اتجاهات تطور المعرفة في الدول العربية


مقدمة:


تمثل المعرفة سلاح الدول في تقدمها العلمي ، وقد عدها الاقتصاديون عنصر الإنتاج الأساس الذي ينتشر بالمشاركة ويزداد بالممارسة والاستخدام؛ وهي بمثابة العمود الفقري والمفتاح الرئيس لنجاح دول العالم المختلفة ومنها العربية ، إذ تتحكم بها ثلاث  خصائـص، هي ؛ كونها موردا اقتصاديا ، واعتبارها قطاعا قائدا من قطاعات الاقتصاد المعاصر ، وتناولها اللامتناهي بين الأفراد.

   وتكمن أهمية البحث بمدى اعتماد الدول العربية على المعرفة للقيام بدورها التنافسي على المستوى العالمي وما يرافقها من آثار ايجابية لدعم اقتصاداتها. ويهدف البحث إلى التعرف على اتجاهات تطور المعرفة في الدول العربية ومدى مساهمتها في الاقتصاد المعرفي .

 وتستند فرضية البحث  إلى ان الدول العربية تخطو خطوات سديدة للمشاركة في تطور المعرفة سواء على صعيد الدول العربية بعضها مع البعض الآخر من جهة أو بينها وبين دول العالم الخارجي من جهة أخرى. وتتلخص مشكلة البحث بمحدودية الإمكانيات المتاحة للدول العربية في اكتساب المعرفة ونشرها فضلا عن قصورها في تحويل المعرفة الى حيز التنفيذ بما يُمكّن الأفراد الإفادة منها لمواكبة التطور العالمي .

 واعتمد البحث الإطار التحليلي ألوصفي والنظري لدراسة اتجاهات تطور المعرفة في الدول العربية معتمدا على المصادر والبيانات المتيسرة للتوصل إلى مجموعة من الاستنتاجات وبعض المقترحات. وتضمن البحث محورين أساسيين تناول الأول؛ الإطار النظري للمعرفة والاقتصاد المعرفي ، وتم فيه استعراض مفاهيم المعرفة واستثمارها ومدى مساهمتها في الاقتصاد المعاصر ، وركز الثاني؛ على اتجاهات تطور المعرفة في الدول العربية والتي شملت استيعاب واكتساب ونشر المعرفة .






المبحث الأول:الإطار النظري للمعرفة والاقتصاد المعرفي




لقد شهدت العقود القليلة الماضية تسارعا في وتيرة التغير نحو اقتصاد المعرفة، ذلك إن إنتاج المعرفة كان من اولويات دول العالم المختلفة باعتبار المعرفة من الأساسيات الهامة لتحريك النمو الاقتصادي فيها، وان الاعتراف بالمعرفة كموجود جوهري غير ملموس ماديا وضع تحديات جديدة أمام إدارة المعرفة ودفعها لإعادة ترتيب اولوياتها (الدرويش، الكبيسي،2003 ، 14). كما أن التطور المعرفي لدول العالم المتقدم والنامي نتج عنه أاستحداث العديد من التطبيقات المفيدة التي أسفرت عن امكانات هائلة في التدريب والتعليم لاسيما التعليم عن بعد وأساليب العلاج وتوفير المعرفة للإفراد.
1-1            ماهي المعرفة؟
تعد المعرفة ركيزة أساسية في نمو وتطور اقتصادات جميع الدول فهي الشكل الاساس لراس المال الفكري؛ وتراكم المعرفة هو الدافع إلى تحريك النمو الاقتصادي(An Engine of Growth) ذلك انه وخلافا لجميع الاختراعات عند اكتشافها لا يمكن احتكارها،و تتميز بسرعة انتشارها(Thoreson,2000,2 )وصعوبة منع الآخرين من استخدامها، كما أنها خليط من التعلم والخبرة المتراكمة المعتمدة على الفهم والإدراك البشري (نديم، 2004، 1).وتظهر قيمتها كونها يمك أن تتحول إلى سلع وخدمات  يكون الأفراد على استعداد لدفع تكلفتها من اجل الحصول عليها مما يؤدي إلى تحقيق إيرادات ومنافع اقتصادية . والمعرفة لا يمكن أن تتوفر إلا من خلال التعليم بكافة أنواعه وبمختلف مراحله، ولا يمكن الاعتماد على اكتسابها من التمهن والتدريب فقط ، غير انه لاننكر أن التمهن والتدريب مع فرصة من التعليم يمكن ان تخلق نوعا من الإبداع . وتحت وطأة الافتقار إلى الوقت الكافي لا يتمكن جميع الأفراد من التعلم واكتساب معارف جديدة ، لذا فان نوعية التعليم والتعلم تحتل أهمية خاصة في اقتصاد المعرفة .

