصغيرة، إلى ناقلات النفط الضخمة. ويمكن لرادار السفينة ـ في الظروف الجويَّة الرَّديئة ـ تحديد أماكن السُّفن الأخرى والصخور والجبال الثَّلجية في الأوقات المناسبة لتجنُّب الحوادث. ويستطيع الملاح، عندما تكون السفينة قُربَ الشاطئ، تحديدَ مكان السفينة بوساطة أصداء الرَّادار من عواكس خاصّةٍ عائمة، أو من الجُزُر، أو من علامات أرضية أخرى. ويستخدم المسؤولون عن الميناء الرَّادار للتحكُّم في السّفن في الموانئ المزدحمة. فهم يتتبَّعون حركة جميع السُّفن في الميناء على شاشة الرَّادار التي تعطي ما يشبه صورة خريطة للميناء. وبوساطة الاتصالات الراديوية يستطيع هؤلاء المسؤولون توجيه السفن الدَّاخلة والخارجة من المَرْفأ بأمان في أيّ ظروف جوية.
كذلك يمكن لمحطات حَرَس الشواطئ تتبُّع آثار السفن من خلال المُراقِبات الرَّادارية، ويستخدم حرس الشواطئ الرَّادار للبحث عن السُّفن المُدَوَّنة والمبلَّغ عن فقدها.
في القوات المسلحة. للرادار استخدامات واسعة ومتعددة في القوات المسلحة، ومنها الاستخدامات الرئيسية التالية: 1- الدِّفاع الجوي، 2- الدفاع الصَّاروخيّ، 3- المراقبة الفضائيّة، 4- الاستطلاع، 5- قياس المَدَى، 6- التحكُّم في نيران الأسلحة. الدفاع الجوي. يتطلب رادارات طويلة المدى تستطيع كشف طائرات العدو المُقترِبة، وتتبعها من مسافات كبيرة، بحيث تعطي إنذارًا مبكرًا جدًا. وتشكِّل شبكات واسعة من محطات الرَّادار، معظم نُظُم الدِّفاع الجوِّيِّ الوطنيّة. وأشهر هذه الشبكات هي شبكة الإنذار المُبَكِّر البعيد، التي تحمي الولايات المتحدة الأمريكية وكندا ضد هجوم من الشمال، وتتألف من أكثر من 30 محطة راداريَّة عبر شمالي أمريكا الشمالية.
وتستخدم عدَّة بلدان، بالإضافة إلى المحطات الرَّادارية الأرضية، طائرات مجهزة بالرَّادار للحماية من الهجوم الجوي المُباغت. ويستطيع الرَّادار المحمول جوًّا تحديد قاذفات العدو المنخفضة الطيران التي يُمكِنها الهرب من قواعد الرَّادار الأرضية.
الدفاع الصاروخي يتكون من شبكة راداريَّة مماثلة لتلك المستخدمة في الإنذار المبكر من الطائرات المُعادِية، إلاَّ أنَّها تتطلب رادارات ذات قُدرة أكبر لكَشف الصواريخ الموجَّهة؛ حيث إنَّها تطير بسرعة أكبر، وعلى ارتفاعات أعلى من الطائرات. والشبكة الرئيسيَّة التي طَوَّرَتها الولايات المتحدة الأمريكية للدفاع الصاروخي هي: نظام الإنذار المبكر للصواريخ البالستية، ولهذا النظام مُنشآتُُ في كلًّ من كلير في ألاسكا، وثول في جرينلاند، وفلايندل في إنجلترا. وتستطيع الوحدات الرَّاداريَّة في هذه المنشآت تحديد الصواريخ الطويلة المدى التي تصل حتى مسافة 4,800كم.
المراقبة الفضائية تشمل استخدام رادارات فائقة القُدرة لكشف الأقمار الاصطناعيّة وتتبُّعها، وكذلك أيّ أهداف أخرى موضوعة في مدار حول الأرض. ولهذا الغرض تستثمر الولايات المتحدة وكندا شبكة تسمى نظام الكَشْف والمُلاحقة الفضائيّ. ويتضمن النظام ثلاث مُنشآت لنظام الدفاع الصاروخيّ، وثماني منشآت أخرى في مواقع مختلفة من العالم. ويُؤمِّن هذا النظام حوالي 20,000 مراقبة يومية لمئات الأهداف المَدَاريَّة (التي تدور حول الأرض). وتساعد البيانات الواردة من هذه المراقبات في تحديد هُوِيَّة أقمار الاستطلاع المستخدمة للتَّجَسُّس.
الاستطلاع - تجميع المعلومات. يُستخدم الرَّادار لجمع المعلومات حول الاستعدادات التي تتخذها دولُ أخرِى للحرب. ويستطيع رادار رَسْم الخرائط المحمول في الطائرة أن ينتج خرائط تفصيلية للأرض، ويبيِّن المُنشآت العسكرية والتجهيزات. وتستطيع أنواع أخرى من الرَّادارات الحصول على معلومات مهمة عن النظم الصاروخية لدولة أخرى بمراقبة صواريخها أثناء تجارب الإطلاق. قياس المدى. يُستخدم الرَّادار غالبًا لفحص المَدَى بغرض التأكد من أداء التجهيزات العسكريّة. فعلى سبيل المثال تستطيع رادارات قياس المدى أن تَتتَبَّع بدقة طيران صاروخ جديد.فإذا لم يكن أداء الصاروخ كما هو متوقع، فيمكن لبيانات التَّتبُّع أن تساعد المُصَمِّم على تحديد الخطأ.
