كيفية تطوير البلدان العربية

من وجهة نظري أن التعليم هو الذي يصنع المستقبل المأمول؛ فالتعليم معول عليه تنمية المجتمع وتلبية احتياجاته المتطورة وخدمة أهدافه وتطلعاته. والدول التي لا يتطور فيها التعليم ومؤسساته ولا يتواكب مع  التطورات الحديثة ومتطلبات المجتمع، فإن المستقبل وحركته غير المتوقعة هو الذي يحكمها ويوجهها إلى غير ما تريد أحيانًا، كما هو الحال في معظم الدول النامية. حتى عندما تتقدم تلك الدول خطوة إلى الأمام، تكون الدول المتقدمة قد تقدمت عليها عشرات الخطى، وهذا ينعكس بدوره على التعليم نفسه، وعليه فإن التعليم في الدول النامية، ومنها الدول العربية، يبقى أكثر تخلفًا عن التعليم في الدول المتقدمة مع مرور الزمن، لأن البعد المستقبلي فيه لا يحظى بالاهتمام الكافي.


«مدرسة المستقبل ليست سوى مجموعة غرف مليئة بالحواسيب... في نظر  البعض».

- هذه نظرة خاطئة وقاصرة... بالرغم من أهمية التقنيات لمدرسة المستقبل ودمجها في العملية التعليمية، إلا أن التقنية في حد ذاتها لا تمثل مدرسة المستقبل.. مدرسة المستقبل هي تلك المدرسة التي تستفيد من التقنيات في برامجها الإدارية والتربوية، ويوجد فيها إدارة واعية لمتطلبات العصر، ولديها رؤية لاحتياجات المجتمع المستقبلية، مدرسة بها معلمون مدربون في طرق التدريس الحديثة، مدرسة تعتمد على قدرة المعلم على دمج  التقنية في المواد الدراسية، مدرسة تضم معلمين يعملون على تنمية الإبداع والتفكير لدى الطلبة، وأن يكون للمدرسة علاقة وثيقة بالمجتمع المحلي وتنمية المهارات التي تحتاجها متطلبات التنمية... مدرسة المستقبل تركز على الاستثمار في الموارد البشرية، من مديرين ومعلمين وإداريين، لتحقيق الجودة والنوعية في مخرجاتها... إن الحواسيب وجميع التقنيات ما هي إلا وسائل مساعدة، وهي عديمة الفائدة، إذا لم يتم دمجها لتحقيق أهداف العملية التعليمية بجودة وفعالية عالية.


«يمكن للطالب، من خلال الإنترنت، أن يقرأ، يكتب، يسمع، يشاهد، يتفاعل، يراجع، يذاكر، يمتحن... إلخ، في الوقت الذي يشاء وفي المكان الذي يريد ... ما أهمية «المعلمين» في عالم كهذا؟»

- مهما تطورت التقنيات، ومهما وفرت للطالب من تسهيلات، ومهما ساندت تحقيق أهداف العملية التعليمية، فإن  ذلك لا يقلل من أهمية المعلم في هذه العملية. بل إن مكانة المعلم وأهميته سوف تزداد كلما تطورت التقنية وانتشرت استخداماتها التربوية. ولكن دور المعلم  سوف لن يبقى تقليديًا، إنه سيتحول من كونه مصدرًا  للمعلومات وملقيًا للمحاضرات وملقنًا للمعلومات وحافظًا للنظام داخل الفصل،  إلى مدير للعملية التعلمية داخل الصف الدراسي. سوف يكون لديه فكرة واضحة عن اقتصاد المعرفة، وإجادة لتقنية المعلومات، وقدرة على دمج التقنية في المادة الدراسية التي يدرسها، وتوجه نحو التعلم الذاتي والتطوير المستمر لمهاراته التربوية. لذلك يجب إعداد المعلم لدوره الجديد، بدلًا من الدور التقليدي الذي ما زال مستخدمًا في معظم كليات التربية وإعداد المعلمين في العالم العربي. لابد أن تتطور مناهج كليات التربية وإعداد المعلمين لكي يتولى المعلم دوره المستقبلي... لا شيء أكثر إلحاحًا وأهمية لأي بلد في العالم من تطوير مدخلات نظامه التربوي، ولا أحد أقدر على تفعيل المدخلات المتطورة وجعلها فعالة ومؤثرة تربويًا أكثر من  المعلم الكفء القادر على إدارة العلمية التعلمية الحديثة بكفاية وفاعلية.