1-2            مساهمة المعرفة في الاقتصاد المعاصر (الاقتصاد المعرفي):
لقد اعتمد الاقتصاد الكلاسيكي على عنصري العمل وراس المال ،  في حين ركز الاقتصاد المعاصر على المعرفة ومستخدميها  (Daft,2001, 257 ) ، ذلك إن مساهمة المعرفة في هذا الاقتصاد يمكن أن تخلق أرضية للإبداع من خلال التطورات التكنولوجية الحديثة التي تكون الدافع الرئيس للنمو الاقتصادي. كما يختلف عن الاقتصادات الأخرى كونه اقتصاد وفرة أكثر منه اقتصاد ندرة ، فعلى عكس اغلب الموارد التي تنضب من جراء الاستهلاك تزداد المعرفة بالممارسة والاستخدام وتنتشر بالمشاركة ، فضلا عن أن اقتصاد المعرفة يسمح باستخدام التقانة الملائمة بخلق أسواق تلغي قيود الزمان والمكان .

إن انتقال التوازن بين المعرفة والموارد في الاقتصاد العالمي نحو المعرفة التي أصبحت العامل الأكثر أهمية في تحديد مقياس الحياة ،  أدى إلى تسارع عجلة التطور التكنولوجي من العصر الصناعي إلى عصر المعلومات ،  إذ يمكن النظر إلى تكنولوجيا المعلومات ليس كدافع للتغيير وإنما كأداة لإطلاق القدرة الإبداعية والمعرفة المتجسدة في الأفراد ، حيث بلغت معدلات انتشار الانترنيت في بدايات عقد التسعينات من القرن الماضي نحو (150) ألف مستخدم و (200) ألف جهاز و (2) مليون صفحة جديدة في اليوم الواحد ، كما ارتفع حجم التجارة الالكترونية التي تتم من خلال الانترنيت من (45) مليون دولار سنة 1998 إلى ما يقارب (7) تريليون دولار في مطلع سنة 2004 (الاسكوا، 2003، 2) . وهذا يدلل على مدى التطور فيمجالات المعرفة المختلفة وتهيئة
وبناء القدرات البشرية التي تتمكن من التوصل إلى اكتساب المعرفة .

1-1            مجتمع المعرفة:
هناك تحول جوهري من مجتمع صناعي إلى مجتمع المعرفة ، إذ أن المعرفة تبقى هي القوة الدافعة والمسيطرة في المجتمع الذي تستخدم فيه المعلومات بكثافة في مختلف أوجه الحياة ، أي انه يعتمد على التكنولوجيا الفكرية التي تضم سلعا وخدمات جديدة مع التزايد المستمر للقوى العاملة المعلوماتية التي تقوم بإنتاج وتجهيز ومعالجة ونشر وتوزيع وتسويق هذه السلع والخدمات ، ولمجتمع المعرفة مجموعة خصائص ينفرد بها عن باقي المجتمعات منها (محي الدين، 2004 ، 1) ؛ استخدام المعرفة كمورد اقتصادي من خلال استغلالها والانتفاع بها خاصة بتواجد اتجاه متزايد نحو استخدام المعرفة للعمل على تحسين الاقتصاد الكلي للدولة ، كذلك الاستخدام المتناهي للمعرفة بين الجمهور الذي يستخدم المعرفة لممارسة حقوقه ومسؤولياته ، فضلا عن إنشاء نظم المعرفة التي توسع من إتاحة التعليم والثقافة لكافة الأفراد، وبذا تكون المعرفة عنصرا لاغنى عنه في الحياة اليومية لأي فرد . ولا ننسى أن ظهور قطاع المعرفة في المجتمع أصبح بلا شك قطاعا مهما من قطاعات الاقتصاد . وللحفاظ على مجتمع معرفي سليم لابد أن تكون هناك عدة إجراءات يمكن اتخاذها للمساهمة في الحفاظ على المكتسبات من المعرفة منها (المسلم، 2003 ،1) :