التحكُّم في نيران الأسلحة. يستطيع الرَّادار تحديد الأهداف بدقَّة، بحيث يُستخدم لتوجيه العديد من أنواع الأسلحة وإطلاقها. ويتحكَّم الَّرادار في نيران المدفعية المضادَّة للطائرات المركَّبة على الدبابات والسفن. ويُوَجِّه الصواريخ المُنطلقة من المُقاتلات ومن مواضع قواعد الإطلاق الأرضية، إضافة إلى أنَّ الطائرات المزوَّدة بقنابل مُوجهة راداريًّا، تستطيع إلقاء القنابل بدقَّة على الأهداف في الليل أو في طقسٍ رديء.
في التحكم في سرعة المرور وتدفقه. تستخدم الشُّرطة في بعض الدُّول الرَّادار لتطبيق قوانين السرعة والتأكُّد من سرعة المَرْكبَات على الشوارع والطُّرق العامة. وتستطيع أجهزة رادارات الشرطة المتحرِّكة كَشْفَ المركبات المُسْرِعة من بعد حوالي 370م. وتبثُّ الإشارات الرَّادارية من الهوائي المُرَكَّب خارج مَرْكبة الشرطة. وفي بعض المدن يكون لدى موظفي النقل رادار يساعدهم على تحديد كثافة حركة المرور على الشوارع الرئيسية. وتستخدم هذه المعلومات لتعديل إشارات المرور، والمسارات أثناء ساعات الازدحام أو الطقس الرديء.
في مراقبة الطقس وتوقّعه. للرادار دور مُهِم في تنبؤات أحوال الطقس المَحَلِّية قصيرة المدى. ويمكن لأصداء الرَّادار كَشف قطرات المطر وذرات الثلوج في الغيوم من بعد 400كم. وفي أحوال عديدة تبيِّن شدَّة هذه الأصداء نَوعَ العاصفة المقتربة، كالأصداء الرَّعدية، كما يمكن للأصداء الرَّادارية أن تشير إلى اتجاه العاصفة وسرعتها. ويمكن للمشتغلين بالأرصاد الجوية، وتحليل المشاهدات الرَّادارية، توقع موعد مرور عاصفة ما فوق منطقة مُعَيَّنة. ويستطيعون في أحوال عدَّة، إعطاء تحذيرات مُسبقة إلى الجمهور عن مسار إعصار أو زوبعة أو عاصفة شديدة. وتُستخدم مئات الرَّادارات الأرضية والرَّادارات المحمولة جوًا لتتبُّع مثل هذه العواصف، كما أن معظم المطارات الرئيسيَّة لديها رادارات توقُّع الطقس. فإذا لوحظت عاصفة شديدة على مسار خطِّ طيران، فإن الحركة الجوية تعيد توجيه الطائرات لتجنٌّبها.
في البحوث العلمية. يعتمد العلماء على الرَّادار لإجراء أنواع الدِّراسات المختلفة؛ فيستخدمون الرَّادارات ذات القُدرة العالية لاستقصاء طبقات الجو العُليا. ويكون إشعاع الشمس على ارتفاع 100كم فما فوق شديدًا، إلى حدّ أنه يفكك جُزَيئات الهواء مكونًا جُسَيْمات مشحونة كهربائيًا تسمى الإلكترونات والأيونات. والهواء المتأيِّن في طبقات الجو العليا وخاصة في المنطقة المسماة بالغلاف الأيوني يعكس بعض الموجات الراديوية، ويمكن نتيجة لذلك دراستُها بوساطة الرَّادار من سطح الأرض. وتساعد المشاهدات الرَّادارية العلماء في تحديد درجة حرارة طبقات الجو العليا، وأنواع الغازات في الهواء. وتُبيِّن المشاهدات الرَّادارية أيضًا مَدى سرعة هبات الرِّياح على مثل هذه الارتفاعات في كل الأوقات.
وتُسْهم تقنية الرَّادار وأجهزته كثيرًا في دراسة النِّظام الشَّمسيّ؛ فقد استخدم الفلكيون المشاهدات الرَّادارية للقمر والشمس والكواكب القريبة من الأرض، كما جمعوا الأصداء الرَّادارية من أكبر توابع كوكب المشتري. ولقد أعطت هذه المشاهد الرَّادارية قياسات دقيقة للغاية عن مسافات هذه الأهداف، كما بيَّنت مقدار سرعة هذه الأهداف. وحصل الفلكيُّون على خرائط مُفصَّلة عن القمر، وعن كوكب المريخ؛ وذلك بتسجيل الموجات الراديوية المُرْتَدَّة من سطحها، وبالتقنية نفسها نجحوا في اختراق الغيوم الكثيفة المحيطة بكوكب الزهرة، وكشفوا الجبال العديدة والظواهر المماثلة للأوْدية على سطحه.