«تطوير التعليم وصنع مستقبله، يجب أن يكون بأيدي التربويين وحدهم... دون تدخل من قبل الآخرين».

- التعليم هو الحياة نفسها، والحياة يدخل في تشكيلها عدة مجالات؛ المجالات العلمية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والإعلامية والسياسية وجميع فئات المجتمع. لذلك فإن تطوير التعليم لا يفترض أن يعتمد على التربويين وحدهم، وإنما يعتمد أيضًا على مشاركة الفئات التي سوف تستفيد من مخرجات التعليم؛ ومن أبرز تلك الفئات رجال الأعمال في المجتمع، فالتعليم يجب أن يوفر المهارات التي يحتاجها سوق العمل لتحقيق التنمية الشاملة.. الخبراء والاستشاريون، من خارج النظام التعليمي، لهم دور وحق في تطوير التعليم وتحديد صورته المستقبلية، بما يتوفر لديهم من خبرات في مجالات متعددة تحتاجها خطط التنمية، وبحكم تفكيرهم المستقل غير المرتبط بإدارات داخل النظام التعليمي.كما أن لجان الجودة والاعتماد الأكاديمي والتربوي لها دور في تشخيص الخلل ووضع معايير لجودة التعليم. وكذلك فإن للتقارير الدولية عن التعليم دور في تحديد مستوى التعليم وتقدمه في كثير من البلدان، مما يمثل حافزًا للتطوير، خصوصًا عندما تنشر تلك التقارير، وتفيد بأن مستوى التعليم  في بلد معين منخفض أو لافت للنظر حسب المعايير الدولية... ومع هذا فإن مسؤولية تطوير التعليم وتشكيل مستقبله المأمول تكون أكبر على التربويين، خصوصًا إذا توفرت بيئة إدارية مناسبة لعملية التطوير ودعم متواصل من قبل الإدارة العليا.. التربويون –حتما- لن يستطيعوا تطوير التعليم في وجود إدارة عليا غير داعمة لجهودهم، أو في غياب خطة تربوية استراتيجية، أو غياب التنسيق بين الإدارات والجهات ذات العلاقة بالشأن التربوي.


«الإدارة الذاتية للمدارس حتمية تربوية في المستقبل القريب».

- صحيح أن الإدارة الذاتية توفر لأفراد المدرسة مناخًا إبداعيًا إيجابيًا، وصحيح أنها تضمن انتقالًا من رقابة السلطة المركزية إلى المشاركة في اتخاذ القرار المدرسي وإلى اللامركزية المحمودة في الإدارة المدرسية والتربوية.. ولكن بالرغم من أهمية الإدارة الذاتية للمدارس، إلا أن التجارب في المملكة العربية السعودية، في هذا المجال، لم تكن ناجحة، ولم تكن على النحو المطلوب، وذلك لسبب هام وجوهري وهو أنها ترتبط بالأشخاص أكثر مما ترتبط بالنظام... والدليل على ذلك وضع المدارس الرائدة، التي كان من المفترض أن تكون نموذجًا فريدًا للإدارة الذاتية، فقد بذلت وزارة التربية والتعليم في المملكة العربية السعودية جهودًا وموارد مالية لنجاح هذه التجربة، وكان من المفترض أن تحتل موقعًا بارزًا في التعليم، ولكن ما لبثت أن تلاشت فكرتها وأصبحت راكدة بدلا من أن تكون رائدة!... فعلاوة على ارتباطها بأشخاص أكثر من ارتباطها بنظام التعليم في الوزارة، فإنني ألمح عددًا من الأسباب لركود المدارس الرائدة؛ ومنها تدن في جوانبها المالية والإدارية، وقصور في التنمية المهنية لمعلميها، ونقص في توعية الأهالي والمجتمع بأهميتها. وبالرغم من تلك الصعوبات إلا أنه من الممكن تفعيل المدرسة الرائدة، خصوصا وأن القيادة الجديدة في وزارة التربية والتعليم  السعودية تعلن عن رغبتها واهتمامها في تبني علمية تطوير تربوي شاملة. لذلك أقترح  تفعيل المدارس الرائدة لتكون رائدة بالفعل، سواء باعتماد الوزارة على ذاتها وعلى خبرتها المتراكمة وإمكاناتها المادية وطاقاتها البشرية، أو  بتسليم  إدارتها للمتخصصين التربويين من خارجها - تحت إشراف الوزارة- مع توفير موارد مالية لها من مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم، فهي مدارس يفترض أن تكون نماذج مثالية للتطوير.


