الجريمة

 مصطلح يطلق على ممارسة التصرف الممنوع قانونًا. فقتل الإنسان يُعدُّ جريمة في كل البلاد. والجرائم الأخرى تشمل: السرقة، ومقاومة الاعتقال، وحيازة المخدرات وبيعها، وخدش الحياء في الطريق العام، وقيادة السيارة تحت تأثير الكحول، والسطو على المصارف.
وتتغير قائمة الأفعال التي يُمكن أن تُعد جرائم بصورة مستمرة. فقد كان تلوث الماء والهواء، مثلاً، يسبب مشكلات ضئيلة في الماضي، أما اليوم فقد أصبح تلويثها من أخطر الجرائم.
والجريمة في لغة العرب هي الذنب والتعدي. وعند علماء الإسلام هي محظور شرعي معاقب عليه بقصاص أو حد أو تعزير. وتكون الجريمة بفعل شيء نهى الشارع عنه كالقتل والزنا والقذف والسرقة والحرابة وشرب الخمر. كما قد تكون الجريمة أيضًا بترك شيء أمر الشارع بفعله كالصلاة والزكاة والحج وغير ذلك مما أمر الشارع به. وتنقسم الجريمة في الشريعة الإسلامية إلى ثلاثة أقسام:
جريمة معاقب عليها بالقصاص. وهي التي حصل الاعتداء بها عمدًا على نفس (بدن) معصومة بالقتل أو بالقطع أو بالجرح. وهذا القسم عند بعض العلماء يسمى جناية وللمجني عليه أو وارثه حق العفو لأن المغلّب فيه حق الآدمي.
جريمة معاقب عليها بالحدود. وهي التي يكون الاعتداء بها على حق العبد وحق الأمة بجانب الاعتداء على حق الله تعالى كالزنا والسرقة والحرابة وشرب الخمر. وهذا القسم لا يقبل فيه العفو بعد الوصول إلى الحاكم لأن المغلَّب فيه حق الأمة كلها.
جريمة معاقب عليها بالتعزير. وهي الجرائم التي لا حد فيها ولا قصاص. وذلك كالاستمتاع فيما دون الوطء والقذف بغير الزنا وسرقة ما دون النصاب أو من غير حرز وكذا ما كان من صفع ووكز وشهادة زور وأخذ رشوة وغير ذلك مما لا حد فيه ولا قصاص.
وقد وضع الإسلام لكل جريمة عقوبة تتناسب معها وتندفع بها، فلما كانت الجريمة ثلاثة أنواع فالعقوبة أيضًا ثلاثة أنواع تقابلها.
القصاص. وهو في لغة العرب مأخوذ من القص وهو القطع، وفي الشرع هو أن يفعل بالجاني مثل ما فعل أو شبهه. وهذه العقوبة إنما هي جزاء وعقاب مرتكب أي جريمة من جرائم القصاص. فمن قتل نفسًا قُتل، ومن قطع عضوًا أو طرفًا لآخر قطع عضو أو طرف ذلك الآخر، وهكذا.
الحد. وهو في لغة العرب ـ المنع والحجز ـ وفي الشرع عقوبة مقدرة شرعًا على معصية في حق الله تعالى وحق الآدمي والأمة. وهذه العقوبة تقام على مرتكب أي جريمة من جرائم الحدود أو ما شابهها، وتطبق بالحد الذي شرعه الله، فمثلاً حد الزنى مائة جلدة لكل من الزانية والزاني غير المحصن والرجم بالحجارة حتى الموت لمن زنى محصنًا. وحد السرقة قطع يد السارق، وحد شرب الخمر ثمانون جلدة، وهكذا تطبق الحدود حسب ما قدرها الشارع كل بقدره.
التعزير. وهو في لغة العرب بمعنى التأديب. وفي الشرع تأديب على ذنب لا حد فيه ولا قصاص. وهذه العقوبة تقام على مرتكب أي جريمة من جرائم التعزير أو ما شابهها، وعقوبة هذا النوع غير مقدرة شرعًا وترك الشارع تقديرها للحاكم حسب ما يراه رادعًا وزاجرًا للفاعل. وهذا النوع من العقاب (التعزير) يجعل الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان وافية بالردع والعقاب لما يجدّ من حوادث وجرائم، حيث ترك الشارع تقدير العقاب فيها للحاكم حسب الأزمنة والعصور وما يكوّن منها فسادًا في زمان أشد منه في زمان آخر. فللحاكم حينئذ أن يقدر العقاب الذي يراه رادعًا للمعتدي.
