تعتبر الزراعة من أهم الأنشطة التي يمارسها الإنسان. فهي تمدنا
تقريبًا بكل ما نحتاجه من غذاء بالإضافة إلي توفير مستلزماتنا من الكساء والمأوى.
ليس هذا فحسب بل إن الزراعة توفر لنا المواد الضرورية لبعض الصناعات الأساسية مثل
الدهانات والمواد الطبية. وتدل الإحصائيات المتوفرة أن نصف القوى العاملة، على
المستوى العالمي، تعمل في مجال الزراعة ـ ويفوق ذلك عدد العاملين في مجال
الصناعة.
وتعتبر الزراعة من أقدم المهن التي مارسها الإنسان، إذ يرجع بدء نشأتها إلى حوالي 11,000 سنة في منطقة الشرق الأوسط. فقد اكتشفت بعض القبائل في منطقة الشرق الأوسط كيفية زراعة النباتات من البذور، وكذلك كيفية رعاية الحيوانات في الأسْر. ولقد تعلم الناس هذه المهارات قبل حوالي 10,000 سنة، وبدأوا الاعتماد على الزراعة لتوفير مواد الغذاء.
اعتمد الناس قبل تطوير الزراعة للحصول على الغذاء على جمع النباتات البرية والحيوانات وصيد الأسماك. وكان عليهم البحث عن الغذاء باستمرار مما أدى إلى قلة الوقت المتوفر للأنشطة الأخرى. لكن مع تطور الزراعة أصبح بالإمكان تأمين الغذاء بكميات وفيرة. وعليه لم تعد هناك حاجة إلى أعداد كبيرة من الناس لتوفير الغذاء. عند ذلك، أصبح بالإمكان احتراف مهن أخرى مثل الحرف الفنية والتجارة والأنشطة المتعلقة بالحياة الحضرية. لذلك فإن التطوّر الذي حدث في مجال الزراعة أدى إلى توفير الغذاء وبالتالي إلى نشوء الحضارة.
ينتج المزارعون كميات أكبر من الغذاء أكثر مما ينتجه الصيادون وجامعو المواد الغذائية. لكن ظل التطور في مجال الزراعة بطيئًا قرونًا طويلة. واعتمدت الزراعة على قوى الإنسان والحيوان وعلى ما يملكه المزارعون من أدوات قليلة لجعل أراضيهم وعمالتهم أكثر إنتاجية. وعند نهاية القرن السابع عشر، بدأ المكتشفون تطوير الآلات الزراعية لإعداد التربة ولعملية الزراعة والحصاد. ومع مرور السنين تطوّرت الآلات الزراعية. وخلال القرن العشرين، طوّر العلماء أصنافًا جيدة وقوية من النباتات والحيوانات، وكذلك أنواعًا من السماد والمبيدات الحشرية أكثر فعالية. صاحب هذا التطور زيادة في كفاءة الإنتاج مما أدى إلى تقليل العمالة المطلوبة للزراعة وزيادة كبيرة في الإنتاج الزراعي. وقد حدث معظم هذا التطور في مجال الزراعة في الدول الصناعية، وبقي الناس في الدول النامية يمارسون نمط الزراعة التقليدية التي كان يمارسها أجدادهم منذ مئات السنين. والدول التي تمارس الزراعة التقليدية ليس بإمكانها أن توفر الغذاء الكافي الذي تحتاج إليه. علما بأن توفير الغذاء بكميات كافية أصبح أمرًا ضروريًا لمواجهة الزيادة الهائلة في أعداد السكان. ولكي يصبح بالإمكان مواجهة النقص المتزايد في توفير الغذاء للدول النامية وبالتالي تلافي حدوث المجاعة، فإن على الدول الصناعية توفير الآليات الحديثة اللازمة لتطوير الزراعة في الدول النامية.
المنتجات الغذائية. ينتج المزارعون كل غذاء العالم تقريبًا بالإضافة إلى الأسماك وصيد الحيوانات. ويأتي معظم الغذاء من المحاصيل الزراعية، والباقي من الحيوانات وخاصة الأبقار والحيوانات الزراعية الأخرى.
المحاصيل. ينتج المزارعون في العالم حوالي خمسة وثمانين محصولا رئيسيًا. ويمكن تقسيم هذه الفئة إلى ثماني مجموعات. المجموعة الرئيسية هي الحبوب، وتشمل زراعة الحبوب حوالي نصف المساحة المخصصة للزراعة في العالم. والحبوب توفر معظم المغذيات (المواد الغذائية) المطلوبة للإنسان والحيوان. وأهم أنواع الحبوب هي الشعير، والذرة الشامية، والدخن، والشوفان، والأرز، والذرة الرفيعة، والقمح.
وتأتي المحاصيل الجذرية في المرتبة الثانية من الأهمية بالنسبة للمحاصيل الغذائية. وتتشابه المحاصيل الجذرية مع الحبوب في أنها تزرع في جميع أنحاء العالم، وتمد الإنسان بالغذاء الأساسي. وأهم المحاصيل الجذرية هي البطاطس والبطاطا الحلوة، والمنيهوت (الكاسافا).
وتتكون المجموعات الست الأخرى للمحاصيل الغذائية الرئيسية من : 1- البقول التي تتكون بصفة رئيسية من الفاصوليا الجافة والبازلاء الجافة. 2- الفواكه والخضراوات 3- المحاصيل الزيتية مثل فول الصويا وجوز الهند، 4- المحاصيل السكرية، خاصة قصب السكر وبنجر السكر، 5- الجوزيات 6-بذور الكاكاو وحبوب البن وأوراق الشاي.
وتستخدم بعض المحاصيل الزيتية، خاصة فول الصويا في إنتاج الدقيق والطحين بالإضافة إلى الزيت.
الحيوانات. تعتبر الأبقار والدواجن والماعز والأغنام والحيوانات الزراعية الأخرى من أهم الحيوانات التي تربى لإنتاج الغذاء. وتربى الحيوانات الزراعية في جميع أنحاء العالم وتمدنا باللحوم، والبيض، والألبان، والمنتجات الأخرى. كذلك يربي المزارعون بعض الحيوانات والحشرات من أجل الحصول على الغذاء. على سبيل المثال، يربي المزارعون النحل من أجل الحصول على عسل النحل. ويربي المزارعون بعض الأسماك في المياه العذبة مثل سمك التروتة وبعض المحاريات التي تعيش في الماء المالح مثل المحار وبلح البحر.
الألياف الطبيعيـة. يتـم الحصـول على الألياف الطبيعيـة من الحيوانــات والنبـاتـــات التي تربى في المـزارع. وتستخــدم المصانـع الأليــاف الطبيعية لإنتـاج الغــزل والمنسوجــات والمـــلابس الأخــرى.
وتعتبر نباتات القطن، والكتان، والقنب، والجوت والسيزال من أهم نباتات الألياف. ويأتي الصوف وهو أهم الألياف الحيوانية، أساسًا من الأغنام وكذلك الشعر من الماعز والوبر من الجمال. ويمكن الحصول على الألياف الحريرية من شرنقة دودة القز (الدودة الحريرية). وتنتج المزارع في اليابان والصين معظم إنتاج العالم من الحرير من دودة الحرير. ولقد أدى اكتشاف وتطوير النيلون والألياف الصناعية الأخرى في القرن العشرين إلى قلة الاعتماد على الألياف الطبيعية في كثير من بلدان العالم.
المنتجات الزراعية الأخرى. توفر كثير من المزارع المواد
الخام للصناعة إلى جانب الألياف الطبيعية. وهذه المواد تتضمن المطاط، وجلود
الحيوانات التي تستخدم في الصناعات الجلدية. هذا بالإضافة إلى الزيوت النباتية مثل
زيت الخروع وزيت بذرة الكتان. وتستخدم هذه الزيوت في أغراض مختلفة مثل صناعة
الطلاءات والعقاقير الطبية. ويقوم بعض المزارعين بزراعة الأشجار للحصول على الأخشاب
على الرغم من أن الأخشاب في معظمها يمكن الحصول عليها من الغابات الطبيعية. ويقوم
الكثير من المزارعين بزراعة التبغ ونباتات الزينة والزهور والأشجار والشجيرات، كما
أن بعض المزارعين يربون بعض الحيوانات مثل الثعالب والمنك من أجل الفراء.
وتمارس الزراعة المكثفة حينما يكون هناك شح في مساحة الأرض الزراعية. ويتطلب ذلك كمية كبيرة من السماد والعمالة والموارد الأخرى، حتى يتسنى الاستفادة القصوى من وحدة المساحة لإنتاج أقصى محصول ممكن من وحدة المساحة الزراعية.
وتعتبر الحدائق أو المزارع الصغيرة لإنتاج الخضراوات الموجودة في أطراف المدن مثالا على الزراعة المكثفة. وهذا النوع من الحدائق يغطي مساحة حوالي 0,4 من الهكتار. وهذه المساحة من الأرض تحتاج إلى شخص واحد للعمل طوال اليوم لإنتاج كمية اقتصادية من الخضراوات.
يمارس المزارعون الزراعة الموسَّعة حينما تتوفر الأرض الواسعة والأمطار الخفيفة والتربة الخصبة. وتتطلب الزراعة الموسعة استثمارًا أقل نسبيًا في المعدات والتجهيزات لكل وحدة من الأرض، وكل وحدة تنتج عائدًا أقل نسبيًا. وأصدق مثال على ذلك المزارع الكبيرة في أستراليا وغربيّ الولايات المتحدة، حيث تغطي المزارع في هذه الأماكن مساحات شاسعة تعد بآلاف الهكتارات وتربى فيها آلاف الأغنام. وكل حيوان يحتاج إلى 1,6 هكتار (الهكتار 10,000 م²) من الأرض ليجد المرعى الكافي والمناسب. وبالمقارنة، فإن العائد من الزراعة الموسَّعة بحسب وحدة المساحة يعتبر منخفضًا إذا ما قورن بعائد الوحدة المساحية بالنسبة للزراعة المكثفة. فهو لا يساوي أكثر من واحد في المائة من عائد الزراعة المكثفة.
كذلك يمكن تصنيف أنواع الزراعة حسب الغرض منها إلى تجارية أو إعاشية. فالزراعة التجارية تمارس من أجل إنتاج محاصيل وحيوانات للغرض التجاري. وينتج المزارعون في الزراعة الإعاشية ما يكفي لسد حاجتهم. وتتناول المناقشة التالية هذا النوع من التصنيف.
الزراعة التجارية. تعتبر معظم المزارع في أوروبا وأمريكا الشمالية ومعظم الدول الصناعية زراعة تجارية. ويمكن تقسيمها إلى نوعين 1- المزارع المتخصصة، 2- المزارع المختلطة.
المزارع المتخصصة. ويكون دخل هذه المزارع أو معظمه من إنتاج نوع واحد من المحاصيل أو الماشية أو الدواجن أو الدواب. وتستخدم هذه المزارع طريقة الإنتاج المكثف، وتحتاج إلى استثمار كبير في المعدات والتجهيزات.
إنتاج المحاصيل المتخصصة. تسمى المحاصيل التي تنتج من أجل تسويقها المحاصيل النقدية. وتنتج كثير من هذه المزارع التجارية محصولاً نقديًا واحدًا فقط. وتعرف هذه المزارع بمزارع المحصول الواحد أو مزارع المحصول الفردي. وتعتبر مزارع القمح الواسعة في سهول البراري الأمريكية، وأوكرانيا خير مثال على ذلك. وتعرف معظم المزارع الكبيرة ذات المحصول الفردي في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية بالمزارع الواسعة. ويزرع في هذا النوع من المزارع الموز، والبن، والأرز، وقصب السكر، والشاي.
وتنتج بعض المزارع المتخصصة الأخرى محصولين أو أكثر من المحاصيل النقدية على الرغم من أن معظم العائد يأتي من محصول واحد. ومن أهم المحاصيل التي تنتج في هذه المزارع القطن والحبوب والتبغ.
رعاية المحصول. يجب أن يقوم المزارعون بالتخطيط الجيد لتهيئة أفضل الظروف لنمو محاصيلهم حيث يجب التأكد من ملاءمة التربة ومصادر المياه اللازمة لكل محصول، مع استخدام الأساليب الحديثة لمكافحة الحشرات.
تحتاج جميع المحاصيل الزراعية إلى المواد الغذائية والمـاء حتى تستطيــع أن تنمـو. توفـر التربــة معظم العناصر الغذائيـة إضافـة إلى أنهـا تحفظ المــاء الـذي يحتـاج إليـه المحصـول. تمـد النباتــات جـذورها داخل التربـة لتمتـص العناصر الغـذائية والمـاء بوساطة هـذه الجـذور. وتحتاج النباتات إلى 16 عنصرًا لتنمو نموًا جيدًا. وتتكون العناصر الغذائية الرئيسية من الكالسيوم، والكربون، والهيدروجين، والمغنسيوم، والنيتروجين، والأكسجين، والفوسفور، والبوتاسيوم، والكبريت. وتحتاج الكثير من المحاصيل إلى كميات كبيرة من هذه العناصر لكن بعض النباتات تختلف في حاجتها من هذه العناصر الغذائية، وبعض هذه المحاصيل تزداد حاجته إلى عناصر غذائية معينة دون غيرها.
وتعتبر الطبقة السطحية من التربة هي الطبقة الغنية بالعناصر الغذائية. لذلك يجب المحافظة عليها وحمايتها حيث إنها عرضة للضياع بوساطة الرياح القوية والأمطار الغزيرة والسيول. وهذه العملية تسمى التعرية. ولذلك تعتبر عملية حماية التربة، ومنع حدوث التعرية من أهم عمليات إدارة واستغلال الترب.
ويعتمد المزارعون في كثير من الأحيان على الأمطار لتوفير الرطوبة اللازمة للنباتات. وحتى يتسنى للمزارعين تنظيم توفير المياه اللازمة للمحاصيل، يجب عليهم إعداد نظام أو شبكة صرف في الحقول يمكن بوساطتها تجميع المياه. وفي المناطق الجافة التي يندر فيها سقوط الأمطار يجب على المزارعين القيام بري المحاصيل الزراعية.
يستخدم الخبراء الزراعيون كلمة آفة للإشارة إلى الحشائش الضارة، وأمراض النباتات والحشرات والطيور التي تهدد المحاصيل. ويكافح المزارعون الآفات بوساطة المواد الكيميائية التي تسمى المبيدات. وبالإضافة إلى ذلك فقد طوَّر علماء النبات أنواعًا من الذرة والقمح والمحاصيل الأخرى، لها خاصية مقاومة الأمراض والآفات وراثيًا أكثر من الأصناف القديمة.
طرائق إنتاج المحاصيل. تشتمل عملية زراعة المحاصيل على أربع عمليات هي: 1- تجهيز التربة 2- الزراعة والعناية بالنبات 3- الحصاد 4- إعداد وتخزين المحصول. وتقوم الآلات الزراعية الحديثة بكل هذه العمليات بسهولة ويسر وبسرعة فائقة. والهدف الأساسي من تجهيز التربة هو إعداد مهد لزراعة البذور لتنمو وتكوِّن مجموعًاجذريًا، ويقوم المزارع بحرث التربة لتفكيكها وقتل الحشائش الضارة وتحسين تهوية التربة ومرور الماء والهواء خلالها.
وتعمل الحراثة على قلب مخلفات المحصول السابق مثل السيقان والأوراق والأجزاء الأخرى التي تعمل عند تحللها على زيادة خصوبة التربة.
ويقـوم المزارعـون في المناطق الشمالية بزراعـة معظـم محاصيلهم في موسـم الربيـع أي بعـد زوال مخــاطر الصقيـع. وتسمى الآليــات التي تستخــدم لزراعـة تقــاوي المحاصيل الحقلية بالبــذارات. وفي كثير من الأحيان، يخلط السماد والمبيـدات مع البذور أثناء البذر. وتقوم مبيدات الحشائش التي تستخدم قبل الزراعــة بالتخلص من كثير من الحشائش.
يقوم معظم المزارعين باستخدام الآلات الزراعية لحصد محاصيلهم. فعلى سبيل المثال، تستخدم آلة الحصاد الميكانيكية في حصد ودرس معظم محاصيل الحبوب.
تعرف المحاصيل التي تزرع لإنتاج غذاء الإنسان بالمحاصيل الغذائية، وهذه المحاصيل تتلف بسرعة ، لذلك يقوم المزارعون بتسويقها في أسرع وقت ممكن بمجرد حصادها. وتسمى المحاصيل التي تزرع لتغذية الحيوان بمحاصيل العلف.
ومن بين الطرائق الخاصة لزراعة المحاصيل الزراعة العضوية والزراعة المائية. فالزراعة العضوية هي ممارسة زراعة المحاصيل بدون استخدام المركبات الكيميائية، في حين أن الزراعة المائية هي طريقة زراعة المحاصيل في محاليل غذائية بدون تربة.
إنتاج الماشية المتخصص. تتكون مزارع الماشية المتخصصة من مزارع الأبقار، والأغنام، والدواجن، والبيض ومزارع إنتاج الحليب. ومعظم الأبقار والأغنام تعتمد أساسًا على الأراضي المزروعة للرعي. وفي بعض الدول الرئيسية المنتجة للحوم الأبقار مثل الأرجنتين وأستراليا، تربى الأبقار في مزارع كبيرة متخصصة في التسمين حتى تُعدّ للذبح. أما في الولايات المتحدة وكندا وبعض الدول الأخرى، فإن الكثير من مزارعي الأبقار يرسلون مواشيهم إلى مزارع متخصصة للتسمين.
تمارس مزارع التسمين المثالية الزراعة المكثفة حيث تسمن الأبقار في قطعة أرض صغيرة يستغل حيزها استغلالاً جيدًا. ويتم تغذية الحيوانات بكميات كبيرة من الحبوب والأعلاف ذات السعرات الحرارية العالية.
وتعتبر معظم مزارع الدواجن وإنتاج البيض مزارعَ مكثفة حيث يمكن أن تشغل حوالي 0,4 هكتار. وفي هذا النوع من المزارع، يمكن إنتاج 20,000 أو أكثر من الدجاج البياض أو اللاحم حيث تحفظ الطيور في أماكن يمكن ضبط الحرارة فيها وتعلف بأعلاف ذات طاقة عالية.
وتتخصص مزارع اللبن في تربية أبقار اللبن، ويكون حجم هذه المزارع النموذجية في الغالب أكبر من حجم مزارع الدواجن. ويقوم المزارعون بإنتاج الأعلاف الخاصة بأبقارهم، وبعضهم يقوم بشرائها من المزارع الأخرى.
رعاية الماشية. تتطلب رعاية الماشية توفير الأعلاف والمأوى والعناية بصحتها. ولكي تتوفر رعاية صحيحة وناجحة، على المزارعين الاهتمام بكل ما يخص تربية الحيوانات. وعليهم اختيار السلالات الجيدة والتهجين بين السلالات حتى يتسنى لهم تعويض الحيوانات التي تم بيعها أو تقدمت بها السن. وقد يساعد توفير الآلات الحديثة كثيرًا في نجاح مزارع المواشي. تتكون أعلاف المواشي من مجموعتين رئيسيتين 1- الأعلاف الخضراء. 2- الأعلاف المركزة. والأعلاف الخضراء إما نباتات ترعى فيها الماشية مباشرة وإما نباتات قطعت لتكون التبن والسيلاج. وترعى معظم الماشية إما في المراعي الطبيعية وإما على المراعي المزروعة. والمراعي المزروعة هي حقول مزروعة بالحشائش أو المحاصيل العلفية. أما الأعلاف المركزة فهي تتكون من حبوب محاصيل مثل الذرة الشامية والذرة الرفيعة، وطحين فول الصويا. ويضيف بعض المزارعين في بعض البلدان الهورمونات المصنعة (المواد الكيميائية المنظمة للنمو) للأعلاف المركزة لمساعدة الحيوانات على النمو السريع.
ويعتمد تسمين الماشية بصورة كبيرة على استعمال الأعلاف المركزة. ويبيع الكثير من المزارعين حيواناتهم الصغيرة المعدة للتسمين إلى المزارعين الذين لديهم فائض من الحبوب العلفية أو المتخصصين في التسمين. وتحتاج معظم أنواع الماشية إلى الوقاية من الطقس الشديد البرودة. لذلك يقوم الكثير من المزارعين بتوفير المأوى والحماية لماشيتهم في بعض أوقات السنة، بينما تربى بعض الحيوانات داخل الحظائر بصورة دائمة كما هو الحال في حظائر الدجاج اللاحم أو البياض.
ولقــد أصبح بالإمكان بعد اكتشاف وتطوير اللقاحــات والعقاقـير الأخـرى العنايـة بالماشيــة بسهولـة ويسـر. ومع دخول الآلة في الإنتاج الزراعي تمكن المزارعون من تربية الحيوانات المختلفة دون عناء ومشقة خلافًا لما كان سابقًا. ومن أمثلة ذلك أجهزة التغذية الآلية وآلات الحلب.
تربى معظم الحيوانات للحصول على منتجاتها المتعددة. ويربي المزارعون أيضًا بعض السلالات الممتازة من الحيوانات لإنتاج النسل والسلالات الجيدة، أو حيوانات ذات نوعية مختارة تستخدم فقط من أجل إنجاب السلالات الفائقة النوعية. ويقوم المزارعون باختيار حيوان التربية اعتمادًا على نوعية الحيوان وكذلك حسب نسله. ويمكن تحسين نوعية الحيوانات بمرور السنين عن طريق الانتخاب.
المــزارع المختلطـة. يتم في هــذا النــوع من المـزارع إنتــاج أنــواع مختلفـة من المحاصيــل والمـاشيـة. ومثل هــذه المـزارع تنتــج المحاصيل الزراعية للبيع أو لتغذية الماشية الخاصة بالمزرعة. وتعتبر معظم المزارع في أوروبا ووسط غرب الولايات المتحدة الأمريكية من المزارع المختلطة.
في هذا النوع من المزارع، تقل المخاطر حيث إن المزارع المتخصصة معرضة للتقلبات الجوية والآفات والأمراض. كما أن أسواق المحاصيل قد تتعرض إلى هزات، ولكن في حالة المزارع المختلطة فإن الخسارة الناتجة من محصول بعينه قد يعوضها ربح .محصول آخر.
الزراعة الإعاشية. تنتج ملايين المزارع العائلية في إفريقيا، وآسيا وأمريكا اللاتينية محصولا من الشعير أو القمح أو الأرز يكفي فقط لسد حاجة أصحابها. وتعتمد المزارع الإعاشية على العمالة اليدوية وتتطلب آلات زراعية بدائية. وعلى الرغم من أن المزارعين في هذا النوع من المزارع ينتجون بقدر حاجتهم، إلا أن بعضهم قد يتمكن من بيع بعض محاصيله. وفي هذه الحالة، يسمى هذا النوع من الزراعة الزراعة شبه الإعاشية.
يمتلك المزارعون الإعاشيون قطعة من الأرض صغيرة المساحة ويقومون بزراعتها عامًا بعد عام. وينتشر هذا النوع من المزارع في مزارع الأرز في جنوب آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.
وفي بعض بلدان العالم، لا يمتلك المزارعون الإعاشيون قطعة أرض مستديمة بعينها، وبدلا من ذلك، يعتمدون على الترحال من مكان لآخر في جماعات حسب التقاليد المتعارف عليها. وفي كل مكان يحطون الرحال فيه، يقوم هؤلاء المزارعون بتكوين مزارع مؤقتة. وقد تناقص هذا النوع من الزراعة منذ منتصف القرن العشرين، لكنه مازال موجودًا في بعض بلدان العالم. ويمارس هؤلاء المزارعون نوعين من الزراعة هما: 1- الزراعة المتنقلة و2- الرعي البدوي.
الزراعة المتنقلة. تعتبر من الممارسات القديمة جدًا وتوجد بصورة كبيرة في مروج وغابات إفريقيا الوسطى، وجنوب شرقي أمريكا الجنوبية، وبعض أجزاء جنوب شرقي آسيا، حيث إن التربة في هذه المناطق غير خصبة. ومن أجل المحافظة على خصوبة هذه التربة فإن المجتمعات في هذه المناطق تمارس زراعة الأرض لمدة عام أو عامين على قطعة من الأرض ومن ثم تنتقل إلى أرض أخرى مجاورة لها أو ترتحل إلى مكان أبعد. وفي كل مرة تمارس فيها الزراعة المتنقلة، يقوم المزارعون بقطع وحرق الأشجار والأعشاب. ولهذا السبب، تسمى الزراعة المتنقلة زراعة القطع والحرق. ويؤدي الرماد الناتج عن حرق الحشائش والأشجار إلى زيادة خصوبة التربة. ويمكن إعادة زراعة الأرض المهجورة بعد فترة من الزمن.
