والقلب عضو عضلي مجوّف كبير، ينقسم إلى مضختين متجاورتين. وتنقل الأوردة الدموية الدم في جميع أنحاء الجسم إلى المضخة الواقعة في الجهة اليمنى التي ترسله بدورها إلى الرئتين لحمل الأكسجين، ومن ثم، ينساب الدم المؤكسد إلى الجهة اليسرى من القلب التي تضخه إلى أجزاء الجسم المختلفة بوساطة الشرايين. وهناك صمامات تتحكم في سريان الدم داخل القلب. والمضخة اليسرى، التي تدفع الدم إلى جميع أنحاء الجسم أقوى وأكبر حجمًا من المضخة اليمنى. والقلب والتشكيلات الأنبوبية الأخرى مثل الشرايين والأوردة والشعيرات تسمى جميعًا الجهاز الدوري أو الجهاز القلبي الوعائي.
ينظم الجهاز العصبي عمل القلب وأجزاء أخرى من الجهاز الدوري. وينظم الجهاز العصبي التلقائي، وهو جزء من الجهاز العصبي، ضربات القلب (النبض)، فيقللها أو يزيدها حسب حاجة الجسم؛ لذلك فإن القلب يدق بصورة هادئة مثلاً عندما يكون الإنسان نائمًا ويزود الجسم بكمية قليلة نسبياً من الأكسجين. وقد تزداد سرعة ضربات القلب مرة أخرى لتزيد كمية مردود الأكسجين للجسم بغزارة. ويحدث هذا عندما يزاول الإنسان التمارين الرياضية أو عندما يصاب بالخوف أو عندما يحتاج للمقاومة أو العراك أو الجري.
وقد يصيب المرض أو الخلل أي جزء من أجزاء القلب أو الأوعية الدموية، ويعتبر ذلك من الأسباب الرئيسية للوفاة في البلدان الصناعية. وأكثر أمراض القلب شيوعًا هي التي تصيب الشرايين التي تغذي القلب نفسه بالدم. والخلل الذي يصيب هذه الشرايين قد يتطور مع سنوات عمر الإنسان. فترسُّب المواد الدهنية مثلاً، يؤدي إلى انسداد شرياني وإلى قلة كمية الدم التي تزود القلب. وإذا استقبلت عضلة القلب كمية قليلة من الدم فإن هذا قد يؤثر في أدائها أو إلى موتها. ويسمى هذا الخلل أو التلف الناتج من قلة إمداد عضلة القلب بالدم النوبة القلبية. والنوبة القلبية الخفيفة قد تجبر الإنسان لكي يعيش حياة أقل نشاطًا وحركة. أما النوبة القلبية القاسية أو العنيفة فتجعل القلب غير قادر على إمداد الجسم بكمية كافية من الدم، حتى في حالة الراحة الكاملة، وقد تؤدي إلى الوفاة. وقد تصيب الأمراض أجزاء أُخرى من القلب وقد يؤدي هذا إلى تأثير مدمّر مشابه. تحققت أهم التطورات الطبية الحديثة في مجال طب القلب، وهو حقل طبي يعنى بالأمراض التي تصيب القلب والأوعية الدموية.
ومنذ آلاف السنين، لم يكن مرضى القلب يعرفون أصلاً أن لهم هذه المشكلة. وفي التسعينيات من القرن العشرين الميلادي، تعلم الأطباء كيف يشخصون ويعالجون بعض حالات مرض القلب التي كان علاجها علاجها مستحيلاً في السابق، وكانت تعني الوفاة لمن يصاب بها. وأدّى اكتشاف الأدوية والتطور الهائل في الجراحة إلى إعطاء عدد من مرضى القلب أملاً في الحياة، وبدأ الأطباء بزراعة القلوب بل طوّروا أجهزة تقوم بعمل القلب مؤقتًا.
واليوم تُجرى كثير من الأبحاث في علم القلب ووظائفه، ويتم التركيز على دراسة الأسباب التي تؤدي إلى أمراض القلب حتى يمكن تفاديها. وتدرس أبحاث أخرى إمكانية خفض حالات الموت والعجز التي تنتج من أمراض القلب، عن طريق دعم وتطوير أدوية وعقاقير معالجة جديدة واستحداث قلب صناعي فعّال.
هذه المقالة عن قلب الإنسان بصورة خاصة، والجزء الأخير منها يصف قلب الحشرات والسمك والطيور والحيوانات الأخرى. ولمزيد من المعلومات عن عمل الدم في الجسم، انظر: الدم؛ الجهاز الدوري.
حقائق مهمة عن القلب | ||||||
|
أجزاء القلب
أجـزاء القلــب يقع القلب بين الرئتين في منتصف الصدر، ويميل الجزء الأسفل من القلب ناحية اليسار. ولأن دقات القلب تحدث في الجزء الأسفل فإن معظم الناس يعتقد أن القلب يقع بكامله في الجانب الأيسر من الجسم. هذا الرسم الإيضاحي يبين القلب بثلثي حجمه الطبيعي تقريبًا. |
يغطي القلب من الخارج غشاء يسمى النخَاب ويحيط غشاء آخر يسمى التّامور بالنخاب وبالقلب بصورة تامة وكاملة، ويمتد حتى أعلى القلب ليشمل الأوعية الدموية الممتدة أعلى القلب. وتوجد مادة لزجة بين التامور والنِخَاب تساعد القلب على الانقباض بسهولة.
تختلف عضلة القلب عن عضلات الجسم الأخرى مثل العضلة الملساء والعضلة الهيكلية. فالعضلات الهيكيلية مثل التي في الذراع أو الرِجل لها ألياف طويلة وشرائح داكنة اللون وأخرى فاتحة بالتبادل، ويسمى هذا بالتخطُّط. ونحن نستطيع أن نتحكم في العضلة الهيكلية. أما العضلات الملساء التي تكون جدار المعدة الداخلي والأمعاء ومعظم الأعضاء الداخلية للجسم فخالية من التخطط وتعمل بحركة تلقائية ولا نستطيع أن نتحكم فيها. وعضلات القلب لها تخطُّط مثلها مثل العضلات الهيكلية. ولكنها تنقبض وتتمدد بحركة تلقائية مثل العضلات الملساء. وبالإضافة لذلك فإن خلايا عضلات القلب تعمل مجتمعة وكأنها خلية واحدة. فعندما تنقبض أو تتمدد أي خلية في القلب فإن الخلايا المحيطة بها تعمل الشيء نفسه، ولهذا السبب يخفق القلب أو يدق دائمًا وبانتظام مدة حياة الإنسان.
التجاويف. يقسم الحاجز القلب طولياً بينما تقسمه الصمامات باتجاه عرضي. ولكل جانب من القلب تجويفان: واحد فوق الآخر، وغشاء رقيق يسمى الشغاف، يغلف كل تجويف من الداخل. والتجويفان العلويان يسميان الأذين الأيمن والأذين الأيسر، ويتلقيان الدم الراجع إلى القلب عبر الأوردة. وبعد أن يمتلئ الأذينان بالدم، ينقبضان ليضخا الدم في التجويفين السفليين المسميين البطين الأيمن والبطين الأيسر. وعندما يمتلئ البطينان ينقبضان ليضخا الدم خارج القلب عبر الشرايين. وللبطينين جدار قوي جدًا. وبما أنه يضخ الدم من القلب فإنه عادة أقوى وأكبر حجمًا من الأذين.
الأوعية الدموية. يدخل الدم ويخرج من القلب عبر أوعية أساسية متعددة، وينساب إلى الأذين من الجسم عبر أكبر وريدين في الجسم هما الوريد الأجوف العلوي الذي يحمل الدم من الرأس واليدين والوريد الأجوف السفلي الذي يحمل الدم من الجذع والرجلين. والأوعية الدموية الأخرى تحمل الدم بين القلب والرئتين. والأوردة الرئوية ترجع الدم من الرئة إلى الأذين الأيسر. والشريان الرئوي يحمل الدم من البطين الأيمن للرئتين، والأبهر هو أكبر شريان. ويتلقى الأبهر الدم المؤكسد من البطين الأيسر وينقله عبر فروع كثيرة متفرقة إلى جميع أنحاء الجسم. والشريان الرئوي والأبهر يُسميان أحيانًا الأوعية الكبيرة.
الشرايين الأولى الرئيسية التي تتفرع من الأبهر هي الشرايين التاجية التي تغذي القلب بالدم ليتمكن من ضخ الدم. وهذان الشريانان ينقسمان إلى فروع كثيرة في القلب. والأمراض التي تصيب الشرايين التاجية من أصعب المشاكل التي تواجه أطباء القلب لأنها تغذي عضلة القلب نفسها.