كذلك استفادت دراسة هجرة الطيور ـ وهي موضوع بحث علمي آخر ـ من الرَّادار أيضًا؛ إذْ يعتمد علماء الحيوان على الرَّادار لتعقُّب طيران نماذج من الطيور المهاجِرة ليلاًَ، أو الأنواع الصغيرة جدًّا التي يتعذَّر رؤيتُها من الشاطئ. ومثل هذه المعلومات مفيدة في بحوث الأحياء البحريَّة، ولتخطيط حَفْر آبار النفط البعيدة عن الشاطئ.
في الرحلات الفضائية. الرَّادار عامل أساسي لنجاح المُهِمات في الفضاء الخارجي. والخطوة الأولى في مثل هذه المهمات هي إطلاق مَرْكبة فضائيّة مأهُولة أو غير مأهُولة في مدارٍ حول الأرض. ويستخدم المتحكِّمون في المهمة الفضائيَّة في أثناء الإطلاق نظامًا من قواعد الرَّادارات الأرضية، وأجهزة راديوية أخرى، لتتبع حركة المَرْكبة. وفور دخولها مَدارَها حول الأرض، تقيس الرَّادارات شَكْل المَدار وحجمه، وتأخذ الحواسيبُُ القياسات لتحدد وقت تشغيل محركات الصواريخ المتبقِّية ومدَّة تشغيلها ليتم إطلاق المركبة من مدارها حول الأرض إلى الفضاء الخارجي. وتَحْمِل المَرْكبات الفضائية المُصمَّمة للهبوط على سَطْح القمر أو أي كوكب آخر رادار هبوط، لقياس ارتفاع المَرْكبة الفضائية فوق موقع الهبوط ومُعَدل هبوطها. وتفيد هذه المعلومات في تنظيم سرعة محرِّكات المَركبة، بحيث تَهْبِط بالسُّرعة الصحيحة؛ إذ إنه في حالة نزول المَرْكبة بسرعة عالية فإنَّها ستتحطم، وإذا نزلت ببطء كبير، فإنها ستستهلك كثيرًا من الوقود. إضافة إلى ذلك يستخدم مخططو الطيران الرَّادار لتحديد مواقع الهبوط الآمنة للمركبة الفضائية. فعلى سبيل المثال، ساعدت الخرائط الرَّادارية للقمر علماء الولايات المتحدة على اختيار مساحات للهبوط لم يكن فيها تشكيلات صخرية حادّة تُتْلِف مرْكبة أبُولو القَمَريَّة.
كذلك تتطلب مهمة التحام المَرْكبة الفضائية بمركبة فضائية أخرى استخدام أجهزة الرَّادار، حيث يحدد رُوَّاد الفضاء في المركبة الأولى المَرْكبة الأخرى بوساطة الرَّادار، وبعدها يستخدمون المعطيات الرَّادارية لضَبْط سُرعة مركبتهم وتوجيهها لتقوم بمناورة الالتحام.
كيف يعمل الرَّادار
تختلف مجموعات الرَّادار في التَّصميم وفي الغَرض، ولكنَّها جميعًا تَعْمل على المبادئ العامة نفسها. وتُنْتج جميع الرَّادارات وتَبُث الإشارات على شكل موجات كهرومغنطيسية. ويمكن للموجات الرَّادارية أن تُكَوِّن موجات راديوية أو موجات ضوئيَّة. ومعظم مجموعات الرَّادار تَبُث موجات راديوية، ولكن قلّة منها تُسمَّى الرادارات الضَّوئية أو الرَّادارات اللِّيزَرِية تَبُثُّ موجات ضوئية. عندما تُرسل مجموعة الرَّادار الموجات الراديوية تصطدم هذه الموجات بالهدف وتنعكس، ويعود قسم من الموجات المنعكسة إلى مجموعة الرَّادار على المسار نفسه، الذي أُرسلت عليه. ويُشبه هذا الانعكاس، لدرجة كبيرة، ما يحدث عندما يَصْرُخ شخص في وادٍ جَبليّ، ويسمع صدى صرخته من الصخور القريبة. في هذه الحالة تنعكس الموجات الصوتية عِوضًا عن الموجات الراديوية أو الضَّوئية.وللموجات التي يُرْسلها الرَّادار تردد مُحَدَّد. ويُقاس تردد مثل هذه الموجة بوحدة تسمى ميجاهرتز. تساوي وحدة الميجاهرتز مليون هرتز (دورة بالثانية). وللموجات الراديوية تردُّدات منخفضة عن ترددات الموجات الضوئية، ومعظم الرَّادارات التي تبث على الموجات الراديوية تعمل على ترددات بين 1,000 ميجاهرتز و50,000 ميجاهرتز. وتعمل الرَّادارات الضوئية على ترددات أعلى بكثير، وبعضها يُولِّد موجات ضوئية ذات ترددات تصل إلى بليون ميجاهرتز.