الرعي البدوي. مُورِس هذا النوع من الزراعة في المناطق الصحراوية في إفريقيا وآسيا منذ زمن طويل. وعرفت هذه المناطق بصحرائها الجافة التي لا تصلح لزراعة المحاصيل لكن ينمو فيها ما يكفي من الأعشاب البرية لرعي القطعان الصغيرة من الجمال، والأغنام، والماعز، وبعض أنواع الماشية الأخرى. تربي القبائل البدوية الصحراوية هذه القطعان للحصول على ضروريات الحياة من لبن وجبن ولحوم. ويسكن هؤلاء القوم في خيام من شعر هذه الحيوانات، ويصنعون ملابسهم من جلود وأصواف هذه الماشية. وعادة ما تبقى القبائل في المنطقة حتى تقضي قطعانها على كل العشب الموجود، ومن ثم ترحل إلى مكان آخر بحثًا عن مرعى جديد.
وكذلك يحدد المناخ السائد نوعية المحصول الذي يتحتم على المزارع أن يزرعه. فمحاصيل مثل الموز، والكاكاو، تنمو نموًا جيدًا فقط في المناخ الاستوائي. أما المحاصيل الأخرى مثل البطاطس والتفاح فتحتاج إلى جو أكثر برودة. وتحتاج معظم النباتات بما فيها الموز والبطاطس إلى رطوبة عالية لكن هناك نباتات أخرى، مثل الذرة الرفيعة والقمح، تنمو نموًا جيدًا في المناطق ذات المناخ الجاف نسبيًا. وخلال القرون الماضية، اتبعت كثير من الطرق لزراعة المحاصيل في مناطق غير ملائمة لنموها. فعن طريق استخدام الري مثلاً، استطاع المزارعون زراعة المحاصيل في المناطق الشديدة الجفاف. وفي الأرض الجبلية، استخدم المزارعون طريقة زراعة المدرجات عن طريق إنشاء مسطحات أو مدرجات. كما أن الزراعة المحمية مكنت المزارعين في المناطق الحارة والباردة من زراعة بعض الفواكه والخضراوات طوال العام. وكذلك تمكن العلماء خلال القرن العشرين من استنباط أصناف جديدة من المحاصيل وسلالات من الماشية تتلاءم مع تربة ومناخ مناطق معينة.
يناقش هذا الجزء الزراعة في المناطق الرئيسية وبعض أقطار العالم. ولأجل الحصول على معلومات إضافية، يرجى الرجوع إلى الجزء الخاص بالزراعة لكل قارة ولكل قطر.
العالم العربي. تقع معظم الدول العربية في حدود المنطقة ذات المناخ الجاف وشبه الجاف. وقد اجتمعت عدة عوامل أدت إلى تدمير كثير من النظم البيئية فيها؛ منها ما يعود إلى عوامل طبيعية مناخية، أو ما يعود إلى عوامل بشرية، أو كليهما. من ذلك مشكلات انجراف التربة وتدهور خصوبة التربة والزحف العمراني على الأراضي الزراعية والرعوية مما قلَّل مساحة المزروع منها وأدى في نهاية المطاف إلى نشوء مشكلة التصحر. والزراعة في العالم العربي قديمة قدم اكتشاف الإنسان لها. فبالعالم العربي أقدم الأراضي الزراعية في العالم التي يعود تاريخها إلى 10,000 عام خلت. وتعد الزراعة أول مكوِّنات البنية الاقتصادية للعالم العربي. وتساهم الحبوب مثل القمح والشعير والذرة… إلخ بنسبة تقدر بنحو 65% من مجموع ما يأكله السكان. وعلى الرغم من أن مساحة الرقعة المزروعة قمحًا فيه تعادل نحو 3,5% من المساحة المزروعة قمحًا في العالم، إلا أنه لا ينتج سوى 2% من الإنتاج العالمي. ولا يكفي إنتاج العالم العربي حاجة سكانه، لذا تلجأ الأقطار العربية إلى استيراد أكثر من نصف حاجتها من القمح من البلدان الأخرى.
أما الإنتاج الحيواني فهو أكثر تخلفًا من الإنتاج الزراعي. ومعدل إنتاج اللحوم في العالم العربي منخفض، ويعود السبب في ذلك إلى عدد من العوامل أهمها سوء رعاية الحيوانات وتربيتها وتغذيتها. وقد أدت الزيادة في دخل الأفراد، وزيادة الوعي إلى تزايد الطلب على المنتجات الزراعية ذات الأصل الحيواني كاللحوم والألبان والبيض. ولم تقابل هذه الزيادة في الطلب زيادة في الإنتاج مما ألجأ الأقطار العربية إلى سد الفجوة بالاعتماد على استيراد حاجتها من الخارج، إلا أن بعض الأقطار استطاعت أن تسد حاجتها من بعض الغلال.
الجزيرة العربية. تشير بعض التقديرات إلى أن 5% من مساحة المملكة العربية السعودية صالحة للزراعة، إلا أن مساحة الرقعة المزروعة حاليًا لا تتجاوز 3%، ويتركز ذلك في الواحات حيث يمكن استغلال المياه الجوفية فيها. وقد بلغت نسبة الأراضي المستصلحة للزراعة عام 1985م 2,300,000هكتار. وبلغ إنتاجها من القمح 2,5 مليون طن عام 1989م. ويبلغ متوسط ما تنتجه من التمور نحو 500,000طن سنويًا، وتصدر الفائض منها إلى الخارج.
أما من حيث الثروة الحيوانية فبالمملكة ما يبلغ 5,500,000 رأس من الضأن والبقر والجمال. وقد تحقق الاكتفاء الذاتي من البيض عام 1985م، ويصدر ما يفيض. أما الدجاج اللاحم فيغطي الإنتاج المحلي أكثر من 60% من حاجة البلاد.
أما في الكويت والبحرين فالزراعة محدودة جدًا فيهما لندرة المياه العذبة. ولا يزيد متوسط المطر فيهما على 80ملم في السنة ويتركز معظمه في فصل الشتاء، وهذا من أسباب فقرها في الحياة النباتية. وتهب الزوابع الرعدية السرايات في أواخر الربيع وأوائل الصيف في الكويت ورياح الأربعين في البحرين. كذلك نجد أن الزراعة في كل من قطر والإمارات وعمان ليست ذات شأن كبير، فنجد قليلاً ممن يربون الماشية ولاسيما الإبل يعملون بالزراعة قرب آبار المياه العذبة والواحات. وتقوم الموارد الاقتصادية التقليدية في عمان على الزراعة التي يمارسها السكان في الواحات. وأهم محاصيلهم التمور، والخضراوات، كما يجمعون البخور وجوز الهند من أشجار النارجيل من ساحل إقليم ظفار.
وفي اليمن، يشتغل معظم السكان بالزراعة في الأودية، وهي زراعة تقليدية، كما يقومون برعي بعض قطعان الماعز والضأن على سفوح الجبال. وأهم المحصولات الزراعية البن والذرة والقمح والفواكه والخضراوات والقطن والتمور والصبر والبخور والسمسم.
العراق والشام. لا يصلح من مساحة العراق للزراعة إلا سدس أراضيها فقط. وعلى الرغم من ذلك، لا تزيد الإنتاجية على نصف ما يمكن أن تكون عليه؛ ويعود ذلك إلى نظام ملكية الأراضي واتباع الطرق التقليدية في الزراعة، بالإضافة إلى الملوحة التي تصيب الأراضي التي يمر بها نهرا دجلة والفرات. وأهم المحصولات الزراعية في العراق الحبوب كالقمح، والذرة، والأرز، والشعير، كما تزرع الخضراوات والبقول بكثرة. ويأتي على رأسها الحمص والعدس والفاصوليا، كما يزرع القطن وقصب السكر. وأهم محاصيل العراق التصديرية التمور، والعراق على رأس دول العالم في زراعة النخيل. وتربى الأغنام والماعز والأبقار بكثرة، كما يكثر الجاموس في الأهوار الجنوبية.
وفي سوريا، تمثل الزراعة نشاطًا اقتصاديًا مهمًا، ويعمل فيها ثلث السكان تقريبًا، إلا أن الأراضي المزروعة لا تغطي سوى سدس مساحة البلاد تقريبًا. وتعد الحبوب أهم المنتجات الزراعية تليها الفواكه والقطن. أما تربية الماشية فلم تعد تغطي حاجة البلاد من اللحوم والألبان. وما تزال أساليب تربية الماشية تقليدية عدا الأبقار التي يحظى المستورد منها بعناية كبيرة.
تعد الزراعة نشاطًا اقتصاديًا مهما في كل من لبنان والأردن وفلسطين. ففي لبنان، نجد أن من أهم المحاصيل الزراعية الحمضيات والفواكه والزيتون والفول السوداني. أما الأردن فيقوم الاقتصاد فيه أساسًا على الزراعة وتربية الماشية رغم المصاعب المناخية وقلة المياه وندرة الأراضي الصالحة للزراعة والتي لا تزيد مساحتها على عُشْر مساحة البلاد. وتتركز هذه المساحة في الضفة الشرقية لنهر الأردن وفي الواحات، ويعمل بها أكثر السكان، وأهم المحاصيل الحبوب، والبصل، والطماطم، والعدس، والفواكه، والتمور، والسمسم، والزيتون. أما في فلسطين فيساعد تنوع المناخ والتربة على زراعة محصولات عديدة كالليمون، والبرتقال واليوسفي، والعنب، والخضراوات، والقطن، وبنجر السكر، والتبغ، والقمح، والزيتون.
مصر والسودان. هما الدولتان العربيتان الوحيدتان اللتان تشكلان وادي النيل. ويعمل بالزراعة فيهما أكثر من 70% من السكان. ومن أهم المحصولات الزراعية في مصر القطن، ويبلغ إنتاجها 60% من مجموع الإنتاج العالمي من القطن طويل التيلة. يلي ذلك قصب السكر، وتُعد الزراعة الصناعية المهمة الثانية، ثم الحبوب والفول السوداني والبطاطا والبصل والطماطم والعدس.
أما السودان ففيه مساحات واسعة من الأراضي الخصبة الصالحة للزراعة على طول مجاري الأنهار من الجنوب حتى الشمال، خاصة حول منطقة النيل الأبيض وأرض الجزيرة الواقعة بين النيلين الأبيض والأزرق. وأهم المحصولات القطن ويمثل 60% من قيمة الصادرات، ويبلغ إنتاج السودان منه نحو 25% من الإنتاج العالمي من القطن الطويل التيلة، ثم الحبوب والفول السوداني والسمسم والذرة الرفيعة والذرة الشامية والتمور وقصب السكر. وبالسودان أكبر سوق للصمغ العربي في العالم في مدينة الأُبيِّض. وينتج السودان نحو 70% من الإنتاج العالمي منه؛ وهو بذلك أكبر دولة مصدرة له. ويعد السودان أكبر منطقة رعوية في الوطن العربي، وتنمو حشائش السافانا في مساحة واسعة من البلاد وفيها تربى قطعان الأبقار والأغنام والماعز والإبل. وبالسودان ثروة نباتية كبيرة في مناطق الغابات المدارية وشبه المدارية، وأهم أشجارها التِّيك والماهوجني.
المغرب العربي. حوالي 2% من مساحة ليبيا صالح للزراعة وتتركز في السهول الساحلية وعلى المرتفعات، ويعمل بها 25% من عدد السكان. وأهم المحصولات القمح والشعير والبطاطس والبصل والحمضيات والعنب والتمور والزيتون والفول السوداني.
أما في تونس فتؤلف الحاصلات الزراعية المورد الرئيسي فيها وأهم حاصلاتها الحبوب والعنب والتمور والبطاطس والزيتون والحمضيات. أما أهم محصولات الجزائر فتتمثل في الحبوب والفواكه والزيتون والقطن والتبغ والحمضيات والتمور. ويعمل في الزراعة في المغرب نحو 70% من عدد السكان، وأهم المحاصيل الحمضيات والفواكه والحبوب والبطاطس والتمور والزيتون والقطن والكتان والفول. والمغرب به ثروة حيوانية كبيرة تتمثل في الأبقار والأغنام والخيول والإبل. أما موريتانيا فيعتمد اقتصادها على الزراعة وتربية الماشية في المقام الأول. وأهم المحاصيل فيها الذرة والشعير وقصب السكر والقطن، كما ينتج بها الصمغ العربي. وتأتي موريتانيا بعد السودان في تصدير الصمغ العربي ثم التمور والحبوب. وهي غنية بالماشية وتربى فيها الإبل والأغنام.
الصومال وجيبوتي. يشتغل نحو 80% من سكان الصومال بالزراعة والرعي وتربى فيها الإبل والبقر والضأن. وأهم المحاصيل الزراعية في الصومال الموز والحبوب كالذرة الرفيعة التي تشغل أكثر من 90% من المساحة المزروعة، وقصب السكر والقطن والفول السوداني والسمسم. وتنمو أشجار اللبان في الصومال، وتعد من أولى دول العالم في إنتاجه، كما تنمو أشجار السنط التي يجمع منها الصمغ العربي، وبعض أنواع أشجار النخيل. أما جيبوتي فلا تكاد توجد فيها زراعة تذكر، ويعتمد نشاط السكان على الرعي وهي الحرفة الرئيسية. وأهم الحيوانات فيها الإبل والأغنام.
إفريقيا. تغطي الصحراء والغابات الاستوائية معظم القارة الإفريقية وتستخدم فقط ثلث مساحة الأرض للزراعة، ويعمل حوالي 65% من القوى العاملة في مجال الزراعة. وتعتبر الزراعة الإعاشية الأسلوب الأكثر استخدامًا في إفريقيا كما هو الحال في أمريكا اللاتينية وآسيا. والمحاصيل الرئيسية هي المنيهوت (الكاسافا)، والذرة الشامية، والذرة الرفيعة، والبطاطا الحلوة واليام.
وتتركز الزراعة التجارية في إفريقيا في أماكن محددة ومبعثرة. فعلى سيبل المثال، تنتج المزارع المروية على ساحل البحر الأبيض المتوسط وعلى امتداد حوض النيل محاصيل القطن، والتمور، والعنب، والزيتون، والقمح. أما المزارع الاستوائية الكبيرة والصغيرة فتنتج حبوب الكاكاو، والبن، وزيت النخيل، والفول السوداني والسيزال . وتعتبر جنوب إفريقيا من أغنى أقطار القارة الإفريقية. فهي بخلاف الدول الإفريقية الأخرى، تمتلك أراضي خصبة واسعة ومناخًا يناسب الزراعة الواسعة. وتمتلك جنوب إفريقيا عددًا كبيرًا من الماشية وبها صناعات مهمة للفاكهة وصناعة الأسماك. ومن أهم صادراتها الصوف، والذرة الشامية، والسكر، وفراء حيوان القركول. وقد ارتفعت قيمة عائدات الزراعة عام 1988م إلى 65% إذ بلغت حوالي 1,3 بليون دولار أمريكي. ونتج ذلك الدخل أساسًا عن طريق تصدير الحبوب.
آسيا. يستخدم حوالي 45% من الأراضي في قارة آسيا للزراعة بخلاف الاتحاد السوفييتي(سابقًا). وتتباين الأراضي الزراعية تباينا كبيرًا في قارة آسيا، فهي تمتد من الهضاب المرتفعة الجافة في شرقي تركيا إلى الأراضي المنخفضة والحارة في إندونيسيا وماليزيا. وتحتوي هذه القارة على 100 مليون مزرعة أغلبها مزارع الماشية. وتبلغ مساحة كل واحدة منها في معظم الأحيان أقل من 0,4 هكتار. ورغم ذلك، فإن قارة آسيا تمتلك مزارع تجارية تدار بأسلوب علمي يضاهي مزارع غرب أوروبا وأستراليا وأمريكا الشمالية. وتمتلك الدولة معظم المزارع في الدول الشيوعية في آسيا. وفي الأقطار الأخرى، فإن القطاع الخاص يمتلك غالبية المزارع. وفي الماضي، كانت غالبية المزارع الخاصة في العديد من دول آسيا تدار بوساطة العمالة الزراعية الصغيرة المؤجرة. وقد كانت قيمة الإيجار عالية مما اضطر الكثير من المزارعين إلى هجر الأراضي. وبحلول أواسط القرن العشرين، استطاع برنامج الإصلاح الزراعي في دول مثل الهند والباكستان أن يساعد الكثير من المزارعين المؤجرين على امتلاك هذه الأراضي.
وتشكل العمالة الزراعية حوالي 60% من مجموع القوى العاملة في قارة آسيا. ويقوم المزارعون في المزارع الإعاشية بزراعة محاصيل مثل المنيهوت (الكاسافا) والأرز والبطاطا الحلوة والقمح واليام. كما يربون الماشية عادة مثل الماعز، والخنازير والأغنام والدجاج. وتمارس الزراعة التجارية في بعض الدول الصناعية مثل اليابان والصين وماليزيا. وتعتبر الصين من أكثر الدول إنتاجًا لمحصول الأرز حيث تلي الولايات المتحدة لتحتل المرتبة الثانية عالميًا في إنتاج الذرة الشامية. أما ماليزيا فتنتج ثلث إنتاج العالم من المطاط وكذلك تحتل دورًا رئيسيًا في إنتاج زيت النخيل. وتمثل الشريحة السكانية التي تمارس الزراعة نسبة حوالي 30% من سكان ماليزيا وتشارك بما يعادل 21,4% من الناتج الوطني الإجمالي. وتعتبر الفلبين أكبر منتج لجوز الهند ومشتقاته على مستوى العالم. فقد شكَّل هذا المحصول في عام 1987م حوالي 10% من جملة الصادرات الكلية للفلبين. وكذلك تم أيضًا تصدير أسماك طازجة بما يعادل 143 مليون دولار أمريكي. وفي الهند، تمثل العمالة الزراعية حوالي 65% من إجمالي القوى العاملة. وقد ساهمت الزراعة بحوالي 29% من الناتج الوطني الإجمالي في عام (1987 - 1988م). ومعظم الأراضي الزراعية في الهند تزرع بمحاصيل الحبوب بالإضافة إلى وجود العديد من المزارع الكبيرة التي تقوم بإنتاج الشاي والمطاط والبن. كما تزرع أيضًا محاصيل أخرى نقدية مثل القطن والجوت وقصب السكر والبذور الزيتية والتبغ وغيرها. وقد أدى تحسين وسائل الري وإدخال الأصناف الأكثر إنتاجًا والمقاومة للأمراض لمحصولي الأرز والقمح إلى إنتاج وفير أصبح معه هناك فائض في هذه السلع مما أدى إلى تصدير هذه المحاصيل.
أستراليا ونيوزيلندا. يساهم المزارعون الأستراليون بحوالي 5% من قيمة جميع السلع والخدمات المنتجة في البلاد.
أما المزارعون النيوزيلنديون فيساهمون بحوالي 6,7% من الناتج الوطني الاجمالي. ويعمل حوالي 5% من مجموع السكان في أستراليا و9% من سكان نيوزيلندا في الزراعة. وتشغل المزارع حوالي 65% من المساحة الكلية لأستراليا وحوالي 60% بالنسبة لنيوزيلندا. وفي كلا البلدين، فإن أكثر من 90% من مساحة الأراضي الزراعية تشغلها مراعٍ مزروعة أو مراعٍ طبيعية شبه جافة وتستخدم أساسًا في تربية وإنتاج الأبقار والأغنام. وتعتبر أستراليا الدولة الرئيسية في العالم في إنتاج الصوف كما أنها من أهم الدول المنتجة للحوم الأبقار والأغنام ومنتجات الألبان.
أستراليا. يتكون الجزء الشمالي الاستوائي لأستراليا من إقليمين هما الإقليم الشمالي الشرقي وإقليم وسط كوينزلاند. وعلى امتداد الساحل الشمالي الشرقي لإقليم كوينزلاند يقوم المزارعون بزراعة قصب السكر ويربي بعضهم الآخر الأبقار لإنتاج اللحوم ، وبعضهم يزرعون الفواكه الاستوائية مثل الأناناس. وفي وسط كوينزلاند، يربي بعض المزارعين الأغنام. وتهطل الأمطار فقط في الأجزاء الشرقية، والجنوبية الشرقية والجنوبية الغربية بصورة تكفي لزراعة محاصيل المراعي عالية الإنتاج. وفي المناطق الساحلية حيث التربة المناسبة، أزيلت الغابات وحلت محلها المراعي مثل البرسيم وحشيشة الجاودار المعمرة وعشب الباسبالم، وعادة ما تستخدم هذه المراعي لتغذية أبقار الحليب. كما تتم زراعة الخضراوات والتفاح وبعض الفواكه الأخرى في بعض أجزاء من المناطق الساحلية.وعلى هضبة وسهول السلاسل القاطعة العظمى، داخل الأراضي البعيدة عن الساحل، تنتشر مراعي الجاودار المعمر والبرسيم الأبيض والبرسيم التحت أرضي لترعى عليها أبقار اللحوم وأغنام التسمين. وتستخدم سهول المنحدرات الغربية للسلاسل القاطعة العظمى والسهول الغربية ومرتفعات مالي الرملية لإنتاج محصول القمح، حيث يستخدم محصول القمح في دورة مع مراعي البرسيم التحت أرضي. وهذه الأقاليم تستخدم لرعي نصف أغنام أستراليا تقريبًا.
وترعى الأغنام وبعض الأبقار داخل أراضي قارة أستراليا النباتات المحلية. وتعتبر صحراء سمبسون المكان الوحيد غير الصالح للرعي.
ولقد أنشأت الحكومة الأسترالية خزانات المياه على حوض نهر موري دارلنج لتخزين المياه من أجل الري. وتستخدم هذه المياه في ري محصول القطن في شمالي نيو ساوث ويلز وكوينزلاند. وفي جنوبي نيو ساوث ويلز وفكتوريا، تنمو محاصيل الأرز المروي والقمح وكميات محددة من العنب، والحمضيات والفاكهة ذات النواة الحجرية.
وتستخدم أكثر من نصف مساحة أستراليا المروية لتربية ماشية اللبن ، وإنتاج أغنام وأبقار التسمين. ويعتبر معظم المزارعين في أستراليا مزارعين تجاريين حيث يبيعون محصولهم كمحاصيل نقدية ذات عائد مادي جيد. ولذلك ينتجون محاصيلهم ويحتفظون بحيواناتهم التي تعود عليهم بأكبر عائد من الأرباح.
وتشغل المزارع في أستراليا مساحات شاسعة تفوق تلك المتعارف عليها عالميا، فقد تمتد بعض مزارع الأبقار في المناطق الجافة لتشمل مساحة تقارب الألف كليومتر مربع، وهنا يصبح من الصعوبة إدارة مثل هذا النوع من المزارع.
نيوزيلندا. يعتبر المناخ في الجزر النيوزيلندية مناسبًا للزراعة بصورة جيدة. ففي الجزيرة الشمالية، تنمو المراعي طول العام، وفي الجزيرة الجنوبية، يشكل فصل الشتاء عائقًا لنمو واستمرار المراعي. وتغطي معظم مناطق نيوزيلندا وخاصة في الجزر الجنوبية جبال تحد من النشاط الزراعي ومع ذلك يقوم مربو الأغنام برعي أغنامهم على سطوح الجبال ماعدا الأماكن المنحدرة . وتقع معظم مزارع إنتاج الحليب في السهول المنخفضة ذات المراعي الممتازة مثل المقاطعة الغربية للجزيرة الشمالية. أما في المناطق المنخفضة ذات المراعي الفقيرة فيربي المزارعون الأغنام والأبقار لإنتاج اللحم.
ويعتبر معظم المزارعين النيوزيلنديين مزارعين تجاريين مثلهم مثل زملائهم الأستراليين وتماثل مساحات مزارعهم مزارع أستراليا.