الصمامات. تنظم الصمامات سريان الدم عبر القلب. وللصمامات شرفات تفتح عندما يتدفق الدم من تجاويف القلب. وعندما تغلق الشرفات، فإنها تمنع الدم من الرجوع مرة أخرى للتجاويف. ويوجد صمامان يفصلان بين البطينين والأذينين يسمى كل منهما الصمام الأذيني البطيني. والصمام الذي يفصل بين البطين الأيمن والأذين الأيمن له ثلاث شرفات ويسمى الصمام المثلث الشرف، والصمام الأذيني البطيني في الجانب الأيسر له شرفتان ويسمى الصمام التاجي. وللقلب أيضًا صمام يسمى الصمام الهلالي بين كل بطين ووعائه الدموي الأساسي سواء أكان الشريان الرئوي أو الأبهر. ولكل صمام هلالي ثلاث شرفات مشكّلة في هيئة أنصاف أقمار، وعندما ينقبض البطين الأيمن يضخ الدم إلى الشريان الرئوي. ويُعرف الصمام الهلالي الذي يتحكم في مجرى الدم للشريان الوريدي بالصمام الرئوي. ويضخ البطين الأيسر الدم في الأبهر. ويسمى الصمام الهلالي في الجانب الأيسر الصمام الأبهري.
مصطلحات القلب | ||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
عمل القلب
ضخ الدم للرئتين. يحتوي الدم الذي يدخل الجانب الأيمن من القلب على ثاني أكسيد الكربون، وهو غاز فاسد تفرزه الخلايا والأنسجة في عملية إنتاج الطاقة. ويدخل الدم الأذين الأيمن عن طريق الوريد الأجوف العلوي والوريد الأجوف السفلي. وعندما يمتلئ الأذين ينقبض، ضاخًا الدم في البطين. وحينما يمتلئ البطين فإن الضغط المتولد يجعل الصمام المثلث الشرف ينغلق، والصمام الرئوي المؤدي للشريان الرئوي ينفتح، وبعدها ينقبض البطين ويدفع الدم في الشريان الرئوي ثم إلى الرئتين. وفي الرئتين يستبدل الأكسجين بثاني أكسيد الكربون. ثم ينساب الدم المؤكسد في الأوردة الرئوية للجزء الشمالي من القلب. انظر: الرئة.ضخ الدم لكل أجزاء الجسم. يدخل الدم المؤكسد من الرئتين ويملأ الأذين الأيسر، ومن ثم ينقبض الأذين ليضخ الدم عبر الصمام التاجي في البطين الأيسر. وبعد أن يمتلئ البطين بالدم ينغلق الصمام التاجي وينفتح صمام الأبهر. ويتدفق الدم في الأبهر ويتوزع عن طريق الشرايين إلى خلايا وأنسجة الجسم المختلفة.
تنظيم سرعة القلب. يضخ جانبا القلب الدم في وقت واحد. وعندما ينقبض البطين الأيمن ويدفع الدم للرئتين ينقبض البطين الأيسر ليدفع الدم إلى الجسم. ونشاط القلب له دورتان: انقباضية وانبساطية. وتحدث الدورة الانقباضية عندما ينقبض البطين، والدورة الانبساطية عندما ينبسط البطين. وتعادل دورة انقباض وانبساط عضلة القلب دقة قلب واحدة.
ويفتح انبساط وانقباض البطينين صمامات القلب أيضًا، وينتج عن إقفال الصمامات صوت لب ـ دب في دقة القلب ويستطيع الأطباء سماعه بالسماعة. وفي حالة انقباض البطينين ينغلق الصمام المثلث الشرف والصمام التاجي محْدثين الصوت الأول في دقة القلب. وفي الحال بعد إغلاق الصمامات يحدث الضغط المتولد في البطين، والذي يجعل صمام الأبهر وصمام الرئة ينفتحان. وبعد أن ينتهي الانقباض ينخفض الضغط في البطين وعندها ينغلق صمام الرئة وصمام الأبهر محْدثين الصوت الثاني في دقة القلب. في هذا الوقت، يكون الضغط المتولد في الأذينين أكبر بكثير مما في البطينين. وعليه فإن الصمام المثلث الشرف والصمام التاجي ينفتحان ويبدأ الدم الانسياب إلى البطين مرة أخرى.
يتحكم الجهاز العصبي التلقائي في سرعة دقات القلب. حيث ترسل بعض الخلايا الخاصة دُفْعَات كهربائية إلى القلب مما يجعله ينقبض وينبسط بصورة منتظمة.تبدأ الدفعة في حزمة صغيرة من الليف العضلي تسمى العُقدة الجيبية الأذينية، وفي معظم الحالات تسمى الناظمة القلبية، لأنها تنظم ضربات القلب وترسل إشارات بانتظام. تقع العقدة الأذينية الجيبية في الأذين الأيمن قريبًا من مكان دخول الوريد الأجوف العلوي إلى القلب. وترسل العقدة الجيبية الأذينية دفعات عبر ممرات وقنوات خاصة ينتج عنها انقباض الأذينين عندما تصلها الدفعة الكهربائية. وتصل هذه الدفعة إلى عقدة أخرى تسمى العقدة الأذينية البطينية، تقع بين الأذين والبطين. وتؤخر هذه العقدة الدفعات العصبية قليلاً لتسمح للبطين بوقت كافٍ ليمتلئ بالدم، وحينما تتواصل الدفعات يمتلئ البطين.
تتحكم أعصاب الجهاز العصبي التلقائي في العقدة الأذينية الجيبية والعقدة الأذينية البطينية. ويزيد تنبيه هذه الأعصاب معدل ضربات القلب أو يقلله. وعندما يحتاج الجسم لكمية أكثر من الدم ـ كما في أثناء التمارين الرياضية القاسية ـ تنبه العقدة الأذينية الجيبية الجهاز العصبي، وهي بدورها تزيد معدل دفعاتها. وهذه الدفعات تجعل القلب ينقبض بسرعة أكثر.
يحدّد حجم الإنسان سرعة القلب. فكلما كان الإنسان أكبر حجمًا كانت سرعة قلبه أبطأ. فقلب الرضيع مثلاً يضرب 120 مرة في الدقيقة، وعدد الدقات النموذجي للبالغين 72 مرة في الدقيقة. ولكن الأطباء يعتبرون أن ما بين 60 و 100دقة معدلاً عاديًا. والتمارين الرياضية تساعد على كبر حجم القلب، وإبطاء دقاته. وتتراوح سرعة قلب كثير من الرياضيين المتمرسين بين 40 و60 دقة في الدقيقة.
تنظيم ضغط الدم. يكون الدم في الدورة الدموية ـ مثل الماء في صنابير المياه ـ دائمًا تحت ضغط ما. ويرمز للقوة التي يمثلها دَفْعُ الدم على جدران الشرايين بضغط الدم. وهذه القوة هي التي تدفع الدم من القلب لكل أجزاء الجسم. وضغط الدم لكل فرد يعكس كمية الدم في الجسم وقوة ومدى انقباض القلب وليونة الشرايين. وينخفض ضغط الدم ويرتفع أثناء الدورة الانقباضية والدورة الانبساطية. ويولد انقباض عضلات القلب ضغط الدم الانقباضي، بينما ينتج عن تمدد وانبساط القلب ضغط الدم الانبساطي. ولتعلُّم كيف يقاس ضغط الدم. انظر: ضغط الدم.
يساعد القلب في تنظيم ضغط الدم بإفراز هرمون يساعد الكلى في التخلص من الملح خارج الجسم، ولهذا تسبب زيادة الملح زيادة ضغط الدم. وهذه الحالة التي يسميها الأطباء فرط ضغط الدم، قد تؤذي القلب والدماغ والكلى، ومع مرور السنين يمكن أن يؤدي إلى تلف الشرايين ومرض القلب. انظر: ضغط الدم المرتفع.
أمراض الشرايين التاجية
قد يصيب المرض أي جزء من القلب، لكن كلمة مرض القلب تعني مرض الشرايين التاجية (الإكليلية)، الذي يسمى أحيانًا مرض القلب الإقفاري، وهذه الحالة تؤثر في الأوعية التي تغذي القلب نفسه. وهي تؤدي إلى ضيق في الشرايين التاجية، ولذلك تقلل إمداد القلب بالدم.يذهب 5% تقريبًا من الدم الذي يضخه القلب للشرايين التاجية مباشرة. والدم يحمل معه الأكسجين والمغذيات (المواد الغذائية) المذابة التي يحتاجها القلب لأداء عمله. ولا يستطيع القلب تخزين الأكسجين، ولهذا فهو في حاجة لإمداد دائم ومستمر. ومرض الشرايين التاجية قد يؤثر في أداء القلب بتأثيره على كمية إمداد الأكسجين بتقليلها أو إيقافها. ويعاني بعض المصابين بمرض الشرايين التاجية ألمًا حادًا، وبعضهم لا يحس بشيء، بل لا يعلم أن له مشكلة في القلب. وإذا تطور المرض فقد ينتج عن ذلك نوبة قلبية. وهذه النوبة تؤدي إلى تلف في عضلات القلب أو ربما للموت المفاجئ. ومعظم حالات مرضى الشريان التاجي يمكن علاجها، ولكن يجب تشخيصها وتمييزها في أسرع وقت ممكن.