«الشجرة التعليمية بدلا من السلم التعليمي ..متطلب ضروري آخر في نظر البعض لمستقبل تربوي مشرق».

- بالفعل!.. لقد أدى السلم التعليمي دوره في الماضي، وبتطور العلوم والتقنيات الحديثة  وتطور المجتمعات، أصبح الانتقال من مفهوم السلم التعليمي إلى مفهوم الشجرة التعليمية مستقبلًا تعليميًا مثاليًا ومطلوبًا من الناحية التعليمية الفنية.. فكرة الشجرة التعليمية تنطوي على مجاز لغوي يتمثل في أن يحتوي التعليم على جذع أساسي واحد يمر به كل الطلبة في مراحل تكوينهم الأولى، وهذه المرحلة هي مرحلة التعليم الأساسي، التي أقرها المؤتمر العالمي حول التربية للجميع جومتين (تايلاند) عام 0991م، وحاجات المرحلة التعليمية الأساسية تشمل كل من وسائل التعلم الأساسية، كالقراءة والكتابة والتعبير الشفهي وحل المشكلات والحساب والمضامين الأساسية للتعلم، كالمعرفة والمهارات والقيم والمواقف التي يحتاجها البشر من أجل البقاء, وتنمية كافة قدراتهم للعيش والعمل بصورة كريمة والمشاركة الكاملة في عملية التنمية وتحسين نوعية حياتهم واتخاذ قرارات مستنيرة لمواصلة التعليم... ثم بعد الجذع تأتي الفروع والأغصان, وهي تمثل أنماطا من المعارف المتنوعة، فكل طالب داخل النظام التعليمي، وفق مفهوم الشجرة التعليمية، غير مجبر على دراسة معرفة معينة، بل إن لديه الحرية في اختيار صنوف المعرفة التي تتوافق مع ميوله واهتماماته؛ وعلى ذلك فإن مفهوم الشجرة التعليمية يراعي التنوع بين الطلبة في الحاجات والاهتمامات والميول وفي أسلوب التعلم الذي يناسب كل طالب.


«لا مستقبل تربوي مشرق بدون الشراكة بين المجتمع المدني والدولة في الشأن التربوي».

- نعم! ..لقد أصبحت الشراكة بين الدولة والمجتمع أمرًا ضروريًا في الشأن التربوي، فإخفاق التعليم في كثير من الدول النامية يرجع إلى ضعف الشراكة بين الدولة والمجتمع المدني في هذا الخصوص، ولذلك وعلى سبيل المثال أصبحت لدينا مفارقة عجيبة تتمثل في ظاهرة بطالة الخريجين في مجتمع يستقدم العمالة من الخارج!... ويمكن تحقيق الشراكة بين الدولة والمجتمع عندما نربي الأجيال تربية مستقبلية واعية تأخذ في الاعتبار احتياجات المستقبل للدولة وللمجتمع وللأفراد معًا، ويدعم ذلك أن يتحول التعليم نحو المستقبل؛ في أساليبه وطرقه وأدواته ومحتواه، وأن نرسم صورة مستقبلية متسقة نرجو أن يكون عليها وطننا ومجتمعنا وأبناؤنا.  