وتُصَمَّم مجموعات الرَّادارات، في أحوال عدة، لأغراض مختلفة وتعمل على تردُّدات مختلفة. وتكون الرَّادارات العاملة على ترددات منخفضة فعَّالة أكثر من تلك العاملة على ترددات مرتفعة في اختراق الغيوم والضَّباب والمطر، لذا تُستخدم بكثرة في الطائرات والسُّفن. ومن ناحية أخرى تُعْطي أجهزة الرَّادار ذات التَّردُّدات العالية، قياسات دقيقة وبهوائيات أصغر من تلك المُستخدمة في الرَّادارات ذات الترددات المُنخفضة. يستطيع الرَّادار الضوئي، على سبيل المثال، إنتاج إشارة ذات حزمة ضيِّقة للغاية من ليزر ذي قطر يبلغ فقط 1,3سم. وتكون الرَّادارات الضوئية مفيدة بصورة خاصة في مسح التضاريس القاسية، حيث يجب قياس النقاط البعيدة من خلال الفجوات بين الأشياء كالصخور الكبيرة والأشجار.
وتختلف مجموعات الرَّادار أيضًا في كيفية إرسال الإشارات، وتصنف على هذا الأساس إلى نوعين عامَّيْن هما: 1ـ الرَّادار النبضي، 2ـ الرَّادار ذو الموجة المستمرة، والنَّوع الأول أكثر شيوعًا.
الرَّادار النَّبْضي. يَبُثّ إشارات على شكل رشقات قويَّة متقطِّعة، أو نبضات، وتستمر هذه النَّبضات للموجات الرَّادارية بضعة أجزاء من المليون من الثانية. ولمجموعة الرَّادار النبضي هوائي واحد يستخدم بالتناوب لإرسال النبضات ولاستقبال أصدائها.
ويمكن إيجاد المسافة إلى أحد الأهداف بقياس الزَّمن الذي تستغرقه الموجة الرَّادارية لتصل إلى هذا الهدف وتعود. وتسير الموجات الرَّادارية كبقية الموجات الكهرومغنطيسية بسرعة الضوء 299,792كم/ث. لذا فالموجة الرَّادارية التي تعود بعد ثانيتين تكون قد قَطَعت 599,584كم، أي 299,792كم في الذهاب إلى الهدف والمسافة نفسها في الإياب، وتحول مجموعة الرَّادار النبضي آليًا الزمن اللازم للذهاب والإياب إلى مسافة (بُعْد) نحو الهدف.
ويَبُثُّ الهوائيُّ النبضات المَوْجيَّة في حزْمة ضيقة عالية التَّوجيه تُمكِّن مجموعة الرَّادار من تحديد اتجاه الهدف. ولا يستطيع عكس الموجات إلا الهدف الذي يقع في حجم الحزمة فقط. ويحدد الاتجاه الذي منه تنعكس الموجات موضِع الهدف. ويستطيع الرادار النبضي ملاحقة (تتبع) هدف، بإرسال متواصل لإشارات نبضية، وقياس مسافة الهدف واتجاهه في فترات منتظمة. ويستخدم هذا النوع من الرَّادار أيضًا لرسم خرائط رادارية من طائرة. ويمكن إنتاج الخريطة الرادارية بمسح حزمة نبضات فوق مساحة محددة، ورسم شدة الأصداء من كل اتجاه. وتظهر الأصداء في شكل صورة على شاشة الرادار، وتسجل على فيلم ضوئي. وتنتج الأهدافُُ، مثل الأبنية والجسور والجبال، صورًا لامعة، لأنها تعكس أصداء قويّة.
الرَّادار ذو المَوْجة المستمرة. يبث إشارة متواصلة عوضًا عن الرشقات القصيرة، ويوجد نوعان من الرَّادار ذي الموجة المستمرَّة، هما: 1ـ رادار دوبلر 2ـ رادار تضمين التردد.
رادار دوبلر يستخدم بصورة رئيسيَّة للقياسات الدقيقة للسُّرعة، ويعمل على مبدأ تأثير دُوبلر، وهو تغيير على تردد الموجة تسببه الحركة. يرسل رادار دُوبلر موجة مستمرَّة بتردُّد ثابت، ويستخدم الهوائي نفسه في كلٍّ من الإرسال والاستقبال. وعندما تصطدم الموجة المُرْسَلة بهدف مُقترِب من الرَّادار، تنعكس الموجات عند تردد أعلى من التردد المرسل. وعندما يكون الهدف مبتعدًا عن مجموعة الرَّادار، فإن الموجة المرتَدَّة تصبح ذات تردُّدٍ أقلَّ، وكلّما كان الهدف أسرع في أيٍّ من الاتجاهين كان الفرق أكبر بين تردد الموجة المرسَلة وتردد الموجة المُنعكِسة. وبقياس الفَرقْ في التردُّد يحدد رادار دُوبلر سرعة الهدف المُراقَب.
وتستخدم الشرطة رادار دُوبلر لكشف السائقين المُسرعِين. ويستخدمه الجنود لقياس سرعة الأهداف بغية توجيه نيران الأسلحة.