عوامل الخطر. من الصعب على الأطباء تحديد من سيصاب بمرض الشرايين التاجية. وبالرغم من ذلك فإن الأبحاث الطبية تشير إلى أنّ بعض الحالات والعادات قد تؤدي لهذا المرض. ويسمي الأطباء هذه العادات عوامل الخطر. وبعض هذه الأسباب قد يصعب التحكم فيها. فقد يصيب هذا المرض مثلاً الرجال أكثر من النساء، والمسنين أكثر من صغار السن، وقد يكون له علاقة وراثية بأسرة الشخص. ومعظم عوامل الخطر الأخرى في مرض الشرايين التاجية يمكن التحكم فيها. وأكثر الأسباب خطورة كمية المادة الدهنية التي تسمى الكولسترول. فكلما زادت كمية الكولسترول في دم الإنسان زادت قابلية إصابته بمرض الشرايين التاجية، لأن ترسب هذه المواد الدهنية يؤدي إلى ضيق الأوعية الدموية. ويمكن التحكم في الكولسترول في الدم بتقليل كمية الدهون الحيوانية في وجبات الطعام. انظر: الكولسترول.
ومن عوامل الخطر الأخرى التي يمكن التحكم فيها ارتفاع ضغط الدم والتدخين. ويجعل ارتفاع ضغط الدم القلب يعمل بجهد أكثر وقد يؤدي إلى نوبة قلبية. ويمكن للإنسان أن يخفض ضغط دمه بأن يقلل من وزنه، وأن يؤدي بعض التمارين الرياضية وأن يأكل كميات قليلة من الملح.
وهناك بعض الأدوية أيضًا تساعد على خفض ضغط الدم المرتفع. فمدخنو السجائر أكثر قابلية للمرض من غيرهم. والذين يدخنون بكثرة عندهم احتمال للإصابة بالسكتة أو النوبة القلبية ضعف غيرهم من غير المدخنين. والذين يتركون التدخين يقللون فرصة إصابتهم بأمراض القلب بصورة ملحوظة. انظر: التدخين. وتشمل بعض الأسباب الأخرى التي تساعد على الإصابة بمرض الشرايين التاجية، مرض السكري، والسمنة المفرطة، والضغوط النفسية.
والكشف الطبي المنتظم غالبًا ما يؤدي إلى التحكم في عوامل الخطر. وفي هذه الحالات قد ينصح الأطباء المريض بالإقلاع عن التدخين أو اتباع وجبات غذاء خفيفة للتحكم في ارتفاع ضغط الدم أو التحكم في نسبة الكولسترول أو التحكم في الوزن.
الأسباب. تنتج معظم أمراض الشرايين التاجية تقريبًا عن مرض تصلب الشرايين، وهي الحالة التي تفقد فيها الشرايين ليونتها ومرونتها. وفي معظم الحالات يصير الجدار الداخلي للشريان ممزقًا محدثًا حالة مماثلة لتصلب الشرايين تسمى التصلُّب العصِيدي. فالجدران الداخلية للشريان السليم تكون ناعمة ولذلك يجري فيها الدم بسهولة. ولكن في حالة تصلب الشرايين تتراكم ترسبات الدهون والكالسيوم في الجدار مما يعيق جريان الدم في الشريان. وتسمى ترسبات الكالسيوم والدهون اللويحات (البلاك). وقد تؤدي هذه اللويحات إلى انسداد تام يمنع جريان الدم نهائياً في الشريان، بالإضافة إلى أنه يؤدي إلى ضيق في الشريان، ويقلل جريان الدم بصورة كافية لتؤدي إلى تكوين جلطة أو خثرة. وأحيانًا تتكسر هذه اللويحات مفرزة أجسامًا صغيرة قد تؤدي بدورها إلى جلطة دموية، وإذا أدت الجلطة إلى انسداد في الشريان التاجي فإنها تؤدي إلى نوبة قلبية. وإذا حدثت في أي شريان في الدماغ فقد تنتج عنها سكتة دماغية. انظر: السكتة الدماغية.
الأعراض والتشخيص. يحدث تصلب الشرايين التاجية عادة على مدى سنوات عديدة، رغم أن الأطباء وجدوا لُويحات في الشريان التاجي في بعض صغار السن من الجنود الذين قتلوا في المعارك. ولكن الأعراض غالبًا ما تظهر بعد سن الخمسين أو أكثر في بعض الأحيان. وتكون النوبة القلبية أولى الأعراض، وأحيانًا يحدث الموت المفاجئ. وعلى أية حال فإن الأعراض المبكرة المشابهة قد تكون ألمًا في الصدر يعقب تمارين رياضية أو أي نشاط آخر يجعل القلب يعمل أكثر من المعتاد. ويسمي الأطباء مثل هذا الألم بالذبحة الصدرية أو الذبحة. والشرايين التاجية الضيقة تغذي القلب بأكسجين أقل، مما يتسبب في الألم عندما يعمل القلب بطاقة أكثر. وبعد أن تتوقف التمارين أو ينتهي المجهود يتوقف الألم. وتزداد الذبحة إذا تركت من غير علاج، وغالبًا ما يشتكي المريض من ألم حتى وهو في حالة الراحة التامة. يشخص الأطباء أمراض الشريان التاجي بدراسة حالة المريض العامة والأمراض السابقة التي أصابته. ويسجلون تاريخ أي ذبحة أو نوبة قلبية أو وجود أي عوامل خطر. وقد يكشف الفحص العام عن وجود أسباب وعوامل خطر مثل ارتفاع ضغط الدم أو عطب في القلب.
يستعمل الأطباء آلة تسمى مرسمة كهربائية القلب لمعرفة أي عطب في القلب أو أي اضطرابات في انتظامه. وتعطي هذه الآلة تخطيطًا يسمى رسم كهربائية القلب، يوضح النشاط الكهربائي لعضلة القلب. وتسجل الدفعات على ورق متحرك يوضح نشاط القلب الكهربائي على شكل سلسلة من الخطوط المموجة أو المتعرجة. وتمثل التعرجات الأساسية انقباض البطين والتعرجات الفرعية تمدد البطين وانقباض وتمدد الأذين. وتؤخذ معظم رسومات القلب للمريض وهو مستلقٍ، ولكن بعض الأطباء يرسم القلب للمريض وهو يؤدي بعض التمارين الرياضية. ومثل هذا التخطيط يوضح ما إذا كان القلب مريضًا حتى وإن لم يشك المريض من ألم، ويوضح إذا كان القلب يتلقى كمية كافية من الأكسجين أثناء التمارين الرياضية القاسية أم لا. انظر: مرسمة كهربائية القلب.
يستعمل الأطباء أيضًا طريقة أخرى تسمى التصوير النَّوَوي الشُّعاعي، لتعرف مرض الشريان التاجي. يحقن الطبيب مادة مشعة في دم المريض ويستطيع أن يرى المادة على شاشة أثناء انتشارها في عضلات القلب. والمساحة التي لا تتلقى دمًا تظهر خالية على الصورة. ويستعمل الأطباء التصوير النووي الشُّعاعي عادة مع رسم كهربائية القلب تحت الإجهاد.
وإذا كان هناك شك في أسلوب التشخيص العادي فإن الأطباء قد يفضلون القثطرة القلبية، ثم يعقبها تخطيط الأوعية التاجية. وهنا يدخلون أنبوبًا مرنًا طويلاً يسمى القثطار عن طريق وعاء دموي كبير عادة ما يكون شريانًا في منطقة التقاء الفخذ مع الجذع، ويدفعون القثطار إلى حيث يبدأ الشريان التاجي ويحقنون صبغة. بهذه الطريقة يمكن رؤية الشرايين من الداخل ـ ويمكن تسجيلها على فيلم أشعة سينية وتسمى الصورة الوعائية. وهذا الاختبار يُظهر حالة الشرايين التاجية بوضوح. وقد توضح الصورة الوعائية للشريان التاجي وجود إصابة طفيفة أو ربما الموت في بعض الأحيان. ولهذا يجريها الأطباء فقط في الحالات التشخيصة المعقدة. انظر: تخطيط الأوعية الدموية.