«إصلاح قمة الهرم التعليمي (التعليم العالي)، أم إصلاح قاعدته (التعليم العام).. مسألة هامة يتوقف عليها المستقبل التربوي العربي».

- وبعبارة أخرى هل نبدأ بمنبع التعليم (التعليم العام) أم بمصب�'ه (التعليم العالي)؟ على العموم وبعيدًا عن التعبيرات البلاغية المختلفة.. فلا شك بأن إصلاح قاعدة التعليم مطلب أساسي، ولكن في الوقت نفسه يجب أن يتم الإصلاح في قمة الهرم، لأن التطورات في العلوم والتقنية سريعة ويجب مسايرتها، ولا يمكننا الانتظار حتى يتم الإصلاح في القاعدة، وإلا فإن التعليم العالي سوف يكون متأخرًا عن نظيره في الدول المتقدمة... والمشكلة التي تحدث في كثير من الدول النامية، أن الإصلاح في التعليم جزئي وليس بشكل متكامل، وليس ضمن خطة استراتيجية مستقبلية شاملة للتعليم العام والتعليم العالي، ولذلك يوجد  ضعف في مستويات طلبة المستويين، مع وجود فجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات التنمية من ناحية، ووجود فجوة مقابلة بين التعليم العام والتعليم العالي  من ناحية أخرى.. ولذلك تحاول  بعض الجامعات ردم تلك الفجوة باستخدام السنوات التحضيرية... الخلاصة أنه من الواجب الإسراع والاستمرار في الإصلاح التعليمي في قاعدة الهرم التعليمي وفي هرمه في آن واحد، لأنه من صفات الإصلاح التربوي التعليمي الجوهرية أن يكون عملية شاملة كما يجب أن يكون عملية مستمرة.


«تعليم الأمة العربية في القرن الحادي والعشرين: الكارثة أو الأمل (عنوان تقرير تربوي شهير عن مستقبل التعليم العربي – 1991م)».

 - البحوث والدراسات والتقارير وهيئات الاعتماد الدولية تفيد بأن التعليم في العالم العربي متأخر عن نظيره في كثير من الدول المتقدمة. وترجع ذلك إلى أسباب عديدة لا يمكن حصرها في هذا المجال، ولكن من أبرزها تدني مستوى أداء الإدارة التربوية العربية.. فالإدارة التربوية في البلدان العربية لم تستوعب التغييرات السريعة، وهي بطيئة في اتخاذ القرارات التربوية الهامة والحاسمة، علاوة على محدودية الصلاحيات الممنوحة لها، وغياب التنسيق بين الإدارات المختلفة في وزارات التربية والتعليم العربية

- أنت تشير إلى البعد التربوي في مستقبل العملية التعليمية... مشكلات الشباب لا تكمن فقط في  التدخين والمعاكسات، وإنما توجد مشكلات سلوكية لا حصر لها في مدارس البنين والبنات تتراكم على مر السنين. فمظاهر بعض الشباب قد تغيرت ولا تعكس مظاهر الشباب في مجتمع مسلم، لذلك لا بد من وجود خطط تربوية جديدة لتطوير المناهج تركز على التربية والإرشاد الطلابي في المدارس. نعم فما يمارسه شباب اليوم هو ترجمة لفشل المؤسسات التعليمية في تربيتهم، فالمؤسسات التعليمية لدينا  تركز على التعليم وتهمل التربية.    


«11 سبتمبر كان من الواجب أن تكون نقطة تحول في التفكير بمستقبلنا التربوي محليًا».