-         توثيق الخبرات وحفظها في قاعدة بيانات تجعلها متاحة للاستخدام .

-         استخدام المعلومات لأعداد أي دراسة بجهد وتكلفة اقل .

-    وضع إجراءات وطريقة عمل تضمن الاتصال المباشر والتواصل بين أصحاب الخبرة والمعرفة والآخرين بشكل منظم ومستمر .

-    زيادة القدرات الابتكارية ورفع مستوى الإبداع عن طريق ضمان التدفق الحر للمعلومات وتبادل الخبرات بين مختلف الدول.

1-2          إدارة المعرفة:
إن المجتمع الذي يعتمد أساسا على المعلومات كمورد استثماري وكسلعة استراتيجية وكخدمة وكمصدر للدخل وكمجال للقوى العاملة ، لابد وان تكون هناك إدارة تقوم بتفعيل هذه الخدمات وتقديمها بالشكل الصحيح ، فإدارة المعرفة تٌعّرف بأنها العمليات التي تساعد الدول على توليد المعرفة واختيارها وتنظيمها  واستخدامها ونشرها ، وهي تسعى إلى إقامة العلاقات بين الأفراد وتشجيع مشاركتهم في الخبرات والتعلم والقدرة على التكيف والابتكار ، كما تدعم وتساند التعليم الفردي والجماعي .  إن إدارة المعرفة هي بالذات عملية إدارة الخبرات العلمية والمعلوماتية والحفاظ عليها والاستفادة منها في الحصول على مزايا تنافسية وتحقيق اكبر قدر ممكن من التفوق لدعم تلك المعرفة ، وذلك من خلال رفع مستوى كفاءة الأداء وزيادة مستوى الابتكار والإبداع ، ذلك إن الخبرة والإشراف هي إحدى وسائل نقل المعرفة باستخدام طرق ووسائل علمية وعملية متطورة للحفاظ على تلك المعرفة ، وان أساس اقتصاد المعرفة هو الإدارة للعلم والتكنولوجيا (Swanstrom,2002,5) وهناك ثلاثة عوامل أساسية للاهتمام بغدارة المعرفة ، وهي :


1.          إن التقدم السريع الذي حصل في الموارد المعرفية جعل من عملية المشاركة بالمعرفة أكثر سهولة وسرعة ، إضافة الى ربط الأفراد بشبكات اتصالات كان الغرض منها اكتساب المعرفة والمشاركة فيها.
2.         بتحول الأساس الاقتصادي للدول من الموارد الطبيعية إلى الموارد المعرفية ومنها راس المال المعرفي الذكائي ، أدى إلى توجه تلك الدول إلى تقييم الموارد المعرفية وكيفية توظيفها واستخدامها استخداما امثلا .
3.         إن الاهتمام المتزايد بالموارد المعرفية يبين مدى سعي الدول لإيجاد بيئة ونظام يبحثان عن المعرفة الجديدة وتوظيفها في المكان والزمان الصحيحين .


