الجبن

 طعام صحي لذيذ المذاق مصنوع من الحليب. ولقد كان الجبن، لآلاف السنين، واحدًا من أهم أنواع الطعام لدى الشعوب في العالم كله. ويمكن تناول الجبن بمفرده كما يمكن أن
يوضع على البسكويت وفي السندويتشَات ومع السَّلطَة ومع الأطعمة المطبوخة.
وهناك مئات الأنواع من الجبن تختلف في المذاق والتكوين والمظهر. وكثير من الأجبان يمكن دهنها بسهولة إلا أن هناك أنواعًا أخرى تكون صلبة وسهلة التفتيت. ولبعض أنواع الجبن مذاق حلو بينما لبعضها الآخر مذاقٌ حاد أو مذاقٌ لاذعٌٌ.
يمكن حفظ الجبن لمدة أطول من الحليب، كما أنه يحتوي على كثير من المكونات الغذائية للحليب بما في ذلك البروتينات والمعادن والفيتامينات. ويحتوي الجبن على هذه المواد الغذائية التي يحتوي عليها الحليب بشكل مركز. وعلى سبيل المثال، يحتوي250جم من جبن الشيدر على قدر من البروتين والكالسيوم بقدر ماتحتويه ستة أكواب من الحليب سعة كل كوب 250مل3. وتماما كالحليب فإن الجبن يمدنا بكميات مهمة من فيتامين (أ) والريبوفلاين.
تتصدر الولايات المتحدة دول العالم في إنتاج الجبن، حيث تقوم بإنتاج ما يقارب أربعة ملايين طن متري من الجبن سنويًا. وتصنف فرنسا، التي تنتج 1,64 مليون طن متري)، ضمن الدول عالية الإنتاج للجبن.
وتأتي معظم أنواع الجبن من حليب الأبقار، وتصنع بعض شعوب أوروبا وآسيا الجبن غالبًا من حليب الجاموس والماعز والأغنام، إلا أن الجبن يمكن أن يصنَّع من حليب أي حيوان آخر. فرعاة الأغنام في لابْلاند يستخدمون حليب أيل الرنَّّة في صنع الجبن. أما في التيبت فإن حيوان اليَاكْ يمد الأهالي بالحليب لصنع الجبن. ويصنَّع الجبن أيضا من حليب الجِمال والخيل والحُمُر الوحشية.

أنواع الجبن

يوجد أكثر من 400 صنف من الجبن تحمل مايزيد على ألفي اسم. وكثيرٌ منها يحمل اسم البلدة أو الجماعة التي تصنعه؛ مثل جبن الروكفورت والذي سمي كذلك لأنه صنع فقط بقرب بلدة روكفورت بفرنسا. وعلى أية حال فقد يحمل نفس الجبن عدة أسماء محلية مختلفة مثل جبن إِدَام، المصنَّع في المنطقة المحيطة ببلدة إِدَام في هولندا والذي يعرف أيضا بثلاثة أسماء أخرى محلية على الأقل. وترجع جميع أنواع الجبن تقريبا إلى واحدة من مجموعات أربع، هي: 1- الناعم، 2- شبه الناعم، 3- القاسِي، 4- شديد القسوة أو المبشور. وتصنف الأجبان حسب نسبة الرطوبة بها. وكلَّما احتوى الجبن على رطوبة كان أكثر نعومة. كما يمكن تصنيف الأجبان حسب طعمها: فالطعم قد يكون مقبولاً وقد يكون متوسطًا وقد يكون قويًا.
الجبن الناعم. يُعد الحلُّوم والجبن القشديّ أكثر أنواع الجبن الناعم غير المعتق شهرة، وهما يخلوان من الملح ولهما نكهة لذيذة وتماسك جيد. ويحتوي الجبن القشديّ على نسبة عالية من دهن الزبدة. وبعض الأجبان الناعمة مثل جبن البريني وجبن الكَمَمْبَرْ تكوِّن قشرة، وتطلق هذه القشرة الإنزيمات التي من شأنها أن تجعل الجبن ناعمًا وذا نكهة.
الجبن شبه الناعم. يشمل أنواعاً مثل الجبن الأزرق، والجبن القرميدي، واللمبورجر والمُونتيري جاك والمُوازريلاَّ والمانستْر والبُور دو سالوُ والروُكفُوُرتْ والستَلَتُون. وتحتوي الأجبان الزرقاء وأجبان روُكفُوُرتْ والسِّتلتون على خطوط فطرية زرقاء تجري خلالها. وتُكْسِب الفطريات التي تضاف أثناء عملية صنع الجبن نكهة خاصة. ويصنع الجبن الأزرق وجبن الستلتون من حليب البقر، بينما يصنع جبن الروكفورت من حليب الأغنام فقط.
الجبن القاسي. تُعد أجبان الشيدر والإدام والجِرايِيِر والسويسري أنواعًا مشهورة من الجبن القاسي. وتحتوي أجبان الجِرايِيِر والأجبان السويسرية علي ثقوب تدعى العيون. ويقوم صناع الجبن بعمل تلك الثقوب بإضافة البكتيريا التي تحدث فقاعات غاز ثاني أكسيد الكربون في الجبن. وعندما يتم تقطيع الجبن إلى شرائح تتحول الفقاعات إلى ثقوب.
الجبن شديد القسوة أو المبشور. يشمل أنواعًا مثل الآسياجو والبارميسان والرومانو والسابساجو. ويقوم الناس عادة ببشر مثل هذه الأنواع من الجبن، ورشها فوق بعض الأطعمة مثل الحساء والخضراوات والبيتزا.