وتعد الجريمة من وجهة النظر القانونية انتهاكًا للقانون الجنائي، وهذا القانون يتعلق بالأفعال التي تُعد مضرة بالمجتمع. ومن جهة أخرى فإن معظم الأفعال الضارة التي تسبب إصابة لشخص آخر تعد انتهاكًا للقانون المدني. وفي هذا التصنيف تداخل دون شك. فمثلاً جرائم القتل العمد والاغتصاب تُرتكب ضد الأفراد، ولكن القانون يعدها جرائم؛ لأنها تهدد المجتمع، ولهذا السبب فإن الجريمة تعد في الوقت نفسه جناية ضد الدولة.
يعد الفعل جريمة إذا توافر الدليل الكافي الذي يمكِّن ضابط الشرطة أو المدعي، أو القاضي من الاعتقاد أنه قد حدث انتهاك للقانون الجنائي. لكن القانون لا يعد الأشخاص المتهمين مجرمين إلا إذا وجدهم القاضي أو هيئة المحلفين مذنبين. وقد يتم سجن المجرم أو عقابه بطريقة أخرى حسب قوانين المجتمع الذي ارتكبت فيه الجريمة، أو الذي تمت فيه المحاكمة. والشخص الذي يرتكب أي جريمة يُسمَّى مجرمًا. ولكن اللفظ يُستخدم أحيانًا للشخص الذي يرتكب جريمة خطرة فقط مثل: القتل أو النهب. وفي أحيان كثيرة يُطلق اللفظ على المجرمين العاديين.
تُعرف دراسة السلوك الإجرامي بـاسم علم الجريمة، ويعرف الخبير في هذا المجال باسم عالِمِ الجريمة. ويدرس علماء الجريمة الجرائم والمجرمين لأسباب عديدة، وربما يحاولون تحديد مكان وزمان وسبب حدوث أنواع مختلفة من الجرائم. كما يبحث علماء الجريمة العلاقات بين المجرمين والضحايا وكذلك أنجح السبل لمنع الجريمة. انظر: الجريمة، علم.

أنواع الجرائم

يمكن تصنيف الجرائم بعدة طرق. فمثلاً يتم أحيانًا تصنيفها حسب فداحة الجريمة. ولأسباب إحصائية تقسم حكومات عديدة أخرى الجرائم إلى جرائم ضد الأشخاص وجرائم ضد الممتلكات، وأخرى ضد النظام العام أو الآداب العامة. ويقسِّم بعض علماء الاجتماع الجرائم حسب دوافع مرتكبيها، فهناك الجرائم العاطفية على سبيل المثال. وبعض الأنواع المهمة من الجرائم تشمل: الجرائم المنظمة، وجرائم ذوي الياقات البيضاء.
تنقسم الجرائم عادة إلى أفعال يعدها معظم الناس أفعالاً شريرة، وأفعال يقرر المشرعون تنظيمها لمصلحة المجتمع. وتشمل المجموعة الأولى الجرائم الكبرى مثل: الحرق العمد، والاعتداء، والسطو على البيوت، والاختطاف، والقتل العمد، والاغتصاب، والنهب والسرقة. وتشمل المجموعة الثانية من الجرائم مخالفات قوانين ضرائب الدخل، ولوائح ترخيص العمل، وقوانين الأطعمة والأدوية وقوانين المرور.
وقد تم منع معظم الجرائم في المجموعة الأولى منذ مدة طويلة، وتنطوي عادة على عقوبات رادعة. انظر: القانون العام. أما الجرائم في المجموعة الثانية فتعد جرائم قانونية ويعاقب عليها غالبًا بالغرامات وأوامر المحكمة.
تصنف الأقطار المختلفة الجرائم بطرق متباينة. في المملكة المتحدة مثلاً، يوجد صنفان رئيسيان من الجرائم: جرائم عرضة للاتهام والمقاضاة وهي خطرة، وجرائم مجملة وهي أقل خطورة. وفي أغلب الحالات يحاكم الشخص المتهم بجريمة عرضة للاتهام والمقاضاة بوساطة قاضٍ أو هيئة محلفين بعد إعداد الاتهام الرسمي المكتوب. والشخص الذي يتهم في جريمة مجملة يحاكمه القاضي في محكمة لها صلاحيات قضائية للنظر في مثل هذه القضايا. انظر: المحكمة؛ السلام؛ القاضي.