العلاج. لا يستطيع الأطباء علاج مرض الشريان التاجي. وفي بعض الحالات ينصحون المرضى بتغيير أسلوب حياتهم للحد من تطور المرض. ويمكن علاج المرضى بالأدوية أو الجراحة حتى تساعدهم ليعيشوا حياة طبيعية. ويشخص الأطباء كل مريض بالشريان التاجي على حدة ليحددوا نوع العلاج الذي يعطي فائدة أكبر. ويصف الأطباء أدوية مختلفة لعلاج أعراض انسداد الشريان التاجي. وكثير من الأدوية يخفف آلام الذبحة، فقرص النيتروجلسرين مثلاً، يوسع الشرايين التاجية عندما يوضع تحت اللسان، فيسمح لدم أكثر أن يمر عبر الترسبات الدهنية، كما يمكنه أن يوقف آلام الذبحة في دقيقتين. ومحصرات بيتا ومحصرات قنوات الكالسيوم قد تمنع الذبحة، حيث تبطئ محصرات بيتا عمل القلب وتقلل قوة انقباضه وعليه يقلل حاجة القلب للأكسجين مما يجعل ضخ الدم أسهل. وتعمل محصرات قنوات الكالسيوم مثل مُحْصرات بيتا بالإضافة إلى أنها تساعد على تمدد الشرايين التاجية. والعقاران أيضًا يخفضان ارتفاع ضغط الدم. أما عقار القمعية فإنه يقوي القلب الضعيف. وينصح كثير من الأطباء مرضى الشرايين التاجية بتناول قرص أسبرين يوميًا، لأن الأسبرين يمكن أن يساعد في منع تجلط الدم عند مرضى الشريان التاجي.
وإذا عجزت الأدوية عن معالجة مرض الشريان التاجي فإن الأطباء يدرسون اتباع أساليب أخرى للتغلب على المشكلة. وأسهل تقنية هي توسيع الأوعية التاجية. فالأطباء يدخلون قثطارًا به بالون منكمش يصل للمكان الضيق في الشريان التاجي. بعدها يملأ البالون بالهواء مما يدفع الانسداد جانبًا ويوسع الشريان. وتوسيع الأوعية الدموية جراحياً يعمل بنجاح بنسبة 85% للمرة الأولى. وفي ثلث المرضى يرجع الانسداد مرة أخرى في خلال ثلاثة شهور. وهناك طرق متعددة قد تزيد الفوائد والمزايا من جراحة تقويم الأوعية. فقد يؤدي إرسال حزم ضوئية مكثفة من نبائط تسمى الليزر إلى حرق ترسبات اللويحات حديثة التكوين. وقد توضع شرائح رقيقة في الشريان لتبقيه مفتوحًا. انظر: توسيع الأوعية الدموية.
وإذا فشلت وسائل القثطرة فإن معظم أطباء القلب يقترحون إجراء عملية طعم مجازة الشريان التاجي. وفي هذه العملية يزيل الجراح جزءًا يسيرًا من وعاء دموي غالبًا ما يكون وريدًا في الفخذ أو شريانًا في الصدر، ويُوصِّل جانبًا من الشريان أو الوريد للأبهر والجانب الآخر للشريان التاجي المصاب متخطيًا الجزء المسدود. والجراحون يستطيعون إيقاف عمل القلب أثناء عملية التحويل باستعمالهم جهاز القلب ـ الرئة. والجهاز له مضخة كهربائية ونظام أغشية وحواجز تؤدي عمل القلب والرئتين. وهو يسحب ثاني أكسيد الكربون من الدم ويرسل الدم المؤكسد إلى جميع أنسجة الجسم. وقد تخفف مجازة الشريان التاجي من أعراض الذبحة وتطيل ـ بإذن الله ـ عمر المريض الذي يشكو من داء الشريان التاجي الحاد، ولكنه لا يؤثر ولا يوقف تصلب الشرايين.
النوبة القلبية
تحدث معظم حالات النوبة القلبية عندما تسد جلطة دموية الشريان التاجي تمامًا، وتسمى هذه الحالة الخثار التاجي. وتؤدي هذه الحالة إلى تعطل العضلة التي تغذي الشريان المسدود لتلقيها كمية أقل من الأكسجين. وإذا لم يعاود الدم جريانه في خلال دقائق فإن الأذى والعطل يزيدان. وتبدأ خلايا القلب تموت بعد مرور ست ساعات إذا لم يصلها دم. وقد يؤثر العطل في قدرة القلب على ضخ الدم ويؤدي إلى موت المصاب. ويتفاعل الجسم مع النوبة القلبية بوسائل دفاعه الخاصة، فهناك مواد في الدم يمكنها أن تذيب الجلطة الدموية وتساعد على سريان الدم مرة أخرى في سهولة ويسر. وإذا ذابت الجلطة خلال ست ساعات من النوبة فإن تأثير العطب على القلب يكون أقل. الأعراض. قبل حدوث النوبة القلبية يعاني كثير من الناس الذبحة ويشعرون بدوران ويشكون من سوء هضم أو يعانون أعراضًا أخرى. بعض المرضى لا يشعرون بأي علامات منذرة. وتسبب النوبة القلبية في معظم الحالات ألمًا شديدًا. ويصف المصابون الألم بأنه بطيء وقاسٍ في الصدر ولكنه قد يمتد إلى العنق والفك والذراعين أو الظهر. وقد يستغرق الألم من دقائق معدودة إلى عدة ساعات.وعلى الشخص الذي يشكو من ألم في الصدر ويشك في بداية نوبة قلبية أن يلجأ للمساعدة والعلاج الطبي فورًا. وقد يتوقف التنفس عند بعض المصابين. وقد يساعد أسلوب إسعافي يسمى الإنعاش القلبي الرئوي المريض على التنفس ويساعد الدورة الدموية على الاستمرار إلى أن تصل العناية الطبية اللازمة. ولكن هذا الأسلوب يجب أن يطبقه شخص مُدَرّب ومتخصص. انظر: إنعاش القلب والرئتين.
التشخيص والعلاج. حينما يصل مريض النوبة القلبية للمستشفى يجري الأطباء رسمًا وتخطيطًا للقلب ليتأكدوا من أن المريض يعاني فعلاً النوبة القلبية وليس مجرد ألم في الصدر ناتج عن خلل أو اضطراب آخر. فعضلة القلب المصابة تحدث موجات غير عادية في رسم القلب التخطيطي. ويلجأ الأطباء أيضًا إلى بعض التحاليل الطبية للدم. ولكن التحاليل في هذه الحالة ليست مفيدة إلا إذا مضت ست ساعات على النوبة القلبية.
وإذا استمر المريض يشكو من الألم فإن الطبيب في هذه الحالة قد يصف مسكنًا للألم مثل المورفين. ويستخدم الأطباء أيضًا أدوية وعقاقير يمكن أن تذيب الجلطة في الشريان المسدود. وإذا فشل العقار في أن يذيب الجلطة فإنهم يلجأون لإسعاف مستعجل بتصوير الأوعية القلبية أو إجراء جراحة المجازة.
وبعد إدخال مريض النوبة القلبية للمستشفى تتم مراقبة أي مضاعفات مثل هبوط القلب واللانظمية أو اختلال ضربات القلب في وحدة العناية المركزة. ويحدث هبوط القلب عندما لا يضخ القلب كمية كافية نتيجة لتلف بالغ في عضلة القلب، ويمكن علاجه بنجاح. وفي حالة اللانظمية، يحدث نظام القلب الكهربائي إيقاعًا غير عادي. ويحدث أحد أنواع اللانظمية ـ وهو الرجفان البطيني ـ عندما ترسل إشارات كهربائية من البطين بغير انتظام. وقد ينتج إيقاع القلب غير الفعال، والموت المفاجئ عن الرجفان البطيني. واللانظمية يمكن علاجها طبيًا.
وقد تصل نسبة الموت في مرضى النوبة القلبية الذين لا يتلقون علاجًا طبياً إلى أكثر من 20%. وبعضهم يموت قبل أن يصل الطبيب، ويتجاهل بعضهم الأعراض. وتتراوح نسبة الموت في المرضى الذين يتلقون العلاج بالمستشفيات بين خمسة وعشرة في المائة. وقد يتعرض مرضى النوبة القلبية الذين يشكون من ألم متكرر في الصدر أو اللانظمية، أو هبوط قلبي، للإصابة بأمراض أخرى أكثر من المرضى الذين لا يشكون من هذه الأعراض.
الشفاء. يجري معظم الأطباء رسوم القلب تحت الإجهاد للمصابين بالنوبة القلبية، ليتأكدوا من أن المضاعفات لن تحدث بعد ذلك. وينصح المرضى الذين يعانون مضاعفات باللجوء إلى توسيع الأوعية التاجية أو إجراء عملية المجازة، والذين لا يشكون من مضاعفات يمكنهم الذهاب إلى منازلهم أو إلى دور النقاهة. وتوفر النقاهة للمرضى صحة جيدة عن طريق برامج تدريب على التمارين الرياضية تدريجيًا، ووجبات غذائية منتظمة وأدوية لعلاج أمراض مثل ارتفاع ضغط الدم وارتفاع نسبة الكولسترول. ومعظم المرضى يمكنهم أداء أعمال خفيفة بعد 30 يومًا من النوبة. ويتم الشفاء التام للقلب إذا كانت به ندوب شديدة خلال ثلاثة شهور ـ بإذن الله.