رادار تضمين التردد يبث أيضًا إشارة مستمرَّة، إلاَّ أنه يزيد أو ينقص تردُّد الإشارة في فترات منتظمة. ونتيجة لذلك فإنّ رادار تضمين التردّد، خلافًا لرادار دوبلر، يُمْكِنُه تحديد المسافات لهدف ثابت أو متحرك. وفي الزمن الذي تصل فيه إشارة الرَّادار إلى الهدف وتعود، يكون تردُّد الهدف المرسل قد تغير. ويقاس الفرق بين تردّد الصدى وتردُّد المُرسل، ويحوّل إلى مسافة للهدف الذي ينتج الصدى. وكلّما كان الهدف أبعد ازداد الفرق بين الترددين.
ويمكن استخدام رادار تضمين التردّد، مثل الرَّادار النَّبْضيّ، في رسم الخرائط، وفي الملاحقة. ويمكن استخدامه على الطائرات مقياسًا للارتفاع.
أقسام مجموعة الرَّادار
يتباين حجم مجموعة الرَّادار حسب استخدامها؛ فمجموعة الرَّادار التي تستخدمها الشرطة للكشف عن السيارات القريبة المُسرعة، يمكن حملها باليد، وتزن حوالي 18كجم. أمَّا وحدات الرَّادار الضخم المستخدم لدراسة الكواكب والأهداف الأخرى البعيدة، فتشمل أبنية كبيرة. ولبعض هذه الوحدات هوائيات يصل قُطْرها إلى 300م.وعلى الرغم من اختلاف المجموعات الرَّادارية في الحجم فهي متشابهة في أقسامها، وهذه الأقسام هي: 1- المذُبذب، 2- المضمِّن، 3- المرسِل، 4- مفتاح الإرسال والاستقبال، 5- الهوائيّ، 6- المستقبِل، 7- معالج الإشارة، 8- العارض، 9- الموقت.
المذبذب. جهاز يُنتِج إشارة كهربائية ذات قدرة منخفضة بتردد ثابت. يحدد ترددُ المذبذب ترددَ عمل مجموعة الرَّادار.
المُضمن. في الرَّادار النَّبضي، مفتاح إلكترونيّ، يُوصِّل المرسل ويفصله بسرعة. وبذلك ينتج المُرسِل رشقاتٍ مَوْجيَّة قصيرة. وفي رادار تضمين التردد يغيّر المضمن الموجة المُرسلة باستمرار. وليس لرادار دوبلر مضمن.
المُرسل. يعْمَل بوصفه مُكبِّرًا، إذ يأخذ الإشارة الكهربائية ذات القدرة المنخفضة، وينتج إشارة عالية القُدرة. فعلى سبيل المثال، ينتج مرسل الرَّادار النَّبضي، المستخَدم في التحكُّم في الملاحة الجوية، إشارة بقدرة قصوى تصل إلى عدة ملايين واط.
مفتاح الإرسال والاستقبال. يُمكِّن استخدام هوائيّ واحد لكلٍّ من الإرسال والاستقبال. ويقود مفتاح الإرسال والاستقبال إشارات المُرسِل إلى الهوائي، ويمنع هذه الإشارات من التدفُّق إلى المستقبِل. والإشارات القويّة من المُرسِل قد تُتْلفُ المستقبِل الحسَّاس إذا دخلت فيه. وبعد إرسال الهوائي للموجة يوصل مفتاح الإرسال والاستقبال، المستقبِل إلى الهوائيّ. ويمكن هذا التوصيل المستقبِل من التقاط الأصداء القادمة.
الهوائي. يُرسِل الإشارات الرَّادارية على شكل حزْمة ضيِّقة من الموجات الكهرومغنطيسية، كما يجمع الأصداء المُنعكسة. وحيث إن معظم وحدات الرَّادار الحديثة لها مفتاح إرسال واستقبال، فإنّها تستخدم الهوائيّ نفسه للإرسال والاستقبال. ويتكون النوع الشائع من الهوائيات من بوق مربوط في مقدمة صحن عاكس كبير يُسمَّى عاكسًا. ويطلق البوق الموجات الرَّادارية، فيركِّزها العاكس في حزْمة ضَيِّقة. ويدور هوائي الرَّادار، بحيث تنتشر هذه الحزمة حول محطة الرَّادار ماسحة الأهداف في جميع الاتجاهات.
وتُستخدَم في مجموعات الرَّادار أنواع أخرى من الهوائيات تعمل عند تردُّدات منخفضة نسبيًّا أو عند ترددات عالية للغاية. ويستخدم الرَّادار الذي يَبُثُّ موجات راديويَّة منخفضة التردد هوائيات مصنوعة من أنابيب معدنية، أو قضبانًا تشبه الهوائيات الخارجية للتلفاز. وتستخدم في الرَّادارات الضَّوئيَّة، نبيطة مختلفة اختلافًا بيّنًا ترسل الموجات ذات التردُّد العالي كالضوء فوق البنفسجي أو الضوء المرئي أو الأشعة تحت الحمراء. وتشبه هذه الوسائل التلسكوب (المقراب) ولها عدسات زجاجية تُرَكِّز الموجات الخارجة في حزمة.
