السُّحُب

 كتل من قطيرات الماء، أو بلورات ثلجية دقيقة محلّقة في الهواء. وإذا ارتفعت السُّحُب البيضاء تحت قُبة السماء الزرقاء الصافية، أو تلونت بحمرة شمس الأصيل؛ فإنها تضيف مسحة من الجمال إلى حُسن الطبيعة. كما تؤدي السحب دورًا مهمًا في تغيير الأحوال المناخية، إذا هطلت منها الأمطار، أو تساقطت الثلوج، وكلاهما ضروري لاستمرار الحياة. قد تتسبب السحب في الدمار أو حدوث الوفيات؛ إذا تساقطت على الأرض في هيئة بَرد، أو أعاصير.
تظهر بعض السحب في هيئة كتل من الصوف، ويظهر بعضها الآخر في هيئة كتل ضخمة من الريش. ولون السحب قد يكون باهتًا، أو مائلاً للسواد، وفي هذه الحالة يسود الظلام على سطح الأرض. ولا تستقر معظم السحب على حالٍ واحدةٍ، بل يتغيَّر شكلها دومًا، عندما تدفعها الرياح الجافة، ويتبخر بعض أجزائها.
تكسو السحب معظم الكواكب الأخرى، ولذا نرى أن الغلاف الجوي لكل من الزهرة والمشتري وزُحَل وأورانوس ونبتون تكسوه السُّحُب؛ مما يؤدي إلى حجب الرؤية على هذه الكواكب. بينما يبدو معظم سطح كوكب آخر كالمريخ صافيًا واضحًا، لعدم وجود السُّحُب بغلافه الجوي الخارجي.

أنواع السُّحُب

يعرِّف علماء الأرصاد الجوية مختلف أنواع السُّحُب، حسب مظهرها، ومن ثم اصطلحوا على بعض الكلمات المميزة لكل نوع، فمثلاً البادئة سْتراتو، تدل على السُّحُب الطبقية أو المتلبدة، والبادئة كُومولوس، تدل على السُّحُب الركامية في هيئة كتل بيضاء، والبادئة سيرو، تعني متموج وسحب السمحاق هي السُّحب المتموجة البيضاء. ويصنف علماء الأرصاد الجوية أنواع السُّحُب، كذلك حسب ارتفاعها عن سطح الأرض فيما يلي:
السُّحُب المنخفضة. وهي السُّحُب القريبة من سطح الأرض، وتنقسم إلى نوعين، الطبقية أو المتلبدة، والطبقية ـ الركامية، وهي السُّحُب التي يقل ارتفاعها عن 1,800م من سطح الأرض. وتنتشر السُّحُب الطبقية، على هيئة صفيحة مستوية، تُغطي السماء، وقد تسقط منها أحيانًا قطرات الرذاذ. وتبدو السُّحُب الطبقية ـ الركامية أقل سُمكًا واستواءً، وتوجد في أسفلها مناطق فاتحة وداكنة، تدل كما يقول اسمها، على وجود كتل من السحب داخل الطبقة.
السُّحُب المتوسطة. نوع من السحب يتراوح ارتفاعها عن سطح الأرض بين 1,800 و6,000م. وتضم ثلاثة أنواع هي: سحب الطُّخرور الطبقي، والقَزَع الركامي والخَسيف الطبقي. تكون سحب الخَسيف الطبقي في بعض الأحيان قريبة جدًا من الأرض. أما سحب الطخرور الطبقي فتكوّن طبقة رقيقة بيضاء أو رمادية، لاتحجب ضوء الشمس إلاّ إذا كانت كثيفة. وتظهر سحب القَزَع الركامي بأشكال مختلفة. فقد تظهر على شكل ركام متفرّق أو طبقات متجمعة. وفي بعض الأحيان لايمكن رؤية السحب بسبب الأمطار أو الثلوج التي تتساقط منها. السُّحُب المرتفعة. وتشمل السمحاق والسمحاق الطبقي، والسمحاق الركامي. وكل هذه الأنواع من السُّحُب المرتفعة، تتكوَّن داخليًا من حبيبات الثلج، بينما تتكون السحب الأخرى من قطيرات الماء. تكون سحب السمحاق على هيئة رشيقة القوام مرتفعة في السماء. ويصل ارتفاعها أحيانًا إلى 10,000 متر. ويتجلى السمحاق الطبقي على هيئة صحائف رقيقة، كما يتميز عادة بدائرة مضيئة، يحدثها حول القمر أثناء الليل، وحول الشمس أثناء النهار. أما السمحاق الركامي فيتشكل على هيئة ذوائب، معلقة في الفضاء الخارجي، وكأنها كتل من القطن.
سُحُب مختلفة الارتفاع. قد تصل السحب الركامية والركامية المزنية إلى ارتفاعات عالية جدًا، بينما تقترب قاعدتها السفلى من الأرض. السُّحُب الركامية تتكون من كتل تطفو هادئة عبر السماء أو تتحول إلى السحب الركامية المزنية الرائعة. أما السحب الركامية المزنية (الصيِّب) فقد تصل إلى ارتفاع 18,000 متر من قاعدتها، وتنتشر قمتها التي تحتوي على بلورات الجليد، على هيئة السندان. وتسمى هذه السحب غالبًا الركام الرعدي لمصاحبة المطر الشديد والبرق والرعد لها، وأحيانًا البَرد، وفي حالات نادرة يصاحبها إعصار مدمر.