التشوهات الخَلْقِيَّة (الولادية)
يسمي أطباء القلب أي اضطراب أو عيب يحدث مع الولادة مرض القلب الولادي. وهذا المرض يحدث في ثماني ولادات من كل 1,000 ولادة تامة. وبعض هذه التشوهات طفيف ولا يؤثر في حياة الشخص العادية، وبعضها يكون حاداً بدرجة قد تؤدي للوفاة.تبدأ التشوهات الولادية مع تكوُّن القلب في الأسابيع الأولى للحمل. ويتحصل الجنين على كل الأكسجين والمواد الغذائية عن طريق جسم الأم. فالدم يضخ الأكسجين والغذاء لجسم الجنين ومن ثم للجانب الأيمن من قلبه. ولكن الدم لا يدخل رئة الجنين لأنها لا تستطيع أن تمده بالأكسجين، بل يمر من الشريان الرئوي للأبهر عن طريق ممر يسمى القناة الشريانية. وتبدأ الرئة عملها مع الولادة، حيث تنغلق القناة ويبدأ الدم في الجريان للرئتين. ومعظم التشوهات الولادية في القلب تكون عادة نتيجة لفتحات شاذة في القلب أو أجزاء ضيقة تعيق جريان الدم. وقد تحدث التشوهات أصواتًا غير عادية تسمى لغط القلب أوخرير القلب. انظر: لغط القلب. ولا يعلم الأطباء كل الأسباب التي تؤدي إلى التشوهات الولادية في القلب، ولكن يمكن تصحيح معظم التشوهات عن طريق العمليات الجراحية. وستتناول هذه المقالة أكثر هذه التشوهات شيوعًا.
الفتحات الشاذة في القلب. من أشد التشوهات القلبية الولادية، التشوهات الحاجزية، وهي ثقوب في الحاجز. وإذا كان الثقب بين الأذينين يسمى العيب الحاجزي الأذيني، وإذا كان بين البطينين يسمى العيب الحاجزي البطيني. ويدع الثقب مجالاً للدم ليعبر من يسار القلب إلى يمينه. وإذا جرى هذا الدم المؤكسد للرئة مرة أخرى فإن ذلك يسبب احتقانًا في الرئة. ويمكن للجراحين معالجة العيب في الحاجزي الأذيني والعيب الحاجزي البطيني. ويعتبر العيب في الحاجز البطيني أكثر خطورة من العيب في الحاجز الأذيني بسبب الضغط العالي جدًا في البطين الشمالي. وبعض أنواع العيب الحاجزي الأذيني لا تظهر أو تعرف إلا في مرحلة متقدمة جدًا من العمر، عندما يزيد ضغط الدم. وإذا لم يتم تصحيح العيب الحاجزي البطيني قبل أن يبلغ الطفل عامه الثاني فقد تتأثر الرئتان محدثة بذلك العجز الدائم والموت المفاجئ.
وينتج نوع آخر من الثقوب الشاذة عندما لا تنغلق القناة الشريانية عند ولادة الطفل. هذا الخلل يسمى القناة الشريانية السالكة. فالدم يجري من الشريان الرئوي للأبهر قبل ولادة الجنين. وإذا استمر هذا الممر مفتوحًا، فإن الدم يعكس جريانه ويجري من الأبهر ذي الضغط العالي إلى الشريان الرئوي. ويرجع الدم المؤكسد للرئة مسببًا احتقانًا قد يؤدي للموت إلا إذا أقفل الممر. ويصف الأطباء بعض الأدوية التي تساعد على قفله، وإذا فشلت الأدوية يمكن علاجه بالعملية الجراحية.
انسداد مجرى الدم. عيب أو تشوه عام في القلب. وربما يكون من أسباب هذا العيب أن يكون لصمام الأبهر شرفتان بدلاً من ثلاث، ويسمي أطباء القلب هذا التشوه صمام الأبهر الثنائي الشرف، وفيه تمنع شرفتان جريان الدم جزئيًا مما يسبب لغط القلب. وهذا التشوه لا يسبب أي مشاكل إلا بعد البلوغ. وعند ذلك يجب إجراء العملية الجراحية.
وهناك نوع آخر من تشوهات الولادة وهو حدوث ضيق في الأبهر عندما ينزل لأسفل الجسم ـ وتسمى هذه الحالة تَضيُّق بَرْزَخ الأبهر. وهذا الضيق قد يؤدي إلى نوبة قلبية مفاجئة عند الصغار. وعند الأطفال الأكبر سنًا، يؤدي هذا التشوه إلى ارتفاع في ضغط الدم في الرأس واليدين وانخفاض ضغط الدم في الرجلين. ويصحح الجراحون هذا التشوه في سن متقدمة من الطفولة عندما يكون الأبهر قريبًا من حجمه الكامل.
وهناك حالة خاصة معقدة من التشوه القلبي الولادي تسمى رباعية فالوت. وفالوت طبيب فرنسي كان أول من وصف هذه الحالة. والتشوه توليفة من أربعة اضطرابات، وأكثرها خطورة العيب الحاجزي البطيني، وهو ثقب بين البطينين، وضيق في الصمام الرئوي. والصمام الضيق يقلل كمية الدم التي تذهب للرئة مما يزيد الضغط في البطين الأيمن. ويمر الدم من البطين الأيمن عبر العيب الحاجزي البطيني للبطين الأيسر وبعدها للجسم. ولأن ذلك الدم لم يمر بالرئتين ليكتسب اللون الأحمر ـ لون الدم المؤكسد ـ فإنه يجعل لون الجسم مائلاً للأزرق. والأطفال الذين يعانون من هذا العيب يسمون الأطفال الزُّرق أو الولدان الزرق. وبعض الأطفال الزرق يمكن معالجتهم بالأدوية وبعضهم يحتاج لعملية جراحية لتصحيح الحالة. انظر: الوليد الأزرق.
اضطرابات القلب الأخرى
المرض الصِمَامي. إذا كانت شرفات صمامات القلب مشوهة أو بها عيب فإن ذلك يسبب المرض الصمامي. هناك نوعان من عيوب الصمام هما: تضيق الصمام؛ ويحدث إذا تصلبت الشرفات وأدت إلى حدوث ضيق في فتحات الصمامات، مما قد يقلل من تدفق الدم عبر الصمام؛ والقَلَس ويسمى أيضًا القُصُور، ويحدث إذا كانت الشرفات تنغلق بصورة غير صحيحة مما يسمح للدم بالانسياب للخلف من حيث أتى. وقد لا يظهر المرض الصمامي إلا بعد سنين من البلوغ، مما يؤثر في عمل وكفاءة القلب. وتحدث معظم أمراض الصمامات نتيجة تشوهات خلقية في القلب، كأن يكون لصمام الأبهر شرفتان بدلاً عن ثلاث من الشُرف، أو من حمى روماتيزمية. وهذه تحدث بسبب عدوى بكتيرية تعقبها التهابات كثيرة في معظم أعضاء الجسم من بينها القلب. وفي بعض الأحيان تؤدي الحمى الروماتيزمية إلى روماتيزم القلب أو الوفاة.وتحدث هذه الحمى دائمًا في الطفولة، ولكن العطب الذي تسببه للقلب لا يظهر إلا عندما يتقدم العمر بالمصاب. ويحاول الأطباء تفادي روماتيزم القلب بسرعة تشخيص وعلاج العدوى الأساسية. انظر: الحمى الروماتيزمية.
ويؤدي روماتيزم القلب دائمًا إلى التهاب خلايا الصمام، خاصة الصمام التاجي، مسببًا رجوع الدم عبر الصمام. وعندما يُعالج الالتهاب ويزول تظهر ندبات على الصمام مسببة ضيق الشرايين ورجوع الدم معًا.
وتشمل أعراض أمراض الصمام ضيق التنفس والتعب والسُعَال المتواصل وألم في الصدر في بعض الأحيان. ويستطيع الأطباء تشخيص المرض الصمامي بتحديد لغط القلب الذي ينتج من جريان الدم غير المنتظم. ويؤدي إبطاء جريان الدم أو رجوعه في صمام ضيق، إلى الجريان غير المنتظم.
ويستعمل الأطباء عدة طرق ليؤكدوا تشخيصهم وليحددوا مدى خطورة المرض الصمامي. وفي تقنية تخطيط صدى القلب، ترسل إشارات وموجات فوق صوتية عبر الصدر. وهذه الموجات تنعكس من القلب ويتحول الصدى الراجع إلى صورة فيديو لصمامات القلب والتركيبات الأخرى. ويستعمل الأطباء هذه التقنية أيضًا للكشف عن انسياب الدم غير المنتظم، وأمراض الشرايين التاجية وحالات أخرى من أمراض القلب. وإذا كان هناك بعض الشك حول وجود المرض الصمامي بعد إجراء مخطط كهربائية القلب، فإن الأطباء يلجأون إلى إجراء قثطرة القلب مع تصوير الأوعية القلبية والشرايين التاجية معًا.