جرائم عرضة للاتهام والمقاضاة. يصنف القانون العام الجرائم التي تعرض مرتكبها للاتهام والمقاضاة إلى ثلاثة أصناف: 1- الخيانة 2- الجنايات 3- الجنح.
الخيانة. جرائم تعرض البلاد والوطن للخطر مثل: التجسس لصالح أعداء البلاد في حالة الحرب، أو محاولة اغتيال رئيس الدولة. وغالبًا ما تعاقب الخيانة بفترات سجن طويلة.
الجنايات والجنح. تعد الجنايات والجنح في بعض البلاد أصنافًا مستقلة من الجرائم. فالجنايات هي جرائم مثل: القتل والسطو، ويُعاقب عليها بالإعدام في البلاد التي تطبق عقوبة الإعدام، أو مصادرة ممتلكات المجرم. والجنح جرائم عرضة للاتهام والمقاضاة غير الخيانة والجنايات. ولا تستدعي عقوبة الإعدام. ومن أمثلة الجنح اليمين الكاذب والحصول على المال بالاحتيال.
إن تصنيف الجرائم إلى جنايات وجنح ليس دقيقًا، حتى داخل البلد الواحد، فلا تُطبق جميع المحاكم الفرق نفسه بين الجناية والجنحة. وقد تم إلغاء التفرقة بين الجنايات والجنح في المملكة المتحدة رسميًا عام 1967م. وفي الولايات المتحدة وبعض الولايات الأسترالية كولايتي نيو ساوث ويلز وأستراليا الجنوبية مازال يجري تصنيف الجرائم إلى جنايات وجنح.
الجرائم المجملة. هي جرائم صغيرة يتم النظر فيها من قبل القضاة، وتشمل الجرائم المجملة الأفعال التي تسبب الإزعاج للجمهور، وكثيرًا من جرائم المرور، وبعض الحالات البسيطة من عدم الأمانة.
الجرائم ضد الناس والممتلكات. تشمل الجرائم ضد الناس: الاغتصاب، والاختطاف، والقتل العمد. وتجلب هذه الجرائم عادة عقوبات رادعة. وتشمل الجرائم ضد الممتلكات: إحراق الممتلكات، والسطو، والتزوير، والاحتيال، والسرقة، والتخريب المتعمد. وفي معظم الحالات يعاقب على هذه الجرائم بعقوبات أقل من الجرائم التي ترتكب ضد الناس.
يعد النهب من أخطر الجرائم من حيث التصنيف. فالقانون عمومًا يعد النهب جريمة ضد الشخص. والنهب يحتوي على أخذ ممتلكات شخص بالقوة مثل: مهاجمة شخص من الخلف وسلبه.
الجرائم ضد النظام العام والآداب العامة. تشمل السلوك الخارج عن النظام، والقمار، والسُّكر والتسول (عدم وجود مكان إقامة دائم أو وسائل كسب عيش مرئية). ويعاقب على هذه الجرائم عادة بعقوبات أخف من الجرائم ضد الناس والممتلكات.
يتساءل خبراء الجريمة عن مدى وجوب اعتبار بعض المخالفات ضد النظام العام والآداب العامة جرائم. فهناك عدد كبير من الخبراء في المجتمعات الغربية يعدون عادة السُكر مشكلة طبية، وأن الذي يقع في هذه المخالفة جدير بالمساعدة الطبية بدلاً من السجن. ويوجد اختلاف كبير حول بعض الممارسات التي تؤذي المجتمع ويجب عدها جرائم. وتشمل مثل هذه الممارسات؛ لعب القمار، واستعمال بعض الحبوب المخدرة مثل المارجوانا.
الجريمة المنظمة. تشمل الجرائم المنظمة الأنشطة الواسعة النطاق للعصابات والأشخاص الذين يبتزون المال بالتهديد والوعيد. وتعرف هذه المجموعات بالمؤسسة الإجرامية أو طُغمة المجرمين. والجريمة المنظمة تتخصص في توفير البضائع والخدمات غير القانونية. وتشمل أنشطتها القمار، والدعارة، والبيع غير القانوني للحبوب المخدرة، وتقديم قروض بفوائد كبيرة، ومعظم هذه الأعمال تُسمى غالبًا جرائم بدون ضحايا، حيث إن كلاً من المشتري والبائع يشاركان فيها برغبتهما.