أوروبا. تشغل الأراضي الزراعية حوالي 50% من مساحة أوروبا ماعدا روسيا. ومعظم هذه الأراضي منبسطة وتسقط عليها أمطار وفيرة. ونتيجة لذلك، فإن حوالي 60% من الأراضي الصالحة للزراعة تستخدم في زراعة المحاصيل.
أما الأراضي في روسيا خاصة الجزء الآسيوي منه فإن معظمها إما جاف جدًا وإما أن فصل النمو قصير جدًا وغير ملائم للزراعة. وإضافة إلى ذلك، فإن حوالي 60% فقط من الأراضي الزراعية في روسيا تناسب فقط رعي الأبقار. ولأن روسيا بلد كبير وشاسع ـ أكبر أقطار العالم ـ فإنه يمتلك أراضي لزراعة المحاصيل أكبر من أي دولة أخرى. وتقع معظم هذه الأراضي في القارة الأوروبية.
ويستخدم المزارعون أحدث الأساليب والآلات الزراعية، لكن الزراعة في أوروبا تختلف من قطر لآخر خاصة بين دول غرب أوروبا ودول شرق أوروبا.
أوروبا الغربية. تمتلك أوروبا الغربية 4% فقط من الأرض الزراعية على المستوى العالمي. وعلى الرغم من ذلك فإن بها إنتاجًا زراعيًا ذا مستوى عال يضاهي إنتاج أي منطقة من مناطق العالم. وينتج المزارعون في أوروبا الغربية حوالي 15% من إنتاج العالم من البطاطس، والقمح، وحوالي 20% من إنتاج البيض و30% من إنتاج بنجر السكر والحليب، وحوالي 35% من إنتاج الشعير. ويبلغ عدد العاملين في قطاع الزراعة حوالي 7% من القوة العاملة.
وتعتبر الزراعة في أوروبا الغربية زراعة مكثفة جدًا. فمثلا، يزرع القمح في مزارع صغيرة ويضيف المزارعون كميات كبيرة من السماد إلى الأرض. ونتيجة للعمليات المكثفة، فإنه يزيد على إنتاج القمح في الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 40%.
تعتبر المزارع في أوروبا الغربية أكثر كثافة وصغرًا وتنوّعًا من تلك التي توجد في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا. وتغطي المزرعة النموذجية مساحة تتراوح بين 14 و16 هكتارًا وتنتج الفصفصة، والشعير، والبطاطس، وبنجر السكر، والقمح وكذلك أنواعًا مختلفة من المواشي مثل الأبقار والخنازير. والمزارع المتخصصة تنتج كميات كبيرة من الحمضيات، والعنب، والحليب، والزيتون، والدواجن، والخضراوات. ومعظم المزارع في أوروبا الغربية مملوكة للقطاع الخاص.
تقوم الحكومات الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بتطبيق السياسة الزراعية العامة كاب (CAP). وتتضمن هذه السياسة تطبيق الحد الأدنى من الأسعار لمعظم الإنتاج الزراعي. وعند ذلك، تقوم المجموعة بشراء وتخزين الإنتاج الزائد لتتحكم في الأسعار لتكون عند الحد الأدنى للسعر أو أعلى منه. وللمجموعة الأوروبية والحكومات الوطنية بعض المشاريع التي تساعد المُزارع على زيادة دخله وفعاليته.
المملكة المتحدة. يبلغ عدد العاملين في مجال الزراعة في المملكة المتحدة حوالي 700,000 شخص أي أقل قليلاً من 3% من القوة العاملة. وينتج هؤلاء الغذاء للسوق المحلي بما يعادل ثلثي ما تحتاج إليه المملكة المتحدة من الغذاء الأساسي. ويستخدم المزارعون 80% من جملة الأرض. وتستخدم المزارع في المملكة المتحدة الآلات ويمارس المزارعون نظام الزراعة المختلطة.
وتنتج الأبقار الموجودة في المملكة المتحدة جميع احتياجات السكان من الحليب مع توفر كميات كافية لصناعة القشدة والزبدة والجبن. كما أن ثلاثة أرباع استهلاك المملكة المتحدة من اللحوم يأتي من الأبقار المحلية. وتوفر الأغنام معظم السوق المحلي من لحوم الضأن. ويصدّر تقريبًا نصف إنتاج الصوف. وتربى الخنازير في جنوبي إنجلترا وشمالي أيرلندا، وهي تكفي حاجة الاستهلاك. وتنتج المملكة المتحدة جميع احتياجاتها تقريبًا من الدواجن والبيض.
وترتب المحاصيل الزراعية الرئيسية حسب أهميتها كالتالي: المحاصيل الرعوية والشعير والقمح والشوفان والبطاطس وبنجر السكر والفواكه والخضراوات. ويزرع القمح أساسًا في النصف الشرقي من إنجلترا، ويستخدم نصفه لإنتاج الدقيق والنصف الآخر يقدم علفًا للماشية.
ويقوم المزارعون بزراعة أصناف من القمح الطري الذي يُطْحن لإنتاج دقيق يستخدم في صناعة البسكويت والكيك. ومن أهم المحاصيل الأخرى البطاطس وبنجر السكر. ويغطي محصول البنجر نصف احتياجات المملكة المتحدة من السكر. وتزرع الخضراوات والفواكه في معظم المناطق وخاصة في منطقتي كِنت وإيفشام.
وتوجد أسواق للجملة في جميع أنحاء المدن الكبرى لتسويق الخضراوات والفواكه واللحوم، وهذه الأسواق التقليدية لازالت قائمة. وأنشأت الدولة مجالس للإشراف على تسويق الجنجل واللحوم والحليب والبطاطس والصوف.
أيرلندا. يقدر عدد العاملين في المزارع بجمهورية أيرلندا بحوالي 160,000 شخص، ويمثل هذا الرقم 16% من القوى العاملة. ويستخدم المزارعون حوالي 82% من الأرض للزراعة. ويصدر المزارعون الأيرلنديون الكثير من منتجاتهم الزراعية . وتمثل السلع الزراعية 20% من صادرات أيرلندا. وتقوم مجالس التموين بتنظيم عمليات التصدير وتسويق الشعير والقمح والحليب والبطاطس والخنازير وشحوم الخنازير.
أوروبا الشرقية. تعتبر بولندا ويوغوسلافيا (سابقًا) الدولتين الوحيدتين في شرقي أوروبا اللتين تؤول معظم ملكية المزارع فيهما إلى القطاع الخاص. أما في الدول الأخرى فإن الدولة كانت تمتلك معظم المزارع حيث إن أنواع المزارع الموجودة في هذه الدول إما مزارع دولة وإما مزارع جماعية. وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي إلى دول مستقلة عام 1991م، وصلت الأحزاب غير الشيوعية إلى سدة الحكم في هذه البلاد. وقد عملت الحكومات الجديدة على تمليك الأراضي الزراعية للمزارعين. وبحلول تسعينيات القرن العشرين آلت أكثر من 80% من المزارع للمزارعين الأفراد.
ويمثل العاملون في المزارع في شرقي أوروبا نسبة 20% من القوى العاملة. وتتباين هذه النسبة بين الأقطار المختلفة بدرجة كبيرة حيث تتراوح مابين 10% في تشيكوسلوفاكيا السابقة و50% في ألبانيا. وينتج المزارعون في شرقي أوروبا المنتجات الزراعية نفسها التي ينتجها المزارعون في غربي أوروبا، إلا أن بعض المزارع الجماعية أكبر مساحة من تلك التي توجد في أوروبا الغربية، وبالتالي فإن الزراعة في تلك المناطق تعتبر أكثر اتساعًا.
أمريكا اللاتينية. تبلغ مساحة الأراضي الزراعية في أمريكا اللاتينية أقل من 35% من مساحة الأراضي الكلية. ومعظم المناطق الزراعية تعتبر من المناطق الاستوائية. لذلك فإن هذه المناطق بسبب ظروف المناخ والتربة لاتتلاءم مع نمو العديد من محاصيل المناطق الباردة.
وتوجد أكبر وأخصب الأراضي في أمريكا اللاتينية في الأرجنتين وباراجواي وأروجواي وجنوبي البرازيل. ويمثل عدد العاملين في مجال الزراعة في أمريكا اللاتينية نسبة حوالي 28% من القوى العاملة، ومعظمهم يمارسون الزراعة الإعاشية، حيث يقومون بإنتاج محاصيل مثل المنيهوت (الكاسافا)، والذرة الشامية والفاصوليا الجافة والبطاطس. علمًا بأن الزراعة التجارية تمثل جانبًا مهمًا من الإنتاج الزراعي لأمريكا اللاتينية أيضًا. وتمتلك العائلات الغنية معظم هذه المزارع وتستخدم العمال والمؤجَّرين من المزارعين لتوفير اليد العاملة. ولكن منذ الخمسينيات من القرن العشرين الميلادي أدخلت معظم دول أمريكا اللاتينية برامج الإصلاح الزراعي الذي نتج عنه تقسيم هذه المزارع الكبيرة إلى وحدات أصغر وتم توزيعها على فقراء المزارعين.
تنتج المزارع الكبيرة في أمريكا اللاتينية معظم ما توفره المزارع التجارية من الموز والبن وثلث حبوب الكاكاو وأكثر من ربع قصب السكر. وتنتج المزارع الكبيرة في الأرجنتين والبرازيل كميات كبيرة من الغذاء والمنتجات الزراعية الأخرى، وكلاهما من أهم الأقطار في العالم لإنتاج اللحوم. وتعتبر البرازيل من أهم الدول المنتجة للذرة الشامية وفول الصويا، بينما تعتبر الأرجنتين من أهم الدول الرئيسية لإنتاج الصوف.
أمريكا الشمالية. تصنف الزراعة في الولايات المتحدة الأمريكية على أنها من أهم الأنشطة حيث إن نصف الأرض مخصص للأغراض الزراعية. أما نسبة الأرض المخصصة للزراعة في كندا فهي أقل نسبيًا على الرغم من أن نسبة القوى العاملة المستخدمة في كلا القطرين متساوية تقريبًا. كندا. يزرع حوالي 66 مليون هكتار أي ما يعادل حوالي 7% من مساحة الأراضي الكندية. تقع معظم الأراضي الزراعية في كندا على الحدود المتاخمة للولايات المتحدة الأمريكية. ويبلغ عدد المزارع في كندا 318,000 مزرعة وتبلغ مساحة كل مزرعة في المتوسط 208 هكتار ويستخدم حوالي 60% من الأرض الكندية لزراعة المحاصيل.
ويوجد في كندا إقليمان زراعيان رئيسيان، يمتد الأكبر منهما من محافظات البراري ـ مانيتوبا، ساسكاتشوان وألبرتا ـ ويقع الإقليم الآخر في جنوب شرق كندا. وتنتج محافظات البراري معظم إنتاج كندا من القمح، واللفت والشعير، وتنتج هذه المحافظات أيضًا حوالي ثلثي المنتجات الزراعية الأخرى مثل لحوم الأبقار. وتنتج المزارع في الجنوب الشرقي منتجات اللبن، والبيض، والفاكهة، والذرة الشامية، والخضراوات ـ ويمثل عدد العاملين في القطاع الزراعي حوالي 4% فقط من القوى العاملة الكندية.
الولايات المتحدة الأمريكية. تغطي المزارع حوالي نصف مساحة الولايات المتحدة، وتبلغ هذه المساحة 405 مليون هكتار ويوجد في الولايات المتحدة الأمريكية حوالي 190 مليون هكتار من أراضي المحاصيل.
ويمثل عدد العاملين في الزراعة حوالي 3% فقط من جملة القوى العاملة، علمًا بأن الولايات المتحدة تنتج جزءًا كبيرًا من المنتجات الزراعية على مستوى العالم حيث تنتج حوالي 25% من إنتاج اللحوم و15% من إنتاج الحبوب، والحليب والبيض. والأسباب التي مكنت المزارعين الأمريكيين من إنتاج هذه الكميات الكبيرة هي: 1- تمتلك الولايات المتحدة أراضي واسعة ذات تربة خصبة، والمناخ السائد في هذه الأرض مناسب للزراعة. 2- يستخدم المزارعون الأساليب العلمية الحديثة بالإضافة إلى الآلات الزراعية.
وتوجد بالولايات المتحدة حوالي 2,300,000 مزرعة، ويبلغ متوسط مساحة المزرعة حوالي 187 هكتارًا، ومعظم المزارع يملكها القطاع الخاص. وتمتلك الحكومة الفيدرالية أراضي واسعة للمراعي على جبال الروكي وفي سهول البراري، وتقوم الحكومة بإيجار هذه الأراضي لملاك القطعان الكبيرة من الماشية.
تطوّرت الزراعة بصورة مستقلة في شمال وجنوب شرقي آسيا في حوالي عام 7500 ق.م. وفي وسط المكسيك حوالي عام 7000 ق.م. وقد انتشرت بعد ذلك إلى أنحاء العالم الأخرى من هذه المناطق ومن منطقة الشرق الأوسط. ومن أجل معلومات تفصيلية عن بداية الزراعة، انظر: شعوب ما قبل التاريخ.
العصور القديمة. حينما استطاع الناس ممارسة الزراعة أصبحوا في غنى عن الترحال بحثًا عن الغذاء، لذلك أقاموا مساكنهم الدائمة. وهذا الاستقرار أصبح فيما بعد بداية الحضارة الأولى. الشرق الأوسط. نشأت الحضارات الأولى في منطقتين بالشرق الأوسط إحداهما على حوض نهر النيل في مصر، والثانية حضارة ما بين النهرين التي نشأت في المنطقة الواقعة بين نهري دجلة والفرات. وتمتاز هاتان المنطقتان بتربتهما الخصبة بينما تشح فيهما الأمطار الكافية لنمو المحاصيل. اكتشف المزارعون بعد ذلك أن بإمكانهم زراعة المحاصيل في معظم فصول السنة إذا استطاعوا ري هذه المحاصيل من مياه الأنهار. واستطاعت الحضارة المصرية وحضارة ما بين النهرين في حوالي عام 3000 ق.م. تطوير نظام ري متقدم، كما تم في ذلك الوقت اكتشاف المزارعين في هذه المناطق للمحراث الذي يقوده الثور، علمًا بأن المزارعين السابقين كانوا يجرون محاريثهم بأنفسهم. وكان هذا المحراث الذي يجره الثور أكثر كفاءة وسرعة في تجهيز الأرض للزراعة.
ولقد ساعدت مشروعات الري الكبيرة والمحراث الذي يجره الثور قدماء المزارعين المصريين ومزارعي حضارة ما بين النهرين على إنتاج غذاء أكثر من حاجة عوائلهم. وقد أدى توفر الغذاء إلى هجرة كثير من العاملين في الزراعة إلى المدن. وعند ذلك نشأت طبقات اجتماعية جديدة مثل عمال المباني، وأصحاب الحرف اليدوية والتجار، ورجال الدين. ومن هنا بدأ تحسين نظام الكتابة. وقد أدت هذه التطورات إلي نمو الحضارة. الإمبراطورية الرومانية. بدأت الإمبراطورية الرومانية دولة مكونة من مزارع صغيرة على أرض شبه الجزيرة الإيطالية قبل عام 500 ق.م. وفي عام 200 بعد الميلاد استطاعت روما غزو معظم أوروبا والشرق الأوسط وجميع سواحل البحر الأبيض المتوسط الإفريقية. ومع نمو روما نمت رقعة الأرض الزراعية لدى الإمبراطورية وصارت أكثر تخصصًا حيث إن معظم المزارع الكبيرة تخصصت في زراعة القمح.
وأدخل الرومانيون إلى أوروبا التقنيات الزراعية المتقدمة الممارسة في مصر مثل المحاريث التي تجرها الثيران ونظم الري. كما طور الرومانيون طرقًا زراعية جديدة تختص بهم. فعلى سبيل المثال، بدأوا يمارسون نظام ترك نصف الحقل غير مزروع كل عام. وبهذه الطريقة، تستطيع التربة غير المزروعة تخزين كميات من العناصر الغذائية والرطوبة للمحاصيل في العام القادم. وطور الرومانيون أيضًا نظمًا مختلفة للدورة الزراعية، وفي إحدى هذه الدورات، أدخلوا البقوليات كمحاصيل ضمن الدورة الزراعية. ومن المعروف أن البقوليات تزيد من عنصر النيتروجين في التربة وهو أحد العناصر الغذائية التي تحتاجها جميع المحاصيل كي تنمو. واستطاع الرومانيون عن طريق استخدام نظام المدرجات في الزراعة، زراعة سواحل البحر الأبيض المتوسط المنحدرة في مختلف أجزاء الإمبراطورية الرومانية حيث زُرعت ببعض أشجار الفاكهة مثل العنب والزيتون. واستطاع المهندسون الرومان أيضًا بناء قنوات الري الطويلة ومخازن تخزين الحبوب.
وبدأ نظام الانتخاب للأصناف النباتية أو للسلالات الحيوانية في أوروبا في عهد الإمبراطورية الرومانية. فعلى سبيل المثال، أنتج المزارعون في الجزء الذي يعرف الآن بهولندا أول نسل من الأبقار متخصص في إنتاج الحليب وهو سلالة الهولستين في حوالي عام 100 ق.م.
العصور الوسطى. اكتسحت القبائل البربرية الجزء الغربي من الإمبراطورية الرومانية عام 400م. وبنهاية القرن الخامس الميلادي، سقطت كل الإمبراطورية في يد الغزاة معلنة بداية 1000 عام من الحقبة الزمنية التي تعرف بالعصور الوسطى. وقد أدى الغزو البربري إلى إشعال نيران الحروب الأهلية في جميع مناطق أوروبا. وأدت هذه الحروب إلى انهيار النظام الاقتصادي لأوروبا، بما في ذلك استخدام النقود. وظهر بعد ذلك نظام اقتصادي جديد لأوروبا عرف بالإقطاع الأوروبي في كثير من المناطق. وطبقًا لهذا النظام فإن المزارع أصبحت جزءًا من عقارات كبيرة تسمى المانرز. والمانـرز أصبح يتحكم فيها أصحـاب الأرض الأغنيــاء وتتم فلاحتها بوساطة المزارعين. ويمد المزارعون مالك الأرض بالسلع والخدمات مقابل استغلال الأرض. ولا يمكن للمزارعين، وفقًا لهـذا النظــام، أن يُحرموا من زراعــة أرضهم مادامـوا ملتزمين بمد صاحب الأرض بالسلع والخدمات، ولكن ليس من حقهم امتلاك الأرض. انظر: االإقطاع الأوروبي.
اكتشف المزارعون الأوروبيون نظام الدورة الثلاثية لزراعة المحاصيل في أثناء العصور الوسطى. وحل هذا النظام مكان نظام دورة المحاصيل الروماني القائم على الدورة الثنائية للمحاصيل. ووفقًا لهذا النظام، فإن الأرض تقسم إلى ثلاثة حقول بدلاً من اثنين، ويقوم المزارعون بزراعة حقلين ويتركون الحقل الثالث بلا زراعة، وبذلك يمكن زراعة ثلثي الأرض بدلا من نصفها.
وقد أدخل إلى أوروبا في القرن العاشر الميلادي نوع مهم من نظام التسخير (استخدام الحيوانات)، هو استخدام الحصان بدلاً من الثور، وبالتالي زادت كفاءة الحرث لأن الحصان أكثر سرعة من الثور بثلاثة أو أربعة أضعاف. وبصورة تدريجية، حلت الخيول محل الثيران كأحد المصادر الأساسية للطاقة في المزارع الأوروبية.
استمر المزارعون الأوروبيون في اختيار السلالات الحيوانية والنباتية الجيدة خلال فترة العصور الوسطى. وفي أثناء ذلك اختيرت سلالات متخصصة من الماشية مثل أبقار الحليب التي تعطي حليبًا بكميات وافرة في شمال غربي أوروبا نحو عام 1100م. وسمي هذا النسل من الأبقار باسم جيرنسي وهو مازال من أهم مصادر الحليب لإنتاج الزبدة .
بدأ نظام الإقطاع الأوروبي في الاضمحلال في أوروبا الغربية خلال القرن الثالث عشر الميلادي نتيجة لعودة النقود للتداول كوسيلة لتبادل السلع والخدمات. ونتيجة لذلك، أصبح كثير من المزارعين يعملون بأجر ويدفعون إيجار أراضيهم. وحتى القرنين السابع عشر والثامن عشر لم يستطع المزارعون امتلاك الأرض في معظم الدول الأوروبية.
الزراعة في المستعمرات. أدت الرحلات الاستكشافية الأوروبية التي بدأت في القرن الخامس عشر الميلادي إلى التأثير على الزراعة بصورة كبيرة في شتى أنحاء العالم. فالمحاصيل والأبقار التي تم تطويرها في مناطق معزولة أصبحت منتشرة ومعروفة عندما بدأت هذه الرحلات. فنبات البطاطس مثلاً لم يكن معروفًا لدى الأوروبيين إلا بعد أن أتى به المكتشفون الأسبان من بيرو في القرن السادس عشر الميلادي.
وعندما حط المكتشفون الأوروبيون الرحال على الأرض الأمريكية، كان الهنود الأمريكيون قد سبقوهم في تطوير نظام زراعي متقدم. ففي كثير من أجزاء أمريكا، كان المزارعون الهنود يزرعون حبوب الكاكاو والذرة الشامية والفول السوداني، والفلفل، والمطاط، والدباء، والبطاطا الحلوة والتبغ، والطماطم. عرف الأوروبيون لأول مرة هذه المحاصيل من الهنود كما تعلموا كيفية زراعتها منهم. وفي المقابل، جلب الأوروبيون بذور محاصيلهم، وماشيتهم وآلاتهم الزراعية وطرق زراعتهم عندما استقروا في هذه المناطق.
ومع بداية القرن السابع عشر الميلادي، استطاعت إنجلترا وفرنسا وهولندا والبرتغال وأسبانيا تكوين مستعمراتها في جميع أنحاء القارة الأمريكية. ففي المناطق الاستوائية، أسس المستعمرون المزارع الكبيرة المتخصصة في زراعة محاصيل حبوب الكاكاو، والبن ، والسكر للتصدير. وتم توفير العمالة عن طريق تجارة الرقيق من إفريقيا أو عن طريق تسخير الهنود المستوطنين بأجور زهيدة.
وقد أقام الأوروبيون نظام مزارع الأسرة في معظم أنحاء المستعمرات التابعة لإنجلترا. وكان لكل أسرة أرضها لإنتاج الغذاء والمستلزمات الأخرى الخاصة بها. كما زاد الاهتمام بالمزارع الكبيرة في مستعمرات إنجلترا الجنوبية في الماريلاند وفرجينيا، وشمال وجنوب كارولينا وجورجيا. وعند أواسط القرن الثامن عشر الميلادي، كانت المزارع الكبيرة تنتج الأرز وقصب السكر والتبغ ونبات النيلة الذي يُستخدم لاستخراج الصبغات. وعندما أصبح القطن من المحاصيل الزراعية المهمة في المزارع الكبيرة في القرن التاسع عشر الميلادي جلب المستعمرون أعدادًا كبيرة من الأفارقة للعمل رقيقًا في هذه المزارع.
وقد تطورت الزراعة بسرعة أقل كثيرًا في المستعمرات الفرنسية فيما يسمى الآن شرقي كندا. فالفرنسيون الذين استعمروا شرق كندا منذ أواخر القرن السادس عشر الميلادي وحتى عام 1763م لم يبذلوا مجهودًا يذكر لتطوير وتشجيع الزراعة. فقد امتلكت الطبقات الغنية من النبلاء والتجار الذين يطلق عليهم اسم السجنورز معظم الأراضي. ولم يستطع المقيمون الأوروبيون امتلاك الأرض، لكن كان بوسعهم استئجار أرض صغيرة من السجنورز. وفي منتصف القرن السابع عشر، بدأ بعض المقيمين الفرنسيين ممارسة الزراعة المعيشية على أرض مؤجرة على امتداد نهر سان لورانس في مقاطعة كويبك. وقد بقيت هذه المزارع والمزارع المشابهة لها في نوفاسكوتيا وجزيرة الأمير إدوارد، المزارع الوحيدة الموجودة في كندا إلى أن أعادت بريطانيا سيطرتها على البلاد عام 1763م. وبعد ذلك، قام المقيمون الأوروبيون بإزالة الغابات الكثيفة من مقاطعة أونتاريو للزراعة. وأسس الأوروبيون بعض المزارع الكبيرة، في أجزاء من آسيا خلال القرن السابع عشر الميلادي وما تلاه. لكن بخلاف هذه المزارع الكبيرة لم يقم المزارعون في آسيا باستخدام الأساليب الزراعية الحديثة السائدة عند الأوروبيين. وعلى العكس من ذلك، فإنهم استمروا يمارسون ويطورون الأساليب الزراعية التي كانت سائدة لديهم منذ مئات السنين. فعلى سبيل المثال، استمر مزارعو الأرز في تحسين وتطوير أساليب ري حقولهم. ونتيجة لذلك، فإن المناطق ذات الكثافة السكانية العالية مثل الصين والهند واليابان زادت من إنتاج الأرض في الفترة من القرن السابع عشر إلى القرن التاسع عشر الميلاديين. ومنذ القرن السابع عشر، بدأ أغنياء قارة آسيا في استخدام نظام تأجير أراضيهم الزراعية إلى المزارعين، واستمر هذا النظام حتى صدرت قوانين إعادة توزيع الأراضي الزراعية على صغار المزارعين في أواسط القرن العشرين. وقد أدى النظام السابق إلى جعل الكثير من المزارعين الآسيويين في مستوى حد الفقر.