يجب أن نستفيد من الأزمات والكوارث والحروب في إعادة النظر في مناهجنا التعليمية. فقد مرت بالمنطقة عدة حروب وأزمات؛ حروب مع إسرائيل وحروب الخليج الأولى والثانية وحرب العراق وأفغانستان، وإطلاق إسرائيل لقمرها الصناعي، وكوارث وأزمات مثل  11 سبتمبر ، ومع كل ذلك فإن المناهج التعليمية العربية صامدة أمام تلك الكوارث والأزمات، وإن حصل فيها تطوير فهو تطوير جوانب شكلية وجزئية، ولم تتطور المناهج التعليمية  بالسرعة الكافية ولم تتجاوب مع تلك الأزمات في عملية التطوير... إن التنافس في العالم يعتمد إلى حد كبير  على الاستفادة من الأزمات والكوارث والحروب لتحقيق جودة التعليم والتدريب واستخدام التقنيات الحديثة مع إيجاد الخطط والاستراتيجيات المستقبلية... صحيح أن عملية التطوير يجب أن تكون مستمرة ونابعة من داخل المجتمع، ولكن الأزمات تساعد على الإسراع في  عملية التطوير. إن كل أزمة تواجه بعض الدول المتقدمة، تكون مثار اهتمام في طرق التغلب عليها من خلال تطوير التعليم؛ فالولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، ركزت على تطوير مناهج العلوم والرياضيات عندما أطلق الاتحاد السوفييتي (سابقًا) قمراً صناعيا في الفضاء، وبعد عشر سنوات وضعت أمريكا رجلًا على القمر.


«سياسة التعليم في المملكة رغم استقرارها لحوالي أربعين سنة، إلا أنها ما زالت تشكل إطارًا واسعًا لصنع مستقبل تربوي أفضل».

- صدرت وثيقة سياسة التعليم في عام 0931هـ/ 0791م، لتكون وثيقة علمية تربوية لنظام التعليم وأهدافه في المملكة العربية السعودية؛ وبالرغم من أنه مر  على سياسة التعليم أكثر من أربعين سنة إلا أنها ما زالت تحتوي على مواد يمكن الاستفادة منها، كما أنها تحتوي على بعض المواد التي لم  يتم تطبيقها بشكل فعال؛ كربط التربية والتعليم في جميع المراحل بخطة التنمية العامة للدولة، ورفع مستوى الصحة النفسية بإحلال السكينة في نفس الطالب، وتهيئة الجو المدرسي المناسب، وغرس حب العمل في نفوس الطلاب، والإشادة به في سائر صوره، واكتساب القدرة على التعبير الصحيح في التخاطب والتحدث والكتابة بلغة سليمة وتفكير منظ�'َم.. فسياسة التعليم ما زالت تشكل إطارًا عامًا لشيء من مستقبل التعليم في المملكة. ولكن هذا لا يعني أن تبقى سياسة التعليم لأربعين سنة بدون تطوير وتغيير في موادها.  فقد اتفقت التوجهات العامة للسياسات التعليمية في معظم دول العالم على وجوب التفاعل مع المستجدات العالمية مثل العولمة والإنترنت و التعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد الاتصالات الحديثة وإدارة الجودة الشاملة في التعليم والاعتماد الأكاديمي والتربوي وغيرها من المستجدات.  لذا يجب أخذ هذه المستجدات وغيرها في الاعتبار عند إعادة صياغة السياسة التعليمية في المملكة... لذلك أرى أن إعادة صياغة سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية أصبحت ضرورة ملحة.


«الحل السحري لمعضلة التخلف العلمي يكمن في المبادرة إلى تعريب التعليم العالي... لا في تدريس اللغة الإنجليزية في المرحلة الابتدائية»(بعض التربويين السعوديين).