كيف يصنع الجبن

كان لكل مزرعة طريقة خاصة بها لصنع الجبن. أما في وقتنا الحاضر فإن معظم أنواع الجبن المنتجة في الدول الصناعية تصنّع في مصانع كبيرة، علمًا بأنه مازال يمكن تصنيع الجبن في بعض المزارع أو في المَلبنَات. والمَلْبَنة محل أو شركة لصنع اللبن والزبدة والجبن من حليب عالي الجودة، تزّودها به العديد من المزارع. ويكرس الاهتمام في المزارع لكل مرحلة من مراحل التصنيع على حدة. وتُعدُّ عملية صنع الجبن في المصانع صورة مطابقة ومتقدمة جدًا لأساليب التصنيع المتبعة في صنع الجبن في البيوت، حيث إن عمليات التصنيع الأساسية لكل أنواع الجبن هي في الأصل واحدة. وتتضمن هذه العمليات خمس مراحل رئيسية وهي: 1- معالجة الحليب بعمليات متعاقـبة، 2- فصـل خثــارة الحلـيب، 3- معالجة الخثارة، 4- التعتيق أو الإنضاج 5- التغليف. وهنا تظهر اختلافات طفيفة في عمليات التغليف النهائية عند إنتاج عدة مئات من أنواع الجبن المختلفة.
معالجة الحليب. يقوم صناع الجبن بالكشف على الحليب ثم يقومون بإبعاد أية مواد جامدة فيه، وذلك عن طريق عملية تعرف باسم التنقية. وفي هذه العملية يمر الحليب عبر المبسترة التي يتم فيها القضاء على البكتيريا الضارة. وتقوم المضخات بضخ الحليب المبستر في صهاريج معدنية، أو في الراقودات، التي يمكن أن تستوعب كل منها من 3,600 إلى 15,900كجم من الحليب. ويُستخدم حوالي 4,700كجم من الحليب لصنع 450 كجم من جبن الشيدر.
فصل خثارة الحليب. وهي عملية فصل اللبن الرائب عن الحليب. فبعد أن تتم عملية تنقية الحليب تجري معالجته حتى يكوِّن مادة شبيهة بالخردل تُعْرَف باسم الخثارة. وتحتوي الخثارة على سائل يطلق عليه اسم مصل الحليب الذي يجب أن يُفصل قبل أن تتم عملية تصنيع الجبن. ويقوم صنّاع الجبن بتشكيل الخثارة بتسخين الحليب أولاً إلى درجات تتراوح بين 30° و 36°م، ثم يقومون بعد ذلك بإضافة سائل يطلق عليه اسم بادئ الاستنبات للحليب. ويحتوي هذا السائل على البكتيريا التى تشكل الحموض وتحول الحليب إلى رائبً. ويمكن أيضًا إضافة صَبغَة الخضراوات إلى ذلك، وذلك لإضفاء ألوان معينة على الجبن. وتقوم المحركات الآلية في بداية عملية إرابة الحليب بتحريك مواد الاستنبات البكتيري والصبغة بشكل متوازن خلال الحليب.
وبعد 15 إلى 90 دقيقة يقوم العاملون بإضافة إنزيم يسبب تماسك الحليب. وقد اعتاد صنّاع الجبن استخدام الأَنْفِحَة، وهي مادة تستخرج من مِعَدِ العجُول، كما اعتادوا أيضًا استخدام الأنفحة المستخرجة من الفطريات. ومن المتوقع أن تصبح البكتيريا المُهنْدسة وراثيًا مصدرًا رئيسيًا للأنفحة. انظر: الهندسة الوراثية. وتقوم المحركات بخلط الإنزيمات مع الحليب ثم يترك هادئًا لمدة 30 دقيقة تقريبًا لكي تتكون الخثارة.