الثورة الزراعية. حدثت في أوائـل القرن الثـامن عشر المـيلادي تغييرات مهمة في أسلـوب الزراعـة ممـا نتـج عنــه مايسمـى بالثورة الزراعية في بريطانيا. وجاءت هذه الثورة رد فعـل للاكتشافـات والاختراعــات التي ساعدت على زيـادة إنتاجيـة المــزارع عما كانت عليــه في السابــق. ومع منتصف القـرن التاسع عشر الميــلادي، انتشــرت الثــورة الزراعيـة لتعم معظم أوروبا وأمريكا الشمالية. وأدى قيـام هــذه الثورة إلى نمو المــدن بصورة كبيرة في أوروبــا وأمريكـا الشماليـة إذ أدى انخفـاض عــدد العاملين في مجال الزراعة إلى نزوح آلاف الأسر التي تعمل في الزراعة إلى المدن.
وهناك ثلاثة عوامل رئيسية أدت إلي نشوء الثورة الزراعية وهي: 1- تحسين طرق زراعة المحاصيل. 2- التقدم في تحسين طرق تربية الماشية 3- اختراع الآلات الزراعية.
تحسين طرق زراعة المحاصيل. بدأ السياسي الإنجليزي المتقاعد تشارلز تاونشيند، في بداية القرن الثامن عشر في إجراء تجارب على الدورة الزراعية للمحاصيل (تدوير المحاصيل). فقد توصل إلى أن اللفت يمكن زراعته كمحصول رابع في نظام الدورة الزراعية الرباعية. وتتكون المحاصيل الأخرى في الدورة من نوعين من الحبوب وخاصة أصناف القمح، وإحدى البقوليات مثل الفصفصة أو البرسيم.
وكل محصول من محاصيل الدورة الزراعية الرباعية إما أن يضيف عناصر غذائيـة للتربـة مثـل البقوليات أو يمتص كميـة ونوعيـة مختلفة من العناصر الغذائية عن الآخر مثـل القمـح والحبـوب الأخـرى. ولذلك فـإن المـزارع لا يقوم بترك أي جزء من الأرض بورًا (دون زراعة) كما هو الحال في الدورة الثنائية أو الثلاثية للمحاصيل.
ولم تعرف نتائج تجارب تاونشيند خلال فترة حياتـه عدا إطلاق لقب "اللفت" عليه. وفي نهايـة القـرن الثامن عشر، استطاع أحد النبلاء الإنجليـز ويــدعى توماس كــوك أن يزيد إنتاجه من المحاصيل بصورة كبيرة عن طريق استخدام نظام تاونشيند (الدورة الرباعية). وقد شجع كوك المزارعين الآخرين على استخدام نظام الدورة الرباعية للمحاصيل، ولذلك أصبح هذا النظام شائع الاستعمال في إنجلترا. ومكن هذا النظام المزارعين من زراعة أراضيهم بصورة فعالة في كل سنة، بحيث أصبحت الأرض تزرع بالكامل ولا يترك أي جزء منها بدون زراعة. وأدى هذا إلى زيادة إنتاجية الأرض من المحاصيل الزراعية. وقد عاش كل من تاونشيند وكوك في مقاطعة نورفوك في إنجلترا ولذلك أصبح نظام الدورة الرباعية للمحاصيل معروفًا باسم نظام نورفوك.
ولم يكن في استطاعة المزارعين، قبل معرفة وتطوير نظام الدورة الرباعية للمحاصيل، إنتاج علف كاف لماشيتهم في فصل الشتاء. وكان لزامًا عليهم ذبح معظم المواشي في فصل الخريف وحفظ لحومها عن طريق التمليح. لكن اكتشاف نظام الدورة الرباعية للمحاصيل ساعد المزارعين على إنتاج العلف الكافي لتغذية الماشية خاصة اللفت والبرسيم. ونتج عن ذلك مقدرة المزارعين على إنتاج لحوم طازجة طوال العام وليس فقط خلال أشهر معينة أي حينما تتوفر المراعي للماشية.
تحسين طرق استيلاد الماشية. استطاع المزارع الإنجليزي روبرت باكويل في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي معرفة كيفية تحسين الماشية عن طريق أساليب الاستيلاد المكثف للحيوانات ذات الصفات المرغوب فيها. واستطاع باكويل إنتاج سلالات محسنة من الأبقار، والخيول، والأغنام. وقد عُرف باكويل بتطويره لسلالة من الأغنام يمكن تربيتها لإنتاج اللحوم وأيضًا لإنتاج الصوف. فقد كانت السلالات القديمة من الأغنام مكلفة في تربيتها لإنتاج اللحوم حيث إن تسمينها كان بطيئًا. ولذلك فإن معظم الأغنام كانت تربى لإنتاج الصوف فقط. لكن سلالة الأغنام التي أنتجها باكويل والتي عرفت فيما بعد باسم ليستر يمكن تسمينها بسرعة، ولذلك يمكن تربيتها لذبحها بتكاليف مناسبة. وقد أدى انخفاض تكاليف تربية وإنتاج لحوم الضأن إلى زيادة الإقبال على استهلاكها في إنجلترا.
اختراع الآلات الزراعية الجديدة. يعتبر اختراع المزارع الإنجليزي جثرو تل أول وأهم اكتشاف للثورة الزراعية. عاش تول في نهاية القرن السابع عشر وأوائل الثامن عشر، لكن اكتشافه لم يستغل إلا في نهاية القرن الثامن عشر. وحينما بدأ تل حياته الزراعية، كان المزارعون يقومون بغرس البذور يدويًا أي عن طريق نثرها في الحقل. وحتى يصبح بالإمكان المحافظة على البذور وزيادة الإنتاج، حاول المكتشفون تركيب آلة تستطيع أن تحفر حفرة صغيرة في التربة يمكن وضع البذور فيها. واستطاع تل في حوالي 1700م اختراع هذه الآلة (البذارة)، والتي تعد الآلة الزراعية الأولى التي ضمت أجزاء متحركة.
ويعتبر اكتشاف محلاج القطن ذو الأسنان من أهم اختراعات الثورة الزراعية أيضًا، حيث اخترعه إلي ويتني في الولايات المتحدة عام 1793م. وكان المزارعون قبل اختراع آلة ويتني يزرعون القطن في مساحات صغيرة لصعوبة فصل الألياف عن البذور. واختراع محلاج القطن ساعد في تسهيل هذه المهمة مما أدى إلى زراعة القطن في مساحات كبيرة. وفي أوائل القرن التاسع عشر الميلادي استطاع محصول القطن أن يحل محل محصول التبغ من حيث الأهمية في الترتيب في الولايات الجنوبية بالولايات المتحدة الأمريكية.
وفي بداية القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر الميلاديين، بدأ المخترعون في العمل على تطوير آلات خاصة لحصاد ومعالجة الحبوب التي ينتجها المزارعون الأمريكيون بكميات كبيرة. ففي 1834م، سجل المخترع الأمريكي سايروس ماكورميك أول براءة اختراع لآلة حاصدة. وفي نفس العام سجل الأخوان الأمريكيان جون وهيرام بيتز براءة اختراع الآلة الدرَّاسة. وقد أصبحت هذه الآلة نموذجًا لمعظم الدرَّاسات. وفي أوائل القرن التاسع عشر، بدأ المخترعون العمل على تطوير آلة مزدوجة تقوم بعمليتي الحصاد والدراس معًا (حاصِدَة درّاسة)، لكن الحاصدة الدراسة لم تستخدم على نطاق واسع إلا في بداية القرن العشرين.
ويعتبر اختراع الحداد جون دير، من ولاية إلينوي الأمريكية للمحراث الفولاذي عام 1837م مساويًا في الأهمية لزيادة إنتاج الحبوب. فقد كان المحراث في السابق يصنع من بقايا الحديد والخشب التي بدورها لم تكن تستطيع تقليب التربة الثقيلة لأراضي وسط الغرب الأمريكي. فالتربة هناك غالبًا ما تلتصق بواجهة المحراث وتسد شق المحراث، مما يؤدي إلى صعوبة عملية الحرث. لكن استخدام المحراث الصلب (جون دير) أدى إلى سهولة إجراء عملية الحرث في مختلف أنواع الأراضي.
الزراعة في القرن العشرين. ساعدت العلوم والتقنية الحديثة المكتشفة منذ القرن التاسع عشر على زيادة الإنتاج الزراعي بدرجة كبيرة. فقد أنتج المزارع الأمريكي عام 1850م في المتوسط ما يكفي لسد حاجة خمسة أشخاص من القوت. أما الآن فإن كل مزارع يستطيع أن ينتج قوتًا يكفي لغذاء 78 شخصًا. ويتمثل دور العلوم والتقنية في الزيادة الهائلة في الإنتاج الزراعي في: 1- إمداد المزارعين بمصادر جديدة للقدرة 2- إنتاج أصناف وسلالات محسنة من النباتات والحيوانات 3- تطوير مواد كيميائية زراعية جديدة.
مصادر القدرة الجديدة. طُوّرت الجرارات الزراعية في منتصف القرن التاسع عشرالميلادي واستخدمها بعض المزارعين في أوروبا وأمريكا الشمالية. ولكنها كانت باهظة التكاليف وصعبة الاستخدام، لذلك استمر المزارعون في استخدام الخيول والبِغال كمصدر قدرة لتشغيل الآليات الزراعية. ولقد صنع أول جرار زراعي يعتمد على البترول كمصدر للقدرة في الولايات المتحدة عام 1890م، لكن هذا الجرار لم تكن لديه القوة الكافية لأداء معظم الأعمال الزراعية. وفي بداية القرن العشرين الميلادي، صمم المهندسون نماذج أقوى من الجرارات تستطيع أن تجر المحراث. وقد ظهر أول جرار يؤدي كل الأعمال الزراعية عام 1920م، حيث أصبح بالإمكان استخدام هذه الجرارات مع كل الآلات الزراعية ابتداء من آلة حصاد الحبوب إلى آلة جني القطن. وبالتدريج، حلت هذه الجرارات محل الحيوانات والجرارات البخارية في كل أنحاء الولايات المتحدة. ويوجد الآن حوالي 16,5 مليون جرار على نطاق العالم. استطاعت اليابان وكثير من الدول الأوروبية استخدام القدرة الكهربائية منذ منتصف عام 1930م، لكن انتشار القدرة الكهربائية في الريف الأمريكي كان بطيئًا حتى عام 1935م. وبعد ذلك، بدأت المساعدة لمد الخدمات الكهربائية عن طريق منح القروض ذات الفوائد المنخفضة لكهربة الريف.
ويستطيع المزارعون اليوم استخدام المحركات الكهربائية لتشغيل آلات الحلب، ومضخات الري، والآلات الزراعية الأخرى. ويستخدم المزارعون أيضًا الكهرباء لتشغيل الإلكترونيات والآلات ذاتية الحركة. وتشمل هذه الآلات آلة تعبئة المعالف وآلة تجميع وتصنيف البيض. وباستطاعة بعض المزارعين الآن الاتصال هاتفيًا مباشرة بالحواسيب بكليات الزراعة أو مراكز خدمات المزارع. وباستطاعة الحاسوب حل بعض مشاكل المزارعين. فعلى سبيل المثال يمكنهم التأكد من خلط مكونات علف الماشية وحساب الربح المتوقع من إنتاج زراعي معين. السلالات المحسنة من النبات والحيوان. اكتشف عالم النبات القس النمساوي جريجور مندل في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي أساسيات علم الوراثة. وبذلك وضع أسس العلم الذي يفسر كيفية توريث الخصائص والصفات. وبتطور علم الوراثة خلال القرن العشرين، أصبح بالإمكان الحصول على سلالات من النبات والحيوان بطريقة علمية.
واستطاع مستولدو النباتات في الولايات المتحدة الأمريكية في أوائل القرن العشرين تطوير هجين للذرة الشامية ذي إنتاجية عالية. وفي 1920م، توفر عدد كبير من هُجُن الذرة الشامية على نطاق تجاري. وفي أوائل الستينيات، أصبح أكثر من 95% من المساحة المزروعة بالذرة الشامية مزروعة بالأصناف الهُجُن.
وقد أدت هذه الوسيلة إلى زيادة معدل إنتاج الذرة الشامية بصورة هائلة حيث زاد معدل إنتاجية الهكتار من 69 بُوشِل في1920م إلى 292 بُوشل في1980م. (البوشِل حوالي 35 كجم).
كذلك تمكن العلماء عام 1960م من الحصول على أصناف من القمح والأرز ذات إنتاجية أعلى بكثير من الأصناف القديمة. وقد عني باستخدام هذه الأصناف في الدول النامية مثل المكسيك والهند بهدف توفير الغذاء لشعوبها، وقد نجحت هذه الوسائل وعرفت فيما بعد بالثورة الخضراء.
واستطاع أيضًا مستولدو الماشية إنتاج سلالات محسنة خلال القرن العشرين، كما استطاعوا أيضًا تطويرطرق فنية متقنة من الانتخاب المكثف للإسراع في التطوير الوراثي للحيوانات. وطور اختصاصيو التغذية الأعلاف للحيوانات كما طور الأطباء البيطريون طرق الرعاية الصحية للحيوان. وأدت هذه الطرق في مجملها إلى زيادة إنتاجية الماشية. فعلى سبيل المثال، زاد متوسط إنتاج الحليب للبقرة الواحدة في الولايات المتحدة الأمريكية بحوالي 100،2لتر في الفترة من 1960م إلى منتصف 1980م. وإضافة إلى ذلك، فإن سلالات الدجاج اللاحم اليوم تنمو بضعف سرعة نمو السلالات القديمة، وتستهلك نصف كمية الغذاء.
المواد الكيميائية الزراعية الجديدة. استخدم المزارعون منذ بداية الزراعة مــواد مختلفـة لتخصيب التربة ولمكافحة الآفات الحشرية. فعلى سبيل المثال، استخدموا رمـاد الأخشاب والزبل سمادًا منذ فترات ما قبل التــاريخ. والزرنيخ والبـايرثرم (حشيشة الحمى) والسمــوم الطبيعية الأخـرى تم استخدامها كمبيدات حشرية منذ زمن بعيد. وقد استخدمت هــذه المـواد لأنها برهنت على فعاليتها، ولكن لم يعرف عن كيفية وطريقة عملها إلا القليل.
ومنذ بداية ظهور علم الكيمياء الحديث في أواخر القرن الثامن عشر، أصبح بمقدور العلماء إنتاج أنواع مختلفة من المركبات الكيميائية لاستخدامها في الزراعة. وتشمل هذه المواد الكيميائية 1- الأسمدة 2- المبيدات الحشرية 3- مبيدات الأعشاب 4- المواد الكيميائية لمكافحة أمراض النباتات والحيوانات. وأدى استخدام هذه المبيدات إلى زيادة إنتاجية المزارع بصورة هائلة خلال القرن العشرين، لكن سوء استخدام هذه المواد الكيميائية الزراعية في بعض الحالات أدى إلى تلوث البيئة. وقد حددت كثير من الدول استخدام بعض هذه المواد الكيميائية التي برهنت على خطورتها على البيئة.
الأسمدة. استطاع العلماء خلال القرن التاسع عشر التعرف على المواد الكيميائية التي تحتاجها المحاصيل للنمو. فقد أصبحت هناك قناعة أن البقوليات مفيدة في الدورة الزراعية لأنها تساعد في تثبيت النيتروجين الجوي في التربة، كما استطاعوا أيضًا التعرف على العناصر التي تحتاج إليها المحاصيل مثل الفوسفور والبوتاسيوم. وقد أصبح السماد المركب الذي يحتوي على العناصر الضرورية متوفرًا على المستوى التجاري إلا أن استعماله كان محدودًا نظرًا لارتفاع تكاليفه.
وقد طور العالم الألماني فريتز هابر عام 1913م طريقة الحصول على النيتروجين الجوي، انظر: النيتروجين. ويعتبر النيتروجين أهم العناصر الغذائية الضرورية لدرجة أن إنتاجه بتكلفة أقل كان له أثر كبير في استخدام الأسمدة في الزراعة. وعلى المستوى العالمي، زاد استخدام السماد إلى أكثر من الضعف في الفترة من أواخر الستينيات إلى بداية الثمانينيات من القرن العشرين. انظر: السماد.
المبيدات الحشرية. استطاع العلماء في سويسرا عام 1939م تطوير مادة كيميائية قوية عرفت باسم دي.دي.تي مبيدًا حشريًا. وفي بداية الخمسينيات استخدم المزارعون كميات كبيرة من مادة د.د.ت لحماية محاصيلهم، لكن الباحثين اكتشفوا مؤخرًا أنها على الرغم من مكافحتها للحشرات الضارة تعرض الحيوانات الأخرى للخطر. ولهذا فقد منعت كثير من الحكومات استخدام هذا المبيد في بداية عام 1970م. ويستخدم معظم المزارعين حاليا مبيدات حشرية صُنعت من المركبات الكيميائية المسماة الفوسفات العضوية والكارباميت.
مبيدات الحشائش. اعتاد المزارعون مقاومة الحشائش والأعشاب الضارة على امتداد تاريخ الزراعة وحتى منتصف القرن العشرين عن طريق العزق اليدوي، والحرق والعزق الآلي. وقد سجل أول اختراع لمبيد كيميائي للحشائش يسمى 2، 4-د في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1945م. وأصبح هذا المبيد واسع الانتشار وما يزال يستخدم حتى الآن. ولمزيد من المعلومات عن مبيدات الحشائش الضارة والوسائل الأخرى المكافحة للأعشاب انظر: العشب الضار.
مواد كيميائية لمكافحة الأمراض. تعد أمراض النباتات والحيوانات من أهم الصعوبات وأكثرها تكلفة للمزارع مثلها مثل الأعشاب الضارة. وتتسبب الكائنات الدقيقة والفطريات في كثير من أمراض النباتات. ومنذ منتصف القرن التاسع عشر، أنتج العلماء الكثير من المواد الكيميائية التي تسمى المبيدات الفطرية لمكافحة هذه الأمراض. وهناك كثير من أمراض النباتات تسببه الفيروسات والبكتيريا، وقد تم إنتاج مواد كيميائية لمكافحة هذه الأمراض، إضافة إلى أن العلماء يعملون بصورة مستمرة لاستنباط أصناف مقاومة بدرجة كبيرة لهذه الأمراض. ولمزيد من المعلومات عن الفطريات ومبيدات الفطريات، انظر: الفطريات ؛ مبيد الفطريات.
وتتسبب البكتيريا والفيروسات في معظم أمراض الحيوان، وتتم مكافحة بعض هذه الأمراض بوساطة اللقاحات. وقد اكتشف العالم الفرنسي لويس باستير، أول لقاحات للماشية خلال القرن التاسع عشر الميلادي. وطُوِّرت هذه اللقاحات لمكافحة أمراض مثل الجمرة وكوليرا الدجاج. وخلال القرن العشرين، استطاع الكيميائيون إضافة العديد من اللقاحات وكذلك المضادات الحيوية والمواد الأخرى للمساعدة في مقاومة أمراض الماشية. انظر :البيطري، الطب.
التطورات الحديثة. تضاعف الطلب على الغذاء على المستوى العالمي منذ عام 1950م عدة مرات. ولمواجهة هذا الطلب المتزايد، أصبح لزاما على المزارعين زيادة إنتاجهم بصورة كبيرة خلال العقود الأخيرة. وقد حدثت هذه الزيادة في الطلب على الغذاء في الدول غير الصناعية أو ما يعرف باسم الدول النامية. وتعتبر الزيادة السكانية السريعة في هذه الدول السبب الرئيسي لزيادة الطلب على الغذاء. ولأن معظم الدول النامية تنتج ما يكاد يفي بسد حاجتها، ولا تستطيع استيراد كميات إضافية من الغذاء لسد حاجة سكانها الذين تتزايد أعدادهم بصورة كبيرة، يصبح لزامًا على الدول النامية أن تزيد إنتاجها من الغذاء أو تواجه نقصًا حادًا في التغذية. ومع ذلك تفتقر معظم الدول النامية إلى الخبرة والموارد المالية التي تحتاجها عمليات تطوير الزراعة.
ومن أجل التغلب على هذه المشكلة، تبنت الكثير من الدول الصناعية برامج تقديم المساعدة للمزارعين في الدول النامية عن طريق منح قروض بفوائد منخفضة أو عن طريق التدريب لأجل تحديث نظام الزراعة بها. وتساعد منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) ـ إحدى منظمات الأمم المتحدة ـ في تنسيق البرامج القومية، كما تقوم بتبني مشاريع مساعدة تابعة لها.
ازداد الطلب على الغذاء خلال السبعينيات من القرن العشرين، ونتيجة لذلك، فإن كثيرًا من المزارعين وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، أقدموا على اقتراض مبالغ كبيرة لزيادة إنتاجهم. ولكن في الثمانينيات واجه الكثير من المزارعين في دول عديدة ديونًا متراكبة وأزمات مالية نتيجة لارتفاع أسعار الفائدة على القروض بصورة حادة وانخفاض الطلب العالمي على الغذاء. فقد أدى هذا الانخفاض على الطلب إلى انخفاض الأسعار مما نتج عنه عدم مقدرة بعضهم على الوفاء بالتزاماتهم من الديون والتحضير للمواسم الجديدة. وقد أدى ذلك إلى بيع الكثير منهم مزارعهم وبالتالي انخفضت قيمة هذه المزارع. وفي عام 1996م، أصدرت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية قوانين قللت بموجبها الدعم الذي كانت تقدمه للمزارعين الأمريكيين منذ ثلاثينيات القرن العشرين، وأخضعت المنتجات الزراعية لأسعار السوق.
وتعتبر الزراعة من أقدم المهن التي مارسها الإنسان، إذ يرجع بدء نشأتها إلى حوالي 11,000 سنة في منطقة الشرق الأوسط. فقد اكتشفت بعض القبائل في منطقة الشرق الأوسط كيفية زراعة النباتات من البذور، وكذلك كيفية رعاية الحيوانات في الأسْر. ولقد تعلم الناس هذه المهارات قبل حوالي 10,000 سنة، وبدأوا الاعتماد على الزراعة لتوفير مواد الغذاء.
اعتمد الناس قبل تطوير الزراعة للحصول على الغذاء على جمع النباتات البرية والحيوانات وصيد الأسماك. وكان عليهم البحث عن الغذاء باستمرار مما أدى إلى قلة الوقت المتوفر للأنشطة الأخرى. لكن مع تطور الزراعة أصبح بالإمكان تأمين الغذاء بكميات وفيرة. وعليه لم تعد هناك حاجة إلى أعداد كبيرة من الناس لتوفير الغذاء. عند ذلك، أصبح بالإمكان احتراف مهن أخرى مثل الحرف الفنية والتجارة والأنشطة المتعلقة بالحياة الحضرية. لذلك فإن التطوّر الذي حدث في مجال الزراعة أدى إلى توفير الغذاء وبالتالي إلى نشوء الحضارة.