المُستقبل. يأخذ الأصداء الضعيفة المتجمعة بوساطة الهوائيّ ويضخِّمها كثيرًا. والمُستقبِل حسَّاس لدرجة أنه يستطيع بسهولة كشف الأصداء ذات القدرة التي تقلّ عن واحد من المليون من الواط. ويرشِّح المستقبل أيضًا الضَّجيج والتَّداخلات الأخرى الملتقَطة من الهوائيّ.
معالج الإشارة. تَمُرُّ الإشارة الواردة من المستقبل، في معظم وحدات الرَّادار، خلال معالج للإشارة قبل ذهابها إلى الشاشة. ويؤدي معالج الإشارة وظائف مختلفة في الرَّادارات المستخدمة لأغراض مختلفة، فهو يَحْجُبُ في بعض أنواع الرَّادارات الأصداء من أهداف كبيرة وثابتة، ويسمح فقط للأصداء من الأهداف الصغيرة المتحرِّكة لتصل إلى الشاشة. وبذلك يُمكِّن مُعَالج الإشارة عاملَ الرَّادار، من رؤية طائرة على سبيل المثال، على الرغم من أنَّ أصداء الطائرة تصل في وقت واحد مع أصداء أقوى بكثير صادرة من جبل. ويقوم الحاسُوب في كثير من أجهزة الرَّادار الحديثة مقام مُعالِج الإشارة.
العارض (الشاشة). يُقدِّم للعاملين في الرَّادار المعلومات المُحصَّلة عن هدفٍ ما. ولبعض مجموعات الرَّادار عارض بسيط. فرادارات دوبلر المحمولة التي تستخدمها الشرطة على سبيل المثال لها مقياس يشير إلى سُرعة عَرَبةٍ أو شاحنة، إلا أن معظم مجموعات الرَّادار ذات عارض أعقد، مؤلّف من أنبوبة أشعة مِهْبَطية، وهي صمام مُفرَّغ مُزَوَّد بعارض فلوريّ يشبه جهاز التلفاز. انظر: الصمام المفرغ. ويستطيع عارض أنبوبة الأشعة المِهْبَطية عَرْض المُعطيات الرَّادارية بأشكال عدَّة.
والعارض الأكثر انتشارًا هو عارض مؤشِّر المَوْضِع السَّطْحيّ، ويزودنا بصُورةٍ تُماثل الخارطة للمنطقة الممسوحة بحزمة الرَّادار. ويوافق مركز الصورة موضع مجموعة الرَّادار. ومحيط العارض مدرج مثل البوصلة وذلك لقراءة الاتجاه. ويمكن أن تكون للعارض دوائر تنتشر من مركز الصُّورة إلى محيطها لتبيِّن المسافة بالميل أو الكيلومتر. وتَظْهَر الأصداء الرَّادارية في شكل نقاط مضيئة. ويعطي موضع النقطة بالنسبة لتدريج البوصلة اتجاه الهدف. وتبين مسافة النقطة من مركز الشاشة مقدار بُعْد الهَدَف. ويمكن تحديد سرعة الهدف بملاحظة الوقت الذي تستغرقه النقطة لتقطع مسافة معيَّنة على عارض الرَّادار.
وتبيِّن أشكال أخرى من العوارض ارتفاع الهدف، ويستخدم هذا النوع من العوارض في مجموعات الرَّادار المصمَّمة للمساعَدة في توجيه الطائرة في أثناء الهبوط.
المُوقِّت. يؤَمِّن تشغيل مجموعة الرَّادار بكفاءة وسهولة. وتُوصِّل هذه النبيطة أجزاءً رئيسية لمجموعة الرَّادار بدقة وتفصلها في الوقت المناسب أوتوماتيًا، ويقوم الموقت بعمله هذا بإرسال إشارات تَحَكُّم إلى أقسام النِّظام المختلفة بتسلسل مناسِب.