إن معظم أنشطة المؤسسات الإجرامية لا تُبلَّغ للشرطة. فالناس الذين يحصلون على الخدمات غير القانونية يحاولون تفادي الشرطة. وعندما تغزو المؤسسة الإجرامية أعمالاً مشروعة أو نقابة مهنية، فإنها تستخدم الإرهاب، والابتزاز بالتهديد وغيرهما من الأساليب لمنع الناس من الذهاب إلى الشرطة. وحتى عندما يتم اكتشاف الأنشطة غير القانونية فإن المحققين يجدون صعوبة في اتهام أفراد العصابات لعدم وجود شهود عليهم.
وإضافة لهذا فإن المؤسسة الإجرامية تحاول رشوة الشهود أو الضابط، وفي بعض الأحيان ينجحون في ذلك. وتقوم النقابة بتوفير المال اللازم للكفالات والمحامين للأعضاء الذين يتم اعتقالهم.
جرائم ذوي الياقات البيضاء. تشمل هذه الجرائم الأفعال الإجرامية التي يرتكبها رجال الأعمال والمهنيون أثناء كسبهم لمعاشهم. وكان هذا التعبير يُطلق على بعض الجرائم مثل: الغش في البورصة وغيره من أنواع الاحتيال. أما في الوقت الحالي فيغطي التعبير أفعالاً مثل: الغش في دفع الضرائب التي ربما يكون لها صلة بأعمال مرتكبيها أو لا يكون. وربما يشمل التعبير سرقات أموال قليلة يقوم بها الموظفون، ويشمل الغش والاحتيال على مستوى كبير في البورصة. كما يمكن أن يشمل قيام مالك ورشة بتحميل الزبون مصاريف إصلاحات لم يقم بها، أو قيام طبيب أسنان بتحميل مريض تكاليف خدمات لم تقدم له. وقد أوجد الاستخدام المتزايد للحاسوب فرصًا جديدة لجرائم ذوي الياقات البيضاء. حيث توجد صعوبة في اكتشاف جرائم الحاسوب فهي سهلة التنفيذ عندما يتعرف المجرم على الرمز أو على كلمة السر لتشغيل النظام. ومن ثم فإن آلات الصرف الآلي في المصارف تزيد من إمكانية الاحتيال والسرقة من المصارف. كما أن الوصول للحاسوب من قبل موظفي المصرف يزيد من فرص الاختلاس (سرقة المال الموجود لديهم عهدة). ويهدف كثيرٌ من قوانين حماية المستهلك إلى الحماية من جرائم ذوي الياقات البيضاء. فهذه القوانين تنظم الأعمال والأنشطة المهنية لحماية المستهلكين. وخلال الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن العشرين الميلادي، أصبح موضوع حماية المستهلك أحد المجالات الأسرع نموًا في القانون الجنائي. انظر: الاستهلاك.
الجريمة السياسية. ازداد الاعتقاد في عد الجريمة السياسية نشاطًا إجراميَّاً خطرًا. وتشمل الجرائم السياسية الإرهاب ضد الأشخاص المسالمين، والاغتيالات للشخصيات السياسية القيادية في أنحاء العالم. وخلافاً للكثير من المجرمين الذين يبحثون عن المال أو المنفعة الشخصية من خلال الجريمة، فإن معظم الإرهابيين ومرتكبي الاغتيالات يرتكبون الجرائم للتعبير عن مساندتهم لقضية سياسية.ومنذ أوائل سبعينيات القرن العشرين الميلادي، أصبحت الجرائم السياسية مثل: اختطاف الطائرات، والاغتيالات، والتفجيرات، واحتجاز الرهائن أكثر حدوثًا. ونتيجة لذلك، اتخذت الحكومات في كل أنحاء العالم الخطوات اللازمة للحماية ضد الإرهابيين. فمثلاً، تم زيادة إجراءات الأمن في المطارات، والسفارات وغيرها من المواقع المستهدفة، كما تم تدريب وحدات خاصة من قوى الأمن أو الجيش لمكافحة الإرهاب.

نطاق الجريمة

الجريمة واحدة من أقدم المشكلات الاجتماعية العالمية. ولعل أغلب الأجيال قد شعرت بأنها مهددة بتزايد الجرائم والعنف. ولايوجد بلد حتى الآن تمكن من تطوير أساليب يعتمد عليها لقياس حجم الجريمة واتجاهها.