ينتج المزارعون كميات أكبر من الغذاء أكثر مما ينتجه الصيادون وجامعو المواد الغذائية. لكن ظل التطور في مجال الزراعة بطيئًا قرونًا طويلة. واعتمدت الزراعة على قوى الإنسان والحيوان وعلى ما يملكه المزارعون من أدوات قليلة لجعل أراضيهم وعمالتهم أكثر إنتاجية. وعند نهاية القرن السابع عشر، بدأ المكتشفون تطوير الآلات الزراعية لإعداد التربة ولعملية الزراعة والحصاد. ومع مرور السنين تطوّرت الآلات الزراعية. وخلال القرن العشرين، طوّر العلماء أصنافًا جيدة وقوية من النباتات والحيوانات، وكذلك أنواعًا من السماد والمبيدات الحشرية أكثر فعالية. صاحب هذا التطور زيادة في كفاءة الإنتاج مما أدى إلى تقليل العمالة المطلوبة للزراعة وزيادة كبيرة في الإنتاج الزراعي. وقد حدث معظم هذا التطور في مجال الزراعة في الدول الصناعية، وبقي الناس في الدول النامية يمارسون نمط الزراعة التقليدية التي كان يمارسها أجدادهم منذ مئات السنين. والدول التي تمارس الزراعة التقليدية ليس بإمكانها أن توفر الغذاء الكافي الذي تحتاج إليه. علما بأن توفير الغذاء بكميات كافية أصبح أمرًا ضروريًا لمواجهة الزيادة الهائلة في أعداد السكان. ولكي يصبح بالإمكان مواجهة النقص المتزايد في توفير الغذاء للدول النامية وبالتالي تلافي حدوث المجاعة، فإن على الدول الصناعية توفير الآليات الحديثة اللازمة لتطوير الزراعة في الدول النامية.
المنتجات الزراعية الرئيسية
يعتبر الغذاء من أهم المنتجات الزراعية، لكن المزارع توفر لنا أيضًا منتجات أخرى مثل الألياف الطبيعية، ونباتات الزينة وكذلك الأشجار. وتستخدم بعض المحاصيل الزراعية لإنتاج أعلاف الماشية فقط. وتشمل هذه الأعلاف البرسيم والفصفصة وحشائش كثيرة أخرى مثل العشبة العصافية، والتيموثية. وتبرز أهمية محاصيل الأعلاف من خلال توفير منتجات الماشية على المستوى التجاري.المنتجات الغذائية. ينتج المزارعون كل غذاء العالم تقريبًا بالإضافة إلى الأسماك وصيد الحيوانات. ويأتي معظم الغذاء من المحاصيل الزراعية، والباقي من الحيوانات وخاصة الأبقار والحيوانات الزراعية الأخرى.
المحاصيل. ينتج المزارعون في العالم حوالي خمسة وثمانين محصولا رئيسيًا. ويمكن تقسيم هذه الفئة إلى ثماني مجموعات. المجموعة الرئيسية هي الحبوب، وتشمل زراعة الحبوب حوالي نصف المساحة المخصصة للزراعة في العالم. والحبوب توفر معظم المغذيات (المواد الغذائية) المطلوبة للإنسان والحيوان. وأهم أنواع الحبوب هي الشعير، والذرة الشامية، والدخن، والشوفان، والأرز، والذرة الرفيعة، والقمح.
وتأتي المحاصيل الجذرية في المرتبة الثانية من الأهمية بالنسبة للمحاصيل الغذائية. وتتشابه المحاصيل الجذرية مع الحبوب في أنها تزرع في جميع أنحاء العالم، وتمد الإنسان بالغذاء الأساسي. وأهم المحاصيل الجذرية هي البطاطس والبطاطا الحلوة، والمنيهوت (الكاسافا).
وتتكون المجموعات الست الأخرى للمحاصيل الغذائية الرئيسية من : 1- البقول التي تتكون بصفة رئيسية من الفاصوليا الجافة والبازلاء الجافة. 2- الفواكه والخضراوات 3- المحاصيل الزيتية مثل فول الصويا وجوز الهند، 4- المحاصيل السكرية، خاصة قصب السكر وبنجر السكر، 5- الجوزيات 6-بذور الكاكاو وحبوب البن وأوراق الشاي.
وتستخدم بعض المحاصيل الزيتية، خاصة فول الصويا في إنتاج الدقيق والطحين بالإضافة إلى الزيت.
الحيوانات. تعتبر الأبقار والدواجن والماعز والأغنام والحيوانات الزراعية الأخرى من أهم الحيوانات التي تربى لإنتاج الغذاء. وتربى الحيوانات الزراعية في جميع أنحاء العالم وتمدنا باللحوم، والبيض، والألبان، والمنتجات الأخرى. كذلك يربي المزارعون بعض الحيوانات والحشرات من أجل الحصول على الغذاء. على سبيل المثال، يربي المزارعون النحل من أجل الحصول على عسل النحل. ويربي المزارعون بعض الأسماك في المياه العذبة مثل سمك التروتة وبعض المحاريات التي تعيش في الماء المالح مثل المحار وبلح البحر.
الألياف الطبيعيـة. يتـم الحصـول على الألياف الطبيعيـة من الحيوانــات والنبـاتـــات التي تربى في المـزارع. وتستخــدم المصانـع الأليــاف الطبيعية لإنتـاج الغــزل والمنسوجــات والمـــلابس الأخــرى.
وتعتبر نباتات القطن، والكتان، والقنب، والجوت والسيزال من أهم نباتات الألياف. ويأتي الصوف وهو أهم الألياف الحيوانية، أساسًا من الأغنام وكذلك الشعر من الماعز والوبر من الجمال. ويمكن الحصول على الألياف الحريرية من شرنقة دودة القز (الدودة الحريرية). وتنتج المزارع في اليابان والصين معظم إنتاج العالم من الحرير من دودة الحرير. ولقد أدى اكتشاف وتطوير النيلون والألياف الصناعية الأخرى في القرن العشرين إلى قلة الاعتماد على الألياف الطبيعية في كثير من بلدان العالم.
المجموعات الرائدة في الإنتاج الزراعي | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
المصدر منظمة الأغذية و الزراعة الدولية1992 م |
أنواع الزراعة
يمـارس المزارعـون عدة أنماط من الزراعة. ويمكن تقسيم هـذه الأنمـاط بعـدة طـرائق. ويعتبر المنـاخ أحـد هـذه الطـرائق الرئيسيـة. فعلى سبيل المثـال، يمكن تصنيف أنـواع المــزارع في المناطـق الاستوائيـة بوصفها الزراعـة الاستوائية. ومن ثم يمكن تصنيف الزراعة الممارسة في المناطق الباردة تحت نمط الزراعة الممارسة في خط العرض المتوسط. ويمكن تصنيف معظم الممارسات الزراعية بحسب حجم وقيمة السلعة الزراعية المنتجة لكل وحدة من المساحة. ويسمى هذا النوع من التصنيف الزراعة المكثفة أو الزراعة الموسَّعة.وتمارس الزراعة المكثفة حينما يكون هناك شح في مساحة الأرض الزراعية. ويتطلب ذلك كمية كبيرة من السماد والعمالة والموارد الأخرى، حتى يتسنى الاستفادة القصوى من وحدة المساحة لإنتاج أقصى محصول ممكن من وحدة المساحة الزراعية.
وتعتبر الحدائق أو المزارع الصغيرة لإنتاج الخضراوات الموجودة في أطراف المدن مثالا على الزراعة المكثفة. وهذا النوع من الحدائق يغطي مساحة حوالي 0,4 من الهكتار. وهذه المساحة من الأرض تحتاج إلى شخص واحد للعمل طوال اليوم لإنتاج كمية اقتصادية من الخضراوات.
يمارس المزارعون الزراعة الموسَّعة حينما تتوفر الأرض الواسعة والأمطار الخفيفة والتربة الخصبة. وتتطلب الزراعة الموسعة استثمارًا أقل نسبيًا في المعدات والتجهيزات لكل وحدة من الأرض، وكل وحدة تنتج عائدًا أقل نسبيًا. وأصدق مثال على ذلك المزارع الكبيرة في أستراليا وغربيّ الولايات المتحدة، حيث تغطي المزارع في هذه الأماكن مساحات شاسعة تعد بآلاف الهكتارات وتربى فيها آلاف الأغنام. وكل حيوان يحتاج إلى 1,6 هكتار (الهكتار 10,000 م²) من الأرض ليجد المرعى الكافي والمناسب. وبالمقارنة، فإن العائد من الزراعة الموسَّعة بحسب وحدة المساحة يعتبر منخفضًا إذا ما قورن بعائد الوحدة المساحية بالنسبة للزراعة المكثفة. فهو لا يساوي أكثر من واحد في المائة من عائد الزراعة المكثفة.
كذلك يمكن تصنيف أنواع الزراعة حسب الغرض منها إلى تجارية أو إعاشية. فالزراعة التجارية تمارس من أجل إنتاج محاصيل وحيوانات للغرض التجاري. وينتج المزارعون في الزراعة الإعاشية ما يكفي لسد حاجتهم. وتتناول المناقشة التالية هذا النوع من التصنيف.
الزراعة التجارية. تعتبر معظم المزارع في أوروبا وأمريكا الشمالية ومعظم الدول الصناعية زراعة تجارية. ويمكن تقسيمها إلى نوعين 1- المزارع المتخصصة، 2- المزارع المختلطة.
المزارع المتخصصة. ويكون دخل هذه المزارع أو معظمه من إنتاج نوع واحد من المحاصيل أو الماشية أو الدواجن أو الدواب. وتستخدم هذه المزارع طريقة الإنتاج المكثف، وتحتاج إلى استثمار كبير في المعدات والتجهيزات.
إنتاج المحاصيل المتخصصة. تسمى المحاصيل التي تنتج من أجل تسويقها المحاصيل النقدية. وتنتج كثير من هذه المزارع التجارية محصولاً نقديًا واحدًا فقط. وتعرف هذه المزارع بمزارع المحصول الواحد أو مزارع المحصول الفردي. وتعتبر مزارع القمح الواسعة في سهول البراري الأمريكية، وأوكرانيا خير مثال على ذلك. وتعرف معظم المزارع الكبيرة ذات المحصول الفردي في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية بالمزارع الواسعة. ويزرع في هذا النوع من المزارع الموز، والبن، والأرز، وقصب السكر، والشاي.
وتنتج بعض المزارع المتخصصة الأخرى محصولين أو أكثر من المحاصيل النقدية على الرغم من أن معظم العائد يأتي من محصول واحد. ومن أهم المحاصيل التي تنتج في هذه المزارع القطن والحبوب والتبغ.
رعاية المحصول. يجب أن يقوم المزارعون بالتخطيط الجيد لتهيئة أفضل الظروف لنمو محاصيلهم حيث يجب التأكد من ملاءمة التربة ومصادر المياه اللازمة لكل محصول، مع استخدام الأساليب الحديثة لمكافحة الحشرات.
تحتاج جميع المحاصيل الزراعية إلى المواد الغذائية والمـاء حتى تستطيــع أن تنمـو. توفـر التربــة معظم العناصر الغذائيـة إضافـة إلى أنهـا تحفظ المــاء الـذي يحتـاج إليـه المحصـول. تمـد النباتــات جـذورها داخل التربـة لتمتـص العناصر الغـذائية والمـاء بوساطة هـذه الجـذور. وتحتاج النباتات إلى 16 عنصرًا لتنمو نموًا جيدًا. وتتكون العناصر الغذائية الرئيسية من الكالسيوم، والكربون، والهيدروجين، والمغنسيوم، والنيتروجين، والأكسجين، والفوسفور، والبوتاسيوم، والكبريت. وتحتاج الكثير من المحاصيل إلى كميات كبيرة من هذه العناصر لكن بعض النباتات تختلف في حاجتها من هذه العناصر الغذائية، وبعض هذه المحاصيل تزداد حاجته إلى عناصر غذائية معينة دون غيرها.
وتعتبر الطبقة السطحية من التربة هي الطبقة الغنية بالعناصر الغذائية. لذلك يجب المحافظة عليها وحمايتها حيث إنها عرضة للضياع بوساطة الرياح القوية والأمطار الغزيرة والسيول. وهذه العملية تسمى التعرية. ولذلك تعتبر عملية حماية التربة، ومنع حدوث التعرية من أهم عمليات إدارة واستغلال الترب.
ويعتمد المزارعون في كثير من الأحيان على الأمطار لتوفير الرطوبة اللازمة للنباتات. وحتى يتسنى للمزارعين تنظيم توفير المياه اللازمة للمحاصيل، يجب عليهم إعداد نظام أو شبكة صرف في الحقول يمكن بوساطتها تجميع المياه. وفي المناطق الجافة التي يندر فيها سقوط الأمطار يجب على المزارعين القيام بري المحاصيل الزراعية.
يستخدم الخبراء الزراعيون كلمة آفة للإشارة إلى الحشائش الضارة، وأمراض النباتات والحشرات والطيور التي تهدد المحاصيل. ويكافح المزارعون الآفات بوساطة المواد الكيميائية التي تسمى المبيدات. وبالإضافة إلى ذلك فقد طوَّر علماء النبات أنواعًا من الذرة والقمح والمحاصيل الأخرى، لها خاصية مقاومة الأمراض والآفات وراثيًا أكثر من الأصناف القديمة.
طرائق إنتاج المحاصيل. تشتمل عملية زراعة المحاصيل على أربع عمليات هي: 1- تجهيز التربة 2- الزراعة والعناية بالنبات 3- الحصاد 4- إعداد وتخزين المحصول. وتقوم الآلات الزراعية الحديثة بكل هذه العمليات بسهولة ويسر وبسرعة فائقة. والهدف الأساسي من تجهيز التربة هو إعداد مهد لزراعة البذور لتنمو وتكوِّن مجموعًاجذريًا، ويقوم المزارع بحرث التربة لتفكيكها وقتل الحشائش الضارة وتحسين تهوية التربة ومرور الماء والهواء خلالها.
وتعمل الحراثة على قلب مخلفات المحصول السابق مثل السيقان والأوراق والأجزاء الأخرى التي تعمل عند تحللها على زيادة خصوبة التربة.
ويقـوم المزارعـون في المناطق الشمالية بزراعـة معظـم محاصيلهم في موسـم الربيـع أي بعـد زوال مخــاطر الصقيـع. وتسمى الآليــات التي تستخــدم لزراعـة تقــاوي المحاصيل الحقلية بالبــذارات. وفي كثير من الأحيان، يخلط السماد والمبيـدات مع البذور أثناء البذر. وتقوم مبيدات الحشائش التي تستخدم قبل الزراعــة بالتخلص من كثير من الحشائش.
يقوم معظم المزارعين باستخدام الآلات الزراعية لحصد محاصيلهم. فعلى سبيل المثال، تستخدم آلة الحصاد الميكانيكية في حصد ودرس معظم محاصيل الحبوب.
تعرف المحاصيل التي تزرع لإنتاج غذاء الإنسان بالمحاصيل الغذائية، وهذه المحاصيل تتلف بسرعة ، لذلك يقوم المزارعون بتسويقها في أسرع وقت ممكن بمجرد حصادها. وتسمى المحاصيل التي تزرع لتغذية الحيوان بمحاصيل العلف.
ومن بين الطرائق الخاصة لزراعة المحاصيل الزراعة العضوية والزراعة المائية. فالزراعة العضوية هي ممارسة زراعة المحاصيل بدون استخدام المركبات الكيميائية، في حين أن الزراعة المائية هي طريقة زراعة المحاصيل في محاليل غذائية بدون تربة.
إنتاج الماشية المتخصص. تتكون مزارع الماشية المتخصصة من مزارع الأبقار، والأغنام، والدواجن، والبيض ومزارع إنتاج الحليب. ومعظم الأبقار والأغنام تعتمد أساسًا على الأراضي المزروعة للرعي. وفي بعض الدول الرئيسية المنتجة للحوم الأبقار مثل الأرجنتين وأستراليا، تربى الأبقار في مزارع كبيرة متخصصة في التسمين حتى تُعدّ للذبح. أما في الولايات المتحدة وكندا وبعض الدول الأخرى، فإن الكثير من مزارعي الأبقار يرسلون مواشيهم إلى مزارع متخصصة للتسمين.
تمارس مزارع التسمين المثالية الزراعة المكثفة حيث تسمن الأبقار في قطعة أرض صغيرة يستغل حيزها استغلالاً جيدًا. ويتم تغذية الحيوانات بكميات كبيرة من الحبوب والأعلاف ذات السعرات الحرارية العالية.
وتعتبر معظم مزارع الدواجن وإنتاج البيض مزارعَ مكثفة حيث يمكن أن تشغل حوالي 0,4 هكتار. وفي هذا النوع من المزارع، يمكن إنتاج 20,000 أو أكثر من الدجاج البياض أو اللاحم حيث تحفظ الطيور في أماكن يمكن ضبط الحرارة فيها وتعلف بأعلاف ذات طاقة عالية.
وتتخصص مزارع اللبن في تربية أبقار اللبن، ويكون حجم هذه المزارع النموذجية في الغالب أكبر من حجم مزارع الدواجن. ويقوم المزارعون بإنتاج الأعلاف الخاصة بأبقارهم، وبعضهم يقوم بشرائها من المزارع الأخرى.
رعاية الماشية. تتطلب رعاية الماشية توفير الأعلاف والمأوى والعناية بصحتها. ولكي تتوفر رعاية صحيحة وناجحة، على المزارعين الاهتمام بكل ما يخص تربية الحيوانات. وعليهم اختيار السلالات الجيدة والتهجين بين السلالات حتى يتسنى لهم تعويض الحيوانات التي تم بيعها أو تقدمت بها السن. وقد يساعد توفير الآلات الحديثة كثيرًا في نجاح مزارع المواشي. تتكون أعلاف المواشي من مجموعتين رئيسيتين 1- الأعلاف الخضراء. 2- الأعلاف المركزة. والأعلاف الخضراء إما نباتات ترعى فيها الماشية مباشرة وإما نباتات قطعت لتكون التبن والسيلاج. وترعى معظم الماشية إما في المراعي الطبيعية وإما على المراعي المزروعة. والمراعي المزروعة هي حقول مزروعة بالحشائش أو المحاصيل العلفية. أما الأعلاف المركزة فهي تتكون من حبوب محاصيل مثل الذرة الشامية والذرة الرفيعة، وطحين فول الصويا. ويضيف بعض المزارعين في بعض البلدان الهورمونات المصنعة (المواد الكيميائية المنظمة للنمو) للأعلاف المركزة لمساعدة الحيوانات على النمو السريع.
ويعتمد تسمين الماشية بصورة كبيرة على استعمال الأعلاف المركزة. ويبيع الكثير من المزارعين حيواناتهم الصغيرة المعدة للتسمين إلى المزارعين الذين لديهم فائض من الحبوب العلفية أو المتخصصين في التسمين. وتحتاج معظم أنواع الماشية إلى الوقاية من الطقس الشديد البرودة. لذلك يقوم الكثير من المزارعين بتوفير المأوى والحماية لماشيتهم في بعض أوقات السنة، بينما تربى بعض الحيوانات داخل الحظائر بصورة دائمة كما هو الحال في حظائر الدجاج اللاحم أو البياض.
ولقــد أصبح بالإمكان بعد اكتشاف وتطوير اللقاحــات والعقاقـير الأخـرى العنايـة بالماشيــة بسهولـة ويسـر. ومع دخول الآلة في الإنتاج الزراعي تمكن المزارعون من تربية الحيوانات المختلفة دون عناء ومشقة خلافًا لما كان سابقًا. ومن أمثلة ذلك أجهزة التغذية الآلية وآلات الحلب.
تربى معظم الحيوانات للحصول على منتجاتها المتعددة. ويربي المزارعون أيضًا بعض السلالات الممتازة من الحيوانات لإنتاج النسل والسلالات الجيدة، أو حيوانات ذات نوعية مختارة تستخدم فقط من أجل إنجاب السلالات الفائقة النوعية. ويقوم المزارعون باختيار حيوان التربية اعتمادًا على نوعية الحيوان وكذلك حسب نسله. ويمكن تحسين نوعية الحيوانات بمرور السنين عن طريق الانتخاب.
المــزارع المختلطـة. يتم في هــذا النــوع من المـزارع إنتــاج أنــواع مختلفـة من المحاصيــل والمـاشيـة. ومثل هــذه المـزارع تنتــج المحاصيل الزراعية للبيع أو لتغذية الماشية الخاصة بالمزرعة. وتعتبر معظم المزارع في أوروبا ووسط غرب الولايات المتحدة الأمريكية من المزارع المختلطة.
في هذا النوع من المزارع، تقل المخاطر حيث إن المزارع المتخصصة معرضة للتقلبات الجوية والآفات والأمراض. كما أن أسواق المحاصيل قد تتعرض إلى هزات، ولكن في حالة المزارع المختلطة فإن الخسارة الناتجة من محصول بعينه قد يعوضها ربح .محصول آخر.
الزراعة الإعاشية. تنتج ملايين المزارع العائلية في إفريقيا، وآسيا وأمريكا اللاتينية محصولا من الشعير أو القمح أو الأرز يكفي فقط لسد حاجة أصحابها. وتعتمد المزارع الإعاشية على العمالة اليدوية وتتطلب آلات زراعية بدائية. وعلى الرغم من أن المزارعين في هذا النوع من المزارع ينتجون بقدر حاجتهم، إلا أن بعضهم قد يتمكن من بيع بعض محاصيله. وفي هذه الحالة، يسمى هذا النوع من الزراعة الزراعة شبه الإعاشية.
يمتلك المزارعون الإعاشيون قطعة من الأرض صغيرة المساحة ويقومون بزراعتها عامًا بعد عام. وينتشر هذا النوع من المزارع في مزارع الأرز في جنوب آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.
وفي بعض بلدان العالم، لا يمتلك المزارعون الإعاشيون قطعة أرض مستديمة بعينها، وبدلا من ذلك، يعتمدون على الترحال من مكان لآخر في جماعات حسب التقاليد المتعارف عليها. وفي كل مكان يحطون الرحال فيه، يقوم هؤلاء المزارعون بتكوين مزارع مؤقتة. وقد تناقص هذا النوع من الزراعة منذ منتصف القرن العشرين، لكنه مازال موجودًا في بعض بلدان العالم. ويمارس هؤلاء المزارعون نوعين من الزراعة هما: 1- الزراعة المتنقلة و2- الرعي البدوي.
الزراعة المتنقلة. تعتبر من الممارسات القديمة جدًا وتوجد بصورة كبيرة في مروج وغابات إفريقيا الوسطى، وجنوب شرقي أمريكا الجنوبية، وبعض أجزاء جنوب شرقي آسيا، حيث إن التربة في هذه المناطق غير خصبة. ومن أجل المحافظة على خصوبة هذه التربة فإن المجتمعات في هذه المناطق تمارس زراعة الأرض لمدة عام أو عامين على قطعة من الأرض ومن ثم تنتقل إلى أرض أخرى مجاورة لها أو ترتحل إلى مكان أبعد. وفي كل مرة تمارس فيها الزراعة المتنقلة، يقوم المزارعون بقطع وحرق الأشجار والأعشاب. ولهذا السبب، تسمى الزراعة المتنقلة زراعة القطع والحرق. ويؤدي الرماد الناتج عن حرق الحشائش والأشجار إلى زيادة خصوبة التربة. ويمكن إعادة زراعة الأرض المهجورة بعد فترة من الزمن.
الرعي البدوي. مُورِس هذا النوع من الزراعة في المناطق الصحراوية في إفريقيا وآسيا منذ زمن طويل. وعرفت هذه المناطق بصحرائها الجافة التي لا تصلح لزراعة المحاصيل لكن ينمو فيها ما يكفي من الأعشاب البرية لرعي القطعان الصغيرة من الجمال، والأغنام، والماعز، وبعض أنواع الماشية الأخرى. تربي القبائل البدوية الصحراوية هذه القطعان للحصول على ضروريات الحياة من لبن وجبن ولحوم. ويسكن هؤلاء القوم في خيام من شعر هذه الحيوانات، ويصنعون ملابسهم من جلود وأصواف هذه الماشية. وعادة ما تبقى القبائل في المنطقة حتى تقضي قطعانها على كل العشب الموجود، ومن ثم ترحل إلى مكان آخر بحثًا عن مرعى جديد.