1- 5استثمار المعرفة
هناك مجموعة فقرات أساسية تعد دليلا يرشد الدول إلى كيفية استثمار المعرفة وتحويلها قيد التنفيذ ، وهي(الاسكوا، 2003، 6) :
-         الإصرار على تحديد رؤية موحدة واضحة وشاملة والمواظبة على تحقيقها عبر برنامج عمل محدد و دؤوب .
-    تحقيق شعور لدى الأفراد وارتباطه بوجوب امتلاك الدولة للبنى التحتية ، وتدخل الدولة لحماية الإفراد ،وتأمين الحد الأدنى من الاستقرار .
-    العمل على جعل المعرفة قاعدة استراتيجية لتحديث الإنتاج وتنويع الدخل للدول عبر الصناعات الذكية لتكون مصدرا لتطوير العنصر البشري لأداء أفضل .
-    أن تكون المعرفة أساس لتفعيل الاقتصاد المعرفي وتحوله نحو الاقتصاد المنشود بتوزيع عادل للثروات وحياة أفضل للأفراد .

ومما سبق يتبين إن المعرفة هي منطلق الحاجة للأفراد وان الحاجة للمعرفة تبقى المحور الأساس في مصير الدول لأنها تشكل الرافد  الذي يغذي الحاجات الأخرى وجمودها يعني توقف نمو اقتصادات هذه الدول ونقصان في متطلباتها الأساسية الأخرى فتتخلف عن مسيرة الحياة وتقع أسيرة في ربقة الدول التي تمتلك سلاح المعرفة والعلم.
 



 المبحث الثاني: اتجاهات تطور المعرفة في الدول اٍٍلعربية


تمثل المعرفة عماد الاقتصاد المعاصر خاصة في عصر العولمة ، وهذا يعني أهمية التحول إلى قطاع المعرفة وثباته في عالم اليوم ، في الوقت الذي تعاني الدول العربية من فجوة واضحة في هذا المجال على الرغم من محاولة البعض منها الانفتاح نحو عالم المعرفة لتواكب ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ، والسير في ركاب الدول المتقدمة ، وجعل المعرفة ركيزة استراتيجية تعتمد عليها باستخدام ثلاثة اتجاهات مختلفة هي : الأول ؛ استيعاب المعرفة ، والثاني ؛ اكتساب المعرفة ، والثالث ؛ نشر المعرفة 0 غير إن هذه الاتجاهات لا يمكن تحقيقها إلا من خلال اعتماد خطوات ثابتة في تحصيل المعرفة والتي تعتبر ركائز مهمة وبنى تحيتة يستند عليها استحصال المعرفة ، وهي : التعليم بكل مستوياته ومختلف أنواعه ؛ البحث والتطوير ومخرجاته ؛ وجوانب الفجوة الرقمية (التقانات ،المعلومات ) ، وكلما تعددت مصادرالمعرفة كلما كان مردود التعلم أكثر مع  مراعاة
  أثر العنصر البشري كمصدر للمعرفة(سلامة، 2002، 20) .




استيعاب المعرفة:

يتضمن تزويد الأفراد بالقدرة على استخدام المعرفة من خلال عدة ركائز منها (تقرير التنمية الإنسانية العربية ،2002، 6) :
 


اكتساب المعرفة:

يعد اكتساب المعرفة وسيلة هامة لبناء قدرة الإنسان، ذلك إن المعرفة هي العنصر الرئيس في الإنتاج ، وعليه فأن هناك تكاملا بين اكتساب المعرفة والقوة الإنتاجية في إي مجتمع، وعلى هذا الأساس فان قلة المعرفة وركود تطورها يؤديان إلى ضعف القدرة الإنتاجية، وتضاؤل فرص التنمية في الدول التي تعاني من نقص فيها، إذ أصبحت المعرفة المحدد الأساس لمقدرات الدول في الماضي وعالم اليوم (Hayek,1937,1)  ، ونظرا لما تعانيه الدول العربية من ضعف في التطور التقاني فان اكتساب المعرفة يجب أن لا يقتصر على بناء قاعدة معرفية لتوليد معرفة جديدة حسب، وإنما يتعدى إلى جني المعرفة المتواجدة في أماكن أخرى من العالم (تقرير التنمية الإنسانية العربية، مصدر سابق،7)، وذلك عن طريق الانفتاح نحو أسواق المعرفة العالمية وتشجيع الانسياب الحر للمعلومات والأفكار ، والعمل على استيراد وتكييف التقانة واستيعابها من خلال الممارسة ريثما تتوافر البيئة الضرورية للتطوير التقاني العربي والمتمثلة في إنشاء نظام إنتاج واسع ومتنوع نابض بالحيوية، وسوق قادرة على توفير تكاليف التطوير التقاني فيها ، وهذا هو بالذات ما تفعله الدول العربية في الوقت الحالي، إذ تستورد أحدث التجهيزات التكنولوجية استجابة لرغبات المستهلك العربي وتماشيا مع متطلبات العالم الجديد. ولكن يبقى السؤال هل يكتفي المجتمع العربي بما تقدمه الدول العربية أمام رغبته في دخول مجتمع المعرفة ؟. إن الشروع في العمل على اكتساب المعرفة يتطلب الاستفادة من بعض العوامل الايجابية ؛ ومنها إن تكلفة الأجهزة الالكترونية في الوقت الحاضر هي نصف تكلفتها قبل خمس سنوات ، وان اكتساب المعرفة يمكن تسخيره عن طريق تلبية الطلب لاشباع رغبة الأفراد في الدول العربية للدخول إلى مجتمع المعرفة مع ما يتناسب والتطور التكنولوجي الذي يزخر به العالم المتقدم وبما يتلاءم وخصوصية المجتمع العربي (الأمين ، مصدر سابق ،178)  ،ويتم ذلك من خلال تحسين القدرات المؤسسية والبشرية بوضع برامج مناسبة وتنمية قطاع المعرفة كقطاع منتج ، ومحاولة إحلال إنتاج المعرفة في المدى المتوسط محل استيرادها من الخارج . وهذه المؤشرات تعتبر الحل الامثل في اكتساب المعرفة نظرا للامكانات التي تضطلع بها الدول العربية في الوقت الحالي .