تختلف البلدان بدرجة كبيرة في تعريفها للجريمة، وفي مدى الاعتماد على إحصاءات الجريمة التي تعدها. تختلف كذلك الظروف التي تؤثر في حجم الجريمة من بلد إلى آخر. وتشمل هذه الظروف: نسبة السكان في المدن، ونسبة الشباب وكبار السن بين سكان كل بلد، كما تشمل درجة التناقض بين المجموعات الثقافية والاقتصادية والعرقية.
ولعل أهم أساس من أسس المقارنة يتمثل في معدل جرائم القتل العمد في البلاد المختلفة. فمعظم حالات جرائم القتل العمد يتم إبلاغها للشرطة بالرغم من اختلاف تعريفها. ففي عام 1988م، كان عدد حالات القتل المبلغة للشرطة لكل 100,000 فرد من السكان، هو : 4,5 في أستراليا، وشخصان في إنجلترا وويلز، و 0,8 في إندونيسيا، 1 في جمهورية أيرلندا، و2 في ماليزيا، و2 في سنغافورة و 8,4 في الولايات المتحدة.
تعد مقارنة المعدلات المتغيرة للجريمة داخل بلد معين أكثر قيمة من مقارنة معدلات بلدين أو أكثر. وتوضح الدراسات أن معدلات الجريمة لكل من جرائم العنف وجرائم الممتلكات تتزايد في معظم البلاد. فمثلاً من عام 1975م إلى 1985م ازداد معدل جرائم العنف في المملكة المتحدة بنسبة 60%. وازداد معدل جرائم الاعتداء على الممتلكات بنسبة 55%. وفي هذه المدة نفسها ازداد معدل جرائم العنف في الولايات المتحدة بنسبة 15%، ولكن معدل جرائم الاعتداء على الممتلكات نقص بنسبة 3%.
توضح مقارنة معدلات الجريمة في الأمم المختلفة أن الزيادة في الجرائم تصاحب الزيادة في معدل التغيير الاجتماعي. فمعدل الجريمة يظل مستقرًا نسبيًا في المجتمعات التقليدية التي يعتقد الناس فيها أن أسلوب حياتهم سيستمر. وترتفع معدلات الجريمة في المجتمعات التي تحدث فيها تغييرات سريعة فيما يتصل بأماكن سكن الناس والأعمال التي يزاولونها لكسب معاشهم، وفي الآمال المعقودة لديهم عن حياة الناس مستقبلاً. وتُعد معدلات الجريمة مرتفعة بخاصة في الأقطار الصناعية التي لديها مدن كبيرة.
الجرائم غير المبلغ عنها. تعد الإحصاءات عن الجرائم على أساس الشكاوى للشرطة، والمخالفات التي تلاحظها الشرطة واعتقالات المشبوهين. وهناك جرائم كثيرة لا يتم الإبلاغ عنها. وفي بحث ميداني أجري على 10,000 عائلة في الولايات المتحدة اتضح أن عدد الذين تعرضوا لجرائم كبيرة من تلك الأسر أكثر من ضعف ما شملته إحصاءات تلك السنة. وهناك أنواع أخرى من الجرائم تبقى غير مُبلَّغ عنها، وتشمل المخالفات ضد الأعمال، والمنظمات والوكالات العامة، وضد النظام العام والآداب العامة.
تكاليف الجرائم. يصعب تحديد تكاليف الجرائم بدقة بالنسبة للضحايا. وأي تقدير مبني على الإحصاءات الحالية ربما يقلل من التكلفة بدرجة كبيرة. فمثلاً، قد يكلف مشروع عمل غير شريف المستهلكين أو المستثمرين أموالاً طائلة، ولكن لا يتم الاحتفاظ بسجلات عن هذه الخسائر. وأيضًا، لا توجد طريقة لتحديد الأرباح لنقابة الجريمة من: بيع المخدرات، والقمار، والاقتراض بفوائد كبيرة، والدعارة.
إن تكلفة منع الجريمة وإجراءات مراقبتها أمر صعب التحديد. فالجهات المنوط بها تنفيذ القانون، وهيئات القانون الجنائي تقوم أيضًا بكثير من الشؤون غير الجنائية مثل: مراقبة حركة المرور. ولعل 40% من نفقات الشرطة تصرف على مُراقبة الجرائم وضبطها، وبالإضافة لهذا فإن معظم المحاكم تفصل في قضايا جنائية ومدنية.