الزراعة حول العالم
يستخدم حوالي 4,8 بليون هكتار من مساحة الكرة الأرضية في الزراعة، وهذه المساحة تشكل ثلث مساحة الكرة الأرضية. وتشغل المحاصيل الزراعية ثلثي هذه المساحة بينما يستغل الباقي في رعي وتربية المواشي. ولزراعة المحاصيل، يجب توفر أرض مستوية وتربة صالحة للزراعة، إضافة إلى المناخ المناسب الذي يوفر الحرارة والرطوبة المطلوبتين. فعلى سبيل المثال، يحتاج الكثير من المحاصيل إلى فترة زمنية خالية من الصقيع (فترة نمو) لمدة 90 يومًا على الأقل لتنمو من طور البذرة إلى نبات كامل النمو، وتحتاج بعض النباتات إلى فترة أطول. ومعظم المناطق في العالم توفر فترة زمنية كافية لنمو عدد من المحاصيل ماعدا مناطق أقصى شمال الكرة الأرضية وقارة القطب الجنوبي. وحيث إن معظم المناطق في العالم لا يسقط عليها أكثر من 25 سم من الأمطار طوال العام، فقد أصبح ري المحاصيل أمرًا ضروريًا.وكذلك يحدد المناخ السائد نوعية المحصول الذي يتحتم على المزارع أن يزرعه. فمحاصيل مثل الموز، والكاكاو، تنمو نموًا جيدًا فقط في المناخ الاستوائي. أما المحاصيل الأخرى مثل البطاطس والتفاح فتحتاج إلى جو أكثر برودة. وتحتاج معظم النباتات بما فيها الموز والبطاطس إلى رطوبة عالية لكن هناك نباتات أخرى، مثل الذرة الرفيعة والقمح، تنمو نموًا جيدًا في المناطق ذات المناخ الجاف نسبيًا. وخلال القرون الماضية، اتبعت كثير من الطرق لزراعة المحاصيل في مناطق غير ملائمة لنموها. فعن طريق استخدام الري مثلاً، استطاع المزارعون زراعة المحاصيل في المناطق الشديدة الجفاف. وفي الأرض الجبلية، استخدم المزارعون طريقة زراعة المدرجات عن طريق إنشاء مسطحات أو مدرجات. كما أن الزراعة المحمية مكنت المزارعين في المناطق الحارة والباردة من زراعة بعض الفواكه والخضراوات طوال العام. وكذلك تمكن العلماء خلال القرن العشرين من استنباط أصناف جديدة من المحاصيل وسلالات من الماشية تتلاءم مع تربة ومناخ مناطق معينة.
يناقش هذا الجزء الزراعة في المناطق الرئيسية وبعض أقطار العالم. ولأجل الحصول على معلومات إضافية، يرجى الرجوع إلى الجزء الخاص بالزراعة لكل قارة ولكل قطر.
العالم العربي. تقع معظم الدول العربية في حدود المنطقة ذات المناخ الجاف وشبه الجاف. وقد اجتمعت عدة عوامل أدت إلى تدمير كثير من النظم البيئية فيها؛ منها ما يعود إلى عوامل طبيعية مناخية، أو ما يعود إلى عوامل بشرية، أو كليهما. من ذلك مشكلات انجراف التربة وتدهور خصوبة التربة والزحف العمراني على الأراضي الزراعية والرعوية مما قلَّل مساحة المزروع منها وأدى في نهاية المطاف إلى نشوء مشكلة التصحر. والزراعة في العالم العربي قديمة قدم اكتشاف الإنسان لها. فبالعالم العربي أقدم الأراضي الزراعية في العالم التي يعود تاريخها إلى 10,000 عام خلت. وتعد الزراعة أول مكوِّنات البنية الاقتصادية للعالم العربي. وتساهم الحبوب مثل القمح والشعير والذرة… إلخ بنسبة تقدر بنحو 65% من مجموع ما يأكله السكان. وعلى الرغم من أن مساحة الرقعة المزروعة قمحًا فيه تعادل نحو 3,5% من المساحة المزروعة قمحًا في العالم، إلا أنه لا ينتج سوى 2% من الإنتاج العالمي. ولا يكفي إنتاج العالم العربي حاجة سكانه، لذا تلجأ الأقطار العربية إلى استيراد أكثر من نصف حاجتها من القمح من البلدان الأخرى.
أما الإنتاج الحيواني فهو أكثر تخلفًا من الإنتاج الزراعي. ومعدل إنتاج اللحوم في العالم العربي منخفض، ويعود السبب في ذلك إلى عدد من العوامل أهمها سوء رعاية الحيوانات وتربيتها وتغذيتها. وقد أدت الزيادة في دخل الأفراد، وزيادة الوعي إلى تزايد الطلب على المنتجات الزراعية ذات الأصل الحيواني كاللحوم والألبان والبيض. ولم تقابل هذه الزيادة في الطلب زيادة في الإنتاج مما ألجأ الأقطار العربية إلى سد الفجوة بالاعتماد على استيراد حاجتها من الخارج، إلا أن بعض الأقطار استطاعت أن تسد حاجتها من بعض الغلال.
الجزيرة العربية. تشير بعض التقديرات إلى أن 5% من مساحة المملكة العربية السعودية صالحة للزراعة، إلا أن مساحة الرقعة المزروعة حاليًا لا تتجاوز 3%، ويتركز ذلك في الواحات حيث يمكن استغلال المياه الجوفية فيها. وقد بلغت نسبة الأراضي المستصلحة للزراعة عام 1985م 2,300,000هكتار. وبلغ إنتاجها من القمح 2,5 مليون طن عام 1989م. ويبلغ متوسط ما تنتجه من التمور نحو 500,000طن سنويًا، وتصدر الفائض منها إلى الخارج.
أما من حيث الثروة الحيوانية فبالمملكة ما يبلغ 5,500,000 رأس من الضأن والبقر والجمال. وقد تحقق الاكتفاء الذاتي من البيض عام 1985م، ويصدر ما يفيض. أما الدجاج اللاحم فيغطي الإنتاج المحلي أكثر من 60% من حاجة البلاد.
أما في الكويت والبحرين فالزراعة محدودة جدًا فيهما لندرة المياه العذبة. ولا يزيد متوسط المطر فيهما على 80ملم في السنة ويتركز معظمه في فصل الشتاء، وهذا من أسباب فقرها في الحياة النباتية. وتهب الزوابع الرعدية السرايات في أواخر الربيع وأوائل الصيف في الكويت ورياح الأربعين في البحرين. كذلك نجد أن الزراعة في كل من قطر والإمارات وعمان ليست ذات شأن كبير، فنجد قليلاً ممن يربون الماشية ولاسيما الإبل يعملون بالزراعة قرب آبار المياه العذبة والواحات. وتقوم الموارد الاقتصادية التقليدية في عمان على الزراعة التي يمارسها السكان في الواحات. وأهم محاصيلهم التمور، والخضراوات، كما يجمعون البخور وجوز الهند من أشجار النارجيل من ساحل إقليم ظفار.
وفي اليمن، يشتغل معظم السكان بالزراعة في الأودية، وهي زراعة تقليدية، كما يقومون برعي بعض قطعان الماعز والضأن على سفوح الجبال. وأهم المحصولات الزراعية البن والذرة والقمح والفواكه والخضراوات والقطن والتمور والصبر والبخور والسمسم.
العراق والشام. لا يصلح من مساحة العراق للزراعة إلا سدس أراضيها فقط. وعلى الرغم من ذلك، لا تزيد الإنتاجية على نصف ما يمكن أن تكون عليه؛ ويعود ذلك إلى نظام ملكية الأراضي واتباع الطرق التقليدية في الزراعة، بالإضافة إلى الملوحة التي تصيب الأراضي التي يمر بها نهرا دجلة والفرات. وأهم المحصولات الزراعية في العراق الحبوب كالقمح، والذرة، والأرز، والشعير، كما تزرع الخضراوات والبقول بكثرة. ويأتي على رأسها الحمص والعدس والفاصوليا، كما يزرع القطن وقصب السكر. وأهم محاصيل العراق التصديرية التمور، والعراق على رأس دول العالم في زراعة النخيل. وتربى الأغنام والماعز والأبقار بكثرة، كما يكثر الجاموس في الأهوار الجنوبية.
وفي سوريا، تمثل الزراعة نشاطًا اقتصاديًا مهمًا، ويعمل فيها ثلث السكان تقريبًا، إلا أن الأراضي المزروعة لا تغطي سوى سدس مساحة البلاد تقريبًا. وتعد الحبوب أهم المنتجات الزراعية تليها الفواكه والقطن. أما تربية الماشية فلم تعد تغطي حاجة البلاد من اللحوم والألبان. وما تزال أساليب تربية الماشية تقليدية عدا الأبقار التي يحظى المستورد منها بعناية كبيرة.
تعد الزراعة نشاطًا اقتصاديًا مهما في كل من لبنان والأردن وفلسطين. ففي لبنان، نجد أن من أهم المحاصيل الزراعية الحمضيات والفواكه والزيتون والفول السوداني. أما الأردن فيقوم الاقتصاد فيه أساسًا على الزراعة وتربية الماشية رغم المصاعب المناخية وقلة المياه وندرة الأراضي الصالحة للزراعة والتي لا تزيد مساحتها على عُشْر مساحة البلاد. وتتركز هذه المساحة في الضفة الشرقية لنهر الأردن وفي الواحات، ويعمل بها أكثر السكان، وأهم المحاصيل الحبوب، والبصل، والطماطم، والعدس، والفواكه، والتمور، والسمسم، والزيتون. أما في فلسطين فيساعد تنوع المناخ والتربة على زراعة محصولات عديدة كالليمون، والبرتقال واليوسفي، والعنب، والخضراوات، والقطن، وبنجر السكر، والتبغ، والقمح، والزيتون.
مصر والسودان. هما الدولتان العربيتان الوحيدتان اللتان تشكلان وادي النيل. ويعمل بالزراعة فيهما أكثر من 70% من السكان. ومن أهم المحصولات الزراعية في مصر القطن، ويبلغ إنتاجها 60% من مجموع الإنتاج العالمي من القطن طويل التيلة. يلي ذلك قصب السكر، وتُعد الزراعة الصناعية المهمة الثانية، ثم الحبوب والفول السوداني والبطاطا والبصل والطماطم والعدس.
أما السودان ففيه مساحات واسعة من الأراضي الخصبة الصالحة للزراعة على طول مجاري الأنهار من الجنوب حتى الشمال، خاصة حول منطقة النيل الأبيض وأرض الجزيرة الواقعة بين النيلين الأبيض والأزرق. وأهم المحصولات القطن ويمثل 60% من قيمة الصادرات، ويبلغ إنتاج السودان منه نحو 25% من الإنتاج العالمي من القطن الطويل التيلة، ثم الحبوب والفول السوداني والسمسم والذرة الرفيعة والذرة الشامية والتمور وقصب السكر. وبالسودان أكبر سوق للصمغ العربي في العالم في مدينة الأُبيِّض. وينتج السودان نحو 70% من الإنتاج العالمي منه؛ وهو بذلك أكبر دولة مصدرة له. ويعد السودان أكبر منطقة رعوية في الوطن العربي، وتنمو حشائش السافانا في مساحة واسعة من البلاد وفيها تربى قطعان الأبقار والأغنام والماعز والإبل. وبالسودان ثروة نباتية كبيرة في مناطق الغابات المدارية وشبه المدارية، وأهم أشجارها التِّيك والماهوجني.
المغرب العربي. حوالي 2% من مساحة ليبيا صالح للزراعة وتتركز في السهول الساحلية وعلى المرتفعات، ويعمل بها 25% من عدد السكان. وأهم المحصولات القمح والشعير والبطاطس والبصل والحمضيات والعنب والتمور والزيتون والفول السوداني.
أما في تونس فتؤلف الحاصلات الزراعية المورد الرئيسي فيها وأهم حاصلاتها الحبوب والعنب والتمور والبطاطس والزيتون والحمضيات. أما أهم محصولات الجزائر فتتمثل في الحبوب والفواكه والزيتون والقطن والتبغ والحمضيات والتمور. ويعمل في الزراعة في المغرب نحو 70% من عدد السكان، وأهم المحاصيل الحمضيات والفواكه والحبوب والبطاطس والتمور والزيتون والقطن والكتان والفول. والمغرب به ثروة حيوانية كبيرة تتمثل في الأبقار والأغنام والخيول والإبل. أما موريتانيا فيعتمد اقتصادها على الزراعة وتربية الماشية في المقام الأول. وأهم المحاصيل فيها الذرة والشعير وقصب السكر والقطن، كما ينتج بها الصمغ العربي. وتأتي موريتانيا بعد السودان في تصدير الصمغ العربي ثم التمور والحبوب. وهي غنية بالماشية وتربى فيها الإبل والأغنام.
الصومال وجيبوتي. يشتغل نحو 80% من سكان الصومال بالزراعة والرعي وتربى فيها الإبل والبقر والضأن. وأهم المحاصيل الزراعية في الصومال الموز والحبوب كالذرة الرفيعة التي تشغل أكثر من 90% من المساحة المزروعة، وقصب السكر والقطن والفول السوداني والسمسم. وتنمو أشجار اللبان في الصومال، وتعد من أولى دول العالم في إنتاجه، كما تنمو أشجار السنط التي يجمع منها الصمغ العربي، وبعض أنواع أشجار النخيل. أما جيبوتي فلا تكاد توجد فيها زراعة تذكر، ويعتمد نشاط السكان على الرعي وهي الحرفة الرئيسية. وأهم الحيوانات فيها الإبل والأغنام.
إفريقيا. تغطي الصحراء والغابات الاستوائية معظم القارة الإفريقية وتستخدم فقط ثلث مساحة الأرض للزراعة، ويعمل حوالي 65% من القوى العاملة في مجال الزراعة. وتعتبر الزراعة الإعاشية الأسلوب الأكثر استخدامًا في إفريقيا كما هو الحال في أمريكا اللاتينية وآسيا. والمحاصيل الرئيسية هي المنيهوت (الكاسافا)، والذرة الشامية، والذرة الرفيعة، والبطاطا الحلوة واليام.
وتتركز الزراعة التجارية في إفريقيا في أماكن محددة ومبعثرة. فعلى سيبل المثال، تنتج المزارع المروية على ساحل البحر الأبيض المتوسط وعلى امتداد حوض النيل محاصيل القطن، والتمور، والعنب، والزيتون، والقمح. أما المزارع الاستوائية الكبيرة والصغيرة فتنتج حبوب الكاكاو، والبن، وزيت النخيل، والفول السوداني والسيزال . وتعتبر جنوب إفريقيا من أغنى أقطار القارة الإفريقية. فهي بخلاف الدول الإفريقية الأخرى، تمتلك أراضي خصبة واسعة ومناخًا يناسب الزراعة الواسعة. وتمتلك جنوب إفريقيا عددًا كبيرًا من الماشية وبها صناعات مهمة للفاكهة وصناعة الأسماك. ومن أهم صادراتها الصوف، والذرة الشامية، والسكر، وفراء حيوان القركول. وقد ارتفعت قيمة عائدات الزراعة عام 1988م إلى 65% إذ بلغت حوالي 1,3 بليون دولار أمريكي. ونتج ذلك الدخل أساسًا عن طريق تصدير الحبوب.
آسيا. يستخدم حوالي 45% من الأراضي في قارة آسيا للزراعة بخلاف الاتحاد السوفييتي(سابقًا). وتتباين الأراضي الزراعية تباينا كبيرًا في قارة آسيا، فهي تمتد من الهضاب المرتفعة الجافة في شرقي تركيا إلى الأراضي المنخفضة والحارة في إندونيسيا وماليزيا. وتحتوي هذه القارة على 100 مليون مزرعة أغلبها مزارع الماشية. وتبلغ مساحة كل واحدة منها في معظم الأحيان أقل من 0,4 هكتار. ورغم ذلك، فإن قارة آسيا تمتلك مزارع تجارية تدار بأسلوب علمي يضاهي مزارع غرب أوروبا وأستراليا وأمريكا الشمالية. وتمتلك الدولة معظم المزارع في الدول الشيوعية في آسيا. وفي الأقطار الأخرى، فإن القطاع الخاص يمتلك غالبية المزارع. وفي الماضي، كانت غالبية المزارع الخاصة في العديد من دول آسيا تدار بوساطة العمالة الزراعية الصغيرة المؤجرة. وقد كانت قيمة الإيجار عالية مما اضطر الكثير من المزارعين إلى هجر الأراضي. وبحلول أواسط القرن العشرين، استطاع برنامج الإصلاح الزراعي في دول مثل الهند والباكستان أن يساعد الكثير من المزارعين المؤجرين على امتلاك هذه الأراضي.
وتشكل العمالة الزراعية حوالي 60% من مجموع القوى العاملة في قارة آسيا. ويقوم المزارعون في المزارع الإعاشية بزراعة محاصيل مثل المنيهوت (الكاسافا) والأرز والبطاطا الحلوة والقمح واليام. كما يربون الماشية عادة مثل الماعز، والخنازير والأغنام والدجاج. وتمارس الزراعة التجارية في بعض الدول الصناعية مثل اليابان والصين وماليزيا. وتعتبر الصين من أكثر الدول إنتاجًا لمحصول الأرز حيث تلي الولايات المتحدة لتحتل المرتبة الثانية عالميًا في إنتاج الذرة الشامية. أما ماليزيا فتنتج ثلث إنتاج العالم من المطاط وكذلك تحتل دورًا رئيسيًا في إنتاج زيت النخيل. وتمثل الشريحة السكانية التي تمارس الزراعة نسبة حوالي 30% من سكان ماليزيا وتشارك بما يعادل 21,4% من الناتج الوطني الإجمالي. وتعتبر الفلبين أكبر منتج لجوز الهند ومشتقاته على مستوى العالم. فقد شكَّل هذا المحصول في عام 1987م حوالي 10% من جملة الصادرات الكلية للفلبين. وكذلك تم أيضًا تصدير أسماك طازجة بما يعادل 143 مليون دولار أمريكي. وفي الهند، تمثل العمالة الزراعية حوالي 65% من إجمالي القوى العاملة. وقد ساهمت الزراعة بحوالي 29% من الناتج الوطني الإجمالي في عام (1987 - 1988م). ومعظم الأراضي الزراعية في الهند تزرع بمحاصيل الحبوب بالإضافة إلى وجود العديد من المزارع الكبيرة التي تقوم بإنتاج الشاي والمطاط والبن. كما تزرع أيضًا محاصيل أخرى نقدية مثل القطن والجوت وقصب السكر والبذور الزيتية والتبغ وغيرها. وقد أدى تحسين وسائل الري وإدخال الأصناف الأكثر إنتاجًا والمقاومة للأمراض لمحصولي الأرز والقمح إلى إنتاج وفير أصبح معه هناك فائض في هذه السلع مما أدى إلى تصدير هذه المحاصيل.
أستراليا ونيوزيلندا. يساهم المزارعون الأستراليون بحوالي 5% من قيمة جميع السلع والخدمات المنتجة في البلاد.
أما المزارعون النيوزيلنديون فيساهمون بحوالي 6,7% من الناتج الوطني الاجمالي. ويعمل حوالي 5% من مجموع السكان في أستراليا و9% من سكان نيوزيلندا في الزراعة. وتشغل المزارع حوالي 65% من المساحة الكلية لأستراليا وحوالي 60% بالنسبة لنيوزيلندا. وفي كلا البلدين، فإن أكثر من 90% من مساحة الأراضي الزراعية تشغلها مراعٍ مزروعة أو مراعٍ طبيعية شبه جافة وتستخدم أساسًا في تربية وإنتاج الأبقار والأغنام. وتعتبر أستراليا الدولة الرئيسية في العالم في إنتاج الصوف كما أنها من أهم الدول المنتجة للحوم الأبقار والأغنام ومنتجات الألبان.
أستراليا. يتكون الجزء الشمالي الاستوائي لأستراليا من إقليمين هما الإقليم الشمالي الشرقي وإقليم وسط كوينزلاند. وعلى امتداد الساحل الشمالي الشرقي لإقليم كوينزلاند يقوم المزارعون بزراعة قصب السكر ويربي بعضهم الآخر الأبقار لإنتاج اللحوم ، وبعضهم يزرعون الفواكه الاستوائية مثل الأناناس. وفي وسط كوينزلاند، يربي بعض المزارعين الأغنام. وتهطل الأمطار فقط في الأجزاء الشرقية، والجنوبية الشرقية والجنوبية الغربية بصورة تكفي لزراعة محاصيل المراعي عالية الإنتاج. وفي المناطق الساحلية حيث التربة المناسبة، أزيلت الغابات وحلت محلها المراعي مثل البرسيم وحشيشة الجاودار المعمرة وعشب الباسبالم، وعادة ما تستخدم هذه المراعي لتغذية أبقار الحليب. كما تتم زراعة الخضراوات والتفاح وبعض الفواكه الأخرى في بعض أجزاء من المناطق الساحلية.وعلى هضبة وسهول السلاسل القاطعة العظمى، داخل الأراضي البعيدة عن الساحل، تنتشر مراعي الجاودار المعمر والبرسيم الأبيض والبرسيم التحت أرضي لترعى عليها أبقار اللحوم وأغنام التسمين. وتستخدم سهول المنحدرات الغربية للسلاسل القاطعة العظمى والسهول الغربية ومرتفعات مالي الرملية لإنتاج محصول القمح، حيث يستخدم محصول القمح في دورة مع مراعي البرسيم التحت أرضي. وهذه الأقاليم تستخدم لرعي نصف أغنام أستراليا تقريبًا.
وترعى الأغنام وبعض الأبقار داخل أراضي قارة أستراليا النباتات المحلية. وتعتبر صحراء سمبسون المكان الوحيد غير الصالح للرعي.
ولقد أنشأت الحكومة الأسترالية خزانات المياه على حوض نهر موري دارلنج لتخزين المياه من أجل الري. وتستخدم هذه المياه في ري محصول القطن في شمالي نيو ساوث ويلز وكوينزلاند. وفي جنوبي نيو ساوث ويلز وفكتوريا، تنمو محاصيل الأرز المروي والقمح وكميات محددة من العنب، والحمضيات والفاكهة ذات النواة الحجرية.
وتستخدم أكثر من نصف مساحة أستراليا المروية لتربية ماشية اللبن ، وإنتاج أغنام وأبقار التسمين. ويعتبر معظم المزارعين في أستراليا مزارعين تجاريين حيث يبيعون محصولهم كمحاصيل نقدية ذات عائد مادي جيد. ولذلك ينتجون محاصيلهم ويحتفظون بحيواناتهم التي تعود عليهم بأكبر عائد من الأرباح.
وتشغل المزارع في أستراليا مساحات شاسعة تفوق تلك المتعارف عليها عالميا، فقد تمتد بعض مزارع الأبقار في المناطق الجافة لتشمل مساحة تقارب الألف كليومتر مربع، وهنا يصبح من الصعوبة إدارة مثل هذا النوع من المزارع.
نيوزيلندا. يعتبر المناخ في الجزر النيوزيلندية مناسبًا للزراعة بصورة جيدة. ففي الجزيرة الشمالية، تنمو المراعي طول العام، وفي الجزيرة الجنوبية، يشكل فصل الشتاء عائقًا لنمو واستمرار المراعي. وتغطي معظم مناطق نيوزيلندا وخاصة في الجزر الجنوبية جبال تحد من النشاط الزراعي ومع ذلك يقوم مربو الأغنام برعي أغنامهم على سطوح الجبال ماعدا الأماكن المنحدرة . وتقع معظم مزارع إنتاج الحليب في السهول المنخفضة ذات المراعي الممتازة مثل المقاطعة الغربية للجزيرة الشمالية. أما في المناطق المنخفضة ذات المراعي الفقيرة فيربي المزارعون الأغنام والأبقار لإنتاج اللحم.
ويعتبر معظم المزارعين النيوزيلنديين مزارعين تجاريين مثلهم مثل زملائهم الأستراليين وتماثل مساحات مزارعهم مزارع أستراليا.
أوروبا. تشغل الأراضي الزراعية حوالي 50% من مساحة أوروبا ماعدا روسيا. ومعظم هذه الأراضي منبسطة وتسقط عليها أمطار وفيرة. ونتيجة لذلك، فإن حوالي 60% من الأراضي الصالحة للزراعة تستخدم في زراعة المحاصيل.