تبدأ قاطعات خاصة في تقطيع الخثارة إلى آلاف المكعبات الصغيرة، ويأخذ مصل الحليب في التقطير من تلك المكعبات. وبعد ذلك تُقَلِّب المحركات الخثارة مع مصل الحليب، ومن ثم ترفع درجة الحرارة في الراقود حتى تصل إلى درجات تتراوح بين 39°م و54°م. وتتسبَّب كل من الحركة والحرارة في إخراج كمية أكبر من الخثارة. وعندئذ يصفَّى مصل الحليب أو تُرفَع الخثارة من الراقود.
معالجة الخثارة. عند تصنيع معظم أنواع الجبن تترك الخثارة هادئة، وذلك بعد أن يكون مصل الحليب قد تمت تصفيته تمامًا. وتلتصق الحبيبات بعضها ببعض لتكوِّن كتلة صلبة يتم بعدها تكسير الخثارة إلى قطع صغيرة استعدادًا لكبسها. ولصنع جبنة الحلُّوم يقوم العاملون بشطف الخثارة بالماء ثم يقومون بعد ذلك بخلطها مع القِشدة والملح.
أما خثارة جبنة الشيدر فتمر عبر مرحلة خاصة، وذلك بعد أن تكون قد تشكلت على هيئة كتلة صلبة. ويقوم العاملون بتقطيع الخثارة إلى ألواح ضخمة يكدسونها في الرَّاقود ويقلبونها كل عشر دقائق. ويمكن القيام بهذه المعالجة أيضًا، والتي يطلق عليها اسم عملية الشيدرة، بالطريقة الآلية، وذلك في أبراج ضخمة أو في أسطوانات دائرية أو في صناديق فولاذية. وبعد ذلك تمر ألواح الخثارة عبر آلة تقوم بتقطيعها إلى قطع صغيرة.
يتم تجميع الخثارة لمعظم أنواع الجبن في أطواق أو قوالب معدنية استعدادًا لكبسها. وتوضع هذه القوالب تحت كابسات تحتفظ بالجبن لعدة ساعات أو لعدة أيام تحت ضغط عال. وخلال عملية الكبس تُصفى كمية أخرى من مصل الحليب، ويتم تشكيل الخثارة على شكل ألواح أو إطارات. ويتم تمليح معظم أنواع الجبن بعد كبسها. أما جبنة الشيدر وبعض أنواع الجبن الأخرى فيتم تمليحها قبل عملية الكبس.
وبعد عملية الكبس يقوم العاملون بإخراج الجبن من الأطواق والقوالب، وتأخذ طبقة تعرف باسم القشرة في التكوّن فوق الجبن أثناء عملية جفافه. ولمنع تكوين تلك القشرة فإن معظم أنواع الجبن تغلَّف في أغلفة بلاستيكية حال إخراجها من الأطواق المعدنية، ولذا، فإن معظم أنواع الجبن الآن تخلو من القشرة.
التعتيق أو الإنضاج. تعرف هذه العملية أيضًا بأسماء مثل التعمير أو التمليح وتساعد في إضفاء النكهة والشكل على الجبن. ويتم تعتيق الجبن في غرف تخزين أو في مستودعات يمكن التحكم في درجة حرارتها ورطوبتها. ويحتاج الجبن الآجُري وغيره من الأجبان إلى شهرين لكي يعتَّق، أما جبن البارميسان فيتطلب عامًا تقريبًا ليعتَّق. وكلما طالت فترة التمليح زادت حدة لذوع نكهة الجبن. ويبحث الباحثون اليوم عن السبل التي تمكنهم من تقصير مدة التعتيق، وبالتالي التخفيض من نفقات إنتاج الجبن. التغليف. بعد أن تتم عملية التعتيق يتم تغليف الجبن في أشكال وأحجام متعددة. ويتم تقطيع بعض أنواع الجبن إلى شرائح في المصانع، ثم تغلف في رقائق معدنية أو بلاستيكية محكمة، بينما يباع بعضها الآخر ككل، وعلى شكل كتلة ضخمة، أو على أشكال إسفينية، أو كُرات تدعى المدوّرة، أو على شكل أسطوانات تدعى الإطارات.