تَطَوُّر الرَّادار
قادت نظريات العديد من العلماء وتجاربهم إلى تطوُّر الرَّادار. وكان جيمس كلارك ماكسويل الرياضي والفيزيائي البريطاني أوَّلَ من قدَّم إسهامًا كبيرًا في هذا المضمار. وخلال الستينيَّات من القرن التاسع عشر الميلادي توقَّع ماكسويل وجود موجات كهرومغنطيسية تنتقل بسرعة الضوء 299,792كم/ث، واقترح إمكانية توليد هذا النوع من الموجات. وفي أواخر الثمانينيات من القرن التاسع عشر بَرْهَنَ الفيزيائيّ الألمانيّ هينريتش هرتز على صحة أفكار ماكسويل بإنتاج موجات راديوية. وإضافة إلى ذلك أثبت هرتز بالتجربة أن الموجات الكهرومغنطيسية يمكن أن تنعكس من أهداف صُلْبة. وقد شجع اكتشاف هرتز انتشار الجهود على نطاق واسع لإيجاد طُرُق استخدام الموجات الراديوية لأغراض الاتصالات. وأدرك بعض العلماء إمكانية استخدام الموجات الراديوية للكشف عن أهداف بعيدة. ولكن قليلاً من البحوث كان بالإمكان إجراؤها في هذا المجال، حتى تم تطوير الأجهزة الأساسية للراديو، ثم أصبحت وسائل إرسال واستقبال الإشارات الراديوية لمسافات طويلة مُتَوافرة في أوائل القرن العشرين. الاستخدامات الأولى للرادار. في عام 1925م، قام الفيزيائيَّان الأمريكيَّان جريجوري برايت وميرلي توف بتجربة على ارتداد نبضات راديوية من الغلاف الأيوني، وحدَّد زمن رجوع الإشارات مقدار ارتفاع الغلاف الأيوني. ويَعُدُّ العديدُ من العلماء هذه التجربة أوَّل استخدام عَمَليّ للرَّادار. ثُمَّ شَجَّعَ نجاحُ التجربة الباحثين في كثير من الدول على إجراء دراسات عِلْمِيَّة إضافية على الغلاف الأيوني بأجهزة راداريَّة وتقنية مُشَابِهة.وقد بدأ العلماء أيضاً التجارب بالأصداء الراديوية لكشف الطائرات والسُّفن. وقام روبرت واطسون ـ واط المهندس والفيزيائيّ الأسكتلندي عام 1935م بأعمال مبكِّرة في هذا المضمار. وقام هو وفريق من العلماء البريطانيين بتحسين التقنية النَّبضيَّة التي استخدمت في دراسات الغلاف الأيوني لتعيين موقع طائرة من مسافة 27كم. وفي الوقت ذاته طوَّر باحثون من فرنسا وألمانيا والولايات المتَّحدة راداراتٍ تجريبيَّة استطاعت كشف الطائرات والسُّفن بمدى محدود. كانت هذه الرَّادارات الأولى لا يوثق بها إلا قليلاً، حيث كانت تعوزها الحساسية اللازمة للعديد من المهام، إلاَّ أنها زودتنا بمعلومات مفيدة للأغراض العسكريَّة والملاحية.
وقد حقق تعاظم التهديد بحرب عالمية الجهود لتحسين تقنية الرَّادار في أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين؛ إذْ بنى البريطانيون قبل بدء الحرب العالمية الثانية في سبتمبر من عام 1939م سلسلة من محطات الرَّادار على طول الشواطئ الشرقية والجنوبية من إنجلترا للدفاع ضد الهجمات الجويَّة والبحريَّة. وفي عام 1940م بدأ الأمريكيون في إنتاج أنواع من الرَّادارات النَّبضية لتتبُّع الطائرات، والتحكم في المدافع المضادة للطائرات. وكان لدى ألمانيا أنواع مُشابِهة من الرَّادارات في الوقت نفسه، كما طَوَّر كلُُّ من الاتحاد السوفييتي (سابقًا) واليابان نُظُم إنذار راداريَّة بعد بضع سنين.
التَّقدم خلال الحَرْب العالميَّة الثانية. برهنت مجموعات الرَّادار المتوفِّرة في بداية الحَرْب عن أهميتها البالغة للعمليات العسكرية، لذلك اضطرَّ العلماء إلى تطوير أجهزة أفضل.
وتعاون خبراء الرَّادار الأمريكيون والبريطانيون تعاونًا وثيقًا في أثناء الحَرْب، وقدَّموا إنجازات جديدة، فعمل البريطانيون على تحسين نوع خاص من الصمامات المفرغة (الأنبوب المفرَّغ) سُمِّي المغنيطْرُون. وفي نهاية عام 1939م استطاع المغنيطرون البريطاني إنتاج نبضات موجات دقيقة (موجات متناهية الصغر أو مايكروويف) بقدرة عالية، وذات مستوى كافٍ لاستخدامه في النظم الرَّاداريَّة. وفي عام 1940م سَلَّم البريطانيون الأمريكيين هذا المغنيطرون لإجراء تطوير إضافي عليه وتصنيعه.
أسهم المغنيطرون كثيرًا في تطوير الرَّادار الحديث. يُوَلِّد هذا الصمام المفرغ الموجات الدقيقة ـ أي الموجات القصيرة ذات الترددات التي تزيد عن 1,000 ميجاهرتز. وتستطيع هذه التردُّدات أن تَكُون مركَّزة في حزمة ضيِّقة، دون استخدام هوائيٍّ راداريٍّ ضَخْم. ومكنت هذه الموجات الدقيقة من تصميم وحدات رادارية صغيرة للطائرة، ولزوارق الدورية، وللمحطات الأرضية المتحرِّكة.
وقد طور الباحثون البريطانيون والأمريكيون، قبل أن تنتهي الحرب في عام 1945م، طرقًا للإقلال من فعالية رادار العدو، وطور الألمان إجراءات مضادة شبيهة. وإحدى الطرق الشائعة الاستعمال إلقاء قاذفات القنابل في أثناء أداء مهامها قصاصات مطلية بمادة معدنية تسمى الرقاقات تعكس الإشارات الراديوية مثل الهدف الرَّاداري، وكانت القاذفات تملأ الجو بكثير من هذه الرقاقات فيصعب على العاملين في رادارات العدو التمييز بين الأصداء والطائرات.