نشر المعرفة :
إن بناء راس المال البشري راقي النوعية هو تحدي المستقبل في الدول العربية مجتمعة ،وان الفرد العربي كمتطلع نحو عالم المعرفة وبأوسع نشاطاته لا يكتفي بأن يكون مكتسبا للمعرفة وإنما يسعى للحصول عليها ليتمكن من المشاركة الفاعلة في عالم القرن الحادي والعشرين . لذا من الضروري إعطاء الأولوية لتخفيض تكلفة الوصول إلى الانترنيت والذي يعتبر وسيلة أساسية لنشر المعرفة بحيث تصبح متاحة لجميع الأفراد ،أما بالنسبة للموارد البشرية وتطوير العنصر البشري فينبغي أن تعطى الأهمية لتدريب كوادر متخصصة وتأهيلهم كمعلمين للحاسوب وذلك لكي يتمكنوا من تدريب اكبر عدد ممكن من الأفراد على استخدام الحاسوب الذي يعتبر الأساس في استخدام الانترنيت (تقرير التنمية الإنسانية العربية ، مصدر سابق ،7-8) . كما أن التنسيق بين الدول العربية يعد أساسيا لضمان التوافق بين نظم وأساليب المعرفة لربطها مع بعضها البعض والاستفادة من وفورات الحجم الكبير في البحث عن الحلول للمشكلات المشتركة .
ولقد سعت العديد من الدول العربية في مجال نشر المعرفة إلى إنشاء مدن الانترنيت لتكون مناطق جذب لمختلف المؤسسات العاملة في تطبيقات تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات ، كما هو الحال في دولة الإمارات العربية المتحدة ، إذ أنشئت مدينة دبي للانترنيت ، والتي حققت خطوات متقدمة في تطور الشركات الالكترونية ،واستخدام تطبيقات التبادل الالكتروني في موانئ دبي لتسريع التبادل التجاري السلعي . كما توجهت جمهورية مصر العربية نحو تحرير الاتصالات والمعلومات ، وتطوير بيئة محفزة في هذا القطاع ،بالإضافة إلى ما قدمته من إتاحة خدمات الانترنيت بدون رسوم اشتراك وبما لا يزيد عن تكلفة مكالمة هاتفية محلية ، والعمل على إنشاء القرية الذكية . وفي البحرين تم إصدار الهوية الالكترونية للإفراد وتطبيق نظام التصويت الالكتروني بصورة تجريبية سنة 2001 . وفي الاردن هناك مبادرة طموحة للقطاع الخاص لإنتاج وتصدير البرمجيات وأجهزة الحاسوب والالكترونيات . وفي سوريا تم افتتاح الجامعة الافتراضية السورية سنة 2002 ،والتي تسمح باستخدام الانترنيت للحصول على الدرجات الأكاديمية من الجامعات الأجنبية في مختلف أنحاء العالم . فضلا عن إطلاق أول مشروع مشترك بين دبي والأزهر الشريف يهدف إلى إتاحة الإطلاع على المخطوطات الإسلامية وكل ما يتعلق بالمعرفة والثقافة والتراث العربي الإسلامي .
 إن هذه النجاحات تدلل على إن توفر الإرادة والبيئة المناسبة لنشر المعرفة مع مشاركة فعالة للقطاع الخاص ستؤدي إلى تحقيق نتائج ايجابية في هذا المجال ،ولكن تبقى هذه التجارب والإنجازات قيد بعض الدول العربية كل على حدى ،أما على مستوى الحالة المعرفية للعالم العربي ككل فلا توجد سياسات معلوماتية ومعرفية واضحة المعالم ، إضافة إلى الفوضى في اقتناء نظم المعرفة ، كما إن المشكلة القائمة في الدول العربية وفي هذا المجال بالذات لا تتمثل بندرة أو وفرة المعرفة بقدر ما تتمثل بعدم كفاءة انتشار واستخدام هذه المعرفة فيها . ولعل العامل الأساس هو عدم قدرة التعليم في هذه الدول على توفير متطلبات المواكبة بحيث أصبحت الدول العربية بعيدة نوعا ما عن المعرفة والمعلومات والتقانة العالمية ؛ أضف إلى ذلك أن اللغة العربية إلى جانب اللغات الأخرى أصبحت من اللغات المعزولة في عالم الانترنيت نظرا لانتشار المعرفة باللغة الإنكليزية فهي اللغة الغالبة في هذا المضمار(الأمين، مصدر سابق، ص 179)، وهو ما يبرر القلق على اللغة العربية وإمكانية التواصل بها في نشر المعرفة .فضلا عن إن الدول العربية تغلب عليها سمة اللامساواة في توزيع الدخول وانتشار الفقر ، بالإضافة إلى السياسات التي تتبعها الحكومات العربية في السيطرة على المجتمع والأفراد ، وكذلك استبعاد دور المرأة  في نشر المعرفة في هذه الدول. ولذا كان لا بد من تركيز الجهود في إيجاد الأدوات والآليات اللازمة لإحداث الوفورات في تكلفة المعرفة لرفع الكفاءة الإنتاجية من جهة وإيصال المعرفة على الأقل إلى اكبر عدد من الأفراد فيها من جهة أخرى ، لتتمكن بالتالي من تفجير طاقات الإبداع والابتكار لديهم والقادرة على إنتاج المعرفة فيها . ولأجل توسيع إمكانية وصول الأفراد جميعا إلى تقانة المعرفة وتيسير اكتسابها واستيعابها في هذه الدول لابد من استراتيجيات تقوم بأتباعها ، منها توفير فرص متقدمة للتعليم ووضع السياسات الصحيحة وتنفيذها ، وتوفير الخدمات لجميع الأفراد على حد سواء ، بالإضافة إلى تبني توجهات تتجاوب مع دمج قطاعات المعرفة والاتصالات والمعلومات العربية مستفيدة من ذلك في تعزيز استخدام تقانات المعرفة ، وبالتالي نشر المعرفة سواء بين الدول العربية بعضها مع البعض الاخر أو مع دول العالم المختلفة.  
 