أسباب الجريمة

يرتكب الناس الجرائم لأسباب عديدة، فكثير من الناس يسرقون أشياء، لأنه ليس بوسعهم الحصول عليها بطريقة أخرى. وآخرون ـ مثل مدمني المخدرات ـ يسرقون للحصول على النقود لشراء المخدرات أو الأشياء الأخرى التي يحتاجونها. وبعض سارقي المتاجر يسرقون للمتعة، ولكن بعضهم يسرق لزيادة ميزانية الأسرة. وكثير من سارقي السيارات يأخذون السيارات للتمتع بقيادتها، ولكن بعضهم يقوم بفك أجزاء السيارة المسروقة وبيعها. وكثير من المختلسين يسرقون نقودًا من مخدميهم لمقابلة ظروف شخصية طارئة، وفي نيتهم إعادة النقود. وتختلف الدوافع أيضًا في جرائم العنف، فالذي يريد أن ينهب قد يقتل الضحايا لتفادي متابعته وكشفه. وبعض أفراد العصابات يعذبون ضحاياهم للحصول على الأموال. وقد يضرب رجل زوجته وهو في حالة هياج وغضب أثناء مشاجرة.
التفسيرات البيولوجية والنفسية للجريمة. حاولت دراسات كثيرة تفسير الجريمة. وقارنت بين المجرمين ذوي السوابق وبين الناس الذين لم يرتكبوا جرائم؛ لمحاولة إيجاد فوارق مهمة بين المجموعتين.
فمنذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، قام باحثون مدربون في علوم الأحياء بالبحث عن فوارق ملموسة. واشتملت تلك الدراسات على الاختلافات في البنية الجسدية، وفي طريقة موجات الدماغ، وتكوين المورثات. ولم تبرهن أي من تلك الدراسات على أن للمجرمين سمات مادية تميزهم عن غيرهم.
وقد ركزت الأبحاث التي أجراها العلماء والأطباء النفسيون على الاختلافات في الشخصية الناتجة عن تجارب الطفولة وما يعقبها. وقد أوضح هذا البحث أن كثيرًا من الناس الذين يصبحون مجرمين قد سبق لهم أن أهملوا من قِبَل أبويهم، أو قد تم عقابهم بطريقة قاسية أو غير سليمة. وقد جعلتهم هذه المعاملة يشعرون بعدم الأمان فتسوء علاقاتهم بالآخرين. وقد جعلتهم مطالبهم الخاصة يُهملون احتياجات الآخرين وحقوقهم. لكن الباحثين واجهوا صعوبة في الربط بين الحاجات العاطفية والجريمة؛ لأن العديد من الأشخاص الذين لديهم مشكلات عاطفية يجدون طرقًا مقبولة لحلها.
الظروف الاجتماعية والجريمة. أجرى علماء الاجتماع دراسات حول الجريمة ركزت على الجيران والمجتمع بدلاً من الفرد. وبعض هذه الدراسات تعالج الطريقة التي يصبح بها الشخص ممتهنًا الجريمة، وبعضها الآخر يُحاول تفسير الاختلافات في معدلات الجريمة.
تحدث أعلى معدلات الجريمة ـ في المجتمعات الغربية ـ في أكثر الأحياء فقرًا في المدن الكبيرة. ففي مثل هذه الأحياء يصعب تدريب الأطفال ليصبحوا مواطنين ملتزمين بالقانون. وبهذه المناطق نسبة عالية من الأسر المفككة. وحتى في كثير من البيوت رغم وجود الأبوين، إلا أن المشكلات العاطفية، والصحية والمالية تؤثر على حياة الأسرة. وتوجد في الأحياء الفقيرة مدارس مُهملة في الغالب ومعدلات بطالة عالية. وإلى جوار هذه توجد المساكن المكتظة والوسائل الترفيهية البائسة.
يجد كثير من الشباب ـ في المجتمعات الغربية ـ المقيمين في المدن متعة في التجول في الطرقات، لأنها تعد بالنسبة لهم وسيلة للهروب من الملل والمشكلات التي لا تبدو لها أي حلول. وتعد الطرقات أيضًا مجالاً للرذيلة والجريمة مثل: تعاطي المخدرات، وبيعها، والقمار، والدعارة، والسكر في الأماكن العامة، وأعمال العنف. وتطبيق القانون داخل تلك المدن أمر صعب؛ لأن عدد ضباط الشرطة الذين يجوبون المناطق المجاورة قليل، وإضافة إلى ذلك فإن العديد من الناس يتهيبون رجال الشرطة ويرفضون التعاون معهم.