وكانت الطائرات والسفن تحمل ـ في إجراء مضاد آخرـ أجهزة إرسال راديوية ذات قدرة عالية، وكانت أجهزة الإرسال هذه تنتِج تداخلاً قويًا بما فيه الكفاية، يمنع رادار العدو من كشف أصداء الطائرات والسفن. وقد صمم المهندسون أجهزة تستقبِل النبضات من رادار العدو، وتعيد إرسالها بمستوى قدرة زائد بعد توقف قصير، ونتيجة لذلك كانت تظهر على شاشة رادار العدو أهداف زائفة تبعدُ الانتباه عن الأهداف الحقيقية.
التقدم المستمر. انكب العلماء الأمريكيُّون خلال الخمسينيَّات من القرن العشرين على نوع من الصمامات المُفرَّغة يسمى الكلايسترون. ونجحوا في تطوير كلايسترون عالي القدرة، يناسب أجهزة الرَّادار التي لا تتطلب إلا تغيرُّاً طفيفًا في تردد الموجة الدقيقة من نبضة لأخْرى. كما حَسَّنَ العلماء بعد ذلك قدرة الكلايسترون، بحيث استطاع توليد موجات دقيقة ذات مستوى قُدرة فائق، وساعد هذا التَّطوُّر على زيادة مدى الرَّادار. وعكف العلماء على تحسين حساسية الرَّادار. وفي أواخر الستينيَّات من القرن العشرين صمّموا أجهزة استقبال لا تُصْدِر إلاَّ قليلاً من الضجيج الدَّاخلي الذي يَتداخَل مع استقبال الأصداء الخافتة.
وأسهم التطور السريع في الحواسيب الإلكترونية الذي تم بعد الحرب العالمية الثانية كثيرًا في تقنية الرَّادار؛ حيث ساعد في تحسين أداء معالج الإشارة، وأمكن تحليل الأصداء بكفاءة عند سرعات عالية. كما أن الحواسيب مكَّنت من تقديم المعلومات بصورة أكثر ملاءمة للعاملين بالرَّادار.
كذلك استفاد الرَّادار من اختراع الترانزستور في عام 1947م، ونبائط حالة الصلابة ذات الصلة خلال الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، حيث مكَّنَت هذه الأجهزة المهندسين من تطوير رادارات أخف وموثوق بها، بالإضافة إلى أن المهندسين استخدموا جهازًا منها سمي مُزيح الطّور لتطوير نوع من الرَّادار. وسمِيَ هذا الرَّادار بالصَّفيف المتطاور، ويحرِّك إشارة الحزمة إلكترونيًا بدلاً من تدوير الهوائي، وهذه الرادارات مفيدة بصورة خاصة في المواقع حيث تنتقل الإشارة بسرعة من هدف إلى آخر.
واستكمل الفيزيائيون في أواخر الستينيات من القرن العشرين الليزر، وهي نبيطة معقدة تنتج حزمة شديدة من الضوء. ونجم عن هذا العمل تطوير الرَّادار الضوئي الذي يَعْمَل على الترددات العالية للضوء الليزري. ويتطلب هذا النوع من الرَّادارات هوائيًا بحجم الدبوس لإرسال إشارة حزمة ضيقة للغاية.
الرّادار في المستقبل. يتطلّع الباحثون اليوم إلى طُرُق لتقليص حجم رادارات الموجات الدقيقة ولتصنيعها بكلفة قليلة، ويتوقعون إنتاج وحدات رخيصة بحجم الجَيْب، باستخدام دوائر متكاملة ومعالجات دقيقة وأجهزة إلكترونية مصغرة أخرى. ويمكن أن تستخدم وحدات الرَّادار هذه لتساعد المكفوفين، كما يمكن استخدامها وسائل إنذار لمنع اصطدام السيارات.
كما يمكن أن تُحْمَل وحدات الرَّادار المُدْمَجَة في المركبة الفضائية لدراسة جَوّ الأرض بتفصيل أكبر، ولتوقُّع الطقس بصورة أدقّ، إضافة إلى أنّ الرَّادارات الكبيرة يمكن أن تُبْنى في الفضاء لتتبُّع السُّفن والملاحة الجوية على مدى نصف الكرة الأرضية من نقطة واحدة.
أسئلة
- اذكر بعض استخدامات الرّادار في البحوث العلمية.
- لماذا كان المَغنيطْرُون مهمًا في تطوير الرَّادار؟
- كيف يحدد الرَّادار النبضي المسافة إلى الهدف؟
- ما شاشة مؤشر المَوْضع المستوية؟
- اذكر بعض مزايا الرَّادار ذي الصَّفيف المتطاور.
- كيف يساعد الرَّادار المشتغل في توقعات الطقس؟
- ماذا تعرف عن رادار دوبلر؟ وكيف يستخدم؟
- لماذا يعد الرَّادار وسيلة فعالة في الملاحة البحرية؟
- ما مفتاح الإرسال والاستقبال، وما أهميته؟