أما الأراضي في روسيا خاصة الجزء الآسيوي منه فإن معظمها إما جاف جدًا وإما أن فصل النمو قصير جدًا وغير ملائم للزراعة. وإضافة إلى ذلك، فإن حوالي 60% فقط من الأراضي الزراعية في روسيا تناسب فقط رعي الأبقار. ولأن روسيا بلد كبير وشاسع ـ أكبر أقطار العالم ـ فإنه يمتلك أراضي لزراعة المحاصيل أكبر من أي دولة أخرى. وتقع معظم هذه الأراضي في القارة الأوروبية.
ويستخدم المزارعون أحدث الأساليب والآلات الزراعية، لكن الزراعة في أوروبا تختلف من قطر لآخر خاصة بين دول غرب أوروبا ودول شرق أوروبا.
أوروبا الغربية. تمتلك أوروبا الغربية 4% فقط من الأرض الزراعية على المستوى العالمي. وعلى الرغم من ذلك فإن بها إنتاجًا زراعيًا ذا مستوى عال يضاهي إنتاج أي منطقة من مناطق العالم. وينتج المزارعون في أوروبا الغربية حوالي 15% من إنتاج العالم من البطاطس، والقمح، وحوالي 20% من إنتاج البيض و30% من إنتاج بنجر السكر والحليب، وحوالي 35% من إنتاج الشعير. ويبلغ عدد العاملين في قطاع الزراعة حوالي 7% من القوة العاملة.
وتعتبر الزراعة في أوروبا الغربية زراعة مكثفة جدًا. فمثلا، يزرع القمح في مزارع صغيرة ويضيف المزارعون كميات كبيرة من السماد إلى الأرض. ونتيجة للعمليات المكثفة، فإنه يزيد على إنتاج القمح في الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 40%.
تعتبر المزارع في أوروبا الغربية أكثر كثافة وصغرًا وتنوّعًا من تلك التي توجد في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا. وتغطي المزرعة النموذجية مساحة تتراوح بين 14 و16 هكتارًا وتنتج الفصفصة، والشعير، والبطاطس، وبنجر السكر، والقمح وكذلك أنواعًا مختلفة من المواشي مثل الأبقار والخنازير. والمزارع المتخصصة تنتج كميات كبيرة من الحمضيات، والعنب، والحليب، والزيتون، والدواجن، والخضراوات. ومعظم المزارع في أوروبا الغربية مملوكة للقطاع الخاص.
تقوم الحكومات الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بتطبيق السياسة الزراعية العامة كاب (CAP). وتتضمن هذه السياسة تطبيق الحد الأدنى من الأسعار لمعظم الإنتاج الزراعي. وعند ذلك، تقوم المجموعة بشراء وتخزين الإنتاج الزائد لتتحكم في الأسعار لتكون عند الحد الأدنى للسعر أو أعلى منه. وللمجموعة الأوروبية والحكومات الوطنية بعض المشاريع التي تساعد المُزارع على زيادة دخله وفعاليته.
المملكة المتحدة. يبلغ عدد العاملين في مجال الزراعة في المملكة المتحدة حوالي 700,000 شخص أي أقل قليلاً من 3% من القوة العاملة. وينتج هؤلاء الغذاء للسوق المحلي بما يعادل ثلثي ما تحتاج إليه المملكة المتحدة من الغذاء الأساسي. ويستخدم المزارعون 80% من جملة الأرض. وتستخدم المزارع في المملكة المتحدة الآلات ويمارس المزارعون نظام الزراعة المختلطة.
وتنتج الأبقار الموجودة في المملكة المتحدة جميع احتياجات السكان من الحليب مع توفر كميات كافية لصناعة القشدة والزبدة والجبن. كما أن ثلاثة أرباع استهلاك المملكة المتحدة من اللحوم يأتي من الأبقار المحلية. وتوفر الأغنام معظم السوق المحلي من لحوم الضأن. ويصدّر تقريبًا نصف إنتاج الصوف. وتربى الخنازير في جنوبي إنجلترا وشمالي أيرلندا، وهي تكفي حاجة الاستهلاك. وتنتج المملكة المتحدة جميع احتياجاتها تقريبًا من الدواجن والبيض.
وترتب المحاصيل الزراعية الرئيسية حسب أهميتها كالتالي: المحاصيل الرعوية والشعير والقمح والشوفان والبطاطس وبنجر السكر والفواكه والخضراوات. ويزرع القمح أساسًا في النصف الشرقي من إنجلترا، ويستخدم نصفه لإنتاج الدقيق والنصف الآخر يقدم علفًا للماشية.
ويقوم المزارعون بزراعة أصناف من القمح الطري الذي يُطْحن لإنتاج دقيق يستخدم في صناعة البسكويت والكيك. ومن أهم المحاصيل الأخرى البطاطس وبنجر السكر. ويغطي محصول البنجر نصف احتياجات المملكة المتحدة من السكر. وتزرع الخضراوات والفواكه في معظم المناطق وخاصة في منطقتي كِنت وإيفشام.
وتوجد أسواق للجملة في جميع أنحاء المدن الكبرى لتسويق الخضراوات والفواكه واللحوم، وهذه الأسواق التقليدية لازالت قائمة. وأنشأت الدولة مجالس للإشراف على تسويق الجنجل واللحوم والحليب والبطاطس والصوف.
أيرلندا. يقدر عدد العاملين في المزارع بجمهورية أيرلندا بحوالي 160,000 شخص، ويمثل هذا الرقم 16% من القوى العاملة. ويستخدم المزارعون حوالي 82% من الأرض للزراعة. ويصدر المزارعون الأيرلنديون الكثير من منتجاتهم الزراعية . وتمثل السلع الزراعية 20% من صادرات أيرلندا. وتقوم مجالس التموين بتنظيم عمليات التصدير وتسويق الشعير والقمح والحليب والبطاطس والخنازير وشحوم الخنازير.
أوروبا الشرقية. تعتبر بولندا ويوغوسلافيا (سابقًا) الدولتين الوحيدتين في شرقي أوروبا اللتين تؤول معظم ملكية المزارع فيهما إلى القطاع الخاص. أما في الدول الأخرى فإن الدولة كانت تمتلك معظم المزارع حيث إن أنواع المزارع الموجودة في هذه الدول إما مزارع دولة وإما مزارع جماعية. وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي إلى دول مستقلة عام 1991م، وصلت الأحزاب غير الشيوعية إلى سدة الحكم في هذه البلاد. وقد عملت الحكومات الجديدة على تمليك الأراضي الزراعية للمزارعين. وبحلول تسعينيات القرن العشرين آلت أكثر من 80% من المزارع للمزارعين الأفراد.
ويمثل العاملون في المزارع في شرقي أوروبا نسبة 20% من القوى العاملة. وتتباين هذه النسبة بين الأقطار المختلفة بدرجة كبيرة حيث تتراوح مابين 10% في تشيكوسلوفاكيا السابقة و50% في ألبانيا. وينتج المزارعون في شرقي أوروبا المنتجات الزراعية نفسها التي ينتجها المزارعون في غربي أوروبا، إلا أن بعض المزارع الجماعية أكبر مساحة من تلك التي توجد في أوروبا الغربية، وبالتالي فإن الزراعة في تلك المناطق تعتبر أكثر اتساعًا.
أمريكا اللاتينية. تبلغ مساحة الأراضي الزراعية في أمريكا اللاتينية أقل من 35% من مساحة الأراضي الكلية. ومعظم المناطق الزراعية تعتبر من المناطق الاستوائية. لذلك فإن هذه المناطق بسبب ظروف المناخ والتربة لاتتلاءم مع نمو العديد من محاصيل المناطق الباردة.
وتوجد أكبر وأخصب الأراضي في أمريكا اللاتينية في الأرجنتين وباراجواي وأروجواي وجنوبي البرازيل. ويمثل عدد العاملين في مجال الزراعة في أمريكا اللاتينية نسبة حوالي 28% من القوى العاملة، ومعظمهم يمارسون الزراعة الإعاشية، حيث يقومون بإنتاج محاصيل مثل المنيهوت (الكاسافا)، والذرة الشامية والفاصوليا الجافة والبطاطس. علمًا بأن الزراعة التجارية تمثل جانبًا مهمًا من الإنتاج الزراعي لأمريكا اللاتينية أيضًا. وتمتلك العائلات الغنية معظم هذه المزارع وتستخدم العمال والمؤجَّرين من المزارعين لتوفير اليد العاملة. ولكن منذ الخمسينيات من القرن العشرين الميلادي أدخلت معظم دول أمريكا اللاتينية برامج الإصلاح الزراعي الذي نتج عنه تقسيم هذه المزارع الكبيرة إلى وحدات أصغر وتم توزيعها على فقراء المزارعين.
تنتج المزارع الكبيرة في أمريكا اللاتينية معظم ما توفره المزارع التجارية من الموز والبن وثلث حبوب الكاكاو وأكثر من ربع قصب السكر. وتنتج المزارع الكبيرة في الأرجنتين والبرازيل كميات كبيرة من الغذاء والمنتجات الزراعية الأخرى، وكلاهما من أهم الأقطار في العالم لإنتاج اللحوم. وتعتبر البرازيل من أهم الدول المنتجة للذرة الشامية وفول الصويا، بينما تعتبر الأرجنتين من أهم الدول الرئيسية لإنتاج الصوف.
أمريكا الشمالية. تصنف الزراعة في الولايات المتحدة الأمريكية على أنها من أهم الأنشطة حيث إن نصف الأرض مخصص للأغراض الزراعية. أما نسبة الأرض المخصصة للزراعة في كندا فهي أقل نسبيًا على الرغم من أن نسبة القوى العاملة المستخدمة في كلا القطرين متساوية تقريبًا. كندا. يزرع حوالي 66 مليون هكتار أي ما يعادل حوالي 7% من مساحة الأراضي الكندية. تقع معظم الأراضي الزراعية في كندا على الحدود المتاخمة للولايات المتحدة الأمريكية. ويبلغ عدد المزارع في كندا 318,000 مزرعة وتبلغ مساحة كل مزرعة في المتوسط 208 هكتار ويستخدم حوالي 60% من الأرض الكندية لزراعة المحاصيل.
ويوجد في كندا إقليمان زراعيان رئيسيان، يمتد الأكبر منهما من محافظات البراري ـ مانيتوبا، ساسكاتشوان وألبرتا ـ ويقع الإقليم الآخر في جنوب شرق كندا. وتنتج محافظات البراري معظم إنتاج كندا من القمح، واللفت والشعير، وتنتج هذه المحافظات أيضًا حوالي ثلثي المنتجات الزراعية الأخرى مثل لحوم الأبقار. وتنتج المزارع في الجنوب الشرقي منتجات اللبن، والبيض، والفاكهة، والذرة الشامية، والخضراوات ـ ويمثل عدد العاملين في القطاع الزراعي حوالي 4% فقط من القوى العاملة الكندية.
الولايات المتحدة الأمريكية. تغطي المزارع حوالي نصف مساحة الولايات المتحدة، وتبلغ هذه المساحة 405 مليون هكتار ويوجد في الولايات المتحدة الأمريكية حوالي 190 مليون هكتار من أراضي المحاصيل.
ويمثل عدد العاملين في الزراعة حوالي 3% فقط من جملة القوى العاملة، علمًا بأن الولايات المتحدة تنتج جزءًا كبيرًا من المنتجات الزراعية على مستوى العالم حيث تنتج حوالي 25% من إنتاج اللحوم و15% من إنتاج الحبوب، والحليب والبيض. والأسباب التي مكنت المزارعين الأمريكيين من إنتاج هذه الكميات الكبيرة هي: 1- تمتلك الولايات المتحدة أراضي واسعة ذات تربة خصبة، والمناخ السائد في هذه الأرض مناسب للزراعة. 2- يستخدم المزارعون الأساليب العلمية الحديثة بالإضافة إلى الآلات الزراعية.
وتوجد بالولايات المتحدة حوالي 2,300,000 مزرعة، ويبلغ متوسط مساحة المزرعة حوالي 187 هكتارًا، ومعظم المزارع يملكها القطاع الخاص. وتمتلك الحكومة الفيدرالية أراضي واسعة للمراعي على جبال الروكي وفي سهول البراري، وتقوم الحكومة بإيجار هذه الأراضي لملاك القطعان الكبيرة من الماشية.
نبذة تاريخية
اعتمد الإنسان منذ مئات الألوف من السنين على صيد الحيوانات، وصيد الأسماك وجمع النباتات البرية. ومنذ 9000 سنة ق.م. اتخذ الإنسان أول خطوة نحو الزراعة حيث اكتشفت بعض القبائل أن النباتات يمكن أن تنمو من البذور، وأن بعض الحيوانات يمكن استئناسها وتربيتها في حظائر. وهذان الاكتشافان رسما الطريق نحو التعرف على كيفية التعامل مع النباتات والحيوانات. ويعتقد كثير من العلماء أن الاستئناس بدأ في منطقة الشرق الأوسط ومن ثم انتشر إلى المناطق المجاورة. ومع بداية عام 8000 ق.م. استطاعت بعض القبائل في الشرق الأوسط زراعة النباتات وتربية الحيوانات الأليفة من أجل الغذاء وكانت هذه الخطوة هي بداية الزراعة.تطوّرت الزراعة بصورة مستقلة في شمال وجنوب شرقي آسيا في حوالي عام 7500 ق.م. وفي وسط المكسيك حوالي عام 7000 ق.م. وقد انتشرت بعد ذلك إلى أنحاء العالم الأخرى من هذه المناطق ومن منطقة الشرق الأوسط. ومن أجل معلومات تفصيلية عن بداية الزراعة، انظر: شعوب ما قبل التاريخ.
العصور القديمة. حينما استطاع الناس ممارسة الزراعة أصبحوا في غنى عن الترحال بحثًا عن الغذاء، لذلك أقاموا مساكنهم الدائمة. وهذا الاستقرار أصبح فيما بعد بداية الحضارة الأولى. الشرق الأوسط. نشأت الحضارات الأولى في منطقتين بالشرق الأوسط إحداهما على حوض نهر النيل في مصر، والثانية حضارة ما بين النهرين التي نشأت في المنطقة الواقعة بين نهري دجلة والفرات. وتمتاز هاتان المنطقتان بتربتهما الخصبة بينما تشح فيهما الأمطار الكافية لنمو المحاصيل. اكتشف المزارعون بعد ذلك أن بإمكانهم زراعة المحاصيل في معظم فصول السنة إذا استطاعوا ري هذه المحاصيل من مياه الأنهار. واستطاعت الحضارة المصرية وحضارة ما بين النهرين في حوالي عام 3000 ق.م. تطوير نظام ري متقدم، كما تم في ذلك الوقت اكتشاف المزارعين في هذه المناطق للمحراث الذي يقوده الثور، علمًا بأن المزارعين السابقين كانوا يجرون محاريثهم بأنفسهم. وكان هذا المحراث الذي يجره الثور أكثر كفاءة وسرعة في تجهيز الأرض للزراعة.
ولقد ساعدت مشروعات الري الكبيرة والمحراث الذي يجره الثور قدماء المزارعين المصريين ومزارعي حضارة ما بين النهرين على إنتاج غذاء أكثر من حاجة عوائلهم. وقد أدى توفر الغذاء إلى هجرة كثير من العاملين في الزراعة إلى المدن. وعند ذلك نشأت طبقات اجتماعية جديدة مثل عمال المباني، وأصحاب الحرف اليدوية والتجار، ورجال الدين. ومن هنا بدأ تحسين نظام الكتابة. وقد أدت هذه التطورات إلي نمو الحضارة. الإمبراطورية الرومانية. بدأت الإمبراطورية الرومانية دولة مكونة من مزارع صغيرة على أرض شبه الجزيرة الإيطالية قبل عام 500 ق.م. وفي عام 200 بعد الميلاد استطاعت روما غزو معظم أوروبا والشرق الأوسط وجميع سواحل البحر الأبيض المتوسط الإفريقية. ومع نمو روما نمت رقعة الأرض الزراعية لدى الإمبراطورية وصارت أكثر تخصصًا حيث إن معظم المزارع الكبيرة تخصصت في زراعة القمح.
وأدخل الرومانيون إلى أوروبا التقنيات الزراعية المتقدمة الممارسة في مصر مثل المحاريث التي تجرها الثيران ونظم الري. كما طور الرومانيون طرقًا زراعية جديدة تختص بهم. فعلى سبيل المثال، بدأوا يمارسون نظام ترك نصف الحقل غير مزروع كل عام. وبهذه الطريقة، تستطيع التربة غير المزروعة تخزين كميات من العناصر الغذائية والرطوبة للمحاصيل في العام القادم. وطور الرومانيون أيضًا نظمًا مختلفة للدورة الزراعية، وفي إحدى هذه الدورات، أدخلوا البقوليات كمحاصيل ضمن الدورة الزراعية. ومن المعروف أن البقوليات تزيد من عنصر النيتروجين في التربة وهو أحد العناصر الغذائية التي تحتاجها جميع المحاصيل كي تنمو. واستطاع الرومانيون عن طريق استخدام نظام المدرجات في الزراعة، زراعة سواحل البحر الأبيض المتوسط المنحدرة في مختلف أجزاء الإمبراطورية الرومانية حيث زُرعت ببعض أشجار الفاكهة مثل العنب والزيتون. واستطاع المهندسون الرومان أيضًا بناء قنوات الري الطويلة ومخازن تخزين الحبوب.
وبدأ نظام الانتخاب للأصناف النباتية أو للسلالات الحيوانية في أوروبا في عهد الإمبراطورية الرومانية. فعلى سبيل المثال، أنتج المزارعون في الجزء الذي يعرف الآن بهولندا أول نسل من الأبقار متخصص في إنتاج الحليب وهو سلالة الهولستين في حوالي عام 100 ق.م.
العصور الوسطى. اكتسحت القبائل البربرية الجزء الغربي من الإمبراطورية الرومانية عام 400م. وبنهاية القرن الخامس الميلادي، سقطت كل الإمبراطورية في يد الغزاة معلنة بداية 1000 عام من الحقبة الزمنية التي تعرف بالعصور الوسطى. وقد أدى الغزو البربري إلى إشعال نيران الحروب الأهلية في جميع مناطق أوروبا. وأدت هذه الحروب إلى انهيار النظام الاقتصادي لأوروبا، بما في ذلك استخدام النقود. وظهر بعد ذلك نظام اقتصادي جديد لأوروبا عرف بالإقطاع الأوروبي في كثير من المناطق. وطبقًا لهذا النظام فإن المزارع أصبحت جزءًا من عقارات كبيرة تسمى المانرز. والمانـرز أصبح يتحكم فيها أصحـاب الأرض الأغنيــاء وتتم فلاحتها بوساطة المزارعين. ويمد المزارعون مالك الأرض بالسلع والخدمات مقابل استغلال الأرض. ولا يمكن للمزارعين، وفقًا لهـذا النظــام، أن يُحرموا من زراعــة أرضهم مادامـوا ملتزمين بمد صاحب الأرض بالسلع والخدمات، ولكن ليس من حقهم امتلاك الأرض. انظر: االإقطاع الأوروبي.
اكتشف المزارعون الأوروبيون نظام الدورة الثلاثية لزراعة المحاصيل في أثناء العصور الوسطى. وحل هذا النظام مكان نظام دورة المحاصيل الروماني القائم على الدورة الثنائية للمحاصيل. ووفقًا لهذا النظام، فإن الأرض تقسم إلى ثلاثة حقول بدلاً من اثنين، ويقوم المزارعون بزراعة حقلين ويتركون الحقل الثالث بلا زراعة، وبذلك يمكن زراعة ثلثي الأرض بدلا من نصفها.
وقد أدخل إلى أوروبا في القرن العاشر الميلادي نوع مهم من نظام التسخير (استخدام الحيوانات)، هو استخدام الحصان بدلاً من الثور، وبالتالي زادت كفاءة الحرث لأن الحصان أكثر سرعة من الثور بثلاثة أو أربعة أضعاف. وبصورة تدريجية، حلت الخيول محل الثيران كأحد المصادر الأساسية للطاقة في المزارع الأوروبية.
استمر المزارعون الأوروبيون في اختيار السلالات الحيوانية والنباتية الجيدة خلال فترة العصور الوسطى. وفي أثناء ذلك اختيرت سلالات متخصصة من الماشية مثل أبقار الحليب التي تعطي حليبًا بكميات وافرة في شمال غربي أوروبا نحو عام 1100م. وسمي هذا النسل من الأبقار باسم جيرنسي وهو مازال من أهم مصادر الحليب لإنتاج الزبدة .
بدأ نظام الإقطاع الأوروبي في الاضمحلال في أوروبا الغربية خلال القرن الثالث عشر الميلادي نتيجة لعودة النقود للتداول كوسيلة لتبادل السلع والخدمات. ونتيجة لذلك، أصبح كثير من المزارعين يعملون بأجر ويدفعون إيجار أراضيهم. وحتى القرنين السابع عشر والثامن عشر لم يستطع المزارعون امتلاك الأرض في معظم الدول الأوروبية.
الزراعة في المستعمرات. أدت الرحلات الاستكشافية الأوروبية التي بدأت في القرن الخامس عشر الميلادي إلى التأثير على الزراعة بصورة كبيرة في شتى أنحاء العالم. فالمحاصيل والأبقار التي تم تطويرها في مناطق معزولة أصبحت منتشرة ومعروفة عندما بدأت هذه الرحلات. فنبات البطاطس مثلاً لم يكن معروفًا لدى الأوروبيين إلا بعد أن أتى به المكتشفون الأسبان من بيرو في القرن السادس عشر الميلادي.
وعندما حط المكتشفون الأوروبيون الرحال على الأرض الأمريكية، كان الهنود الأمريكيون قد سبقوهم في تطوير نظام زراعي متقدم. ففي كثير من أجزاء أمريكا، كان المزارعون الهنود يزرعون حبوب الكاكاو والذرة الشامية والفول السوداني، والفلفل، والمطاط، والدباء، والبطاطا الحلوة والتبغ، والطماطم. عرف الأوروبيون لأول مرة هذه المحاصيل من الهنود كما تعلموا كيفية زراعتها منهم. وفي المقابل، جلب الأوروبيون بذور محاصيلهم، وماشيتهم وآلاتهم الزراعية وطرق زراعتهم عندما استقروا في هذه المناطق.
ومع بداية القرن السابع عشر الميلادي، استطاعت إنجلترا وفرنسا وهولندا والبرتغال وأسبانيا تكوين مستعمراتها في جميع أنحاء القارة الأمريكية. ففي المناطق الاستوائية، أسس المستعمرون المزارع الكبيرة المتخصصة في زراعة محاصيل حبوب الكاكاو، والبن ، والسكر للتصدير. وتم توفير العمالة عن طريق تجارة الرقيق من إفريقيا أو عن طريق تسخير الهنود المستوطنين بأجور زهيدة.
وقد أقام الأوروبيون نظام مزارع الأسرة في معظم أنحاء المستعمرات التابعة لإنجلترا. وكان لكل أسرة أرضها لإنتاج الغذاء والمستلزمات الأخرى الخاصة بها. كما زاد الاهتمام بالمزارع الكبيرة في مستعمرات إنجلترا الجنوبية في الماريلاند وفرجينيا، وشمال وجنوب كارولينا وجورجيا. وعند أواسط القرن الثامن عشر الميلادي، كانت المزارع الكبيرة تنتج الأرز وقصب السكر والتبغ ونبات النيلة الذي يُستخدم لاستخراج الصبغات. وعندما أصبح القطن من المحاصيل الزراعية المهمة في المزارع الكبيرة في القرن التاسع عشر الميلادي جلب المستعمرون أعدادًا كبيرة من الأفارقة للعمل رقيقًا في هذه المزارع.