ويراقب الأطباء المصاب بالمرض الصمامي لرصد أي تغيير في الأعراض. وإذا زاد ضيق الصمام أو رجوع الدم فإن ذلك قد يسبب هبوط القلب الاحتقاني، وهي حالة لا يستطيع القلب فيها ضخ كمية كافية من الدم. ويعالج الأطباء هذا الهبوط بطرق مختلفة. فقد ينصحون المريض أن يرتاح لفترات طويلة أو يقلل من وزنه أو يتبع إرشادات أخرى تقلل العبء على القلب. وقد يصف الأطباء دواء القُمعية أو أدوية أخرى لتحسين قدرة القلب على الضخ.
إذا فشلت كل طرق العلاج، فإن الأطباء قد يلجأون إلى العملية الجراحية لإصلاح أو استبدال الصمام. والصمام التاجي المصاب يجب أن يستبدل به صمام آلي. ويستخدم الجراحون عدة أنواع من الصمامات الصناعية. مثال ذلك صمام الكرة والقفص، وهو نوع من الصمامات يحتوي على قفص من الفولاذ يحيط بكرة مصنوعة من كربون معالج حراريًا. وهناك صمام آلي آخر يحتوي على أسطوانتين كربونيتيْن شبه دائريتيْن تفتتحان بآلية محورية.
نظم القلب غير الطبيعي. يقصد به عدم انتظام دقات القلب. وقد يكون غير مؤلم أو غير مؤثر، وقد تؤدي اللانظمية أو اختلال ضربات القلب إلى الموت، ويمكن أن يوضح رسم القلب الكهربائي كل نظم غير طبيعي.
تسمى اللانظمية بطء القلب إذا كانت أقل من 60 دقة في الدقيقة، وتسمى تسرُّع القلب إذا كانت أكثر من 100 دقة في الدقيقة الواحدة.
وبطء القلب قد ينتج من استعمال أدوية تهدئ ناظمة القلب الطبيعية، وهي التي تحدد درجة خفقان القلب عن طريق الإشارات النظمية الكهربائية. ويُحدث انقطاع الإشارات الكهربائية في مسارات التوصيل بطء القلب، ويسمى إحصار القلب. وإذا لم يمكن علاجه بأي طريقة فإن الأطباء يدخلون ناظمة صناعية إلكترونية قريبًا من القلب، وهو جهاز يعمل بالبطارية ويُرسل إشارات كهربائية للقلب، ويمكن برمجته على معدلات مختلفة. ويحدث تسرُّْع القلب عندما يكون هناك مرض يجعل البطين أو الأذين يرسل إشارات كهربائية سريعة. وتَسرُّع القلب الأذيني يمكن علاجه نسبيًا، ولكن تَسرُّع القلب البطيني قد يؤدي إلى رجفان وفيه تؤدي الانقباضات غير المنتظمة إلى الموت المفاجئ. وهناك عدة أدوية تقلل من تَسرُّع القلب. وإذا فشلت الأدوية في العمل على البطين فإن الأطباء يدخلون جهازًا مشابهًا لناظمة القلب ليتغلبوا على الرجفان، ويسمى الجهاز مزيل الرجفان وله قطب كهربائي يوضع على جانب القلب. ويحس هذا الجهاز بأيّ تَسرُّع بطيني في القلب. ويرسل شحنة كهربائية خفيفة لوقف التسرع.
التهابات القلب. وتشمل الورم وارتفاع الحرارة والألم. ويمكن أن تصيب أجزاء مختلفة من القلب. ومن ذلك التهاب التامور (النخاب) الذي يصيب التامور، وهو الحجاب الواقي الذي يحيط بالقلب. وقد ينتج هذا الالتهاب من عدة اضطرابات مثل الأمراض المعدية والتهاب المفاصل أو الفشل الكلوي، وقد يسبب تجمع السوائل تحته. وإذا تجمعت كمية كبيرة من السوائل فإن التامور يضغط على القلب ويمنعه من ضخ كمية كافية من الدم للجسم. وإذا لم يسحب الأطباء هذه السوائل بمحقنة داخل التامور مرورًا بالصدر فإن هذه الحالة تؤدي للموت. وتكرار الالتهاب قد يتلف التامور ويضغط على القلب. ويزيل الأطباء النسيج التالف في حالة حدوثه.
والشغاف أو بطانة القلب، هو الغشاء الذي يغلف تجاويف القلب من الداخل ويكوِّن صماماته. وقد يصاب الشغاف بالتهاب يسمى التهاب الشغاف البكتيري، وهو حالة تحدث عندما تدخل البكتيريا مجرى الدم عن طريق بعض أعضاء الجسم حيث تتكاثر أصلاً، وقد تصيب القلب. وقد تدخل البكتيريا من الفم للدم أثناء جراحة الأسنان والفم. ويقاوم جهاز المناعة العام في معظم الحالات ويدمِّر هذه البكتيريا. ولكن قد تتجمع البكتيريا على الصمام المصاب عند مرضى الصمام وتتكاثر. ومرض التهاب الشَغَاف البكتيري قاتل إذا لم يتم علاجه بالمضادات الحيوية. ويصف الأطباء هذه المضادات قبل وبعد العمليات الجراحية للمرضى الذين تسهل وتكثر إصابتهم. تسمى العدوى والأمراض التي تصيب عضلة القلب التهاب عضلة القلب. وإذا سببت الالتهابات عطبًا مستديمًا لا يمكن علاجه فإن المريض في هذه الحالة يحتاج إلى عملية زرع قلب.
اعتلال عضلة القلب يشير إلى عدة أمراض تصيب عضلة القلب نفسها. وقد يتطور هذا الاعتلال من تلقاء نفسه أو بسبب أمراض واضطرابات أخرى. وللمرض شكلان عامان هما اعتلال عضلة القلب الضخامي، وفيه ينمو العضل بشكل غير طبيعي، واعتلال عضلة القلب الاحتقاني، وفيه يصاب العضل بالضعف ويسبب هبوط القلب.
ومعظم حالات عضلة القلب الضخامي تكون بسبب زيادة في سُمك الجدارالعضلي بين تجويفي القلب السفليين والغشاء الفاصل السميك. في هذه الحالة يمنع الحاجز السميك مرور الدم من البطين الأيسر مسببًا احتقانًا في الرئة. ويمكن علاج هذه الحالة بالأدوية التي تساعد على تمدد وانبساط القلب، ويقلل قابلية الخلايا الزائدة لإغلاق مجرى الدم. وإذا تفاقم المرض فلابد من العملية الجراحية لإزالة العضل غير الطبيعي.
يحدث اعتلال عضلة القلب الاحتقاني إذا أدى ضعف عضلة القلب إلى تضخم البطين الأيسر مسببًا ضخًا ضعيفًا للدم. وفي معظم الحالات لا يستطيع الأطباء تحديد السبب المباشر في اعتلال عضلة القلب الاحتقاني. وليس لهم علاج ودواء محدد لعلاج الحالة ولكنهم قد يصفون بعض الأدوية ويحدون من حركة المريض لمنع تطور المرض. وبعض المرضى يحتاجون لعملية زرع قلب.
هبوط القلب. نوع من اضطرابات القلب لا يستطيع القلب فيه ضخ الدم بكفاية، وهي لا تعني أن يقف القلب تمامًا. وأي مرض يعوق القلب عن إيصال الدم للجسم قد يسبب هذه الحالة. وتنتج معظم حالات هبوط القلب عن مرض الشرايين التاجية واعتلال عضلة القلب وأمراض الصمامات. وجريان الدم غير الكافي يسبب الإجهاد، بالإضافة إلى أنه يجعل الدم يرجع للرئة. ويسبب هذا الاحتقان قصورًا وصعوبة في التنفس. وتسبب محاولة الجسم التغلب على هبوط القلب تدهور الحالة قليلاً. مثلاً يحاول الجسم أن يعطي كمية كافية من الدم للدماغ والأجزاء الحساسة الأخرى بتضييق الشرايين المؤدية إلى أجزاء أخرى مثل اليدين والرجلين. ولكن هذا التضييق يجعل عمل القلب أصعب في ضخ الدم. ويصف الأطباء بعض الأدوية للتغلب على هذه المشاكل.