الجبن المعالج

يحَوَّل معظم إنتاج الجبن في الدول الصناعية إلى جبن مُعالج، وهو خليط من الأجبان الطبيعية. ويعَمَّر الجبن المُعالج أطول من الأجبان الأخرى الطبيعية، كما أنه يذوب بشكل أكثر توازنًا عند استخدامه للطهي. وتصنع بعض أنواع الجبن المُعَالجة من نوعين أو أكثر من أنواع الجبن. وهناك أنواع أُخرى من أنواع الجبن المُعَالج هي خليط من عَجْنات من نفس نوع الجبن إلا أنها تختلف في مذاقها وتكوينها. ويتم طحن تلك الأجبان، ومن ثم خلطها بمساعدة الحرارة والمواد الكيميائية المعروفة باسم المستَحْلَبَات. أمَّا الجبن المُعَالج والمصنَّع من نوعية واحدة من الجبن فقط فهو غالبًا ما يحمل اسم ذلك الجبن. وعلى سبيل المثال، فإن الجبن السويسري المُعَالج لا يُصنَّع إلا من الجبن السويسري.
تتشابه الأجبان المعالجة، والأجبان المعالجة القابلة للدهن في صنعها مع الجبن المعالج. أما القشدة والحليب ومصل الحليب فهي تضاف لجعل تلك الأجبان أكثر رطوبة. ويمكن أيضا إضافة الفاكهة أو اللحم أو البهارات أو الخضراوات للحصول على نكهة إضافية. أما الجبن المعبأ بطريقة التبريد فهو خليط من الأجبان الطبيعية، ولا تشتمل عملية معالجته على الحرارة. وتحتوي معظم أنواع الجبن المعبأ بطريقة التبريد على اللحم أو عصير الفاكهة كعوامل منكهة.

نبذة تاريخية

من المحتمل أن يكون أول تصنيع للجبن قد تم قبل 4000 عام مضت بوساطة القبائل الرعوية في آسيا، ثم انتشرت المعلومات عن كيفية صنع الجبن إلى أوروبا عبر السنين.
وفي عام 1917م سجل جيه. إل. كرافت، وهو رجل أعمال أمريكي، طريقة لعمل الجبن المعالج، كما طوَّرت شركته طريقة جديدة لتغليف شرائح الجبن، كل على حدة وبطريقة آلية.
وخلال سبعينيات القرن العشرين طور العلماء أساليب جديدة لإزالة البروتينات واللاكْتُوزْ (وهو سكر الحليب) من مصل الحليب. وقام الصنَّاع بإضافة هذه المواد الغذائية المستخرجة من مصل الحليب إلى طعام الأطفال والخبز والآيس كريم وإلى أنواع أخرى من الأطعمة.
وخلال السبعينيات من القرن نفسه بدأ صنَّاع الجبن الأوروبيون في استخدام طريقة معالجة تدعى بالترشيح المُفْرط عند تصنيع الجبن الناعم. ويصفَّى الحليب في هذه الطريقة عبر مصفاة رقيقة بحيث لا تخثر إلا الماء واللاكْتُوُز والأملاح. أما ما يتبقى من سائل فهو يحتوي على معظم البروتينات التي صنعت بشكل طبيعي مع مصل الحليب. وبتركيز خليط الحليب بهذه الدرجة العالية، تساعد عملية الترشيح المفرط على إمكانية رفع نسبة منتج الجبن في الراقود.
انظر أيضًا: الجبنين ؛ هولندا.