- أوافق من الناحية العاطفية على تعريب التعليم، وإن كان حلما يصعب تحقيقه، فعواطفنا وأحلامنا التربوية في العالم العربي تفوق قدراتنا... لكن من الناحية العملية لا أوافق على  تعريب التعليم العالي – خصوصًا- لأن العالم العربي متخلف عن ركب  الحضارة الإنسانية. ففي أوج الحضارة الإسلامية كان طلاب الغرب يتعلمون العربية ويفتخرون بها عندما كان المسلمون يحتضنون العلم والمعرفة.  فإذا كان الباحث العربي في الوقت الحاضر لا يستطيع الحصول على الدراسات والبحوث العربية الموجودة في المكتبات الجامعية والمكتبات العامة بسهولة، لعدم وجود قواعد معلومات مترابطة، ولعدم وجود قاعدة معلومات عربية موحدة يمكن الاتصال بها، فكيف يمكن تعريب الكم الهائل من العلوم والبحوث التي تصدر يوميًا في مختلف مجالات المعرفة؟! بالمناسبة أرى أن اللغة الإنجليزية أصبحت من ضرورات الحياة، ليس فقط لتدريسها في المرحلة الابتدائية أو التعليم العام، وإنما أصبحت مرتبطة بمجالات العمل في القطاع الخاص ومرتبطة بالدراسات العليا والبحث العلمي الذي لا غنى له عنها.. غني عن القول بأن تعلم اللغة الإنجليزية لا يكون على الدوام على حساب اللغة العربية أو التقليل من شأنها.


« مشروع الملك عبدالله.. هل يمثل فرصة مواتية لصياغة مستقبل تربوي محلي أفضل؟».

- بالرغم أن مشروع الملك عبدالله ما زال في بدايته، إلا أن المؤشرات الأولية تشير إلى أن أهداف مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم، لم تتحقق كما أراد الملك عبدالله تحقيقها وإحداث نقلة نوعية في التعليم في المملكة العربية السعودية. فالنتائج الأولوية تشير إلى أنه تم إنفاق  أكثر من بليون ريال على  المشروع، بينما مستوى الطلبة في مدارس المشروع (05 مدرسة) أقل من مستوى  الطلبة في بعض المدارس الأخرى التي لا تتوفر لها الإمكانات المالية والتقنية التي توفرت لمدارس المشروع. ومهما حصل من تغيير في الأشخاص والإدارات، وهذا هو المتوقع،  فإن لم يرتكز المشروع على خطة استراتيجية قابلة للتنفيذ واختيار خبرات تربوية مؤهلة(ضمن معايير موضوعية دقيقة)، مع التركيز في الاستثمار على الإنسان، فإن مشروع الملك عبدالله سوف يموت كما ماتت بعض المشاريع التربوية السابقة سواء كان المشروع تحت مظلة وزارة التربية والتعليم أو تحت مظلة شركة قابضة.


مر الإشراف التربوي بعدة مراحل، فما هو البديل المستقبلي للإشراف التربوي في ظل التطور الهائل في التعليم؟

- لقد أدى الإشراف التربوي دوره في الماضي في تطوير العملية التعليمية، ولكن مع التغيرات السريعة الناجمة عن التقدم العلمي والتكنولوجي وتقنية المعلومات، فإنه أصبح من الضروري مواكبة الإشراف التربوي لهذه التغيرات لمواجهة العديد من المشكلات المستجدة؛ كانفجار المعلومات، وتزايد المدارس، وازدياد عدد المعلمين والطلاب، وبُعد المسافات، وقلة عدد المشرفين لمواكبة التوسع الكبير في التعليم، وقلة الزيارات الإشرافية للمعلم في العام الدراسي... إلخ.  ولمسايرة التطورات والمشكلات التربوية والتقنية، فإن نمط الإشراف التربوي يجب أن يتطور لتحقيق جودة ونوعية من ناحية، ولتقديم الخدمات الإشرافية المتواصلة لجميع المعلمين من ناحية مقابلة. وتحقيقًا لذلك أقترح الأخذ بنمط الإشراف التربوي الإلكتروني، وذلك كحل لمواجهة هذه التغيرات. وهذا النمط الجديد من الإشراف ليس صعب المنال، فمن الممكن تحقيقه من خلال إيجاد موقع إلكتروني تفاعلي للإشراف التربوي، يحتوي على دروس نموذجية في مختلف التخصصات، ومعلومات وبحوث ودراسات لمختلف الموضوعات، ومنتديات خاصة لكل مادة دراسية بحيث يشرف على كل منتدى مشرف تربوي متخصص. ولتفعيل الإشراف التربوي الإلكتروني يجب تخفيض نصاب المعلم ساعتين أسبوعيا، بحيث  يستغلها المعلم في التواصل أسبوعيًا بموقع الإشراف التربوي الإلكتروني، ويتفاعل مع المشرف التربوي في مادته إلكترونيًا، سواء من خلال منتدى خاص أو من خلال البريد الإلكتروني...إلخ، وبحيث تكون الساعتان المخفضتان من نصاب المعلم جزءًا مكملًا لنصابه التدريسي في المدرسة. وتطبيق الإشراف الإلكتروني لا يعني عدم وجود لقاءات بين المشرفين التربويين والمعلمين، وتقتصر هذه اللقاءات على المعلمين الذين هم في حاجة للتطوير من خلال عقد دورات تدريبية لهم من قبل المشرفين، بحيث يكون الإشراف التربوي عبارة عن مركز استشاري تدريبي للمعلمين. ومع تطبيق الإشراف الإلكتروني يجب تفعيل دور المدير كمشرف تربوي مقيم في المدرسة.  