كيف تتكون السُّحُب

تتكون السُّحُب من الماء المتبخر من البحار والبحيرات والمحيطات والأنهار ومن التربة الرطبة والنباتات. هذا الماء المتبخر الذي يسمى بخار الماء يتمدد ويبرد كلما ارتفع في الهواء. يستطيع الهواء حمل كمية معينة من بخار الماء عند أي درجة حرارة. ويحتوي الهواء الدافئ على كميات كبيرة من بخار الماء أكبر مما يحتويه الماء البارد، فإذا ما انخفضت درجة الحرارة، يبدأ بخار الماء إلى في التكثف (يتحول إلى سائل)، على هيئة قطيرات مائية دقيقة. ويحدث تكثيف بخار الماء عن طريق جسيمات عالقة لابد من وجودها، وهي من الدقة بحيث لا تُرى إلا بالمجهر. وهذه الجسيمات التي تسمَّى نويات التكاثف، تصبح مركز القطيرات. ويتراوح قطرها ما بين 0,01 و0,1 ملم. وهي جسيمات ملحية صغيرة جدًا أو جسيمات صغيرة موجودة في الدخان. وإذا انخفضت درجة الحرارة بشكل كاف، مع الاعتدال في الأحوال المناخية الأخرى، لايتكثف بخار الماء إلى قطرات، إنما يتحول مباشرة إلى جليد بعملية تسمى التسـامي. وتحدث هذه العملية فوق درجة حرارة -40°م، وتحـتاج إلى وجود جسـيمات صغـيرة شبيهـه بنويات التكاثف وتأخذ شكل بلورات جليد تسمى نويات التجمد.
تحتوي السُّحُب غالبًا على قطيرات الماء وجسيمات الجليد إذا كانت درجة الحرارة بين الصفر المئوي و - 40°م. كما أن القطرات لاتتجمد في كل الأحوال عند درجة الصفر المئوي، فقد تبقى سائلة عند درجة -40°م.
يتكون المطر أو الثلج (الجليد) عندما يتبخر الماء من القطيرات ويتجمد على هيئة بلورات جليد. ينمو الجليد ويكبر حتى يسقط من السحب إلى الأرض على هيئة ندفات ثلجية إلا إذا دخلت طبقة هوائية درجة حرارتها أقل من درجة التجمد، عندها تذوب الندفات وتتحول إلى قطرات مطر.
ويمكن أن يصعد بخار الماء في الهواء، وتتكون منه السُّحُب بطرق مختلفة. فعندما تُدفئ الشمس سطح الأرض، يسخن الهواء الملاصق للأرض. ويتصاعد الهواء الدافئ لأن كثافته أقل من كثافة الهواء البارد. وتُسمى عملية ارتفاع الهواء الدافئ تيار الحمل. وتسمى هذه الطريقة في تكوّن السُّحب الحمل.
وكلما تصاعد الهواء، تمدد وانخفضت درجة حرارته. فإذا وجد في الهواء المتمدد بخار ماء كاف، يتكثف بخار الماء وتتكون منه السُّحُب.
وتتكون السحب أيضًا عن طريق الرفع عندما يصعد الهواء الدافئ الرطب فوق منحدر الهضاب، أو على رؤوس الجبال، فيبرد الهواء بالتمدد، ويكون هذا سببًا في تكثُّف بخار الماء، وتكوّن السحب، التي تبقى عالقة فوق الجبال.
تتكون الجبهات الهوائية عند التقاء كتل الهواء البارد بالهواء الدافئ، ومنها تتكون السحب بالنشاط الجبهوي. ثم يبرد بخار الماء في الهواء المتصاعد، ويتكثف على هيئة قطيرات تتكون منها السحب.