ومن أقدم العقاقير التي تستعمل في علاج هبوط القلب أدوية القمعية. وقد وصف الأطباء هذا العقار منذ أكثر من مائتي سنة. والقمعية يقوي انقباضات عضلات القلب، ولهذا يزيد من جريان الدم. وبعض الأدوية الحديثة المسماة موسعات الأوعية، تمنع محاولة الجسم الطبيعية غير المرغوب فيها لتضييق الشرايين، عندما يحدث هبوط القلب. وبعض هذه الأدوية تساعد على تمدد العضلات الملساء في جدران الأوعية الدموية. وتمنع أدوية أخرى التفاعلات الكيميائية التي تؤدي إلى انقباض العضلات الملساء في جدران الشرايين.
وإذا لم يكن ممكنًا التحكم في هبوط القلب بالأدوية، فإن المريض يحتاج لعملية جراحية لتصحيح الخلل الذي أدى إلى العطب. وتمثل العملية الجراحية خطورة شديدة على المرضى الذين لا يتجاوبون مع الأدوية. ومثل هؤلاء المرضى يمكن توصيلهم مؤقتًا بأجهزة مساعدة للقلب. وهي مضخات صغيرة موصلة بالأوردة والشرايين، وتساعد القلب على العمل، وتتيح فرصة للجراحين لإصلاح المعضلات الميكانيكية.
وإذا كان الخلل في القلب غير قابل للإصلاح فإن الأطباء في هذه الحالة يجرون عملية زراعة قلب. وفيها يُستخرج قلب إنسان متوفى ـ ويفضل قلب حي يدق مثل قلب إنسان أعلن عن موت دماغه ـ ويوضع مكان قلب الإنسان المريض. ويوجد دائمًا احتمال رفض جسم المريض لهذا القلب المزروع، لأن الجسم يرفض بصورة طبيعية أي نسيج أو خلية أجنبية عنه. ويتغلب الأطباء على رفض الجسم للأعضاء الأجنبية باستعمال أدوية قوية فعالة. ولهذه الأدوية أحيانًا أعراض جانبية خطيرة. وتمثل قلة المتبرعين بالقلوب عائقًا آخر. وقد يموت معظم المرضى الذين في قائمة الانتظار لزراعة القلب المناسب. انظر: زراعة الأنسجة.
وفي السنة الأولى لعملية زرع القلب تبلغ نسبة النجاح 80%. ولكن النجاح يتطلب دائمًا عناية فائقة مثل إشراف طبي مباشر وعلاج مستمر.
وفي الثمانينيات من القرن العشرين الميلادي جرب الأطباء زرع قلوب صناعية في البشر ولكن هذه القلوب أثبتت عدم نجاحها لأنها تسبب تجلط الدم. انظر: القلب الصناعي.
نبذة تاريخية عن أبحاث القلب
في القرن الثاني الميلادي لاحظ جالينوس أن القلب وراء حركة الدم، ولكنه اعتقد بأن بطين القلب الأيمن يدفع الدم في البطين الأيسر عن طريق ثقب في الحاجز الفاصل. واعتقد جالينوس أن الكبد يحول الأكل إلى دم والذي بدوره يمر عبر الجسم ليتم استعماله. انظر: جاليينوس.اكتشاف الدورة الدموية. توصل العلماء العرب والمسلمون من خلال عمليات التشريح التي أجروها إلى آراء خطأوا فيها آراء كثير من الأطباء اليونانيين، ومن ذلك أن علاء الدين بن النفيس القرشي (ت 687هـ، 1288م) انتقد آراء جالينوس في التشريح؛ فقد وجد من خلال تجاربه في تشريح القلب والحنجرة أن هناك صلة بين التنفس والنبض، وبين التنفس وانتقال الدم إلى القلب من الرئتين. وقال بخلاف ما قاله جالينوس الذي يقول بوجود فتحة (ثقب) في جدار القلب الفاصل بين البطينين، ووضح أن الدم يجري في القلب ويدور فيه دورة كاملة، ويتدفق في أوردة الرئتين لينتشر فيهما ويتحد مع الهواء فيتخلص مما فيه من شوائب، ثم يجري في شريان الرئتين ليصل إلى البطين الأيسر بعد امتزاجه بالهواء. وكان لابن النفيس شرف اكتشاف الدورة الدموية الصغرى التي تجري في الرئة ويمر الدم خلالها من الشريان الرئوي إلى القلب. كما اكتشف الطبيب العربي أبو الفرج بن القف (ت 685هـ، 1286م) عدد الأغشية القلبية ووظيفتها واتجاه فتحاتها لمرور الدم. وفي منتصف القرن السادس عشر الميلادي قام الطبيب أندرياس فزاليوس وهو فلمنكي المولد ـ بوصف الأوعية الدموية. وأوضح أنه لا توجد ثقوب بين تجاويف القلب. نشرت نظرية الدورة الدموية لأول مرة عام 1628م، وذلك عندما بين ولين هارفي الطبيب الإنجليزي أن القلب يعمل كمضخة، ووصف كيف ينساب الدم من القلب للرئة ثم يرجع إلى القلب، ويتوزع على الجسم ثم يرجع إلى القلب. واعتقد هارفي بأن الأوعية الدموية التي تسمى الشعيرات توصل بين الشرايين والأوردة. وقد اقترح فكرة الشعيرات قبل ذلك عالم التشريح الإيطالي أندريا سيسالبينو في القرن السادس عشر الميلادي. وأكد الطبيب الإيطالي مارسيلو مالبيغي وجود الشعيرات في العام 1661م. وفي بداية القرن الثامن عشر الميلادي تمكن الطبيب الإنجليزي، العالم ورجل الدين ستيفن هالس ـ لأول مرة ـ من قياس ضغط الدم، وذلك بإدخال أنبوب زجاجي في شريان حصان بعد أن شق جلده. ونشر نتيجة أبحاثه وتجربته في عام 1733م.
اختراع الأجهزة الطبية الحديثة. في القرن التاسع عشر الميلادي وسعت الاختراعات معرفة الأطباء، وساعدت في تشخيص وعلاج أمراض القلب. ففي عام 1816م اكتشف الطبيب الفرنسي رينيه لاينيك مثيوفيل السّمّاعة التي مكنت الأطباء من سماع دقات القلب، وبعض الأعضاء الأخرى. وفي عام 1880م طوّر الطبيب صمويل سيجفرد فون باخ من مدينة البندقية مقياس ضغط الدم، وهو جهاز لقياس ضغط الدم، ويستعمل دون شق الجلد. وفي عام 1905م استعمل الطبيب الروسي نيكولاي كوروتكوف السماعة مقياسًا لضغط الدم وذلك بالتنصت للنبض، مسجلاً بذلك ضغط الدم الانقباضي والانبساطي. وما زال الأطباء يستعملون هذه الطريقة حتى اليوم. وفي عام 1903م اكتشف عالم الأمراض الهولندي فيلم إينتهوفن المقياس الجلفاني الخيطي، وهو جهاز يكشف عن وجود أي طاقة كهربائية ضئيلة تتولد من حركة ونشاط القلب. وعليه طور أسس مرسمة كهربائية القلب. وفي خلال العشرينيات من القرن العشرين الميلادي صارت مرسمة كهربائية القلب الجهاز التشخيصي الأساسي في علم أمراض القلب.
وزودت الأشعة السينية العلماء في السابق بأول صورة عن القلب الحي. أما طريقة النظر في أجزاء القلب الداخلية فقد بدأت مع قثطرة القلب في العام 1929م. وكان الطبيب الألماني الشاب ورنر فورسمان رائدًا في هذا المجال حيث جرب في نفسه مرور أنبوب مطاطي في البطين الأيمن لقلبه، وبذلك أعطى أول صور وعائية قلبية (صور بالأشعة السينية لغرف القلب والأوعية الدموية). وحاز جائزة نوبل في الطب نظرًا إلى تجربته الرائدة في طب القلب التشخيصي.
تطور جراحة القلب. في عام 1897م، وضع الأطباء أول غرز خياطة في القلب الحي. ولأول مرة أجرى الجراح الألماني لودوج راين عملية جراحية لينقذ حياة رجل طعن بالصدفة في القلب. ولم تصبح الجراحة خيارًا لعلاج أمراض القلب إلا في أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين الميلادي، عندما أجرى الطبيب الأمريكي روبرت إي جروس أول عملية جراحية ناجحة لإصلاح عيب خلقي في القلب. وخاط جروس الثقب في شريان طفل يشكو من مرض القناة الشريانية السالكة. وفي عام 1944م طور الطبيبان الأمريكيان هيلين بروك توسج وألفريد بلالوك عملية جراحية لتحسين الدورة غير الطبيعية لدى الرضّع الزرق.