«قناة تربوية سعودية متخصصة، تبث الخبرات التربوية الناجحة... خطوة هامة في سبيل مستقبل تربوي مشرق».  

- أصبح الفضاء العربي مليء بالفضائيات الموجهة للشباب والشابات والتي تهدف إلى كسب المال بشتى الوسائل والطرق، والأدهى من ذلك أنها تحتوي على برامج هدم للأخلاق والمثل العليا... إذا كان بإمكان أي فرد أو مؤسسة صغيرة اليوم أن تنشئ فضائية، فإنه من الواجب على مؤسسات التعليم العام والعالي إنشاء فضائيات تربوية، وفق أسس تربوية وإعلامية علمية،  تنقل فعاليات الندوات واللقاءات والمؤتمرات واللقاءات مع الخبراء ومناقشة البحوث والدراسات والمناشط والمنافسات الطلابية المختلفة...، وهي بذلك – وبالفعل- سوف تكون خطوة هامة في سبيل مستقبل تربوي مشرق.    


«الخصخصة واضمحلال مجانية التعليم محليًا (خصوصًا التعليم العالي)... مستقبل تربوي نسير إليه شئنا أم أبينا».

- الكليات والجامعات الأهلية في تزايد مستمر، ومستقبلها يوحي بمزيد من تزايدها وازدهارها، ولا أرى محذورًا في تشجيع خصخصة التعليم العالي، بشرط أن يكون التعليم العالي الخاص مساندًا للتعليم العالي الحكومي  في تلبية الطلب الاجتماعي على التعليم، لا أن يحل محله! وبذلك لا تكون خصخصة التعليم على حساب اضمحلال مجانية التعليم؛ فالتعليم حق للمواطن يجب أن توفره له الدولة بالمجان. وقد كانت المملكة العربية السعودية سباقة في إتاحة مجانية التعليم، بل إنها تزود الطلبة في التعليم العالي وبعض المدارس في التعليم العام بمكافآت شهرية، وكان لهذه المكافآت دور في مواصلة كثير من الطلبة تعلمهم والتغلب على تكاليف الدراسة ومتطلباتها... أرى أن تقوم الدولة بدفع رسوم التعليم العالي عن الطالب الذي ليس لديه القدرة المالية في الالتحاق بالكلية الأهلية، إذا ثبت أحقيته لهذه المساعدة، وفي حالة لم يتم قبوله في مؤسسا ت التعليم العالي الحكومية... بالمناسبة أنا من المؤيدين لاستمرار المكافآت لطلبة التعليم العالي، وأرى أن لها دورًا هامًا في ازدهار مستقبل التعليم العالي في المملكة، فهي في كل الأحوال مساعدات لأبناء الوطن.