السُّحُب وحالة الطقس


العواصف. يدرس علماء الأرصاد الجوية السحب باهتمام، حيث إن بعض أنواع السُّحُب تظهر قبل العواصف. وفي كثير من الأحيان يتم التعرف على الجبهة الهوائية الساخنة أو نظام الضغط الجوي المنخفض بهذه السحب التي تكوّن تشكيلات غير متميزة لعدة أيام. ففي البداية تظهر على هيئة سمحاق هادئ (سحب رقيقة) من جهة الغرب، ثم تتكاثر بسرعة وتندمج ببعضها تدريجيًا مكونة سحبًا سمحاقية طبقية تغطي السماء، ثم تختفي وراء طبقة منخفضة من السحب الطخرورية الطبقية التي يزداد سمكها وتحجب الشمس. وقد يبدأ المطر أو الثلج بالسقوط منها. وتنخفض قاعدة السحب أكثر مع تحرك سحب الخسيف الطبقي مع المطر الشديد أو الثلج وتنشأ السحب الركامية والركامية المزنية غالبًا من سحب الخسيف الطبقي. لذا يتضمن المطر زخات شديدة. ومع توقف العاصفة يتوقف المطر أو الثلج ولكن تبقى السماء ملبدة بسحب الركام الطبقي.
وتتكون السُّحُب من الجبهات الباردة بنظام مختلف. فغالبًا ما تظهر سُحُب متوسطة وأخرى مرتفعة قبل الجبهة، بحيث يتكون جدار عريض أمام الجبهة، يتكون من سُحب الركام، أو الركام المزني. فإذا مر هذا الجدار من الهواء البارد فوق سطح الأرض تنخفض درجة الحرارة، ويصحب هذا الانخفاض زخات من المطر الشديد. وعلى إثرها يتحوَّل اتجاه الريح في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، من الجنوب إلى الشمال الغربي. وتبقى كتل من الركام والركام الطبقي في مكانها لوقت قصير، بعد انقسام الخط الأمامي للسحب، وفجأة تنفرج السماء وتصفو.
وفي فصل الصيف من الممكن، غالبًا، مشاهدة تكوُّن العواصف الرعدية. وتكون السماء صافية في الصباح، والأرض باردة. وحينما يسخن سطح الأرض تتكون بعض السحب الركامية الصغيرة ثم تتضخَّم تدريجيًا وتنتشر، وتهطل قطرات الماء. ويستمر الركام في الانتشار، فتتكون في قمته كتلة في شكل السندان، تنتشر بدورها حتى تغطي الواجهة الرئيسية للسحب، فإذا هو الركام المزني، المصحوب عادة بالعاصفة الرعدية.
التسخين والتبريد. تؤثر السُّحُب في تسخين سطح الأرض وتبريدها. ومن الملاحظ أن الأيام الغائمة أشد برودة من الأيام التي تشرق فيها الشمس لأن السُّحُب تعكس أشعة الشمس إلى الفضاء الخارجي فلا تسخن الأرض. وفي الليل تؤثِّر السُّحُب على حرارة الأرض بشكل عكسي، حيث تنبعث الحرارة من الأرض إلى الفضاء الخارجي، ولذا تبرد الأرض. لكن السحب تعترض هذه الحرارة المنبعثة من الأرض، وتردها إليها من جديد. وهذا مايفسر ارتفاع درجة الحرارة في الليالي الغائمة أكثر من الليالي الصافية.