الاستنتاجات والمقترحات

من خلال الدراسة تم استخلاص مجموعة من الاستنتاجات والمقترحات ، وهي كالآتي:

أولا:الاستنتاجات

-    الأداء الامثل في حقل المعرفة يعمل على تعزيز التفوق المعرفي من خلال تحفيز الطاقات والامكانات لدعم القدرات العقلية وبناء المجتمع المعرفي.


-    لكي تحقق أي دولة إنجازا في تحريك نموها الاقتصادي ينبغي أن تسعى إلى استخدام المعرفة واستثمارها لاغناء الموارد والثروات وتحويلها نحو الاقتصاد المعرفي .


-    إن دور المعرفة هو ترجمة المعلومات إلى أداء منتج وهذه القدرة لا تكون إلا عند الأفراد ذوي الكفاءات العلمية المتخصصة .


-    يبقى التعليم بمختلف مستوياته وكل أنواعه الركيزة الأساسية في تحصيل ونشر المعرفة. ورغم الخطوات الواضحة المعالم التي خطتها الدول العربية في مجال التعليم إلا أن الإنجاز التعليمي فيها ككل لا يزال متواضعا مقارنة بالإنجازات التي تمت في أماكن أخرى من العالم .


-    تنوع استجابة الدول العربية لحركة نمو المعرفة في العالم بحسب قابليتها على التواصل وتناقل الخبرات بعضها مع البعض الأخر من جهة ومع دول العالم المختلفة من جهة أخرى . فضلا عن أن نوعية الإنتاج العلمي في الدول العربية ينخفض عن مستواه في الدول النامية ، وهو اقل بكثير من الدول المتقدمة .


-    إن المعرفة في الدول العربية ترتبط ارتباطا وثيقا بالتنمية البشرية وان اتجاهات تطورها في هذه الدول لم تقطع شوطا متميزا ولا زال امامها الكثير من التحديات التي تفرضها عليها المتغيرات العالمية ، وان نجاح الدول العربية في تضييق الفجوة الرقمية بينها وبين الدول المتقدمة يعتمد بشكل أساس على تضييق الفجوة بين الدول العربية بعضها مع البعض الآخر.




ثانيا:المقترحات:

-    ضرورة اهتمام الدول العربية بالتعريب لكي لا يكون هناك انقطاع عن اللغات والحضارات العالمية ، والتركيز على استخدام اللغة العربية في التدريس والتأليف والانترنيت  .

-         الحرص على تجاوز قلة المعرفة الحاسوبية والعمل على توسيع استخدامها في المراحل الأساسية للتعليم .


-    ضرورة توحيد الجهود لإيجاد تكتل عربي معرفي ينهض بنشر المعرفة في الدول العربية ويوصلها إلى مرحلة الإنجاز .

-    إن تطبيقات المعرفة تجسد العامل الحاسم في تحديد الوضع التنافسي لكل دولة لذلك يتعين على الدول العربية تبني خطط التنمية على أساس توليد واستخدام المعرفة .


-    العمل على إنشاء أنظمة معلوماتية شاملة وموحدة للدول العربية ترتبط بالشبكات العالمية ، وإيجاد موارد تمويل مناسبة لمؤسسات المعرفة العربية التخصصية في هذا المجال .

-         توسيع مشاركة المرأة باستخدام وسائل المعرفة ، وفتح التخصصات المناسبة لزيادة
    إقبالها نحو المعرفة .