وقد تطورت الزراعة بسرعة أقل كثيرًا في المستعمرات الفرنسية فيما يسمى الآن شرقي كندا. فالفرنسيون الذين استعمروا شرق كندا منذ أواخر القرن السادس عشر الميلادي وحتى عام 1763م لم يبذلوا مجهودًا يذكر لتطوير وتشجيع الزراعة. فقد امتلكت الطبقات الغنية من النبلاء والتجار الذين يطلق عليهم اسم السجنورز معظم الأراضي. ولم يستطع المقيمون الأوروبيون امتلاك الأرض، لكن كان بوسعهم استئجار أرض صغيرة من السجنورز. وفي منتصف القرن السابع عشر، بدأ بعض المقيمين الفرنسيين ممارسة الزراعة المعيشية على أرض مؤجرة على امتداد نهر سان لورانس في مقاطعة كويبك. وقد بقيت هذه المزارع والمزارع المشابهة لها في نوفاسكوتيا وجزيرة الأمير إدوارد، المزارع الوحيدة الموجودة في كندا إلى أن أعادت بريطانيا سيطرتها على البلاد عام 1763م. وبعد ذلك، قام المقيمون الأوروبيون بإزالة الغابات الكثيفة من مقاطعة أونتاريو للزراعة. وأسس الأوروبيون بعض المزارع الكبيرة، في أجزاء من آسيا خلال القرن السابع عشر الميلادي وما تلاه. لكن بخلاف هذه المزارع الكبيرة لم يقم المزارعون في آسيا باستخدام الأساليب الزراعية الحديثة السائدة عند الأوروبيين. وعلى العكس من ذلك، فإنهم استمروا يمارسون ويطورون الأساليب الزراعية التي كانت سائدة لديهم منذ مئات السنين. فعلى سبيل المثال، استمر مزارعو الأرز في تحسين وتطوير أساليب ري حقولهم. ونتيجة لذلك، فإن المناطق ذات الكثافة السكانية العالية مثل الصين والهند واليابان زادت من إنتاج الأرض في الفترة من القرن السابع عشر إلى القرن التاسع عشر الميلاديين. ومنذ القرن السابع عشر، بدأ أغنياء قارة آسيا في استخدام نظام تأجير أراضيهم الزراعية إلى المزارعين، واستمر هذا النظام حتى صدرت قوانين إعادة توزيع الأراضي الزراعية على صغار المزارعين في أواسط القرن العشرين. وقد أدى النظام السابق إلى جعل الكثير من المزارعين الآسيويين في مستوى حد الفقر.
الثورة الزراعية. حدثت في أوائـل القرن الثـامن عشر المـيلادي تغييرات مهمة في أسلـوب الزراعـة ممـا نتـج عنــه مايسمـى بالثورة الزراعية في بريطانيا. وجاءت هذه الثورة رد فعـل للاكتشافـات والاختراعــات التي ساعدت على زيـادة إنتاجيـة المــزارع عما كانت عليــه في السابــق. ومع منتصف القـرن التاسع عشر الميــلادي، انتشــرت الثــورة الزراعيـة لتعم معظم أوروبا وأمريكا الشمالية. وأدى قيـام هــذه الثورة إلى نمو المــدن بصورة كبيرة في أوروبــا وأمريكـا الشماليـة إذ أدى انخفـاض عــدد العاملين في مجال الزراعة إلى نزوح آلاف الأسر التي تعمل في الزراعة إلى المدن.
وهناك ثلاثة عوامل رئيسية أدت إلي نشوء الثورة الزراعية وهي: 1- تحسين طرق زراعة المحاصيل. 2- التقدم في تحسين طرق تربية الماشية 3- اختراع الآلات الزراعية.
تحسين طرق زراعة المحاصيل. بدأ السياسي الإنجليزي المتقاعد تشارلز تاونشيند، في بداية القرن الثامن عشر في إجراء تجارب على الدورة الزراعية للمحاصيل (تدوير المحاصيل). فقد توصل إلى أن اللفت يمكن زراعته كمحصول رابع في نظام الدورة الزراعية الرباعية. وتتكون المحاصيل الأخرى في الدورة من نوعين من الحبوب وخاصة أصناف القمح، وإحدى البقوليات مثل الفصفصة أو البرسيم.
وكل محصول من محاصيل الدورة الزراعية الرباعية إما أن يضيف عناصر غذائيـة للتربـة مثـل البقوليات أو يمتص كميـة ونوعيـة مختلفة من العناصر الغذائية عن الآخر مثـل القمـح والحبـوب الأخـرى. ولذلك فـإن المـزارع لا يقوم بترك أي جزء من الأرض بورًا (دون زراعة) كما هو الحال في الدورة الثنائية أو الثلاثية للمحاصيل.
ولم تعرف نتائج تجارب تاونشيند خلال فترة حياتـه عدا إطلاق لقب "اللفت" عليه. وفي نهايـة القـرن الثامن عشر، استطاع أحد النبلاء الإنجليـز ويــدعى توماس كــوك أن يزيد إنتاجه من المحاصيل بصورة كبيرة عن طريق استخدام نظام تاونشيند (الدورة الرباعية). وقد شجع كوك المزارعين الآخرين على استخدام نظام الدورة الرباعية للمحاصيل، ولذلك أصبح هذا النظام شائع الاستعمال في إنجلترا. ومكن هذا النظام المزارعين من زراعة أراضيهم بصورة فعالة في كل سنة، بحيث أصبحت الأرض تزرع بالكامل ولا يترك أي جزء منها بدون زراعة. وأدى هذا إلى زيادة إنتاجية الأرض من المحاصيل الزراعية. وقد عاش كل من تاونشيند وكوك في مقاطعة نورفوك في إنجلترا ولذلك أصبح نظام الدورة الرباعية للمحاصيل معروفًا باسم نظام نورفوك.
ولم يكن في استطاعة المزارعين، قبل معرفة وتطوير نظام الدورة الرباعية للمحاصيل، إنتاج علف كاف لماشيتهم في فصل الشتاء. وكان لزامًا عليهم ذبح معظم المواشي في فصل الخريف وحفظ لحومها عن طريق التمليح. لكن اكتشاف نظام الدورة الرباعية للمحاصيل ساعد المزارعين على إنتاج العلف الكافي لتغذية الماشية خاصة اللفت والبرسيم. ونتج عن ذلك مقدرة المزارعين على إنتاج لحوم طازجة طوال العام وليس فقط خلال أشهر معينة أي حينما تتوفر المراعي للماشية.
تحسين طرق استيلاد الماشية. استطاع المزارع الإنجليزي روبرت باكويل في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي معرفة كيفية تحسين الماشية عن طريق أساليب الاستيلاد المكثف للحيوانات ذات الصفات المرغوب فيها. واستطاع باكويل إنتاج سلالات محسنة من الأبقار، والخيول، والأغنام. وقد عُرف باكويل بتطويره لسلالة من الأغنام يمكن تربيتها لإنتاج اللحوم وأيضًا لإنتاج الصوف. فقد كانت السلالات القديمة من الأغنام مكلفة في تربيتها لإنتاج اللحوم حيث إن تسمينها كان بطيئًا. ولذلك فإن معظم الأغنام كانت تربى لإنتاج الصوف فقط. لكن سلالة الأغنام التي أنتجها باكويل والتي عرفت فيما بعد باسم ليستر يمكن تسمينها بسرعة، ولذلك يمكن تربيتها لذبحها بتكاليف مناسبة. وقد أدى انخفاض تكاليف تربية وإنتاج لحوم الضأن إلى زيادة الإقبال على استهلاكها في إنجلترا.
اختراع الآلات الزراعية الجديدة. يعتبر اختراع المزارع الإنجليزي جثرو تل أول وأهم اكتشاف للثورة الزراعية. عاش تول في نهاية القرن السابع عشر وأوائل الثامن عشر، لكن اكتشافه لم يستغل إلا في نهاية القرن الثامن عشر. وحينما بدأ تل حياته الزراعية، كان المزارعون يقومون بغرس البذور يدويًا أي عن طريق نثرها في الحقل. وحتى يصبح بالإمكان المحافظة على البذور وزيادة الإنتاج، حاول المكتشفون تركيب آلة تستطيع أن تحفر حفرة صغيرة في التربة يمكن وضع البذور فيها. واستطاع تل في حوالي 1700م اختراع هذه الآلة (البذارة)، والتي تعد الآلة الزراعية الأولى التي ضمت أجزاء متحركة.
ويعتبر اكتشاف محلاج القطن ذو الأسنان من أهم اختراعات الثورة الزراعية أيضًا، حيث اخترعه إلي ويتني في الولايات المتحدة عام 1793م. وكان المزارعون قبل اختراع آلة ويتني يزرعون القطن في مساحات صغيرة لصعوبة فصل الألياف عن البذور. واختراع محلاج القطن ساعد في تسهيل هذه المهمة مما أدى إلى زراعة القطن في مساحات كبيرة. وفي أوائل القرن التاسع عشر الميلادي استطاع محصول القطن أن يحل محل محصول التبغ من حيث الأهمية في الترتيب في الولايات الجنوبية بالولايات المتحدة الأمريكية.
وفي بداية القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر الميلاديين، بدأ المخترعون في العمل على تطوير آلات خاصة لحصاد ومعالجة الحبوب التي ينتجها المزارعون الأمريكيون بكميات كبيرة. ففي 1834م، سجل المخترع الأمريكي سايروس ماكورميك أول براءة اختراع لآلة حاصدة. وفي نفس العام سجل الأخوان الأمريكيان جون وهيرام بيتز براءة اختراع الآلة الدرَّاسة. وقد أصبحت هذه الآلة نموذجًا لمعظم الدرَّاسات. وفي أوائل القرن التاسع عشر، بدأ المخترعون العمل على تطوير آلة مزدوجة تقوم بعمليتي الحصاد والدراس معًا (حاصِدَة درّاسة)، لكن الحاصدة الدراسة لم تستخدم على نطاق واسع إلا في بداية القرن العشرين.
ويعتبر اختراع الحداد جون دير، من ولاية إلينوي الأمريكية للمحراث الفولاذي عام 1837م مساويًا في الأهمية لزيادة إنتاج الحبوب. فقد كان المحراث في السابق يصنع من بقايا الحديد والخشب التي بدورها لم تكن تستطيع تقليب التربة الثقيلة لأراضي وسط الغرب الأمريكي. فالتربة هناك غالبًا ما تلتصق بواجهة المحراث وتسد شق المحراث، مما يؤدي إلى صعوبة عملية الحرث. لكن استخدام المحراث الصلب (جون دير) أدى إلى سهولة إجراء عملية الحرث في مختلف أنواع الأراضي.
الزراعة في القرن العشرين. ساعدت العلوم والتقنية الحديثة المكتشفة منذ القرن التاسع عشر على زيادة الإنتاج الزراعي بدرجة كبيرة. فقد أنتج المزارع الأمريكي عام 1850م في المتوسط ما يكفي لسد حاجة خمسة أشخاص من القوت. أما الآن فإن كل مزارع يستطيع أن ينتج قوتًا يكفي لغذاء 78 شخصًا. ويتمثل دور العلوم والتقنية في الزيادة الهائلة في الإنتاج الزراعي في: 1- إمداد المزارعين بمصادر جديدة للقدرة 2- إنتاج أصناف وسلالات محسنة من النباتات والحيوانات 3- تطوير مواد كيميائية زراعية جديدة.
مصادر القدرة الجديدة. طُوّرت الجرارات الزراعية في منتصف القرن التاسع عشرالميلادي واستخدمها بعض المزارعين في أوروبا وأمريكا الشمالية. ولكنها كانت باهظة التكاليف وصعبة الاستخدام، لذلك استمر المزارعون في استخدام الخيول والبِغال كمصدر قدرة لتشغيل الآليات الزراعية. ولقد صنع أول جرار زراعي يعتمد على البترول كمصدر للقدرة في الولايات المتحدة عام 1890م، لكن هذا الجرار لم تكن لديه القوة الكافية لأداء معظم الأعمال الزراعية. وفي بداية القرن العشرين الميلادي، صمم المهندسون نماذج أقوى من الجرارات تستطيع أن تجر المحراث. وقد ظهر أول جرار يؤدي كل الأعمال الزراعية عام 1920م، حيث أصبح بالإمكان استخدام هذه الجرارات مع كل الآلات الزراعية ابتداء من آلة حصاد الحبوب إلى آلة جني القطن. وبالتدريج، حلت هذه الجرارات محل الحيوانات والجرارات البخارية في كل أنحاء الولايات المتحدة. ويوجد الآن حوالي 16,5 مليون جرار على نطاق العالم. استطاعت اليابان وكثير من الدول الأوروبية استخدام القدرة الكهربائية منذ منتصف عام 1930م، لكن انتشار القدرة الكهربائية في الريف الأمريكي كان بطيئًا حتى عام 1935م. وبعد ذلك، بدأت المساعدة لمد الخدمات الكهربائية عن طريق منح القروض ذات الفوائد المنخفضة لكهربة الريف.
ويستطيع المزارعون اليوم استخدام المحركات الكهربائية لتشغيل آلات الحلب، ومضخات الري، والآلات الزراعية الأخرى. ويستخدم المزارعون أيضًا الكهرباء لتشغيل الإلكترونيات والآلات ذاتية الحركة. وتشمل هذه الآلات آلة تعبئة المعالف وآلة تجميع وتصنيف البيض. وباستطاعة بعض المزارعين الآن الاتصال هاتفيًا مباشرة بالحواسيب بكليات الزراعة أو مراكز خدمات المزارع. وباستطاعة الحاسوب حل بعض مشاكل المزارعين. فعلى سبيل المثال يمكنهم التأكد من خلط مكونات علف الماشية وحساب الربح المتوقع من إنتاج زراعي معين. السلالات المحسنة من النبات والحيوان. اكتشف عالم النبات القس النمساوي جريجور مندل في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي أساسيات علم الوراثة. وبذلك وضع أسس العلم الذي يفسر كيفية توريث الخصائص والصفات. وبتطور علم الوراثة خلال القرن العشرين، أصبح بالإمكان الحصول على سلالات من النبات والحيوان بطريقة علمية.
واستطاع مستولدو النباتات في الولايات المتحدة الأمريكية في أوائل القرن العشرين تطوير هجين للذرة الشامية ذي إنتاجية عالية. وفي 1920م، توفر عدد كبير من هُجُن الذرة الشامية على نطاق تجاري. وفي أوائل الستينيات، أصبح أكثر من 95% من المساحة المزروعة بالذرة الشامية مزروعة بالأصناف الهُجُن.
وقد أدت هذه الوسيلة إلى زيادة معدل إنتاج الذرة الشامية بصورة هائلة حيث زاد معدل إنتاجية الهكتار من 69 بُوشِل في1920م إلى 292 بُوشل في1980م. (البوشِل حوالي 35 كجم).
كذلك تمكن العلماء عام 1960م من الحصول على أصناف من القمح والأرز ذات إنتاجية أعلى بكثير من الأصناف القديمة. وقد عني باستخدام هذه الأصناف في الدول النامية مثل المكسيك والهند بهدف توفير الغذاء لشعوبها، وقد نجحت هذه الوسائل وعرفت فيما بعد بالثورة الخضراء.
واستطاع أيضًا مستولدو الماشية إنتاج سلالات محسنة خلال القرن العشرين، كما استطاعوا أيضًا تطويرطرق فنية متقنة من الانتخاب المكثف للإسراع في التطوير الوراثي للحيوانات. وطور اختصاصيو التغذية الأعلاف للحيوانات كما طور الأطباء البيطريون طرق الرعاية الصحية للحيوان. وأدت هذه الطرق في مجملها إلى زيادة إنتاجية الماشية. فعلى سبيل المثال، زاد متوسط إنتاج الحليب للبقرة الواحدة في الولايات المتحدة الأمريكية بحوالي 100،2لتر في الفترة من 1960م إلى منتصف 1980م. وإضافة إلى ذلك، فإن سلالات الدجاج اللاحم اليوم تنمو بضعف سرعة نمو السلالات القديمة، وتستهلك نصف كمية الغذاء.
المواد الكيميائية الزراعية الجديدة. استخدم المزارعون منذ بداية الزراعة مــواد مختلفـة لتخصيب التربة ولمكافحة الآفات الحشرية. فعلى سبيل المثال، استخدموا رمـاد الأخشاب والزبل سمادًا منذ فترات ما قبل التــاريخ. والزرنيخ والبـايرثرم (حشيشة الحمى) والسمــوم الطبيعية الأخـرى تم استخدامها كمبيدات حشرية منذ زمن بعيد. وقد استخدمت هــذه المـواد لأنها برهنت على فعاليتها، ولكن لم يعرف عن كيفية وطريقة عملها إلا القليل.
ومنذ بداية ظهور علم الكيمياء الحديث في أواخر القرن الثامن عشر، أصبح بمقدور العلماء إنتاج أنواع مختلفة من المركبات الكيميائية لاستخدامها في الزراعة. وتشمل هذه المواد الكيميائية 1- الأسمدة 2- المبيدات الحشرية 3- مبيدات الأعشاب 4- المواد الكيميائية لمكافحة أمراض النباتات والحيوانات. وأدى استخدام هذه المبيدات إلى زيادة إنتاجية المزارع بصورة هائلة خلال القرن العشرين، لكن سوء استخدام هذه المواد الكيميائية الزراعية في بعض الحالات أدى إلى تلوث البيئة. وقد حددت كثير من الدول استخدام بعض هذه المواد الكيميائية التي برهنت على خطورتها على البيئة.
الأسمدة. استطاع العلماء خلال القرن التاسع عشر التعرف على المواد الكيميائية التي تحتاجها المحاصيل للنمو. فقد أصبحت هناك قناعة أن البقوليات مفيدة في الدورة الزراعية لأنها تساعد في تثبيت النيتروجين الجوي في التربة، كما استطاعوا أيضًا التعرف على العناصر التي تحتاج إليها المحاصيل مثل الفوسفور والبوتاسيوم. وقد أصبح السماد المركب الذي يحتوي على العناصر الضرورية متوفرًا على المستوى التجاري إلا أن استعماله كان محدودًا نظرًا لارتفاع تكاليفه.
وقد طور العالم الألماني فريتز هابر عام 1913م طريقة الحصول على النيتروجين الجوي، انظر: النيتروجين. ويعتبر النيتروجين أهم العناصر الغذائية الضرورية لدرجة أن إنتاجه بتكلفة أقل كان له أثر كبير في استخدام الأسمدة في الزراعة. وعلى المستوى العالمي، زاد استخدام السماد إلى أكثر من الضعف في الفترة من أواخر الستينيات إلى بداية الثمانينيات من القرن العشرين. انظر: السماد.
المبيدات الحشرية. استطاع العلماء في سويسرا عام 1939م تطوير مادة كيميائية قوية عرفت باسم دي.دي.تي مبيدًا حشريًا. وفي بداية الخمسينيات استخدم المزارعون كميات كبيرة من مادة د.د.ت لحماية محاصيلهم، لكن الباحثين اكتشفوا مؤخرًا أنها على الرغم من مكافحتها للحشرات الضارة تعرض الحيوانات الأخرى للخطر. ولهذا فقد منعت كثير من الحكومات استخدام هذا المبيد في بداية عام 1970م. ويستخدم معظم المزارعين حاليا مبيدات حشرية صُنعت من المركبات الكيميائية المسماة الفوسفات العضوية والكارباميت.
مبيدات الحشائش. اعتاد المزارعون مقاومة الحشائش والأعشاب الضارة على امتداد تاريخ الزراعة وحتى منتصف القرن العشرين عن طريق العزق اليدوي، والحرق والعزق الآلي. وقد سجل أول اختراع لمبيد كيميائي للحشائش يسمى 2، 4-د في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1945م. وأصبح هذا المبيد واسع الانتشار وما يزال يستخدم حتى الآن. ولمزيد من المعلومات عن مبيدات الحشائش الضارة والوسائل الأخرى المكافحة للأعشاب انظر: العشب الضار.
مواد كيميائية لمكافحة الأمراض. تعد أمراض النباتات والحيوانات من أهم الصعوبات وأكثرها تكلفة للمزارع مثلها مثل الأعشاب الضارة. وتتسبب الكائنات الدقيقة والفطريات في كثير من أمراض النباتات. ومنذ منتصف القرن التاسع عشر، أنتج العلماء الكثير من المواد الكيميائية التي تسمى المبيدات الفطرية لمكافحة هذه الأمراض. وهناك كثير من أمراض النباتات تسببه الفيروسات والبكتيريا، وقد تم إنتاج مواد كيميائية لمكافحة هذه الأمراض، إضافة إلى أن العلماء يعملون بصورة مستمرة لاستنباط أصناف مقاومة بدرجة كبيرة لهذه الأمراض. ولمزيد من المعلومات عن الفطريات ومبيدات الفطريات، انظر: الفطريات ؛ مبيد الفطريات.
وتتسبب البكتيريا والفيروسات في معظم أمراض الحيوان، وتتم مكافحة بعض هذه الأمراض بوساطة اللقاحات. وقد اكتشف العالم الفرنسي لويس باستير، أول لقاحات للماشية خلال القرن التاسع عشر الميلادي. وطُوِّرت هذه اللقاحات لمكافحة أمراض مثل الجمرة وكوليرا الدجاج. وخلال القرن العشرين، استطاع الكيميائيون إضافة العديد من اللقاحات وكذلك المضادات الحيوية والمواد الأخرى للمساعدة في مقاومة أمراض الماشية. انظر :البيطري، الطب.
التطورات الحديثة. تضاعف الطلب على الغذاء على المستوى العالمي منذ عام 1950م عدة مرات. ولمواجهة هذا الطلب المتزايد، أصبح لزاما على المزارعين زيادة إنتاجهم بصورة كبيرة خلال العقود الأخيرة. وقد حدثت هذه الزيادة في الطلب على الغذاء في الدول غير الصناعية أو ما يعرف باسم الدول النامية. وتعتبر الزيادة السكانية السريعة في هذه الدول السبب الرئيسي لزيادة الطلب على الغذاء. ولأن معظم الدول النامية تنتج ما يكاد يفي بسد حاجتها، ولا تستطيع استيراد كميات إضافية من الغذاء لسد حاجة سكانها الذين تتزايد أعدادهم بصورة كبيرة، يصبح لزامًا على الدول النامية أن تزيد إنتاجها من الغذاء أو تواجه نقصًا حادًا في التغذية. ومع ذلك تفتقر معظم الدول النامية إلى الخبرة والموارد المالية التي تحتاجها عمليات تطوير الزراعة.
ومن أجل التغلب على هذه المشكلة، تبنت الكثير من الدول الصناعية برامج تقديم المساعدة للمزارعين في الدول النامية عن طريق منح قروض بفوائد منخفضة أو عن طريق التدريب لأجل تحديث نظام الزراعة بها. وتساعد منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) ـ إحدى منظمات الأمم المتحدة ـ في تنسيق البرامج القومية، كما تقوم بتبني مشاريع مساعدة تابعة لها.
ازداد الطلب على الغذاء خلال السبعينيات من القرن العشرين، ونتيجة لذلك، فإن كثيرًا من المزارعين وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، أقدموا على اقتراض مبالغ كبيرة لزيادة إنتاجهم. ولكن في الثمانينيات واجه الكثير من المزارعين في دول عديدة ديونًا متراكبة وأزمات مالية نتيجة لارتفاع أسعار الفائدة على القروض بصورة حادة وانخفاض الطلب العالمي على الغذاء. فقد أدى هذا الانخفاض على الطلب إلى انخفاض الأسعار مما نتج عنه عدم مقدرة بعضهم على الوفاء بالتزاماتهم من الديون والتحضير للمواسم الجديدة. وقد أدى ذلك إلى بيع الكثير منهم مزارعهم وبالتالي انخفضت قيمة هذه المزارع. وفي عام 1996م، أصدرت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية قوانين قللت بموجبها الدعم الذي كانت تقدمه للمزارعين الأمريكيين منذ ثلاثينيات القرن العشرين، وأخضعت المنتجات الزراعية لأسعار السوق.
أسئلة
- كيف يؤثر المناخ على تحديد أنواع المحاصيل التي يمكن زراعتها في منطقة معينة؟
- متى وأين بدأت الزراعة؟
- ماذا توفر الزراعة من منتجات غير المنتجات الغذائية؟
- ما الزراعة الإعاشية؟ في أي جزء من العالم تمارس هذه الزراعة بصورة كبيرة؟
- لماذا تعتبر الزراعة من أهم الأنشطة الإنسانية؟
- ما المحاصيل العلفية؟ ولماذا أصبحت مهمة؟
- كيف تمكنت الزراعة من تطوير الحضارة؟
- ما أوجه الاختلاف بين الزراعة المكثفة والزراعة الموسعة؟
- لماذا تعتبر المزارع المختلطة أقل خطورة من المزارع المتخصصة؟
- ما الثورة الزراعية؟
- تحدث عن الزراعة في مصر والسودان.