معظم ساكني الأحياء الفقيرة العالية الجريمة في كثير من المدن الكبيرة ـ في المجتمعات الغربية ـ أعضاء في مجموعات الأقليات العرقية. ونتيجة لذلك فإن معدل الجريمة في مثل هذه الأقليات أعلى منه في مجموعة الأكثرية. وإضافة إلى ذلك فإن مجموعة الأقلية غالبًا ما يكونون ضحايا للجرائم. وهذا الاتجاه لا يعني أن الأقليات أكثر إجرامًا. فقد ينشأ هذا نتيجة لأن المجموعات الاجتماعية القليلة الدخل وغير المميزة اجتماعيًا التي ينتمون إليها هي التي توجَّه إليها جهود تطبيق القانون في جميع البلاد. وقد يكون هذا ناتجًا عن طريق السُّكر أو أن تواجدهم في الطرقات، بحكم نمط حياة هذه المجموعات، يجعلهم دائمًا في احتكاك مع الشرطة.
في كثير من البلاد، يفوق عدد مرتكبي الجرائم من الفتيان والشباب عدد المرتكبين من الرجال. فهم بصفة خاصة أكثر من يحتمل قيامهم بارتكاب السطو وسرقة السيارات والنهب. أما النساء فقد أصبحن يرتكبن جرائم كثيرة حاليًا خاصة الجرائم الاقتصادية، وهذا الاتجاه عام في البلاد الغربية. وهو يعكس الحرية الكبيرة التي تحظى بها النساء اليوم والفرص الواسعة التي يجدنها. واليوم يدخل كثير من النساء إلى القوى العاملة، وهن أكثر تعرضًا للمواقف التي تواجههن بالجريمة.
إن الحد الأدنى لعمر الخارجين على القانون قد تدنى كثيرًا. فكثير من الأطفال وصغار السن يرتكبون مخالفات خطيرة مقارنة بالسابق. ومعظم بلاد الغرب تعاني من هذه الظاهرة.
وهناك عدة أسباب تجعل صغار الناس يرتكبون معظم الجرائم. فكلما يتقدم العمر بالناس ويستقرون في وظائفهم وتربية أطفالهم، فإنهم يحصلون على حصتهم في المجتمع، ولا يخاطرون بفقدها نتيجة منفعة مؤقته. ومن الجهة الأخرى فإن كثيرًا من الصغار لهم فرص قليلة من الوظائف. فوظائف العمال غير المهرة تبدو ضئيلة مقارنة بالعوائد السريعة والمغرية للسرقة. ولصغار العمر استعداد أكثر للمخاطرة للاعتقال بسبب قلة أنصبتهم من الأشياء.
تُرتكب جرائم عنف عديدة بوساطة الناس ذوي المعرفة بضحاياهم. فنسبة عالية من حالات القتل العمد، مثلاً، يكون القاتل والضحية على اتصال ببعضهما. وفي الواقع نجد أن سدس حالات القتل العمد التي ارتُكِبت في الولايات المتحدة، مثلاً، إنما ارتكبها أحد أفراد أسرة الضحية. وفي حالات عديدة، وبسبب أن كثيرًا من القتلة يعرفون ضحاياهم، فإن الشرطة استغرقت وقتًا بسيطًا نسبيًا لتحديد القاتل. ونتيجة لذلك فإن معدل اعتقال القتلة ومحاكمتهم مرتفع. وتعاني الشرطة من تحديد مجرمي النهب والسطو، لأن القليل منهم يعرفون ضحاياهم أو على علاقة بهم.

منع الجريمة

عكف القانون الجنائي لمئات من السنين حول فكرة وجوب معاقبة من يرتكبون الأخطاء على جرائمهم. ويتمثل المبرر الرئيسي للعقوبة في المحافظة على القانون والنظام واحترام السلطة.
ومن وجهة النظر هذه، فإن العقوبة تؤدي إلى شيئين: فهي تدعم القانون، وتمنع الآخرين من التفكير في فعل الشيء نفسه دون أن يعاقبوا. إن العقاب مبني على فكرة أن أناسًا كثيرين لديهم رغبة مكبوتة للقيام بأفعال ممنوعة. وبمعاقبة أولئك الذين يخرجون على القانون، فإننا نؤكِّد لأنفسنا أننا على حق في ضبط هذه الرغبة ومراقبتها. وأصبح من المعتقد أن العقوبة تؤدي إلى مساندة القانون ودعمه.