في البدء كان الأطباء يقومون بالعمليات الجراحية على القلب وهو يعمل. وقد كان ذلك يعني أن يعمل الجراح بسرعة، وأن يكون ما يستطيع أن يراه أو يفعله محدودًا. وفي عام 1953م تغير كل هذا عندما استعمل الطبيب الأمريكي جون جيبون وزملاؤه جهاز القلب ـ الرئة الذي طوروه. وهذا الجهاز يُمكِّن الطبيب من إيقاف القلب أثناء العملية الجراحية حيث يقوم الجهاز بضخ الدم وأكسدته. وحينذاك يستطيع الطبيب إصلاح أي خلل والقلب متوقف تمامًا. وقادت هذه الاكتشافات إلى نوعين من العمليات الجراحية: إصلاح العيوب البنيوية عند الأطفال، واستبدال الصمامات المريضة عند الكبار. وبعد ذلك امتدت عمليات القلب لتشمل أمراض الشرايين التاجية.
تطورت عمليات تغيير مجرى الشريان التاجي في نهاية الستينيات من القرن العشرين بفضل مجهودات الطبيب الأرجنتيني رينيه فافالورو، وكان يعمل بالولايات المتحدة الأمريكية. وفي عام 1967م قام الجراحان مايكل دي باكي وأدريان كانتروينز بزراعة القلب المساعد لأول مرة وبنجاح. وتساعد هذه الآلة البطين الأيسر المصاب أو المجهد بصورة مؤقتة. وللجراح المصري الشهير مجدي يعقوب إسهامات عالمية فعالة في جراحات القلب عمومًا وتطوير تقنيات وزرع القلوب الصناعية أو البشرية. انظر: مجدي يعقوب.
أول عملية زرع قلب. قام فريق من الجراحين بجنوب إفريقيا بقيادة الجراح كريستيان برنارد بعملية زرع قلب إنسان في العام 1967م، وعاش المريض لمدة 18 يومًا ومات بعدها بسبب التهاب رئوي. وفي أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن العشرين الميلادي أجرى الأطباء عدة عمليات لزرع قلوب. ولكن معظم المرضى ماتوا في السنة الأولى لأن الجسم كان يرفض العضو الغريب، حتى كاد الأطباء أن يوقفوا عمليات زرع القلب. وفي الثمانينيات من القرن العشرين بدأ الأطباء باستعمال دواء يسمى سيكلوسبورين ليقاوم رفض الجسم للعضو الغريب. وكان هذا الدواء سببًا ـ بمشيئة الله ـ في إطالة الحياة بعد العملية عند المرضى. وصارت المشكلة الرئيسية في عمليات زرع القلب هي قلة وجود متبرعين.
التطور في العلاج والوقاية. حدث تقدم سريع في العلاج والوقاية مع التقدم الهائل في عمليات زراعة القلب، وطور الأطباء مُحْصِرات البيتا في أواخر الستينيات من القرن العشرين، وهذه الأدوية تساعد على خفض ضغط الدم المرتفع وتمنع الذبحة وتتحكم في بعض أنواع اللانظمية. أما مُحْصِرات قنوات الكالسيوم التي تعمل مثل مُحْصِرات بيتا فقد ظهرت في السبعينيات من القرن العشرين.
أجرى الطبيب السويسري أندرياس جروينتزج أول عملية ترقيع وتقويم للأوعية في العام 1977م، وهي عملية غير جراحية في طبيعتها وتُجرَى لفتح أي شريان مسدود. وطور الباحثون تقنيات أخرى تستعمل مع تقويم وترقيع الأوعية لتزيد من فاعليتها. وصار مزيل الرجفان المزروع متوافرًا منذ سنة 1985م. وهو جهاز يحدد الانقباضات الزائدة في البطين ويرسل شحنة كهربائية صغيرة لوقفها.
وتركزت مقاومة ومنع أمراض القلب في تقليل عوامل الخطر التي يمكن التحكم بها. ومن الأسباب الرئيسية للإصابة بمرض الشرايين التاجية فرط ضغط الدم المرتفع وارتفاع نسبة الكولسترول في الدم وتدخين السجائر، والتحكم في هذه العوامل قد يمنع تطور المرض.
إن معظم الذي تعلمناه لمنع أمراض القلب مصدره الأبحاث الطبية المكثفة. فقد أعطتنا دراسة فرامنجهام مثلاً، للقلب معلومات وافية عن عوامل الخطر التي تخص أمراض الشرايين التاجية. وبدأت الدراسة في عام 1948م في فرامنجهام بولاية ماساشوسيتس الأمريكية، وفحصت قلوب خمسة آلاف شخص. وبفضل هذه البحوث وغيرها طور العلماء أدوية جديدة لعلاج ضغط الدم المرتفع وارتفاع نسبة الكولسترول في الدم.
وعمل كثير من الناس على تحسين حالة قلوبهم بتعلم أساليب الطب الوقائي، كأن يقوموا بقياس ضغط الدم وقياس نسبة الكولسترول بانتظام. ومعظم الذين يشكون من ارتفاع طفيف في ضغط الدم حافظوا على أخذ كمية قليلة من الملح وكميات قليلة من السعرات الحرارية في الوجبات الغذائية. وبعضهم قلل نسبة الدهون المركزة في وجبتهم، وزيادة على ذلك فإن هناك أعدادًا متزايدة تمارس التمارين الرياضية، وذلك يساعد على تخفيف الوزن وبالتالي يقلل نسبة الكولسترول ويخفض ضغط الدم.
قلوب الحيوانات
الحيوانات اللافقارية. ليس لمعظم الحيوانات اللافقارية قلوب محددة، ولكن لها أوعية دموية ضخمة بدلاً عن القلب. وهي تنقبض بانتظام دافعة الدم في الجسم، ولهذا فإن الدم يجري في اتجاه واحد. ودودة الأرض مثال لهذه الحيوانات. والحشرات وحيوانات مثل العنكبوت والكركند وسرطان البحر لها قلب بتجويف واحد أنبوبي الشكل ويجري فيه الدم عبر ثقوب في القلب. وينقبض القلب سادًا تلك الثقوب ودافعًا الدم للأمام في الشرايين. وشعبة الرخويات مثل المحارات والقواقع لها قلوب معقدة لحد ما، للواحد منها أذين واحد أو أذينان وبطين واحد فقط. وهذا القلب جزء مضخم من الدورة الدموية. وللأذين جدار رقيق، ويتلقى الدم من الجهاز الهضمي ومن العضو العضلي الخشن والمشقوق الذي يسمى القدم، ومن ثم يضخ الأذين الدم للبطين ذي الجدار السميك والذي بدوره يرسل الدم للشرايين. السمك. للسمكة قلب بتجويفين، بطين وأذين. والدم يتدفق من المساحة التي تسمى البطين الجيبي ويجري نحو الأذين وبعد ذلك يدخل البطين. ثم بعد ذلك يمر بمكان يسمى المخروط الشرياني ومن ثم للأبهر، وبعد ذلك يُضخ للشرايين. بعدها يمر الدم للخياشيم أو الزعانف حيث يتأكسد ويفرز ثاني أكسيد الكربون.الزواحف والبرمائيات. معظم الزواحف والبرمائيات الكبيرة لها قلوب ثلاثية التجويف، وللقلب بطين واحد وأذينان. ويتلقى أحد الأُذَيْنَيْن الدم من الجسم، والآخر يتلقى الدم من الرئة. ولكن كل الدم يضخ في البطين، وهناك نتوء يقوم بتوجيه معظم الدم الشرياني للجسم، ومعظم الدم الوريدي للرئة، وذلك عندما ينقبض البطين.
الطيور والثدييات. الطيور والثدييات لها قلب رباعي التجويف، وقلب الإنسان مثال جيد لقلب الثدييات. والقلب الرباعي أكثر القلوب تطورًا. وللقلب نوعان من الدورات: الدورة الرئوية التي ترسل الدم للرئتين والدورة الشاملة التي تحمل الدم المؤكسد للجسم. وهذا النظام الدوري فعال بصورة خاصة في ضخ الدم، ويمكن أن يفعل ذلك تحت ضغط عال.
وتعتمد سرعة دقات قلب الطيور أو الثدييات على حجم الحيوان نفسه. فكلما كان الحيوان صغيرًا كان قلبه سريع الضربات، فقلب الطائر الطنّان مثلاً، يدق ألف دقة في الدقيقة الواحدة بينما يدق قلب الفيل 25 مرة في الدقيقة.
أسئلة
- ما حجم قلب الإنسان؟
- ما العيوب الحاجزية؟
- ما طريقة تقويم الأوعية؟
- ما تصلب الشرايين؟
- لماذا يُضخ الدم للرئتين؟
- من أجرى أول عملية زرع قلب؟
- كيف تختلف عضلة القلب عن العضلات الأخرى؟
- ما المضاعفات التي تنتج عن النوبة القلبية؟
- ما العقبة الأساسية لعملية زرع القلب اليوم؟
- كيف يجري الطبيب عملية المجازة التاجية؟
- من من علماء المسلمين اكتشف الدورة الدموية الصغرى؟