يؤكد كثير من خبراء الجريمة على ضرورة تحسين أداء هيئات العدالة كالشرطة، والمحاكم والسجون. ويوضح خبراء الجريمة أن قوى الشرطة المؤهلة والمزودة بالوسائل والمنسقة تكون أكثر فعالية في ضبط الجريمة.
يعد إصلاح معتادي الإجرام وإعادة تأهيلهم، من الطرق الرئيسية لتقليل الجرائم. فالمشكلة الأساسية ليست مَنْ يرتكب الجريمة لأول مرة أو من يسرق الأشياء الصغيرة، بل من اعتاد الإجرام، وأصبح يرتكب جرائم خطيرة بصورة متزايدة. وحسب رأي خبراء الجريمة، فإن الجريمة ستقل بطريقة كبيرة إذا أمكن إبعاد هؤلاء المخالفين عن ارتكاب الأفعال الخاطئة. وعلى كل فإن السجون قد حققت نجاحًا بسيطًا في إصلاح النزلاء. ونسبة عالية ممن تم اعتقالهم من الناس لهم سجل سوابق.
ربما يمكن تحسين إصلاح المجرمين بدرجة كبيرة، إذا تمكن الخبراء من تقديم البرامج الصحيحة لإصلاح حال المجرمين. فالمجرمون يختلفون اختلافًا كبيرًا في أنواع الجرائم التي يرتكبونها، وفي مشكلاتهم العاطفية وفي ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية. ولا يمكن مساعدة جميع المجرمين بطريقة واحدة في المعاملة. فكثير من المجرمين يحتاجون إلى مساعدة طبية أو نفسية. وبعضهم الآخر يتجاوب بصورة جيدة مع التعليم والتدريب المهني. ولكن كل الأموال المخصصة للسجون تقريبًا تُصرف على الطعام، والملابس وضبط السجون.
ومنذ أواخر سبعينيات القرن العشرين الميلادي برز اتجاه نحو العقاب لا الإصلاح في العديد من البلاد. وأصبحت الأحكام بالسجن أطول. وأصبح استخدام عقوبة الإعدام يتزايد في الولايات المتحدة منذ أن قامت المحكمة العليا برفع الحظر عليها منذ عام 1976م. وفي بعض الأقطار الإسلامية فإن عقوبة الإعدام والقصاص وقطع يد السارق استخدمت من قبل المحاكم في جرائم غير القتل وذلك تبعًا لتعاليم الشريعة الإسلامية السمحاء التي تحمي البلاد من شرور المجرمين. وهذا ما نص عليه الدين الإسلامي قرآنًا وسنة، وساعد على التخلص من الجريمة خاصة. وقد وفرّت هذه المجتمعات الإسلامية التنشئة الاجتماعية الصحيحة، وفرص الكسب الحلال وسبل صلاح المجتمع، مما انعكس على تراجع معدلات الجريمة عن الأقطار الغربية التي سادها التفكك الاجتماعي والأسري. وعلى كل حال فإن منع الجريمة يجب أن يستهدف منع الناس من أن يكونوا مجرمين في المقام الأول. وهذا الغرض يمكن أن يستفيد من برامج الإصلاح في الأحياء الفقيرة بالمراكز الحضرية. وتغطي هذه البرامج تحسين السكن، والمدارس والترفيه وزيادة فرص العمل.
وهناك طرق أخرى للتقليل من الجريمة. إذ يمكن تعليم الناس أو إقناعهم باتخاذ احتياطات أكثر ضد الجريمة. فيمكن تعليمهم، مثلاً كيفية حماية منازلهم من حوادث السطو. ويمكن أن تقل سرقة السيارات كثيرًا إذا قام جميع السائقين بأخذ مفاتيحهم وإغلاق سياراتهم عند تركهم لها. كذلك فإن الإضاءة الأفضل تساعد على منع خطف حقائب اليد وغيرها من السرقات التي تحدث في شوارع المدن وساحاتها. ويعتقد كثير من الخبراء أن جعل قوانين ترخيص الأسلحة أكثر صرامة سيؤدي إلى تقليل الجريمة.